تقدم الباحثة السودانية المرموقة هنا قراءة معمقة لظاهرة صعود أوباما للسلطة تعتمد على الحفر في أركيولوجيا التاريخ الحضاري والاقتصادي والسياسي من ناحية، وعلى إماطة اللثام عن المسكوت عنه وفضح الدعاوى الزائفة التي تتطلسم علي الوعي بسردياتها الملفقة

كيف تكتم السرديات الملفقة انفاس الحقيقة؟

أسرة سوداء فى البيت الابيض وانقلاب الكابال العولمى

خديجة صفوت

كتبت هذا الكلام باكرا منذ أن رشح باراك أوباما لرئاسة الجمهورية الامريكية إلى أن فاز على هيلارى كلينتون وصولا إلى فوزه على جون ماكين الجمهوري. وكانت من أسباب هزيمة الاخير استنكاره ما رآه من اعادة التوزيع، وتأميم المصارف، مما يشارف الاشتراكية فى برنامج أوباما الانتخابى دون أن ان يدرك من اين سيعيد أوباما التوزيع المتخاتل حقيقة، أو يخلق عمالة بدون ارباب العمل أو كيف يتجاسر امريكي فيؤمم المصارف فى وطن الرأسمالية. فقد جأر ماكين "ان أمريكا ليست كذلك. نحن لسنا كذلك". ولعل أسباب هزيمة ماكين أنه لم يكن يدرك أن أوباما كان بسبيل انقاذ الرأسمالية المالية تحت ستار إعادة التوزيع وإيكال خلق العمالة للدولة، أو تأميل المصارف بمال دافع الضريبة، ومدخرات صغار حملة الأسهم مما قد أناقشه فى مكان اخر. المهم غاب عن ماكين أن الرأسمالية ما بعد الصناعية الخائبة تتعين على شراء الوقت إلى حين استعادة عافيتها، فانقاذ نفسها بتأميم المصارف وشركات التأمين ـ التى يتوجب عليها التنبؤ بالمخاطر كون تلك مهمتها ـ فالتأميم ضد المخاطر يعنى استباق حدوث الاخيرة. وأن تأميم المصارف وشركات التأمين تترك الاسس التى تقوم عليها الاخيرة والقيم (أو انعدام القيم أو اللا قيم) التى تعمل بها تلك الكائنات بلا تغيير، وتخلق عمالة تدعمها الدولة، وتترك دعائم اقتصاد بلا تغيير، فتحول الرأسمالية المخاطر من المجتمع إلى الفرد تحت ستار تحريره.

المهم أنني منعت نفسى من نشره فورا راغبة عن أن اكون بين الاصوات القليلة الناعقة فى تشاؤم بين ملايين المتفائلين بتلك المعجزة العصرية التى لا سبيل إلى تفسيرها، بل التى لا يرغب احد فى طلب تفسير لها. فقد روع الناس، وجوع الناس، ولم يترك لهم امل، وقد ضاقت الدنيا بهم تباعا مع انهيار أسواق المال وفقدان مدخراتهم أن كانت لهم مدخرات، وضاعت على صغار حملة الاسهم اسهمهم وفوائد ما بعد الخدمة على ارباب المعاشات، وتفاقم تضعضع سوق العمل، وقد باتت العطالة المزمنة ماثلة ولا مفر.

كيف عدل أوباما جينيا للقيام بدور خطير أو ـ والموت فى سبيل غاية اخطر؟
ليس أوباما بافضل من جورج ووكر بوش إلا بقدر ما هو خطيب، ويشاع انه فيلسوف وعالم. ويكون أن صح ذلك جائزا أن تغدو القرود من كل نوع مهما كانت مرتبتهم العقلية بيد سلطة الرأسمالية المالية أو قدرات المال "المدمجة" Corporate power. وتقيض الاخيرة أن يغدو أوباما وكأنه مسيح بعد ابراهام لنكولن. وبالمقابل يتعين أوباما على تزويق كلام المحافظين الجدد، ويزيين صورة اقل قتامة واكثر رونقا لامريكا، ويقوم بما يشارف اعادة التوزيع، ويبادر بما يشارف الصفقة الجديدة New Deal التى كان روزفيلت قد تعين عليها إبان الازمة الاقتصادية الكبرى نهاية عشرينات إلى ثلاثينات القرن العشرين. إلا أن أوباما يغدو مع ذلك وربما بسببه لا مثيل له. وهو إلى ذلك اكاديمى وفيلسوف واستاذ فى السياسة ومتواضع، لا يذكر احتكاكه بالجامعات الصفووية مثل هارفارد وغيرها من الجامعات التى أغوته بمراكز فى الاكاديميا الا انه ـ حظي بسمعة الاكاديمي المحايد غير السياسي لوقت مفيد ـ عاف مناصب يسيل لها لعاب كل من كان لمحض تصور إمكان الحصول على درجاتها ناهيك عن مناصبها. فقد كان أوباما حسب السردية العجيبة الغريبة التى لا سبيل إلى دحضها، ولم يعد ثمة من يجرؤ على مغالطتها ناهيك عن كتابة سيرة بديله لأوباما، وكان أوباما قد نذر نفسه باكرا للسياسة والقيادة، وكأنه موعود مثل يوحنا المعمدان، أو حتى المسيح. كان أوباما موعود موعود. فهو الذى احتل مناصب لم يحتلها ملون من قبله، وهو الذى كان مدفوعا إلى العمل السياسي بايمان انه واصل إلى ما يريد. فكيف ومن ضمن له ذلك ياترى؟

هو اذن باراك حسين باراك أوباما، وزوجته اسمها ميشيل وابنتيه واحدة ماليا والاخرى ناتاشا ويدعونها ساشا، وجدته لامه اسمها مورين دوفال، وهى التى ربته، وقد توفيت عن 85 عاما اخر نوفمبر 2008 قبل ايام من فوزه مرشحا عن الديمقراطيين. وقد انتشرت ويكيبيديات مواقع على شبكة المعلومات بعد فوز باراك أوباما تستدعى سردية أسطورية للرجل. ومنها ما يقول إنه مسلم من طرف عائلة أبيه، وتنسب تقارير عديدة ـ راحت تملأ شبكة المعلومات بصورة غير مسبوقة ـ أوباما إلى سلالات ملكية، وتنفى عنه كل وصمة قد تلحقه بالامريكان السود والعبودية. كما يقولون إن اول اسلافه وصل أمريكا بعد تحرير العبيد بمائة عام. وأن أول اسلافه ترك افريقيا إلى أمريكا بعد الغاء الرقيق بمائة عام. وحيث تتعدد الويكيبيديات فتظهر واحدة بعد الاخرى تقول احدى الويكيبيديات الخاصة بأوباما انه ينتمي من ناحية جدته لامه مورين دولفالMaureen Duval وكان أبوها تاجرا من الهوجونت Huguenots هاجر إلى ميريلاند بفيلاديلفيا بالقرب من وشينجتون دى سي فى منتصف القرن السابع عشر 1650 وأن ستانلي دونهام Stanley Dunham جده لامه ينتمى إلى الرئيس الامريكي هنرى ترومان وإلى ديك تشينى نائب جورج ووكر بوش. كذلك ينتمى أوباما إلى انتونى دى جوستافو روثتشايلد Antonym Gustavo Rothschild. وتعود اسرة روثستشايلد إلى أهم واكبر المصرفيين فى العالم، وإلى أصحاب الثروات النفطية الماسية الكبرى إلى السكك الحديد وناقلات النفط. وقد بات البارون ادموند بينجامين جميس دى روثستشايلد Baron Edmond Benjamin James De ـ Rothschild (1845 1943) اكبر مصرفى ومتصرف سياسي فى امور اوربا وصولا إلى التفاوض نيابة عن فرنسا حول تعويضات الاخيرة بشأن خسائر الحرب العالمية الاولى. وليونيد روثستشايلد هو الذي كتب نص وعد بلفور وسلمه للورد أرثر بلفور ليضع الاخير عليه أسمه وحسب، فوقعه لورد بلفور بنصه. وكان البارون ادموند بنجامين جيمس دى روثستشايلد شريك سيسيل رودز Cecil Rhodes فى مشروع دى بير De Beer لتعدين الماس وباتا يملكان 90% من ماس العالم. وتملك شركة دى بير اليوم 40% من ماس العالم. كما مول البارون ادموند دى رثستشايلد مشروع سيسيل رودز لمد خطوط التلغراف والسكة الحديد مدينة الكاب ـ القاهرة to Cairo Rail Road Cape. وكان سيسيل رودز عندما مات من اكبر اثرياء العالم وكان استعماريا بامتياز وكان يحتقر الافريقيين وكان مثليا ومات بعد موت عشيقه نيفيل بيكارينج Neville Pickering بسنوات. وكان سيسيل رودز قد كتب كل ما يملك لنيفيل بيكارينج، إلا أنه بعد موت الاخير حول ثروته إلى مشروع خط الكاب القاهرة العظيم كما ذكر فى مكان اخر.

المهم تقول شبكة المعلومات أن اصول أوباما تجمعه مع وينستون تشيرتشيل رئيس وزراء بريطانيا إبان الحرب العالمية الثانية عن حزب المحافطين. وكانت أم الاخير أمريكية. ومن غرائب السرديات العديدة والتى تتعين على اكتشاف المزيد من سيرة أوباما انه ينتمى إلى سلالة يتصل تاريخها مرة باقتناء الرقيق، حيث كان أسلاف أمه قد ملكوا عبيدا. ويقول تعدادا للسكان لعام 1850 أن عددا من اسلافه لامه ملك عبيدا. وقد علق أوباما فى حديث له فى 2007 بمدينة سالم حول اقتناء اسلافه لامه للرقيق "بان لا غرابة فذلك جزء من تاريخنا المعقد الجريح"(1). وكان احد اجداده ويسمى كريستوفر كولومبوس كلارك قد انخرط فى صفوف القوات الاتحادية إبان الحرب الاهلية الامريكية. كما شارك 5 من اجداده وهم جيمس براونينج وجون براونينج وجون ميلز ودوفال وجيمس هيكمان James Browning، John Browning، John Miles Duvall، James Hickman and John Overall وجون أوفراول على التوالى فى الثورة الامريكية.

وتقول احدى الوكيبيديات الخاصة باوباما أن له أصولا ملكية(2). وتعود الاخيرة إلى الملك وليام سكوت ومارتا ايلونهيد، ويعودان إلى ادورد ملك انجلترا(3). وتقول اخر الويكبيديات أن اسلاف أوباما يعودون إلى الملك وليام الاسد ملك اسكتنلدا (1165 ـ 1214) William the Lion King of Scotland من ناحية، ومن ناحية اخرى يعتقد أن سلالة والدته مادلين دورهام تنتمي إلى قبيلة التسيريكو Cheereskoo وهى احدا اكبر 6 قبائل من السكان الاصليين، وتقطن الشمال الشرقى من الولايات المتحدة. ويوصف أعضاء تلك القبيلة بأنهم طوال القامة، متسقي الملامح، عليهم مسحة من الوقار والكبرياء، حسب التاريخ الشفاهى للقبيلة. وتتضمن سلالة كل من مادلين وستانلى دونهام دماء انجليزية وايرلندية وهولندية وفرنسية والمانية. ويذكرك ذلك بسلالت الخزر بعد أن استقروا فى اوربا الغربية عبورا بالبندقية. إلا أن اشارة إلى ذلك لم تجد طريقها فى أي من تلك السرديات الرقمية بعد. وكانت جماعات من تلك السلالات استقرت فى المستعمرات التوسعبية الامريكية إبان القرن السابع عشر والثامن عشر. ويعتبر فالموت كيرنى Falmouth Kearney وهو فلاح مهاجر من مندجول من مقاطعة أوفالى بايرلندا واحد من أحدث اسلاف أوباما، حيث هاجر إبان مجاعة البطاطس فى منتصف القرن التاسع عشر، وقد استقر فالموث فى بلدة جيفرسون بمقاطعة تبيتون بولاية انديانا. ومارى أن كيرنى ـ دوناهام ـ شقيقة فالموث هى جدة ستانلى دونهام، والأخير هو جد أوباما. هذا وتعود اسرة أوباما إلى ذلك إلى طائفة البابتيست Baptist وهى من طوائف الهوجونوت، والاخيرون يصدرون عن الكالفينية Calvinist وهى طائفة متشددة ومراسيمية وتصدرعن التحورات التى حاقت بالطوائف العاصية للبابوية، والتى باتت تعبيرا عن البروتستانت والافانجلية الخ. وتقول تقارير عديدة من التى تحفل بها الشبكة بمعلومات لا متناهية عن أصول أوباما العقيدية والعرقية الخ. وربما بدت بعض التفاصيل التفصيلية أعلاه وكأنها ولوغ فيما قد يشارف النميمة. إلا أنه ينبغى تأمل هذه الحقائق جيدا قبل الشروع ـ محض الشروع ـ فى التفكير فى أمورنا وأمور العالم.

