الجدية في التعامل مع ما ورد في هذا الكتاب تأتي من تزامنه مع خطر داهم انطلق من نقطة محددة، ربما عمداً، ليصيب العالم بما يشبه الشلل، متمثلاً في فيروس كورونا أو "كوفيد 19" الذي يمكن النظر إليه باعتباره أحد تجليات حروب الجيل الخامس، وخصوصاً في شقها المرتبط بأسلحة الدمار الشامل ومن ضمنها الحرب البيولوجية التي تقوم على الاستخدام المتعمد للسلالات المسببة للأمراض من الكائنات الحية الدقيقة.

كتاب «حروب الجيل الخامس»

يكشف حقائق مدمرة يحملها التطور التكنولوجي

عـلي عـطا

 

لا يزال كثير من المثقفين ينظرون إلى مصطلح "حروب الجيل الخامس" بارتياب، وبعضهم يراه جزءاً من "حرب نفسية" تمارسها سلطات سياسية وأمنية خصوصاً في البلدان العربية لجعل مواطنيها في حال استنفار ضد عدو غير مرئي يستهدفهم ولا يرضى بأقل من تخريب بلدانهم. ومع ذلك فإن دراسات في هذا الشأن بات من الصعب التعامل معها على أنها مجرد إذكاء غير مبرر لنظرية المؤامرة، من أحدثها دراسة شملها كتاب عنوانه "حروب الجيل الخامس... أساليب التفجير من الداخل على الساحة الدولية"؛ أنجزه الباحث شادي عبد الوهاب منصور، في سياق ابحاث "مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، في أبوظبي، وصدر عن "العربي للنشر والتوزيع" في القاهرة، ضمن سلسلة بعنوان "كتب المستقبل".

والجدية في التعامل مع ما ورد في هذا الكتاب تأتي من تزامنه مع خطر داهم انطلق من نقطة محددة، ربما عمداً، ليصيب العالم بما يشبه الشلل، متمثلاً في فيروس كورونا أو "كوفيد 19" الذي يمكن النظر إليه باعتباره أحد تجليات حروب الجيل الخامس، وخصوصاً في شقها المرتبط بأسلحة الدمار الشامل ومن ضمنها الحرب البيولوجية التي تقوم على الاستخدام المتعمد للسلالات المسببة للأمراض من الكائنات الحية الدقيقة كالجراثيم أو الفيروسات أو سمومها لنشر أمراض تهدد حياة البشر والحيوانات والنباتات، على نطاق واسع.

والكتاب الذي يتألف من 237 صفحة ، يتضمن مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة وقائمة طويلة بمراجعه باللغتين العربية والانجليزية التي تؤكد خطورة حروب الجيل الخامس، وأنها واقع وليست خيالاً سينمائياً أو روائياً، كما أنها ليست ادعاءات لا أساس لها كما يراها البعض.

كورونا والحرب البيولوجية
قراءة هذا الكتاب خصوصاً في الأجزاء التي تتحدث عن الحروب البيولوجية وتطورها في إطار حروب الجيل الخامس، قد تستدعي لدى البعض فكرة مرعبة بالنسبة إلى فيروس كورونا أو "كوفيد 19"؛ لجهة أنه إذا كان مصنوعاً، فربما لا تقف دولة وراء تصنيعه، ففي عام 2004، كما ورد في الكتاب الذي بين أيدينا، "قام فريق بحثي بقيادة الدكتور كريج فينتير، بتصنيع فيروس باستخدام مواد ومعدات متوفرة تجارياً من دون أي قيود، وهو ما يمكن أن يقوم به طالب باستخدام معمل جامعي، خاصة أن تكاليف إنتاج هذه "الأسلحة" انخفضت للغاية، حتى إن البعض توقع أنه خلال عقد من الزمن، سيتمكن الباحث من تكوين فيروس الجدري بتكلفة تتراوح بين ألفين وعشرين ألف دولار، كما أن المعدات المراد استخدامها لتجميع الفيروس سوف تتكلف نحو 10 آلاف دولار فقط" (الكتاب صـ 130).

يستهل منصور المقدمة بالتشديد على أن الحرب في الوقت الراهن لم تعد تقليدية واضحة المعالم والأدوات، وإنما باتت خليطاً من توظيف الأدوات المتاحة؛ التقليدية وغير التقليدية، في ظل تحول تكنولوجي هائل يغير كثيراً من المفاهيم السائدة عن الحرب والصراع والردع، بحيث أضحى الملمح والهدف الجوهري هو "التفجير من الداخل"؛ باعتباره الوسيلة الأمثل لهزيمة الخصوم.

ويضيف أن مفهوم حروب الجيل الخامس Fifth Generation Warfare هو واحد من مفاهيم حديثة عدة تتفق على تراجع القدرة على التمييز بين ثنائية الحرب والسلام، أو الحروب التقليدية، أو الحروب النظامية وغير النظامية، أو الدول والفواعل المسلحة من دون الدول، مشيراً إلى أنه لعل هذا ما عبَّر عنه وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت جيتس حينما أكد أن "تصنيفات الحروب أصبحت غير واضحة، ولم تعد تناسب التقسيمات المتعارف عليها ويستطيع المرء أن يتنبأ بالتوسع في توظيف أدوات وتكتيكات الحرب من المعقد إلى البسيط، بصورة متزامنة في الأشكال الهجينة والأكثر تعقيداً من الحروب".

