نظمت دار الشعر بمراكش فقرة جديدة من مقيم في الدار، في استضافة لتجارب نقدية وإبداعية مغربية وبحضور نقاد وباحثين يستقصون سمات هذه التجارب، هنا تقرير مفصل على ندوة احتفائية بأحد التجارب النقدية التي أسهمت بشكل لافت في إضاءة الذاكرة الشعرية المراكشية من خلال تحقيقه وتجميعه ودراساته لمثون على مراحل وحقب مختلفة، وهو ما شكل إضاءة مهمة للذاكرة الشعرية المغربية على تعدد تجاربها وحساسيتها.

الذاكرة الشعرية المتقدة للباحث أحمد متفكر

 

"مقيم في الدار": استضافة مشاريع نقدية وترسيخ لثقافة الاعتراف

استضافت دار الشعر بمراكش، لقاء جديدا ضمن فقرات برنامجها الثقافي للطور الثالث. فقرة "مقيم في الدار"، والتي خصصت للباحث أحمد متفكر، ووسمتها ب"ذاكرة الشعر المتقدة". فقرة تعيد التأكيد على ترسيخ ثقافة الاعتراف، داخل مشهدنا الثقافي، والاحتفاء برموزنا الثقافية، وإضاءة العديد من المثون والجغرافيات الشعرية المجهولة، من نصوص وذاكرة شعرية متقدة. هي لحظة نقدية وشعرية أخرى، تقترحها دار الشعر بمراكش، حيث تضيء بعضا من منجزنا النقدي، من خلال العديد من التجارب التي لازالت تواصل مشروعها النقدي والإبداعي اليوم. ودائما، في ظل حرص الدار على تجسير التباعد الاجتماعي، بين الشعراء والنقاد والفنانين والمتلقي شعريا، عبر إطلاق العديد من الفقرات الشعرية والندوات النقدية، من بوابة منصاتها التفاعلية، وأيضا من خلال تنظيم اللقاءات داخل فضاء الدار (بالمركز الثقافي الداوديات)، مع الحفاظ على جميع التدابير الاحترازية.

فقرة "مقيم في الدار"، بدأت تشهد عودة لجمهور دار الشعر بمراكش، الفقرة التي استضافت، صبيحة يوم الأربعاء (22يوليوز)، الباحث والناقد أحمد متفكر: "ذاكرة الشعر المتقدة"، في جلسة حوارية حول مشروعه البحثي. وشارك في هذه الجلسة النقدية، الى جانب الباحث متفكر، كل من الناقد الدكتور عبدالعزيز لحويدق، والناقد الدكتور محمد الدوهو، والطالبة الباحثة الأستاذة مريم الخلفاوي. الباحث أحمد متفكر، من مواليد مدينة مراكش سنة 1943م، تلقى تعليمه في مدرسة "عرصة المعاش" حيث حصل فيها على شهادة الابتدائية، لينتقل الى ثانوية ابن يوسف "دار البارود"، وبها حصل على شهادة البكالوريا سنة 1967. خبر الباحث متفكر دواليب التعليم، فسجل بكلية اللغة العربية منتسبا ونال شهادة الإجازة/1971، بعدها عين أستاذا بثانوية الزهراء، بعدها تدرج في العديد من المناصب الادارية، ناظرا بثانوية ابي شعيب الدكالي بمدينة الجديدة، مديرا بثانوية التعليم الأصيل بنفس المدينة، ثم استاذا وحارسا عاما بثانوية يوسف بن تاشفين، الى أن أحيل على التقاعد سنة 2004. للأستاذ الباحث أحمد متفكر العديد من المشاركات واللقاءات الفكرية، في العديد من المدن المغربية، كما عرف بمساهماته التلفزية والإذاعية، وإسهاماته التأليفية في العديد من الموسوعات والحوليات والمجلات (إلسكو، البابطين، معلمة المغرب، كلية الاداب بمراكش، العرب السعودية، هدي الاسلام الاردنية...).

من تجسير التباعد الاجتماعي شعريا، الى تجسيد التقارب التدريجي حضوريا

الباحث أحمد متفكر: الشخصية المؤسسة

حظي الباحث أحمد متفكر بالعديد من التكريمات، وله العديد من المؤلفات يمكن التمييز فيها بين مجال حاضرة مراكش وموضوعاتها العلماء والصلحاء...، وغيرهم ممن ساهم في تأثيث البيت العلمي والثقافي للمدينة، الى جانب دراساته المونوغرافية والبيبلوغرافية العديدة وتحقيقاته، للباحث الفضل في تجميع وإضاءة العديد من المتون والأشعار والقصائد. واعتبر الشاعر عبدالحق ميفراني، مدير دار الشاعر بمراكش، أن فقرة "مقيم في الدار"، هي فقرة مخصصة للاحتفاء بمشاريع بحثية ونقدية وإبداعية، والاحتفاء بتجربة الباحث أحمد متفكر، هو احتفاء بذاكرة شعرية متقدة، من خلال العديد من حفرياته ومونوغرافيته وبيلوغرافياته وتحقيقاته ومؤلفاته العديدة".