فرضية طويلة عريضة لا يسع المجال اثبات معظمها هنا:
يعود معنى مفردة المسيح إلى مفهوم ملك اليهود الذي سيعيد للاخيرين دولتهم اذ يؤسس دولة لهم تسع الدنيا. وتتمأسس هذه الفكرة اليوم حول أن الصهيونية الجديدة، وقد امتلكت زمام أمور الكون ماليا، وقد بقيت تخلق الانبياء راحت تجعل لها انبياء. وتطلق صفة المسيح على الاخيرين وعلى الملوك والقضاة "و كل من يقومون بعمل ديني مقدس بمعنى يخدم مصالح اليهود. وتعنى مفردة المسيح فى التوراة النبى و/أو المخلص الذي يرسله الرب لانقاذ اليهود". ويسود الاعتقاد بين بعضهم "أن المسيح ليس نبيا فقط، وإنما سيكون ملكا يؤسس دولة كبيرة ويجعل العالم كله يدين باليهودية"(4). ولعل ذلك تعريف آخر لاسرائيل الكبرى أو الصهيونية العالمية. وكانت الاخيرة قد تنوعت فى مناويل متتالية على مر التاريخ غير المكتوب. وتتمثل تلك المناويل فى ازمات عالمية يخرج منها أعراب الشتات منتصرين رابحين خصما على من عداهم. وقد تعاقبت تلك المناويل فى التاريخ الحديث منذ عشية الالفية الثانية حتى الالفية الثالثة، مما يلاحظه الناس فى الحرب العالمية الاولى التى انهت عهدا كاملا بامبراطورياته وقواه. وكانت الحرب العالمية الثانية محض تصفية حسابات الحرب العالمية الاولى، وكان انهيار المنظمة الاشتراكية تفصيلة فى مسلسل الانهيارات التى يتكسب من ورائها اعراب الشتات. فقد بات 7 من الثمان اوليجاركيات الروسية حكرا على اعراب شتات روسيا. وقد توالت الازمات المالية بوتائر عالية منذ انهيار اقتصاد الارجنتين، وفضيحة اينرون التى لفقت جراءها احداث الثلاثاء 11 سبتمبر، وصولا إلى الازمة المالية الماثلة منذ صيف 2007 وتباعا. وكان السخط الشعبى غب انهيار اعمال شركة اينرون وانهيار سوق الاسهم فى بداية 2001 قد انذر باندلاع انتفاضات مثلا يحدث على مر التاريخ وكما حدث فى الارجنتين فى 2001 صبيحة انهيار المصارف. ولعل تلك التداعيات كانت وراء تلفيق احداث 11 سبتمبر 2001.

وتدرك الرأسمالية انها مستهدفة كلما غالت فى المراكمة وبخاصة المالية خصما على المدخرين وارباب المعاشات وصغار حملة الاسهم ومنتجى الفائض والعمل الحي Living Labour. وتدرك ايضا انها مستهدفة للانهيارات الدورية بجريرتها هى، وتدبيرها المتقصد. وتدرك الرأسمالية أن واحدة من تلك الانهيارات قمينة بدفع الاغلبيات الشعبية فى كل مكان إلى السخط يوما، وصولا إلى الثورة. فمثل تلك الثورة حرية بان تؤدى إلى الاشتراكية. وازعم أن جماعات بعينها تظهر عشية كل ازمة مالية تراكم جراء الازمة رساميل غير مسبوقة، وتحاول فرض عقيدة جديدة أو مجددة، لا تزيد على تنويع على عقيدة اعراب الشتات الفائقة على ما عداها بسلطة المال والاعلام والقانون والمسرح والسينما والشرطة والدولة جميعا. وتزوق تلك العقيدة فى كل مرة فى اسماء القلة وحسب. وقد بقيت أوليجاركيات الصهاينة تحاول فرض الصهيونية ـ المتمأسسة وبطبعها وتاريخها فوق الرأسمالية ـ على البشرية. وثمة علامات على طريق ذلك المشروع كانت قد بدأت باكرا قبل أن ينتبه معظم الكتاب والمفكرين والمؤرخين على مثولها على الطريق منذ الحرب العالمية الثانية، وميثولوجيا المحرقة الخ. وازعم أن اجتياح العراق، والمجازر الفلسطينية فى جنين ونابلس، ومذابح غزة، والازمة المالية الماثلة، وحلول باراك أوباما، تؤلف منظومة من تلك العلامات.

فكيف صور أوباما وكأنه المسيح المنتظر الذى سوف يحل مشاكل أمريكا، بل ومشاكل العالم ما خلا مشكلة الشرق الاوسط؟ بغض النظر فورا عمن يقف وراء تلك الاسطورة الخارقة المسماة باراك حسين أوباما ازعم انه كان لا بد من أن تتعلق افئدة الناس بشئ مهما كان. ولم يعد أوباما ذلك الملهم الذى يترسم الشباب فى كل مكان خطواته، ويحاولون محاكات قصة شعره، ومشيته، والوان بذته وربطة عنقه الخ، فيما يتغزل الاعلام فيه بلا حرج، ويستدعى السود به حلم أن يحكم الواحد منهم انجلترا أو فرنسا كما حلم وحقق الاشكنازى تباعا وغير ذلك. إلا انه سرعان ما تبدى البداهة ما كان ماثلا فعلا. فقد ارتفعت نسب العطالة بين سود أمريكا 4.5% منذ بدئ الازمة الاقتصادية. وتنتشر فى شيكاغو ـ معقل أوباما الاول ـ "مطابخ الحساء" Soup Kitchens وتوزيع الطعام بالمجان للمحتاجين بسبب ارتفاع الفقر، ليس بين المفقرين التقليديين، بل بين الطبقات السوداء الوسيطية. وبات من الصعب على الطلاب السود مواصلة الدراسة، ويشعر الشباب السود لاول مرة فى التاريخ ـ وقد بلغت نسبة العطالة بين السود 60% ـ أنهم عاجزون عن الطموح إلى الارتقاء على المستوى الذى كان ابائهم قد وصلوا اليه، ناهيك عن أن يفوقوهم طموحا وانجازا. ومع ذلك حرضت الغواية الناس على تصديق ما يبدو انه كلام لا يصدق وقتها. فقد تمثل أوباما امام الكون قاطبة بوصفه قارب نجاة من القنوط.

والشعوب لا تعدم أن تبدع ميكانيزمات تعصمها من الهلاك المبين. وحيث أن الشعوب قد حرمت من التفكير، ناهيك عن التنظيم، فقد طرحت بعض جماعات المصالح مثل جورج سوروس واصدقاء أوباما من يهود شيكاغو الاثرياء، وكان الاخيرون قد راحوا يرعونها باكرا، ومعهم 5 من اكبر اللوبيات الرأسمالية، فقد كان أوباما حريا بان يغدو بديلا لما قد يشارف تنويعة عولمية على "الخروج" التوراتي الذي يحفل به التاريخ المسكوت عنه. وقياسا فقد دفع الشعب الامريكى إلى تنظيم نفسه فى شبكة علاقات غير مسبوقة، بادرت بها جماعات من الشباب المتحمسين والسود وحتى الهسبان لاول مرة لانجاح مرشح الجماعات المذكورة انفا باراك أوباما. وقد تعين السود على اغماض العين، فتركوا الاسطورة تلفق نيابة عنهم بان أوباما الاسود بان يزوق بوصفه افروامريكى. ومع ذلك فوصول أوباما للسلطة ليس بشيرا بفتح باب السلطة للسود أو لغيرهم أبدا. بل العكس. سوف يحيل أوباما الحلم الامريكى إلى خبر كان. وفى نفس الوقت لن تتحسن أحوال السود أو نظائرهم من انصاف البشر الامريكيين. وسوف ترون ذلك أن مثل تلك المناويل لم تزد على ذلك عبر التاريخ، ويحفل التاريخ بها على مر الاف السنين. ولان تلك المناويل وابطالها لا تنزل فى التاريخ المكتوب بهذا الوصف، فان التعرف عليها يصعب حتى الاستحالة. ذلك أنها إما أن تكتب هى تاريخها أو/ و يغدو حلولها فى السلطة جملة اعتراضية، أو يتستر على ذلك التاريخ فلا يعرف عنه احد.

ويتضح دور أوباما إبان الازمة المالية كونه جيئ به من أجل أن يمرر تلك الوراثة العسرة بصورة غير مسبوقة، وهى الازمة الاقتصادية. ويتضح دور أوباما فى تكريس السياسات التى تخرج المجرمين من مسئولية الازمة كما الشعرة من العجين باعفائهم من المسئولية ولو نسبيا أو إلى حين عودة الروح مجددا فى الممجرمين. ذلك أن معاقبة أي كان حريا بان يعيد انتاج واحدة من تلك المحارق بالتعريف التاريخى الموضوعى الاجرائى وليس بالمعنى المتكاذب المزوق. وقد ييسر اعفاء المسئولين عن الازمة تكبيل الضحايا والمفقرين بمسئولية ضمان المجرمين وانقاذهم من العقاب. بل ليس ذلك وحسب وانما اعادة انتاج تنويعاتهم وقد باتت اكثر ثراءا بما لا يقاس واكثر قدرة على مزيد من المراكمة بالنهب والسلب والفائدة باعادة الحياة لصندوق النقد الدول والبنك الدولى وتكريس دور منظمة التجارة العالمية. وليس ثمة ما يدعو للاستغراب اكثر من تكريس ممارسات صندوق النقد الدولى مثلا مما يلاحظ فى تداعيات ما يسمى بالشرطيات Conditionalities. وتفرض تلك الشرطيات تنويعات الاقتصاد الرأسمالي فى اشد تمثلاته تكريسا للمراكمة بالفائدة ـ أي ما يشارف الربا مزوقا فى خدمة الديون. وخدمة الديون واحدة مما يسميها اصحابها ومخترعيها والمنتفعين بها "المنتجات" و "الابتكارات" الرأسمالية المالية Finance Capitalism s products and innovations.2

أوباما الافريقي، وأوباما كما هو معروف وليس خافيا هو فى الواقع ليس أمريكيا أسود بالمعنى التاريخى الحرفي، وأوباما ليس من الطبقات التى تحدرت عن عبيد الجنوب، ولا ممن ساهم فى حركة الحريات المدنية.

