تبدأ الناقدة بالإشارة إلى سردية صندوق باندورا الميثولوجية، وانتشار الشرور في الدينا، وترافقها مع المخاوف من الأمراض والحروب والفقر والأوبئة والموت. وترى أن لوحة «فرسان القيامة الأربعة» للنهضوي الالماني آلبرشت دورِر، هي من أهم الأعمال الفنية التي لخصت جملة الارتياع البشري في لوحة واحدة.

فرسان القيامة الأربعة

من اللغة السردية إلى الصورة الساردة

أثير محمد على

 

منذ أن انبثّت في الأرض، وانتشرت من سردية صندوق باندورا الميثولوجية كافة الشرور البشرية، ما انفكّت جملة المخاوف من الأمراض والحروب والفقر والأوبئة والموت، تشكّل جزءاً مهماً من أعمالٍ جماليّة متعددة، متعالقة مع السياق الزمكاني في الثقافات المختلفة. ولعلّ أفضل تلخيص لجملة هذا الارتياع، نجده في سلسلة تصاوير كتاب «سفر الرؤيا»، الذي ظهرت طبعته الأولى باللاتينية والألمانية عام 1498؛ وفيه أنجز الفنان الألماني النهضوي آلبرشت دورِر (1471-1528) رواشمَ، أو تصاويرَ بتقنية الخَشِيب (طباعة النقوش على الخشب)، محاكياً بالرسم سِفر رؤيا القديس يوحنا في «العهد الجديد».

تعكس الرسوم مجتمعة دلائل نضجٍ فني مدهش، وقلقٍ جمالي ومعرفي مفرد. وفيها يُعيد دورِر لسفرِ الرؤيا جوهره الأصلي، بمعنى أنه يعيد إنتاج النصّ الذي يتميز بالبعد البصري، محوّلاً إياه إلى سلسلة من الصور الساردة. تستفيد سلسلة الرسوم بمجملها من تقنية التجاور القروسطيّة Juxtaposition، أي أن كل رسم يجاور الآخر ويستقل عنه ذاتياً، في الصفحات المتتالية، بيد أنه متعالق مع الكلّ من خلال دراميّة الحدث والمناخ العام.

ومن بين هذه المجموعة، تبرز اللوحة التي تحمل عنوان «فرسان القيامة الأربعة» (1498)، التي تُعتبر واحدة من أهم الرواشم في تاريخ الفن على الإطلاق. وفيها محاكاة تصويرية لتجلي الفرسان المذكورين في رؤيا يوحنا (الإصحاح السادس: 1-8)؛ فبعدما فتح الحَمل (رمزية الرب في المسيحيّة) في النص الرؤيوي، الأختام الأربعة على التوالي، يُسمع جَرس رعدي (تورية صوت الوحي)، وتتكشف علامات الساعة القياميّة تباعاً، بانطلاق أربعة فرسان مزوّدين بنظام علاماتهم المميزة، وهم يمتطون أربعة جياد مختلفة الألوان. ورغم أن تلاوين الأحصنة تغيب عن الرسم لأنه بالأبيض والأسود، إلّا أن الرمزية الدلاليّة لكل مكوّن تصويري تجعل اللون حاضراً في الغياب في بصيرة المتلقي، بل بقوة في مخيلة المشاهد العارف بالميراث القيامي.