المقاربة النسقية، والشخصية المؤسسة، والشعر العمود الأساسي لرصد الحركة المعرفية والفكرية

ونوه الناقد الباحث الدكتور عبدالعزيز لحويدق (كلية اللغة العربية)، بتجربة دار الشعر بمراكش، من خلال برامجها الثقافية العديدة ولما تبدله من جهود في إبراز الإبداع والفعاليات الشعرية بنوع من الجمالية الباذخة، ونوه الى أن فقرة مقيم في الدار، تحتفي بتجربة الناقد الشخصية المؤسسة أحمد متفكر، إذ تجاوزت الشخصية الفرد من خلال اطلاعها بمهام مؤسسية، ومن خلال البحث في تاريخ وتراث مراكش وحقولها المعرفية، تم تحديدا نفض الغبار عن ذاكرة شعرية، لو لم يتصد لها من أجل تحقيقها وطبعها لطالها النسيان كما طال العديد من التراث الشعري. الباحث أحمد متفكر، الذي يتجاوز التوصيفات، وما قدمه للثقافة المغربية والعربية، ديدن كل باحث، فالبحث في التراث المحلي والجهوي هو رافد من روافد التراث الوطني والعربي. ويعتبر أحمد متفكر، مفتاح مراكش، فكلما أرادت أي شخصية أو مؤسسة أن تتجه للتراث الرمزي لمراكش، من باحثين ونقاد وإعلاميين، لابد من لقاء الباحث متفكر، العارف بخبايا المدينة. ويظل الشعر حاضرا في تجربة الباحث متفكر، ولأسماء مغمورة، غير معروفة، ويتجاوز أحيانا البحث الأكاديمي. نوع من الاشتغال على متخيل المدينة، على العديد من المستويات، وأحد أبوابها مخيال المدينة شعريا. وكتابه القيم، مراكش في الشعر العربي، هو دعوة للإبحار والنفاذ للمدينة من بوابة المتخيل الشعري، أما كتابه شاعر الحمراء في ألسنة الشعراء، هذا المبحث الفريد المرتبط بالشعراء النقاد، فيضعه الباحث لحويدق في خانة نقد النقد. في معجم شعراء مراكش، القرن العشرين، لم يبق، الباحث متفكر، حبيس مرحلة زمنية معينة، بل ظل يلاحق المتجدد والمتحول، وهو ما تطلب منه المصاحبة الحثيثة لهذا المنجز. كما يدمج الشعر في النسق الثقافي والفكري العام، ويعتبر الشعر في مجموع مؤلفاته، عمودا أساسيا لرصد الحركة الثقافية. الشعر ليس ملحقا أو إضافة، بل عمودا أساسيا في رصد الحركة الفكرية في مراكش، وهي مقاربة نسقية، تسطيع تجميع حقول معرفية ضمن نسق معين.

معجم شعراء مراكش في القرن العشرين: ذاكرة مراكش الشعرية والتوثيق لذاكرتها الشعرية

الناقدة مريم الخلوفي، اعتبرت الناقد أحمد متفكر شجرة عريقة وارفة الظلال، تجربة عميقة في الكتابة والبحث والتحقيق. البحث في التراث الثقافي لمراكش، بعث لذاكرتها الثقافية العلمية والمعرفية القديمة والحديثة، كما ساعد على ملأ بياضاتها، كما غاص في أعماق التراث المراكشي، متكبدا عناء البحث ومن خلال أعلامه (شعراء، أئمة، وخطباء، والأطباء، والفقهاء،...)، ما يقارب 54 مؤلفا، وكان للشعر حضورا لافتا، 16 ديوانا جمعه وحققه. ويعتبر كتاب معجم شعراء مراكش، في القرن العشرين، والذي خصصه لشعراء الشعر العمودي، 52 شاعرا وقسمه بين الشعراء الراحلين، وقسم ثاني خصصه للشعراء الأحياء، مع منتخبات لأشعارهم (الطعارجي عباس، بوستة أحمد، المختار السوسي، الدكالي عبدالرحمن..). نظرا لوجود فراغ كبير في التوثيق لشعراء مراكش. اعتمد متفكر، بصفته محققا ومعلقا، ومكنه وعيه النقدي من تجاوز الحكم المسبقة، وندرة وشح المصادر والنصوص. ويتوقف المعجم عند منجز كبير كاد يطاله النسيان، الكتاب هو احتفاء بذاكرة مراكش الشعرية، وإعدادها للباحثين. متفكر أحد رواد البحث والتوثيق للذاكرة الشعرية، خصوصا لمنجز شعري كاد ينمحي.