وقياسا فقد اشترى معظم الامريكيين أسطورة باراك حسين اوباما. ومع ذلك فان كثيرين كانوا قد توقفوا فى البداية عند اسم ابيه حسين فقد راح المسلمون فى كل مكان يحتضنون هذا الابن المعجزة، وكأنه المسيح وقد ولد فى مهد من ذهب وفضة، وراحت سيرته تسرد على الشبكات الاليكترونية وملأت صوره الافاق، واخذت ويكيبيديات تنسج له سيرة ولا سيرة ريتشار قلب الاسد، أو صلاح الدين، أو كاميلوت. كما كانت هوليوود قد فعلت مع جون فيتزجيرالد كينيدي. ولم يتوقف احد ـ مبلغ علمي ـ عند اسمه وهو باراك ولدينا ايهود باراك وزير الدفاع الحالى لاسرائيل، ومنظم محرقة غزة وغيرها على مر الاحتلال الاسرائيلى لفلسطين، الذى كان وصول باراك أوباما يمهد لحلوله إلى السلطة.

ميثولوجيا شئ اسمه باراك اوباما
ألا ترى كم هو مطمئن وباسم، ويدرك انه محمى وان له مهمة؟ أهو صورة جورج ووكر بوش فى المرأة كما فى كوميديا دكتور جيكيل ومستر هايد الفاجعة؟ فقد قام بوش الابن بما تكشف تباعا مع نهاية إدارته الاولى ولم ينفك أن انفضح بصورة نهائية إبان ادارته الثانية من الاعمال القذرة نيابة عن المحافظين الجدد ومشاتهم من الليبراليين الجدد. ولما لم يكن ممكنا أن يأتي إلى البيت الابيض جمهوري آخر حتى لو الحقت به سارة بيلين، وربما بسبب ذلك، حتى تهيء هى الاخرى لدور قادم، فقد كان لزاما أن يأتي ديمقراطي. ليس وحسب على سبيل توزيع الادوار، بل يأتي ديمقراطى معين كباراك أوباما غير المسبوق. فباراك أوباما لن يكون كمثله شئ من بعد. فانتشر ما سمي "جنون اوباما" أو أوباما مانيا Obamamania حتى الغى الناس اذهانهم. ولم يتنبه الناس وهم اللذين كانوا قد اوصلتهم ادارة بوش الابن ابعد حدود الصبر على السلطة، وعلى ما منيت به سمعة أمريكا فى العالم، وعلى ذرايتها بارادة الشعب، وعلى الفساد الذى انتشر بصورة فاضحة فى مسام الادارة ومحاسيبها، وعلى الحرب فى العراق فوق كل شئ اخر. وكانوا ينتظرون العدل والانصاف بشأن قضاياهم الملحة. ولم يتنبه معظم الشعب الامريكي إلى أن أوباما كان قد رشح لانه عارض يوما غزو العراق، الا انه لم يعد يذكر العراق فى الحملة الانتخابية. ويدرك منظموا الحملات الانتخابية الامريكية الاحتفالية على الطريقة الهوليودية والوثنية أن ثمة فقدان ذاكرة جماعى. والاهم لم يينبه الناس إلى معنى ما كان أوباما يكرر الجأر به "لسنا متفرقين، ولا مختلفين، اننا امة واحدة وندرك أننا نملك أن نفعل". ويرددون وراءه فى صوت واحد كتلاميذ فى صف ابتدائى " Yes we can. ولم تتعين الصحافة المدمجة (فى الرأسمالية) Corporate Journalism على انتاج ميثولوجيا ما يسمى الحياد الليبرالي، مثلما تعينت على انتاج تلك الميثلوجيا متصاحبة مع ترشيح وانتخاب أوباما. فقد راحت مدارس الصحافة المدمجة تلك تجأر بمهنية Professionalism وموضوعية Objectivity تصدران مجددا وبصورة غير مسبوقة عن الالتزام الصامت بضمان أن تبقى الاخبار والاراء متسقة مع الاجماع المؤسسي Establishment consensus. وحيث كان توني بلير قد وقف كتفا إلى كتف مع جورج ووكر بوش، يقف غردون براون كتفا إلى كتف مع باراك أوباما، ويتغنى كل منهما بمحاسن الاخر. وليس غريبا أن تقف الدولتين الانجلو ساكونية والانجلو امريكية إلى جانب دول أوربا مما يعتد به كفرنسا والمانيا ـ و لو تكاذبا من جهة ساركوزى ـ فى الجانب الاخر فى قمة مجموعة ال20 المنعقدة بلندن الخميس 2 ابريل 2009. فعندما غدا رأس المال هو المتحكم فى العالم والشعوب لم يعد يهم أي حزب يصل إلى السلطة. فقد باتت الحكومة والشرطة والاسخبارات عبارة عن جماعة متآمرة حول كذبة صامتة مفادها التواطؤ على الشعوب.

ذلك انه إن توقفت قليلا تتأمل أن من اسماهم لويز اجناسيو لولا دي سيلفا ـ رئيس جمهورية البرازيل ـ البيض ذوى العيون الزرقاء، أو حتى ذوى الملامح الخزرية بالاحرى، لادركت أن الاخيرين يحكمون كل مجتمع على الارض، وكانوا يفعلو على مر الاف السنين بوساطة جماعات مخصية، إلا انها تستعدي على شعوبها فتستأسد عليهم، وتعاقبهم لحساب تلك الجماعات من اصحاب رأس المال المتحكم فى العالم. فقد باتت الشعوب تواجه، كما يوجه العدو تتعين الشرطة والجيش على معاقبتها فى كل مكان فى المقياس المدرج اذا ما هى خرجت تحتج باي صورة كانت. هذه هى ببساطة الوصفة السلطوية العولمية التى تسوق العالم نحو حتفه والقوم يسيرون نياما أو كما فيران الزمار الالمانى The pied Piper. وقد نشأت ظاهرة الانبياء الجدد كما يلاحظ الناس مع كل الفية أو كل حدث أو احداث لا قبل للناس بها. فقد ظهر نوستراداميس (1566 ـ 1593) مع حروب فرنسا وانجلترا، ولاوى ساباتاي زفي المولود فى 1626 مع عشية انهيار الامبراطورية العثمانية والنمساوية السابقة على الرأسمالية الصناعية(5). وكانت الامبراطورية العثمانية فى حروب مع البنادقة حلفاء أو/ و اصهار الخزر اسلاف سباتاي. وكان ساباتاي زفي "جميل الصورة وعالما وحلو الحديث.." وقد تفرغ شاباتي للتصوف وخلف وراءه مهنة ابيه فى التجارة. أثمة قياسات باهرة بين تلك الشخصيات وباراك اوباما؟

سردية أعراب الشتات وتصدير الانبياء
ينشط نساجو سردية اعراب الشتات فى تصدير الانبياء والقضاة والاحبار والامراء والملوك والملكات عبر التاريخ غير المسكوت عنه. ويظهر انبياء من كل نوع مع الالفية الثالثة. فقد ظهر بيللى جراهام الاب وابنه من بعده. وظهر ريتشارد بيرل عراب المحافظين الجدد لينقذ بعض المثقفين والمفكرين العالم ثالثين وحتى مثقفي العالم الاول من انفسهم. واخذ المحافظون الجدد بقلوب حوارى من المثقفين فى كل مكان وبخاصة العرب وبعض المسلمين ممن كان يدعى اليسار وربما الماركسية أو حتى الشيوعية بمعنى انه كان منظما فى حزب شيوعى معتبر. ولم يلبث الاخيرون أن كفروا بعد سقوط حائط برلين. وظهر افراهام بيرج Avraham Burg وهو نبى اسرائيلى يدعو ابناء جلدته بان يخلفوا التباكى على الماضى والتطلع إلى المستقبل ولا يتأمل الاسطورة اصلا بل يبنى عليها قوله أن اليهود اصحاب رسالة هى النبل بعينه ولا تدري من اين جائت هذه الرسالة؟ هل من الاصحاح القديم؟ ويثابر بدوره على الاصرار على الاصول الشرق أوسطية لليهود مما يبرر ارض الميعاد. وهناك تونى بلير نبى تعايش الاديان ويلقى للاتباع المحتملين بطعم مغر هو القضاء على الملاريا فى العالم، ويلهج بصوت متهدج كما ابرع الدعاة ويكاد ينشج تقوى وهو يفتتح وقف تونى بلير لتلاقح الاديان Inter ـ Faith Foundation. ويشجع الوقف العمل المشترك بين اليهود والمسلمين والمسيحيين جميعا.

ويصدر المشروع فى الواقع عن نظرية صهيونية مفادها ما يسمى بالسلام الاقتصادي. ولا يعود ذلك السلام إلى فائدة كافة البشر بدون انتقاء وانما إلى غواية مجاميع صغيرة تذكرك بالمشاريع الاستعارية التى ساقت بعض القبائل وراء تأييد المستعمر فى سياساته وصوتت له، وتمنى بعضها لو لم يغادر الاستعمار المستعمرات. فما بين السياسة والدين يدعو بلير إلى التوافق بوصفه رجل سياسة يدعو إلى التعايش الدينى. وظهر باراك حسين أوباما نبى كافة المؤمنين فهو يقدم لكل ما يريد، ويقول لك ما تريد أن تسمع، كما كان تونى بلير يفعل قبل أن يتكشف تخاتله بلا هوادة.

سيرك الاساطير المتحرك: عقيدة اسمها أوباما
سوف يسمح الناس فى كل مكان لاوباما بان يفعل كل ما لم يكن مسموح به لاي رئيس سابق وسوف يستمثلونه وقد يغدو معبودا عالميا. ويدرك صناع الملوك والاصنام والانبياء وأنصاف الآلهة انه كلما رفع ملك أو صنم أو نصف اله عاليا كلما بات احتمال سقوطه مدويا وباعثا على التصالح مع النفس. فالعالم يشاهد مشدوها ما يشارف سيركا عظيما، ولا أكاد اصدق حتى اليوم أن أوباما بات رئيس الجمهورية الامريكية ـ وينشرح فواد جمهور السيرك أي سيرك لرؤية الدم بقدر ما يسعد بمرأى البهلوان ومتسلق الحبال والاستربتيز ومروض النمور. وقد بلغ حجم الاعلام الذى كرس فى كل مكان لتزيين أوباما بلايين الكلمات وملايين الصور والمقابلات والاخبار ناهيك عن المبالغ التى انفقت فى نشر واذاعة كل ذلك. وكان البعض قد قال أن فوز أوباما كان متوقعا فقد طفح الكيل جراء ادارة بوش الابن. وكان كثيرون غير واثقين وقد تمثلت لحظة فوزه ـ وقد بقى الناس غير مصدقين ـ وكأنها لحظة سيريالية أو فائقة للحقيقة. وقد اطلق انتخاب أوباما، حسين أوباما بتعالق اصوله ومعتقداته وثقافته بمختلف الاتجاهات غير المعهودة اطلق تطلعات تشارف النزوع المسيحي أو اليسوعي، وتستدعى اخيلة يسوعية ومسيحية، ولا يتسائل احد عن اثر الاسلام فى أوباما الطفل فى اندونيسيا ولا عن عقيدة امه ابدا.