وساعدت هذه الحروب من العراق إلى أفغانستان، إلى سورية وليبيا وحتى أوكرانيا خلال العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين على تطور "الأدب النظري"، بحسب المؤلف، حول راهنها ومستقبلها. وفي هذا الإطار، ووفقاً للمقدمة أيضاً، يسعى هذا الكتاب إلى تتبع "أجيال الحروب"، من الأول إلى الخامس، باعتباره مفيداً لتأريخ الحروب، انطلاقاً من فهم ماضيها وعوامل تطورها في محاولة لفهم أشكال الصراعات التي تشهدها المنطقة العربية والعالم في الوقت الراهن، مع مراعاة أن "الأدب النظري" حول حروب الجيل الخامس هو حديث نسبياً، بحيث يمكن القول إن إرهاصاته تعود في الممارسة والتشكل خلال العقد الأخير على وجه خاص، وأن هناك جهوداً أكاديمية ونظرية مستمرة تصبو إلى تقديم نظرية متكاملة حول هذا الجيل الجديد من الحروب والذي يجمل شعاراً أساسياً هو "التفجير من الداخل".

وضمن موضوعات الفصل الأول من الكاتب، نجد تطرقاً مهماً إلى "دوافع صعود حروب الجيل الخامس"، ومن بينها تراجع احتكار الدولة لاستخدام القوة المسلحة، وظهور فواعل مسلحة من غير الدول قادرة على شن الحرب، مثل التنظيمات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة، وتعتمد تلك الجماعات على القيادة الكاريزمية أكثر من اعتمادها على العوامل المؤسسية، فضلاً عن اعتمادها على الولاءات الأيديولوجية العابرة للحدود القومية. وبين تلك العوامل تسارع التطورات التكنولوجية خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي و"التصنيع بالإضافة" Additive Manufacturing أو "الطباعة الثلاثية الأبعاد"، وتكنولوجيا النانو، ما أدى إلى زيادة قدرة الفواعل المسلحة من غير الدول، والأفراد العاديين على امتلاك الأدوات اللازمة لشن الحروب، ومنها الطائرات من دون طيار "الدرونز" التي إن جرى وضع قود على بيعها، فإن الطابعات الثلاثية الأبعاد قد تلغي الحاجة إلى شرائها من الأساس.

شبكات وطائرات
من هنا جاء وصف حروب الجيل الخامس بأنها "حروب الشبكات والطائرات" Nets & Jets فشبكات المعلومات توفر المعلومات الأساسية عن المعدات والمواد اللازمة للقيام بعمليات إرهابية أو تخريبية، كما أنها تمثل وسيلة مهمة لتجنيد المتطوعين المستقبليين، أما الطائرات فسوف توفر الوسيلة الرخيصة للسفر وتهريب الأسلحة. ويمكن القول – يضيف المؤلف- أنه إذا كان الجيل الأول من الحروب يقوم على حشد عدد ضخم من القوات في أرض المعركة، فإن الجيل الأخير من الحروب، ممثلاً في حروب الجيل الخامس، يتضمن الاعتماد على التحالفات القائمة ما بين الدول والخلايا الصغيرة والأفراد المرتبطين أيديولوجياً. ويرجع هذا التطور بصورة أساسية إلى التطور التكنولوجي الذي مكَّن الفواعل المسلحة من دون الدول من امتلاك القوة العسكرية التدميرية التي كانت في السابق حكراً على الدول، ومن حهة ثانية فإن الحرب أصبحت تتضمن التقاطع المستمر ما بين المواجهات السياسية والصراعات المسلحة، بدون أي ترتيب منطقي.

يحاول الكتاب في فصوله الثلاثة أن يقدم استعراضاً لأبرز الملامح والإرهاصات والخصائص في حروب الجيل الخامس والتي بدأت في التبلور خلال العقد الأخير، وتهدف بالأساس إلى تفجير الدول من الداخل، من خلال استخدام العديد من الوسائل مثل الحروب الاقتصادية والسيبرانية والمعلوماتية والبيئية وحروب الفضاء، علاوة على توظيف الأسلحة الذاتية التشغيل، فكلها أدوات قادت إلى تلاشي الحدود بين ما يعد أرض المعركة وما ليس أرضا لها، وأضحت معامل الأبحاث والبورصات ووسائل الإعلام والمراكز الدينية والمؤسسات الاقتصادية والفضاء الالكتروني وغيرها، بمنزلة ساحات للمعارك وإدارة الصراعات بين الدول وبعضها بعضاً في وقت تصاعدت فيه أدوار الفاعلين المسلحين من غير الدول على الساحة العالمية بشكل غير مسبوق.

وقد تضمنت خاتمة الكتاب أنه لم يعد أمام الدولة من خيار سوى امتلاك أدوات الحروب السيبرانية، لتأمين ذاتها، ودرء التهديدات التي تواجهها في هذا الإطار، من خلال تطوير الأسلحة المضادة للدرونز (الطائرات المسيرة) خاصة مع توظيفها من جانب عدد كبير من الفواعل المسلحة من دون الدول، كالميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية، ومن جهة أخرى يجب أن تعمل الدول على تحصين مجتمعاتها من خلال برامج التوعية والرد على الحروب المعلوماتية التي تواجهها ودحض الأخبار الكاذبة، علاوة على ضرورة الاستثمار في تكنولوجيا الرقابة والرصد لتأمين المجتمعات من المحاولات الخارجية لاختراقها.

 

اندبندنت عربية