مراكش في الشعر العربي: صور المدينة وظلالها

قراءة محمد الدهو لكتاب "مراكش في الشعر العربي"، اتجهت لمنظور يموقع الباحث أحمد متفكر، في سياق الباحثين لذاكرة مراكش الثقافية. صيرورة أنماط المعرفة، والتي أنتجت وتنتج حول مدينة مراكش، هي أنماط تفرعت بين الأدب والسوسيولوجيا وامتدت لمجالات الاقتصاد وانتروبولوجيا والسياسة..، من المرابطين الى اليوم. الحفر في الصيرورة التاريخية لمراكش، على مر العصور، ولعل البحث في هذا التاريخ المنسي، يواجه زمنية المعرفة والفضاء. معرفة القدماء يكتبون عن مراكش، من خلال تقنيتي الوصف والانبهار. المحدثون يكتبون عن مراكش من باب مساءلة هذه الذاكرة، ولو بمعرفة جوانية، وبرانية أنتجها الكتاب والرحالة والمثقفون والمشارقة والمستشرقون. عند التنظير لتاريخ لمراكش، هناك مستويين، برانية وجوانية. وفي انتظار حفريات أحمد متفكر، يشير الناقد الدوهو، لتتبع ذاكرتها الثقافية والشعرية. المعرفة التي أنتجت حول مدينة مراكش، في صيرورتها التاريخية، مختلفة بين القدماء والمحدثون. ورغم ندرة المنجز الشعري الذي حققه الباحث، حول مراكش، يبدو أنه هناك الحاجة الماسة لتتبع ورصد المزيد من الحفريات. صيرورة هذا الحضور، حضور مراكش في الشعر العربي، وصيرورتها داخل العديد من المنجز الشعري.

أحمد متفكر: حفريات وتوثيق ذاكرة مراكش الشعرية

نوه الباحث أحمد متفكر، بهذه اللحظة المعرفية الرفيعة، معربا عن تقديره لالتفاتة دار الشعر بمراكش، لعاشق مدينة مراكش حتى الثمالة. المدينة، كانت عبر التاريخ مشتلا لكبار الشعراء، وكانت آمال لكل الشعراء والفلاسفة والكتاب من مختلف بقاع العالم، حاضرة الغرب الاسلامي، التي استقطبت كبار الفلاسفة والكتاب والشعراء والطب. الكثير من التاريخ الشعري ضاع، ولعل فكرة الحفريات ومقيم في الدار، ستدفعه لإعادة النظر في معجمه الشعري، وهو ما يجعله يفكر في إعادة البحث والتقصي، من العصر المرابطي الى اليوم. فكثير من الشعراء تناسوا. وأكبر مرجع يعتبر مفخرة مراكش، هو كتاب "الذيل والتكملة" لمؤلفه عبدالمالك المراكشي. اهتمام الباحث انصب على التاريخ المنسي، فاتجه بحثه الى الشعراء، الذين كادت تنمحي آثارهم (من شعر أحمد النور المراكشي/1990، والذي قدمه أحد "مفخرة المغرب"، كما يسمه متفكر، أحمد الشرقاوي إقبال، من أشعار أحمد بوستة المراكشي/1995، من أشعار أبي بكر الجرموني/1996، ديوان مولاي ابراهيم الحاري/1998، ديوان عبدالحق فاضل/1996، ديوان مولاي الطيب المريني/2000، شاعر الحمراء في ألسنة الشعراء/2002، من شعر محمد بن حسن المراكشي/2006، والذي أعدم شعره حرقا وضاع منه الكثير، ديوان عبدالرحمن الدكالي/2013، ...).

إن تخصيص فقرة "مقيم في الدار" للباحث أحمد متفكر، هو تأكيد لثقافة الاعتراف بمكانة الباحث العلمية، في قدرته على إضاءة العديد من المثون والجغرافيات الشعرية المجهولة، من نصوص وذاكرة شعرية متقدة. هي لحظة نقدية وشعرية أخرى، تقترحها دار الشعر بمراكش، حيث تضيء بعضا من منجزنا النقدي، من خلال العديد من التجارب التي لازالت تواصل مشروعها النقدي والإبداعي اليوم. ويمكن متابعة فقرة "مقيم في الدار"، مع الباحث أحمد متفكر، على قنوات التواصل الاجتماعية للدار (قناة دار الشعر بمراكش على يوتيوب وصفحتها على الفايسبوك).