ويطاردك أوباما صورا وقصصا واحاديث صحفية وربورتاجات وتصريحات يوميا ويطل عليك من شبكة المعلومات وتأتيك مآثره مع الرسائل الاليكترونية واخبار تحركاته على الاس ام اس وكانك أن فتحت صنبورا نزلت منه صورا لاوباما صاحب الضحكة الاخاذة. ولا معدى من أن يخطر بالبال كيف أن احدا لا يختلف على شئ حول أوباما؟ لا مشيته ولا قصة شعره ولا الوان ربطات عنقه، ولا اي شئ على الاطلاق. فهو منزل كامل مكمل منزه عن كل عيب، حفظه الله ورعاة وعين الحسود فيها عود. فمن اين جاء كل هذا الاجماع الذى لا يمكن الا أن يكون مختلقا ملفقا؟ ولماذا؟ فليس ثمة اجماع بهذا الشكل ولا على الانبياء والرسل؟ بل لا على الرب نفسه لدى المسيحيين. وليس ثمة اجماع بين اليهود على يهوا. ويشبه ذلك الاجماع المريب اجماع بعض طوائف اعراب الشتات على سرديتهم المتساررة. وتتلون صور أوباما فمرة هو على هيئة مفكر، واخرى صورة راقص لاه مثله مثل الشباب ما بعد الحداثى، لا يكترث لشئ. ومرة فى صورة اله رومانى أو حتى يونانى أو ربانى. وهو محب وثائر وعطوف وزوج رومانسى واب لا مثيل له وهو منقذ العالم من الخراب وهو صريح وهو غامض. ويشبه أوباما فى ايامنا هذه فى الحقيقة الموضوعية اكثر ما يشبه مارجريت ثاتشر وتونى بلير. فقد هبطت مارجريت ثارتشر العالم لتنقذ العالم من شرور اليسار والشيوعية والطبقات العاملة والنقابات، هاتفة بان "ن الرأسمالية ليست سوى صليبية لتحرير الكثيرين" ولا تقول من ماذا فى حين كانت تدرك انها لتحريرهم من الاشتراكية والاقتصاد المخطط وبرامج الرفاهة الاجتماعية. ذلك أن السردية الرأسمالية تؤكد مواجهة بان مارجريت ثاتشر جائت السلطة جراء تفاقم قوة الحركات المطلبية والنقابات العمالية. والواقع انها جائت لتكسر ظهر النقابات والحركة المطلبية تيسيرا لتكريس أسواق العمل اللا مسيس اللامنظم الطيع الرخيص لحساب النسووقراط واحلال الحرب بين الجنسين خصما على العمل المسييس المنظم المدرب وانتصاراته التى احرزها على مر سنين النضال المطلبية والصراع الطبقى. وازعم أن مارجريت ثاتشر احلت الحرب بين الجنسين مكان الصراع الطبقى مثلما فعلت وما تبرح تفعل كافة الاصوليات. وهى التى جأرت بان "ليس ثمة مجتمع There is no such thing as society ولا طبقات". وكأن ذلك تنويع على مفهوم الامة البليري، ومفهوم أوباما للوحدة التى تجمع كافة الامريكان بلا انتقاء.

ولم تكن مارجريت ثاتشر تزيد على ابنة خضرجى حصلت على درجة فى الكيمياء ربما فى اكسفورد. الا انها كانت متزوجة من رجل اعمال ثري. وكانت مجعولة لدور خطير غير العالم حقا، ولم يعد العالم يشبه نفسه بعدها ابدا. بل لم يعد ثمة سبيل إلى نقض أو اعادة الامور إلى ما كانت عليها قبل حلول مارجريت ثاتشر اليمينية الجديدة أو المحافظة الجديدة. ولم يلبث البريطانيون أن ملوا حزب المحافظين وسياسات مارجريت ثاتشر والريجانو ثاتشرية والاورذوكسية الجديدة واقتصاد السوق وخصخصة مقدرات بريطانيا الخ. ومع ذلك لم يكن المحافظون البريطانيون يملكون بعد استدعاء اجندة المحافظين الجدد علنا. فقد كانت مارجريت ثاتشر سيدة الاخيرين الا انها بقيت مثلها مثل بطلات الاساطير غامضة تحلق بين سماء وارض العولمة التى لم يكن اسمها قد افصح عنه وقتها.

وقياسا هبط تونى بلير من سماوات الفكر والتنظيم ما بعد الليبرالي لانقاذ بريطانيا. ولم يلبث تونى بلير أن ادعى انه جاء لانقاذ العالم. وبات يتحدث وكأنه موكل بذلك، ولم يكن تونى بلير سوى لقيط تبنته اسرة اسكتلندية الا أن يد القدر، وروبرت ميردوخ كبير اباطرة الصحافة والاعلام العالمي ـ وبيتر مانديلسون واليستير كامبيل التقطه، ورسمت له سيرة كان من ضحاياها جون سميث رئيس حزب العمال الذى ورث الرئاسة بعد نيل كينوك بعد هزيمة الاخير فى انتخابات 1992، ومن ضحاياه حزب العمال القديم والمادة 4 من دستور الحزب المذكور، وتنص على تأميم وسائل الانتاج ومن ضحاياه نقابات العمال وسياسة بريطانيا الخارجية الاكثر احتشاما. يعتقد أن لروبرت ميردوخ علاقة قوية بتونى بلير وبسياسات حزب العمال. ورغم أن الاول ليس مواطنا بريطانيا الا انه يكاد يكون قد صاغ سياسة حزب العمال الجديد. ففى 1994 كان ميردوخ قد رأى فى جون ميجور المحاقظ زعيم متردد وضعيف، وأن تاريخ حزب المحافظين قد انتهى. ورأى فى تونى بلير شخصية دينامية شابه. وقد ساعد فى ذلك كل من اليستير كامبيل وبيتر مانديلسون ومقابل ذلك كان حزب العمال يحابى صحف روبرت ميردوخ ومنها تسريب خبر أن ديفيد بلنكيت سيكون وزير الداخلية البريطانى. وقد دشنت مجموعة صحف ميردوخ بلير وليس حزب العمال. وكان حزب العمال قد بعد فى التسعينات عن المبادئ التى تعبر عنها صحف ميردوخ. وكان ميردوخ وراء دفع بلير للحرب على العراق وكذا وراء السياسات الراديكالية المعاكسة للسياسات الليبرالية، أي الليبرالية الجديدة أو ما بعد الليبرالية. وكانت اول مقابلة رسمية بين بلير وميردوخ فى استراليا حيث حضر بلير اجتماع هيئة تحرير مجموعة جرائد ومجلات ميردوخ العالمية. وكان الغذاء الذى تناوله خلال تلك المناسبة وجبة حاسمة فى تاريخ بلير وحرب العمال. ومن يومها بات موقف صحف ميردوخ من تونى بلير حاسما فى موقف الصحافة عموما من تونى بلير. وقال النقاد يومها أن على جوردون براون السعى بصورة اقوى لاسترضاء روبرت ميردوخ اكثر من تونى بلير(6).

المهم واصل تونى بلير مسيرة مارجريت ثاتشر بالحرف وزاود عليها وكأنه رضع من ثديها سياسات المحافظين الجدد. فقد "غير" بلير خطاب المحافظين البريطانيين مظهريا ـ وكان بيل كلينتون قد حذره من أن يترك شيئا يجعله يقف على يسار بوش الابن ابدا ـ أي ألا يخرج على اصولية السوق باى حال ـ فراح بلير يجأر بشعار بريطانيا اللطيفة Cool Britannia وبان كل شئ سيغدو افضل It will only get better وتغنى الناس بالكلمات وصدقوها. ولم ينفك أن راح يتهم كل من عداه بالاصولية هاتفا "ان هناك اصولية نشأت على مر عقود وستأخذ منا عقودا لاستئصالها، وعلينا العمل على القيام بذلك بكل الطرق". فقد كان تونى بلير يستخدم مفردات اخاذة فلعب بافئدة الناس واستهواهم كونه مفوه، يحدث كل على هوى من يحدثه، ويقول للناس ما يحبون سماعه. وكانت له ابتسامة ساحرة يستخدمها بمهارة غانية ذات غمازات شيقة فبات محط الافئدة. فهو زوج وفى لامرأة جميلة ذكية واب لاطفال يشرحون القلب ـ حتى تكشفت الامور من بعد. فقد كانت وزارة بلير اكثر من وظف ليبراليين جدد وصهاينة، واكثر من جند مستشارين وخبراء من ما يسمى بالمنظمات الشبيهة بالمنظمات غير الحكومية (الكوانجوز) Quasi Non ـ Governmental Organisations(QUANGOS) وجند من اعضاء الاخيرات جيشا جرارا من غير المنتخبين الذين يتحكمون فى الحكومة. وكان تونى بلير صهيونى بامتياز، ولم يلبث أن اعتنق الكاثوليكية، وكانت بعض طوائفها المتساررة ملاذ كل من لا يرغب فى الاعلان عن عقيدته الحقيقية حقا. فرغم عداء اعراب الشتات للكاثوليكية كونها حرمت الربا حتى القرن السابع عشر، إلا انهم عندما يتنصرون تخاتلا فيعتنقون مسيحية طوائف كاثوليكية معينة. وتشارف الاخيرة جمعيات كتومة مثل الكابالا ـ القبالة ـ المتساررة. ذلك انهم فى مواجهة البابوية كانوا قد فبركوا ما يسمى "التنوير" وقد حرضوا انجلترا هنري الثامن عل عصيان البابوية ونشأت الطوائف العاصية للكاثوليكية ـ ومعناها الحرفى البرتستانتية ـ خصما على الكاثوليكية ورموزها وشواهدها الحجرية واضرحتها وقدسياتها. ومع ذلك يعتنق امثال مادلين اولبرايت وجون كيرى كما فعل بينجامين ديزرائيلى قبلهما ـ غيرهم كثر لا يسع المجال لتعدادهم ـ المسيحية تخفيا أو/ و نفعيا.

أوباما وتونى بلير:
ازعم أن أوباما تنويع على تونى بلير لو امعنا النظر. فلا يزيد أوباما على تونى بلير الا بقدر ما تلفع الاخير بعباءة حزب العمال الجديد، فيما يتلفع أوباما بعباة حزب الديمقراطيين الجدد. ولا يزيد أوباما على أن يزاود على المحافظين الجدد فى عملية منظمة لاعادة توزيع الادوار، انقاذا للراسمالية ما بعد الصناعية من نفسها وازماتها الدورية، المتوطنة فى طبيعتها باعادة انتاج نموذج التنمية الامريكي ما بعد الرأسمالي المالي الصهيونى الجديد. ويقول جون بيلجرJohn Pilger أن أوباما أبو الصهيونية الامريكية الجديدة، وأن قوى ظلام تتستر وراء ما يسمى "الرئاسة الامريكية ما بعد العنصرية The post racist Presidency تقف وراء أوباما(7). وكانت الصهيونية الجديدة قد كرست البعد اليسوعاني فى اليهودية وخصوصية القومية الاسرائيلية معا. وثمة حركات صهيونية تحسر ما بين المسيحية اليهودية مثل حركة النزارين Nazarene. وتصدر السردية الصهيومسيحية أو اليسوعانية عن مشروع قديم جديد، مفاده أو شعاره "حق أمريكا فى نشر الحرية" فى كل مكان. ويشارف المشروع مشروع سيسيل دودز، وبرنامج حزب البندقية من قبله. فقد كان لسيسيل رودز وشريكه ومموله البارون ادموند دى رثستشايلد مشرعا سريا مفاده خلق امبراطورية عالمية، تتمحور حول القارة الافريقية لتشمل العالم، حيث تنعدم اسباب الحرب من بعد باخصاء كل بديل للمشروع الصهيونى الجديد. وكان مشروع القاهرة الكاب مكون رئيسي فى مشروع رودز السري، الذى ترك له رودز ثروته الهائلة. فكيف لا يكون اجتياح غزة متفق عليه؟ ولماذا لا يكون متفق على توقيته؟ الم يذهب أوباما أول ما ذهب بعد ترشيحة لرئاسة الجمهورية إلى اسرائيل؟ الم يعتمر تلك الطاقية الشهيرة؟ ألم ألم؟ ولمَ لا؟ هل يعقل أن يفوز مرشح برئاسة الجمهورية الامريكية بدون مباركة اسرائيل؟ الصهيونية العالمية؟ وهل يعقل وصول مرشح أسود إلى رئاسة أهم وأقوى جمهورية فى العالم افتراضا، خصما على الامر الصهيوني العالمى الواقع؟ ألم يعلن أوباما السبت 18 ابريل نيسان 2009 انسحاب واشينجتون من حضور اجتماع الامم المتحدة المنعقد فى جنيفا الاثنن 20 ابريل نيسان 2009 حول التفرقة العنصرية، خشبة أن يتحول الاجتماع كما حذر فى 2001 إلى ادانة لإسرائيل والغرب؟ الم يصمت ولم ينطق حرفا عندما قتل أطفال فلسطين؟

