ينتهي الكاتب إلى أن ثلاثية سعد القرش هي عملٌ سرديٌّ مختلفٌ وقيّمٌ، مترابط في كيفية البناء والإحالة، وقد استمدَّ تفرُّدَهُ من قدرته على مزاوجة مساري السرد الفني ووقائع التاريخ، وربطهما بالأسطورة التي اقترنت باسم مصر، وقائعَ وبشراً وأماكن.

جماليات الأسطورة وحضور التاريخ في «ثلاثية» سعد القرش

حمزة قناوي

 

كيف يمكن التعامل نقدياً مع الروايات المترابطة معاً في مثل ثلاثية سعد القرش «أول النهار»، و«ليل أوزير»، و«وشم وحيد»؟ هل يتم البحث عن كيفية بناء هذا الترابط، واكتساب الثلاثية قوَّتَها في ترابُطِها السردي مع بعضها بعضاً، ومن ثَمَّ يُصبح أحد أهداف النقد البحث عن قوة الترابط في تتابع الحكي؟ أم يتم البحث عن التمايز؟ وعن التفرُّد في كل جزءٍ من أجزاء الثلاثية لاستخراج خصوصية كل جزء من الأجزاء الثلاثة، وكل موقف خاص بشخصية من شخصيات السرد في ظروف تطور بنائِها عبر مسيرة الثلاثيَّة؟ تبقى أيضاً نقطة أخرى مهمة تتمثل في إعادة النظر لأفعال الشخصيات الأولى المؤسِّسَة للثُّلاثيَّة بعد انتهاء مسيرة السرد؟ فطوال تتابع الحكي يتم إعادة تركيب الشخصيات، وتركيب منظورها، كيف ومتى يمكن التمسُّك بلحظة جوهرية للحُكم على وظائف الشخصيات -«الحوافز» Motifs بتعبير بوريس توماشفسكي- في مسيرة التغيرات والتقلُّبَات التي تحدُث لهذه الشخصيات على امتداد السرد ومع طوله؟ كل هذه الأسئلة التي تفرض نفسها على عقل الناقد عند تعامله مع ذلك النوع من الروايات متعددة الأجزاء، والتي يُبنى بعضُها على بعض، وتكمل إحداها الأخرى، حتى ليصح أن نطلق على ثلاثية سعد القرش أنها رواية واحدة.

لكن لو كانت هذه العناوين الثلاثة أجزاءً لرواية واحدة فماذا يمكن أن يكون العنوان الجامع لهذه الرواية؟ من وجهة نظري أمامنا اختياران: إما أن نسميها «أوزير» اسم القرية الخيالية التي اختارها المؤلِّف لتكون موطن الحكي ومدار الأحداث، ونلاحظ هنا التشابُه بين الاسم المختار والإشارة إلى المعبود المصري القديم «أوزير» رمز الخصب والإنبات والبعث والحساب في الوقت ذاتِه، ومن ثَمَّ فإن الثلاثية هي تجسيدٌ لتاريخ هذه القرية – التي يمكن إسقاط مجمل أحداثها بكونِها تأريخاً فنيَّاً اجتماعياً لمصر عامةً. أو أن نُعنوِنَها بـ«سيرة آل عمران»، تلك الأسرة التي لها السيادة على «أوزير»، ولكن لها نبوءة لعنة بأن كل خمسين عاماً تحل بها كارثة، وفي كلا الحالين سنجد أن الترابط يصل إلى درجة التلاحم بين «أوزير» و«آل عمران».

عموماً يبقى هذا العنوان الجامع «افتراضياً»، وأحد مفردات تلقِّي الثلاثية التي يجد القارئ نفسه مشاركاً في إعادة إنتاج معناها، فهو من سيقوم بالربط بين الأجزاء الثلاثة، والقارئ هو من سيكمل الفجوات بين النص، إننا بإزاء نص «مفتوح» يُعيد القارئ تشكيله وكتابته والمشاركة في إنتاج معناه، مثلما يقول رولان بارت، وإذا ما دقَّقنا في العناوين التي اختارها المؤلِّف للروايات نجد أن الأولى تتخذ عنوان «أول النهار»، وهي هنا تشير إلى مبتدأ، إلى تأسيس مفاهيمي حول القرية وسُكَّانِها، وفي الحقيقة نجد أنفسنا أمام مأزق زمني بداخل هذا الجزء من الثلاثية، فمن أين البداية؟ يقول الراوي: «في يوم خريفي من شهر توت، وقف الحاج عمران يتأمل النهر الثائر، محتميًا بصخرة».

إن ثلاثية سعد القرش عملٌ سرديٌّ مختلفٌ وقيّمٌ استمدَّ تفرُّدَهُ من قدرته على مزاوجة مساري السرد الفني ووقائع التاريخ وربطهما بالأسطورة التي اقترنت باسم مصر، وقائعَ وبشراً وأماكن.

 

(شاعر وأكاديمي مصري مقيم في الخارج)