كيف يقيض لاسود اعتلاء سدة سلطة تمأسست على العبودية وما تبرح؟
لم يقيض لأسود ـ علنا ـ فيما خلا بيتهوفين وبوشكين ـ من قبل منذ القديس قسطنطين ـ موقعا بهذا القدر الرفيع، ناهيك عن اعتلاء سدة أقوى وأكبر سلطة فى العالم. وتقول آن ليزلي ـ و لست من اشد انصارها ـ "اذا لم تكن ابيض وبروتستانتى وصليبى، فلن تكون فى مقدمة أي مكان" If you are not white and protestant and crusader you will never be in the forefront of anything.. إن أوباما الاسود ذي الاصول المسلمة كان مجعولا لان يعيد اختراع أمريكا، حتى تستعيد مركزها فى العالم ـ و كان بوش قد خلق شرط اسوأ صورة للولايات المتحدة، ومرغ سمعتها فى التراب. وأوباما لم يكن عليه أن يعد الغرب بالارض وما عليها، وإنما العالم بالارض وما عليها وهو يدرك أن احدا لن يطالبه بكل ما يعد، أو حتى بكثير أو قليل منه. ولعل الاجابة على بعض الاسئلة أعلاه يعود مرة اخرى فى حلقة جهنمية مفرغة، أو فى ثورة فيزيقية كاملة، إلى انتخاب رئيس وزراء اسرائيل بدوره. فالامر شديد التركيب والتعقيد، وغاية فى الوضوح والتواقح فى وقت واحد. ومن لا يعجبه فليشرب من البحر. وقياسا فقد يقيض اجتياح غزة وصول ناتانياهو بصحبة افيدور ليبرمان قائد المختلين، أو سيد المتطرفين المتعصبين، سدة السلطة الاسرائيلية القادمة. ففى تحالفه مع حزب افيدور ليبرمان "اسرائيل بيتنا" لا يحتاج كل من بينجامين نتانياهو وافيدور ليبرمان سوى أن يصدرعن سفر التكوين وسفر الخروج وسفر التثنية وسفر الاعداد وسفر لاوية والملوك والقضاة وغيره، ليبرر بل ليكرس تقواه إيمانا بالرب. ويقيض ذلك لهما تكريس سياسات نتاياهو تجاه الفلسطينين، بالاصرار على مبدأ أن اسرائيل لن تقبل مجاورة غزة للمدن الاسرائيلية الكبرى، كون غزة تصدر عن ارهاب ايران. وكان سفير اسرائيل فى استراليا قد وصف ـ وهو غافل عن أن الكاميرا والميكرفون دائران ـ مذابح غزة على انها اختبار ومقدمة لقصف إيران.

وحيث يهدد ناتانياهو بغزو ايران ـ وكان غزو غزة بروفة على غزو ايران ـ فان صمت الرئيس الامريكى على ضرب غزة بروفة على ما قد يغدو بدوره صمتا ازاء غزو ايران. ولا يزيد ذلك سوى أن يكرس ما من شأنه أن يدعو كثيرين إلى افتراض أن الادارة الامريكية الجديد،ة يحتلها اليوم اكثر رؤساء الجمهورية صهيونية فى التاريخ الحديث. فلم ينطق أوباما ببنت شفة بشأن ضحايا مذبحة اسرائيل فى غزة، مثلما لم يذكر بوش ولا وزير خارجيته مذابح بيت لحم ونابلس، ولا ذكر أطفال غزة مرة. إلا انه جأر بانه لو كانت ابنتيه الصغيرتان تنامان يوميا مهددتان بصواريخ القسام، لفعل كل شئ من أجل حمايتهن. ويعلن أوباما السبت 18 ابريل نيسان 2009 انسحاب واشينجتون من حضور اجتماع الامم المتحدة المنعقد فى جنيفا الاثنن 20 ابريل نيسان 2009 حول التفرقة العنصرية، خشبة أن يتحول الاجتماع كما هدد فى 2001 بادانة اسرائيل والغرب. ولا ينطق حرفا عندما يقتل اطفال فلسطين. وكان الكونجرس قد هدد بقطع المعونة الاقتصادية عن بريطانيا اثناء الحرب العالمية الثانية حين همت بريطانيا باعادة اليهود إلى المانيا.

وكان أول ما فعله أوباما أن عيين هيلارى كلينتون التى هددت بازالة ايران من فوق سطح الارض نيابة عن اسرائيل. وفى كل ما فعل أوباما فور تنصيبه أن اتصل أول ما اتصل بمحمود عباس الرجل غير المنتخب، والذى لا يتمتع بشعبية تذكر، وعين ريتشار بروك الاتى من ازمنة سحيقة مستشاره فى امور افغانسان. ولم يصرح أوباما بما ينبئ بحماية البيئة، رغم احتفال الخضر وجرين بيس Green Peace بحلول رئيس جديد فى البيت الابيض. وقد بقى كل همه مثله مثل بوش الابن هو الامن النفطي قياسا على تعيين قوات الاحتلال الامريكى على حراسة وزارة النفط العراقية، دون ما عداها. فقد عين الجنرال جيم جونز القائد الاعلى السابق لحلف الاطلنطي مستشارا له في شئون النفط. وكان الجنرال جيم جونز قد صنع اسمه جراء مثابرته على السيطرة على استغلال نفط واحتياطى الغاز فى الخيلج الفارسى، وبحر قزوين، وخليج غينيا وافريقيا. ولم يزد سوى أن أعاد انتاج حرص قوات الاحتلال على حراسة وزارة النفط العراقية دون ما عداها بما فى ذلك متحف الاثار العراقية الذى لا يضاهى.

هذا وقد فتح فوز باراك للديمقراطيين فضاءات تراض غير مسبوقة فيما بينهم نسبيا، مما انهى بعض انقساماتهم التقليدية لاول مرة منذ وقت طويل. فراح الديمقراطيون يطوفون العوالم الثالثة خاصة يوزعون على الاخيرين الحكمة، ويلقون عليهم النصح الامريكى الالهى القويم. وإلا فما الذى يسمح لجون كيري المرشح الديمقراطى السابق لرئاسة الجمهورية الامريكية أن يزور لبنان ويقابل رئيسها ويجلس امام الكاميرا ليعطى رئيس لبنان درسا فى الكرامة الوطنية وفى تعريف الدولة؟ وكأن جون كيري يستعدي سليمان على المقاومة اللبنانية على الشاشة والميكريفون، وليس فى حديث ديبلوماسي خلف الابواب المغلقة.

و رغم أن أوباما صرح ـ و يا كثرة ما صرح اوباما ـ فوعد ـ ويا كثرة ما وعد أوباما ـ بألا يستدعى العنف فى حل المشكلات، بل سوف يمد يدا منبسطة بالتصافح لاى قبضة متشددة. إلا انه زاد فى جملة اعتراضية ـ وأموت وبى شئ من الجمل الاعتراضية ـ زاد بانه سوف يضع كافة الحلول فوق المائدة. ولم يذكر أوباما مواجهة ـ أو فى جملة اعتراضية ـ انه لن يضع الحلول العنيفة فوق مائدة المفاوضات منبسطة اليد مع ايران ولا أن يمنع غيره من العدوان على ايران. فقد ترك الباب مفتوحا مثلما فعل حين قصفت اسرائيل غزة. وقد راحت الديلى تيليغراف تطلع علينا يوميا باخبار الحرب الخفية، ومحاولات اغتيال قادة وعلماء ايرانيين، واختراق ايران بالجماعات التى يمولها كل من الاستخبارات الاسرائيلية والامريكية. وحيث كان جورج ووكر بوش كغيره من الرؤساء قد حارب حروب اسرائيل نيابة عنها أو/ وبجوارها من 1947 و 1958 وحرب 1967 إلى حرب لبنان 2006 وصولا إلى مذبحة غزة 9 ـ 2008 فما الذى يمنع اسرائيل من اشعال حروب أمريكا بالوكالة؟ وما هو الفرق حقا؟

وهل يمكن أن تتجاوز الادارة الامريكية الجديدة سياسة الولايات المتحدة وحلفائها ومن ورائهم حلفاء حلفائهم من حكام العالم العربى وربما الاسلامى قاطبة؟ هل تتجاوز الادارة الامريكية الجديدة ـ وهل تجاوزت أي ادارة امريكية سابقة ـ سياسات تكريس اسرائيل الكبرى؟ وحيث أن كل زعيم صهيونى منذ مناخيم وازيمانو بن جوريون إلى نتانياهو تعين على الاستحواذ بصورة مثابرة على الارض الفلسطينية، فان الإدارات الامريكية كانت تخلق ستار دخان ما يسمى بالمفاوضات لتخدير الفلسطينيين، مع لي ذراع الزعامات الفلسطينية أو/ و اختراقها أو شرائها تيسيرا لتمرير التطهير العرقى والتسفير تواطؤا على تحويل فلسطين إلى ارض بلا صاحب.

المشروع الصهيونى وتجارة المحرقة:
كان المشروع الصهيونى للدولة العبرية الكبرى كما هو معروف قد تمأسس فوق ثلاث محاور:

1 ـ التوسع فى الارض على جانبى الخط الاخضر ـ خط 1948.
2 ـ تجاوز كل محاولة لحل المشكلة الفلسطينية بتجاوز كافة قرارات الامم المتحدة
3 ـ السير قدما فى بناء الدولة العربية الكبرى

كان بن جوريون (1896 ـ 1973) اول رئيس وزراء اسرائيل قد استبق مشروع دولة اسرائيل منذ التقسيم، وقد قبلت القيادة الصهيونية الفكرة. وقال بن جوريون وقتها انه "بقدر ما لا ارى أن الدولة الاسرائيلة هى الحل النهائى لمشكلة اليهود، فاننى لا ارى أن التقسيم حل لمسألة فلسطين. ذلك أن الذين يرفضون التقسيم على حق فى ادعائهم أن البلاد لا يمكن تقسيمها، لانها تشكل وحدة واحدة متكاملة، ليس وحسب تاريخيا، وانما ايضا من حيث طبيعة اقتصاد البلاد." وقال بن جوريون "انه بعد تكوين جيش كبير صبيحية تأسيس الدولة العبرية فسوف نلغى التقسيم ونتوسع فى كافة فلسطين." ثم راح البن جوريون يجأرون بانهم ضاحيا. وحيث ليس ثمة غير اؤلئك الذين ما أن يستحوذون على الغنائم بالقوة الغاشمة ثم ما ينفكون أن يرون انفسهم جديرون بها فان الغزاة كانوا دائما يرون انفسهم ضحايا لا ارادة لهم، فيما احاق بهم بل هم ضحية الظروف والبرابرة ـ والاخيرون هم ضحاياهم هم ـ اللذين يجد العزاة انفسهم للاسف مجبرين على حماية حقوقهم فى مواجهتهم (أي اؤلئك البرابرة). ويعتبر بن موريس ـو هو مؤرخ قام بترشيف مستندات 1948 التطهير العرقى ونشرت كتاباته فى معاريف، ثم فى كتابه بالعبرية بعنوان "الضحية" يعتبر ـ بن موريس أن كلا الشعبين وهم فى الصراع فى الشرق الاوسط ضحية، إلا أن الاسرائيليين هم الضحية الاكبر The victim in which the Israelis are the bigger Victims، يقول المؤرخ بين موريس فى لقاء مع هأريتس فى 2004 حول كتابه بعنوان الضحايا أن اليهود هم الضحايا الاكثر استهدافا لانهم محاطون ببحر من العرب المعادين(8).

واجادل أن مفهوم "الضحية مفهوما ينبغى تأمله جيدا، فهو الذى يفحم به اعراب الشتات كل من يواجههم اذ يجتزؤون أي حوار فى لغة المحرقة. ويقول افراهام بورد أن اسرائيل بقيت طويلا وما تبرح رهينة الهوس المسترخص بالتجربة الاسرائيلية، باساءة استغلال المحرقة بوصفها عماد الهوية اليهودية الثيولوجي، مما خلف اسرائيل وقد كرست مفهوم "الامة الضحية" The Victim Nation. ويوقف ذلك الهوس اسرائيل المحرقة فى تضاد بيين مع قوة اسرائيل الماثلة، مما يثير السخرية فى افضل الشروط. فبدلا من أن ينتهى ذلك التباكى باعدام ادولف ايخمان فى 1962، الا أن خطاب المحرقة على العكس من ذلك لم يلبث أن بدأ مجددا. فقد راح اليهود يختزلون كل خصم، وكل رأى مخالف فى مفردات المحرقة. فكل خصم لهم هتلر، وكل من على خلاف معهم معاد للسامية أو المانى(9). ويكاد لا يبق من الرأي العام الاسرائيلى سوى أقلية ممن يطلق عليهم "اليهود الكارهين لانفسهم" لتواجهوا هذا الافك أو ينبثوا ببنت شفه. فقد استقطب الاسرائيون عن بكرة ابيهم(10). وقياسا لم تلبث المحرقة أن خصخصت لمصلحة المهاجرين الاقتصاديين والمستوطنين بل حتى لمصلحة جماعات القضية الواحدة كالمثليين اليهود.

وكان ذلك قد بدأ باكرا وقبل حلولهم فى فلسطين رغم ما يحفل به الاصحاح القديم من محارق ضد خصومهم ذلك أن تلك المحارق كانت مقدسة قياسا على ما يدعى من المحارق ضد اليهود. فقد كان الرب يقود تلك المحارق ضد خصوم اليهوك بنفسه حتى يضمن انهم احرقوا مدن خصومهم، وطردوهم من اراضيهم، ولم يتركوا لهم ارضا ولا فضاءا يحتمون به غير البيداء، وكأن أعراب الشتات وهم البدو الازليين بخاطرهم، يحيلون المستقرين على مر التاريخ، إلى رحل بدورهم مما يلاحظه الناس تباعا فى هجرات الناس من كل مكان إلى كل مكان.

الناس لهفى على التفاحة ولا بأس حتى أن كانت عطبة
كانت حالة من القنوط الجنونى الذى ما كان ليسمح بحلول لحظة رشد كامل ـ و قد اخذ الاحباط بتلابيب الناس فى كل مكان جراء تشوه العالم بالحروب والتصحر والتلوث البيئى ـ قد حلت بالناس فى كل مكان وقد طفح الكيل بحلول الازمة المالية الاقتصادية أو اللا اقتصادية غير المسبوقة. لم يكن معدى من اكل التفاحة دون التساؤل ما اذا كانت عطبة. وحتى أن كانت فلم يعد سوى ذلك أو الهلاك. وقد ابتلع الناس وبعضهم من الاكثر ذكاء والاشد اهتماما بهموم العالم السم فى الدسم. فاوباما خطيب مفوه من شيكاغو مقارنة ببوش الذى كان يدعى البله أو كان ابلها من تكساس. وكان العالم مع نهاية ادارة جورج ووكر بوش يمنى النفس بالتخلص من جورج ووكر بوش وهو ـ أي العالم ـ غير واثق من انه يملك التخلص من جورج ووكر بوش ومن ديك تشينى ومن المحافظين الجدد فعلا. فهل تخلص العالم منهم حقا؟ ذلك انه أن عين أوباما من الجمهوريين من لو كان جون مكين عين عددا ومؤهلات لجار العالم مستنكرا كثرة المحافظين الجدد والصهاينة فى ادارته. فلم يضم جورج جياتس Gates وزير دفاع ادارة بوش إلى ادارته هو ولو مؤقتا كما قال متخاتلا فقد ارسل سرا هنرى كيسينجر ـ مجرم كامبوديا ـ و المطلوب شعبيا جراء جرائم حرب وكان أوباما ما يبرح رئيسا منتخبا بعد ـ لاجراء مباحثات ـ فى ديسمبر 2008 ـ مع روسيا حول تخفيض الاسلحة النووية مما قد يشي بأمر ما Tell you something

وقد عرضت على أوباما فكرة كان قد تقدم بها السناتور باتريك ليهي رئيس لجنة الشئون القضائية في مجلس الشيوخ بشأن اقامة "لجنة تقصى الحقيقة" Truth Committee على غرار ما حدث فى جنوب افريقيا صبيحة الاستقلال ونهاية الفصل العنصري على أوباما للنظر. وتتلخص تلك الفكرة فى اعادة النظر فى والغاء بعض تجاوزات الادارة الامريكية 43 على عهد جورج ووكر بوش فيما يتصل وحسب بتقنيات الاستنطاق التى تشارف التعذيب وما يتصل بالتصنت على الامريكان والتعين على جمع اسماء المترددين على المكتبات العامة وعناوين الكتب التى يستعيرونها ومعاقبة المسئولين عن الفساد الاداري والمالي. الا أن أوباما قابل فكرة لجنة الحقيقة بفتور، وهو الرجل المعروف بالقدرة على الحماس وعلى اثارة الحماس فيمن عداه. ولم ينتقد أوباما ادارة بوش بقدر ما انتقدها فيما اسماه التركة التى خلفتها له فى افغانستان مما "لا يمكن السكوت عليه". وليس ذلك وانما ترفض ادارة باراك أوباما اعادة النظر فى معتقل باجرام فى افغانستان بدعوى أن نزلائه من الذين اصطنعت ادارة جورج ووكر بوش لهم صفة الاعداء غير المحاربين Enemy non ـ combatants ممن القى القبض عليهم فى "منطقة نزاع". ويشمل مفهوم منطقة النزاع تلك الباكستان بكاملها وافغانستان بالضرورة والواقع أن منطقة النزاع باتت على عهد الادارة 43 تشمل العالم، فقد استقطبت الويالات المتحدة البشرية فى مشروع نشر الحرية والديمقراطية، ذاك تسترا على نزاعها حول الموارد، خصما على اصحاب الموارد فى كل مكان.

المهم فورا فان معتقل باجرام أسوا من جوانتانامو، حيث أدى التعذيب فى باجرام إلى مقتل عدد من المعتقلين. وباجرام سجن خارج القانون، ولا يسمح لنزلائه بالدفاع عن انفسهم، أو الحق فى محام أو فى مراجعة امر توقيفهم ازاء السلطات الامريكية، أو فى المحاكم الامريكية. ويرسل بعض المعتقلين إلى المغرب وباكستان وغيرها ليعذبوا بواسطة سلطات سجون معروفة بممارسة التعذيب. وقد رصد أوباما 60 مليون دولار لبناء سجن جديد فى افغانستان على غرار معتقل باجرام. هذا ولم يقل أوباما شيئا بشأن الحرب غير المعلنة التى تشعلها أمريكا على احدى حليفاتها الباكستان ـ وقد باتت الاخيرة دولة مفلسة فيما تبقى قوة نووية. ويواصل أوباما تصعيد الحرب على الطالبان ويخلط بين الطالبان والقاعدة(11). وتدفع القوات البريطانية أموالا طائلة مقابل الامن والماء وتذهب تلك الاموال إلى الطالبان. وكان الافغان قد رحبوا فى ديسمبر 2001 بالقوات الاجنبية عندما دخلت افغانستان وكان العكس صحيح فى العراق. وفى سبتمبر 2007 بات اكثر من نصف افغانستان حتى كابول مناطق غير امنة حتى للقوات الاجنبية No go areas حسب الخارطة التى تصدرها الامم المتحدة، وتلون فيها المناطق الخطرة باللون الوردى. وحيث لم يكن الامريكان معنيون ببناء الدولة فى أفغانستان فلم يكن واردا تحقيق مشروع عدالة اجتماعية تشمل "تمكين المرأة" الذى اعلنت الحرب من اجله أو غير المرأة من ثم. بل ليست القوات الاجنبية معنية بضمان أي شئ لاى كان بما فى ذلك الامن. فالقوات الاجنبية ليست معنية بتوفير الامن لاى كان سوى رئيس الجمهورية الافغانية طالما بقيت أمريكا راضية عنه فهى التى تختاره وهى التى تسقطه فى انقلاب معلن على غرار يوميات موت معلن لماركيز. هذا ويوشك أن يتحول معظم حكام المجتمعات النائمة إلى قردة يلاعبها صاحبها امام الناس مقابل النقود.

فوز أوباما والمسيح المنتظر:
رغم أن التعديل الاول فى الدستور الامريكى يقول بفصل الدين والدولة الا أن رئيس الجمهورية يقسم يمين الولاء على الانجيل. وينص الدستور على حرية العقيدة فامريكا دولة متدينة. وحيث لا ينص الدستور على حرمان الدولة من الدين، الا انه يقول بعدم تكريس عقيدة بعينها للدولة. الا أن ذلك كان بعينه ما تعينت على تكريسه الادراة امريكية 43 لمدة 8 سنوات. ومع المفيد تذكر أن حركة الحريات المدنية كانت تصدر عن الدين، وكان اتباعها من الكنائس السوداء التى كان بعضها يتبع جيمس كولن. وكان مارتين لوثر كينج زعيم حركة الحريات فى ستينات القرن العشرين قسا، وكان اسمه تيمنا بسلفه زعيم الحركة المعادية للبابوية عشية ما يسمى باصلاح الدينى، الذى اضطرت له الكاثوليكية أمام هجوم العصاة البروتستانت. وكانت حركة الوعى السوداء أو الثيولوجيا السوداء إلى ذلك حركة مسيحية. وكان 12 مليون قد جندوا فى 1977 للتصويت لكارتر الذى كان قد اعلن انه ولدا مسيحيا من جديد، وقد صوت ثلث اؤلئك لرونالد ريجان. وبعد أن تحررت الكنيسة الكاثوليكية فيما يسمى بالفاتيكان الثانى ـ الذى برأ اليهود من دم المسيح ـ اعتبر الكاثوليك أن البروتستانت اخوة. الا أن اليمين الدينى احتكر الاعلام خلال ربع القرن الماضى. وكان انهيار الطوائف الاخرى له اثر فى تفاقم سطوة الافانجليين اللذين الفوا فى ستينات القرن العشرين حوالى 18% ولم تلبث اعدادهم أن ارتفعت إلى اكثر من 50%. وفى انتخابات 2004 بات بوش معبرا عن صوت الافانجلية امريكية. وكان فرانك شيفر قس يعيش فى سويسرا وكان تعرف بجورج ووكر بوش. وكان ابوه صديق رونالد ريجان وكان فى عداد صحبته امثال بيللي جراهام. وقد ادرك الافانجليون أن التعصب لقضايا مثل منع الاجهاض ومعادات المثليين والتجريب على الخلايا الجزعية قد اضر بحركتهم. وقد اصيبوا بضربة قوية جراء فوز باراك اوباما. وادركوا ايضا أن التركيز على عقيدة واحدة مضر بالشعب الامريكى متعدد النزوع العقيدى. وبالمقابل ورغم أن الديمقراطيين لم يكونوا يصدرون عن الدين مثلما لم يكن جون كيرى وال جور يفعلان ـ فيما خلى اعتناق جون كيري اليهودى الاصل إلى الكاثوليكية ـ وقد رأى ما حدث لوجوزيف ليبرمان مما دفع الاخير إلى ترك الديمقراطيين والتحول إلى مستقل. الا أن الديمقراطيين باتوا يرون اهمية الدين فى السياسة على طريقة المحافظين الجدد.

ورغم أن أوباما مسلم لا محالة الا أن ادعاءا ينتشر بان امه ـ التى تبقى غامضة ولا يسترسل فى الحديث حولها احد بعد ـ لا تستدعى الفكر المتحرر. وهو قياسا من اب أو زوج أم علمانى بدوره. وأوباما عقلانى رغم انه امضى 20 عاما فى كنيسة سوداء Liberationist black theology وفى 13 مارس 2008 قال جيرامايا رايت Graham Wright زعيم كنيسة أوباما "أن لعن الله امريكا" فجاء بالثيولوجية التحررية السوداء إلى الصورة من التسامح الدينى إلى ما يشارف التعصب، مما خلق حرجا لأوباما واتباعه. وقياسا قد ينزع أوباما إلى احلال عقيدة السلام والتسامح مكان عقيدة الحرب والتنازع، بغاية حل المشكلات بالتفاوض مع "الاحتفاط بكافة الخيارات فوق مائدة التفاوض." ويتوقع البعض أن أوباما سوف يخلق مناخ حرية العقيدة بين جميع الامريكان والعالم معا. ويقول اخرون أن فوزه هو فرصة أو لحظة تسنح للامريكان ولغيرهم أن يتسائلوا عما حاق بهم ويعيدون النظر فى ويتأملون ماهيتهم. ويقول اخرون أن أمريكا قد طوت صفحة عنصرية اخرى. ولعل كثيرون قد يتصورون أن جورج ووكر بوش وربما رونالد ريجان حالتين نادرتين من غلواء تدين الرؤساء الامريكان. ذلك أن كثيرين قد يتخيلون انه ما دام الدستور الامريكى ينص على فصل الدين عن الدولة فان الدين والدولة لا يلتقيان فى السياسة الامريكية. الا أن البعض يلاحظ متحيرا كيف أن أمريكا من اكثر المجتمعات تدينا ومحافظة رغم هوليوود وحقوق المثليين. كما يلاحظ الناس كيف أن الافانجلية الانجلو امريكية محافظة حد التزمت الا انها تسمح بامثال القس جين روبينسون بان يتزوج رجلا علنا وتحتفل به الرعية. وحيث كان بوش وريجان من قبله حسب الشائع اكثر رؤساء أمريكا تدينا وصولا إلى التطرف حتى الدروشة مما ارتسم على وجه جورج ووكر بوش حيرة بائنة وفى حالته التى كانت تدعو للرثاء إبان حفل تنصيب أوباما صباح الثلاثاء 20 يناير 2008. فلعل بوش بقى عاجرا عن تصور أن ثمة حقيقة غير ما كان يستدعيه من انصاف الحقائق والاكاذيب بغواية نائبه ديك تشينى ودونالد رمسفيلد وريتشارد بيرل وبول وولفوفيتش وغيرهم من المحافظين الجدد وبيللى جراهام الاب وابنه وميك واران Mike Warren هو من اكبر رجال الدين الامريكان.

وقد يلاحظ البعض أن معظم، أن لم كافة، من توالى على الرئاسة كان بروتستانتيا فيما خلا جون فيتزجيرالد كيندي الذى اغتيل فى 1963 كما اغتيل شقيقه بوب كينيدى المرشح للرئاسة، وازعم أن الدين فى أمريكا يصدر عن قسطنطين الاول أو العظيم (274 ـ 280 ـ 337) الذى يدعى انه اول من نصر الامبراطويية الرومانية ـ الشرقية ـ وتوصف بالمقدسة تكاذبا ـ وجعل عاصمتها قسطنطينة ـ اسطنبول الحالية. فهو الذى حول المسيحية الغربية من عقيدة مضطهدة إلى عقيدة متضطهدة، تتعقب من عاداها والمسيحيين الغربيين من حفنة من المؤمنين المضطهدين، إلى مسيحيين يتعقبون من عداهم بحد السيف. فان راح يمفصل مفهوم الحرب العادلة فقد كانت المسيحية الغربية حرية بان تتمأسس فوق مفهوم الحرب العادلة ذاك. ويمكن تعريف مسيحية الامبراطورية الرومانية الشرقية التى يرثها كافة زعماء أوربا وامريكا التوسعيين ـ صليبيا ـ من اغسطين الاكبر وإلى شارلمان وريتشاد قلب الاسد ونابيليون بونابارت وابراهام لينكولين إلى رونالد ريجان وصولا إلى جورج ووكر بوش ـ يمكن تعريفها بانها تحول المؤمن إلى مواطن. فالايمان سبيل المواطنة فتعطى ما لقيصر عن طريق العقيدة.

ورغم أن قسطنطين كان سفر تكوين الكاثوليكية الرومية إلا انه كان وثينا، وبقى وثينا، حتى ليقال أن الامبراطورية الرومانية لم تنصر حتى وصول الفيزيقوط Visigoth أو البرابرة، رغم أن قسطنطين كان قد شيد اهم واكبر الكنائس والكاتيدرائيات. الا أن الاخيرة كانت تنويعا على المحاريب الوثنية، ولم تذكر نقوشها وشواهدها وصورها المسيح مرة واحدة. فقد كانت المسيحية سبيل قسطنطين إلى استقطاب الناس وترويعهم، مثلما يكون من ليس معنا فهو ضدنا. ويستباح دمه وماله وكل ما حوله. فحيث بات العرش ممثل الرب وتعين الاباطرة على استدعاء الرب فيهم، فباتوا هم انفسهم آلهة على طريقة اسلافهم الوثنين الذين كانوا يجأرون كما فعل الاسكندر الاكبر المثلي الذى دمر مدينة فى افغانستان عن بكرة ابيها عندما مات عشيقه ـ يجأر امثاله على الزمان ـ وهو على فراش الموت، بان "من النجوم أو من الا لهة اتينا واليها نعود". فثمة فى السلطة فيروس الجنون المطلق. وحيث كان ضعف العروش اللاحقة قد خلق فى القرن الرابع الميلادى شرط نشوء البابوية والفاتيكان كاقوى سلطة فى العالم الغربي وما ورائه. فقد نشأت قياسا على الصعيد اللاهوتى ميثولوجيا كرامات البابوية والقديسين. ومابين فيروس الجنون السلطوي الوضعي، وكرامات البابوات والقديسين راح المحكومون يجتزأون ـ مبنى للمجهول ـ فى ويصمون بالرعاع العامة الدهماء مرة وفى الكفرة ممن ينبغي تنصيرهم حتى الموت أو/ و يستحقون قدرهم.

كرامات أوباما: سليمان الحكيم أو فرانسيسن قديس أسيسي
يؤمن أوباما بالحب والقوة وكان يقتطف من مارتين لوثر كينج قول الاخير: إن الحب بلا سلطة تسنده ليس إلا محض عاطفة لا تجدى، الا أن الحب مع السلطة يعنى العدالة. وكان أوباما يترك انطباعا باقيا لدى كل من يلقاه وكان يدرس نظرية الفلسفة الدولية. وكان يهتم بالعلاقات العرقية وبسير الدولة. وتعرف على الحوار الجارى بشأن التوتر العنصري. الا انه لم يكن متوترا ولا متشائما. فقد كان مؤمنا بان عليه مسئولية وأن فرصتة سواتيه لا محالة دانية. ورغم انه كان حظى بالاستاذية الا انه كان يدرك أن ذلك لم يكن كل شئ. فقد كان على يقين من أنه مجعول لامر اخر فقد كان يعرف مصيره. وكأنه مثل الهة اليونان مدفوع بقدره الخاص. ولم يلبث أوباما أن التحق بجماعة شيكاغو، وتستدعى الاخيرة افكار ميلتون فريدمان مؤسس المدرسة، ومن اهم المنظريين الماليين المحدثين. ورغم أن أوباما لم يقم ببحوث معروفة أو نشر مصدرات تذكر سوى مذكراته الخاصة بعنوان احلام أبى Dreams of my Father التى كسب من ورائها 2.5 مليون دولار عام 2008. ويقول جاك كاشهيل Jack Cashill فى موقع المفكر الامريكى American Thinker من مقالة بتاريخ 9 اكتوبر 2008 حول مذكرات أوباما يثب فيها انه يستحيل أن يكون أوباما هو الذى كتبها. ويقارن جاك كاشهيل Cashill بين اسلوبها واسلوب كاتب معين. ويقول أن ثمة مؤكدا كاتب شبحGhost writer وراء تلك المذكرات البليغة. فلم يكتب أوباما سوى مقالة "لا يعتد بها نشرت فى نيويوركر ماجازين Harvard Law Revue كما نشرت له قصيدة قصيرة حول التين والقرود Figs and Apes. الا ان أوباما يوصف بالاستاذ أي البروفيسور.

وكان أوباما أصغر الاساتذة سنا وكان يشتغل فى ثلاث اعمال فى وقت واحد، وكان اقرب إلى الطلاب منه إلى الاساتذة رغم انه كان سيناتور ـ عضوا فى مجلس النواب ـ ثم فى مجلس الشيوخ(12). وقد يتم اغتيال باراك حسين باراك أوباما كما اغتيل ابراهام لينكولين الذى يستمثله أوباما، وكما اغتيل مارتين لوثر كينح الذى يصدر عنه أوباما، وكما اغتيل روبرت كينيدى الذى يشبه أوباما فى كثير من ملامح الشخصية وفى مكونات الرئاسة. الاول لانه كما تفول السردية الرسيمة استعدى اسياد العبيد. ومع ذلك فقد كان ابراهام لنكولن عنصرى بصورة لامحتشمة. فقد كان ابراهام لنكولن يسعى إلى أن تبقى الامة الامريكية بيضاء اوليجاركية صفوية، وحيث رغب فى تسفير العبيد المحررين، وربما بعض مفقرى البيض حيثما يتاح له ترحيلهم. فلم يكن يستحب أن تكون الامة الامريكية مختلطة. ويذكرك ذلك باطروحة دولة عبرية خالية من العرب فى اجتماع السلام باكاديمية البحرية الامريكية بمدينة انابوليس ـ مريلاند ـ فى نوفمبر 2007. ورغم ما يسمى حرية التنظيم والتعبير والحركة، فقد ترتب على تجربة الحرب الاهلية أن حرم على السود لوقت طويل الانخراط فى الجيش حتى حرب فيتنام فى سبعينات القرن العشرين. فقد بقى البعض يقول بانه أن يجند العبد أن هو الا اساءة للجيش وإلى شرف الجندية. فليس ثمة ما يسمح بان يغدو العبد جنديا بقدر ما لا يسمح بان أن يغدو الجندى عبدا(13).

ويحتفل باراك أوباما حسين أوباما بابراهام لينكولن (1809 ـ 1865) الرئيس الامريكى السادس عشر. وقد اشتهر الاخير بقيادة الحرب الاهلية 1862 ويشار اليها بالحرب من اجل تحرير العبيد. والواقع أن تحرير بعض العبيد وبخاصة عبيد الولايات الجنوبية كان فائض انتاج الحرب من اجل تكريس وحماية الاتحاد بين الولايات الشمالية والجنوبية. وكان تحرير العبيد يطال اصحاب العبيد فى الويات الجنوبية كعقوبة على العصيان ومقاومة الاتحاد بين الولايات. فقد كانت غاية الحرب الرسمية حماية الاتحاد. وكان لنيكولن يكرر انه "غير معني بشئ سوى الاتحاد. فان ترتب على حماية الاتحاد عصيان اصحاب العبيد تحرير العبيد فلا بأس وأن امكنه حماية الاتحاد دون تحرير العبيد كان بها". وكان اصحاب العبيد يعاقبون بتحرير العبيد لانهم كانوا يجندون العبيد فى صفوفهم فى الحرب الاهلية مما دفع العبيد إلى الهروب إلى الولايات الشمالية. ويقول كثيرون أن العبيد حرروا بالتنكل By Default اكثر من أي شئ اخر. الا أن تحرير العبيد كان إلى ذلك لصالح استقطاب العمل الحي من اجل الصناعة فى الشمال اكثر منه لشئ اخر. ويعبر تكاثر اعداد العبيد فى الولايات الشمالية عن نفسه فى تمركز الصناعات الامريكية فى الشمال وعلى راسها صناعة السيارات فى ديترويت وتسمى ديترويت قلعة أو مدينة الديمقراطية أو الحرية. وتري(ن) أن الحرية من العبودية لا تلبث أن تلقى بالعمل الحي الى عبودية سوق العمل او/ و عبودية العطالة أو حتى عبودية الديون.

المهم فورا أزعم أن ابراهام لينكولن اغتيل لانه جأر بضرورة الغاء المصارف. فقد كان حريا بان يستعدى تجار الرقيق واصحاب المال، وكانوا بدورهم إما اصحاب العبيد أو ممولى تجارها وتجارتها. فقد كانت تجارة الرقيق بمثابة المضاربة فى البوصة والتعامل بالاسهم والسندات. وقتل الثانى لانه اسود فى وقت غير مناسب لمنح السود أي حيثية، والثالث لأنه كاثوليكى. على أن نائب أوباما جوزيف بيدين Joseph R. Biden ـ 66 عاما ـ من الروم الكاثوليك، وقد بقى كل من خرج على المؤسسة السياسية العسكرية الامريكية وبخاصة عن فكرة أن رئيس الجمهورية هو سليل الاباء الاوائل مدان. وقياسا ففى مجتمع لا يسمح لغير البروتستانت بالسلطة يتعذر قبول كاثوليكى. ويعود سفر تكوين هذا التقليد إلى بريطانيا، وقد بقيت الاخيرة هى أم الولايات المتحدة نفسيا وتاريخيا وعرقيا. فغير مسموح لكاثوليكى أن يغدو عضوا فى الاسرة المالكة ولا فى السلطة الوضعية البريطانية وكان على تونى بلير أن ينتظر حتى تنتهى رئاسته للوزارة، ليعلن انه اعتنق الكاثوليكية. ومن المفيد تذكر أن للكاثوليكية طوائف تشارف القبالا، ومنها طائفة الاوباس داي Upas Dei وهى طائفة متساررة شديدة التكتم، ولها طبيعة ماسونية، ولا يعرف عنها الكثير. ويعتقد أن تلك الطوائف صهيونية(14).

ومع ذلك يختلف انتخاب أوباما مرشحا ديمراطيا لرئاسة الجمهورية، رغم انه جاء بمعرفة اللوبى الصهيونى الذى يساند كلا الحزبين حسب الطلب، من حيث أن أوباما يأتى بمباركة اصحاب المال ممن مول حملته. كما حظى بتأييد اصحاب الباع السياسي الذى يؤلف رأس مال رمزى لا يستهان به ومنهم:

ـ اصدقائه من يهود شيكاغو الاثرياء وقد وقفوا ورائه
ـ جورج سوروس موله منذ البدء، وسانده بنشاط فى مواجهة خطاب المحافظين الجدد الاصولى الذى تسبب فى استقطاب الناس فى كل مكان.
ـ بضعة من اكبر اللوبيات بذلت ملايين فى حملته الانتخابية. فحسب ملفات موجودة لدى مركز السياسة الاستجابية Responsive policies فان 5 لوبيات من اكبر اللوبيات الرأسمالية تمول حملة اوباما(15).
ـ هنرى كيسنجر وزير خارجية أمريكا السابق فى ادارة كل من نيكسون وفورد يؤاذر أوباما ويعمل معه.

وكان أوباما قد اوفد كيسينجر ـ حتى قبل أن يفوز بالرئاسة مما يقول الكثير ـ سرا فى مهمة من اجل تليين روسيا فيما يتصل بتخفيض السلاح النووي. وكيسنيجر مطلوب من ناحية فى قضايا تتعلق بجرائم حرب جراء دوره فى حروب الهند الصينية. ومن ناحية اخرى فقد منحه مؤتمر ميونيج للأمن وسام ايواد فون كلينست Ewad Von Kleist فى 7 فبراير 2008 تقديرا لاسهامه فى السلم العالمى والتعاون الدولى. ويؤمن كيسنيجر بتعريف معين لمفهوم الريالبوليتيك Realpolitik معاكس لمفهوم حركة عدم الانحياز ـ ويؤمن بالاخيرة نصف البشرية ـ التى انشأها عبد الناصر ونيكروما ونهرو وتيتو وسوكارنو. وقد عادت حركة عدم الانحياز وراحت تنتعش مع رؤول كاسترو وهيو شافيز. ففى حين أن حركة عدم الانحياز تتعين على تكريس عدم التدخل فى الشئون الداخلية للبلدان الاخرى، إلا أن كيسينجر يؤمن بالتدخل لصالح التوازن الدولى(؟) وهو تزويق لنشر حرية تشارف العبودية لحساب أمريكا ورأس المال طبعا خصما على الشعوب فى كل مكان.

أوباما وتحييد المعارضة ومستقبل الليبراليين الجدد
من شأن اوباما ـ مثله مثل روبرت كينيدى ـ أن يوفر للاعمال وجها جديدا وشابا وللحزب الديمقراطى ادعاء تقدميا إلى كون أوباما من اعضاء الصفوة الامريكية السوداء. الاهم فان أوباما من شأنه أن يخلق شرط انصراف الناس عن المعارضة ويحيد المعارضة. ذلك أن فوز أوباما من شأنه خلق ضغط عظيم على حركات المعارضين للحرب، وحركات العدالة الاجتماعية، فلا تجد المعارضة أي معارضة، وبخاصة الديمقراطية، معدى من أن تقبل ادارة ديمقراطية مهما كانت وبكل عيوبها(16). الا اننى اجادل أن غايه ترشيح أوباما وصولا إلى فوزه برئاسة الجمهورية حرية إلى ذلك بأن:

ـ تحييد فكرة أن رئيس الجمهورية الامريكية ينبغى أن يأتي تاريخيا من الطائفة البروتستانتية بوصفه خليفة الاباء الاوئل والحجاح مقارنة مع المهاجرين من اعراب الشتات.

ـ انه قياسا على وصول أوباما يمكن وصول احد احفاد اعراب الشتات جوزيف ليبرمان اوخلافه إلى رئاسة الجمهورية كما يغدو ابن الاخير صانع الملوك عبر انتخابات فبراير 2009 الاسرائيلية.

ان وصول أوباما إلى رئاسة الجمهررية قد يكرس مجددا لحظة لا يبقى لليبرالية الجديدة سوى أن تلفظ اخر انفاسها لحساب حركة اخرى قد لا تختلف الا بقدر ما تتعاطى من المسميات السامة لا اكثر. وقياسا فان وصل أوباما إلى السلطة أو اغتيل فان نهاية الليبرالية قمينة بان تتمثل لحساب ما بعد الليبرالية التى نعرفها مرة واحدة إلى وقت طويل.

ـ ان استخدام ايديولوجية الليبرالية التشطيرية لصناعة الحرب ستغدو السبيل الاهم للقضاء على الديمقراطية.

ومع ذلك فمن المفيد تذكر أن المحاقظين الجدد ـ و هم يجأرون بالديموقرطة ـ و كانوا يدعون انهم ثوريون كان قد اصابهم الملل واليأس من عجر اليسار عن اشعال ثورة، وضاق صدرهم بعيوب المشروع السوفيتى. وحيث تعين المحافظون الجدد على الجأر بنشر الحرية والديمقراطية، فكيف يخالف أي كان نشر الحرية والديمقراطية؟ وليس ثمة سبيل إلى فهم خطاب المحافظين الجدد الا بادراك انهم يستخدمون لغة تقول عكس ما تعني، وكانهم يستمثلون الاخ الاكبر فى كتاب جورج اورويل مرزعة الحيوانات أو 1984. وقد قيضت تلك اللغة الأوريلية أو ما اعرفه بالعقلانية القاحلة للمحافظين الجدد التعين على تبرير الاستباق الدفاعى بمشروع دمقرطة العالم على طريقتهم ـ وهم معادون للديمقراطية ـ الا بقدر ما تأتى بديكتاتوريات مدلسة ديمقراطيا بمحض الاقترع كل 4 سنوات ـ فى كل مكان من العالم الاول إلى العوالم الثالثة والرابعة المهزومة بالعولمة. وتعبر النماذج التى تمثل الدمقرطة المذكورة عن نفسها فى حامد قرظاى والجعفرى ومحمود عباس وفؤاد السينيورة حتى يستنفذ المحافظون الجدد واليمين الدينى ـ اليسوعوقراط منهم أغراضهم. وقياسا يغدو أي مشروع بديل حتى المشروع الاسلامى السياسى الذى خلقت امريكا ـ واسرائيل ـ معظم بداياته ـ بما في ذلك حماس ـ يغدو تحد لمشروع المحافظين الجدد، ومزاودة لا تغتفر على الاخيرين.

وتتعين الديمقراطية الغربية على رشوة الشعوب الغربية الغنية، مثلما كانت روما تفعل مع العامة، مما يخلق شرط تواطؤ معظم شعوب ومعظم مفكري ومثقفي وصحفيي واعلام وفن ومسرح وقوانين الغرب الخ على من عدى الغرب بدرجات المقياس. ذلك أن الغرب يدرك، وكان قد ادرك باكرا أن العالم لا يسع بشرية غير انتقائية، مما يدفع الديمقراطية الغربية إلى التمأسس فوق أسرار جماعية عظيمة يستحيل البوح بها. وتصدر تلك الاسرار عن الاجماع على أن مصلحة الغربيين فى التستر على القضاء على الاعدد الزائدة من الاغلبيات غير الغربية التى لا وجوه لها مما اسميه الذراية بالعامة ـ من المفقرين فى كل مكان. وقد خلقت الاوليجاركيات المالية شرط ذلك الاجماع بالقضاء على مفهوم التمايز الطبقى والصراع الطبقى الا بقدر ما انذرت الليبرالية الجديدة ببزوغ العولمة وكانت وسيلتها صراع الاغنياء الطبقى ضد المفقرين. فحين اطلق المحافظون الجدد على انفسهم صفة المحافظين الجدد فلم يكونوا فى الواقع سوى امبرياليين جدد. فهم راديكاليين ولا علاقة لهم بالمحافظة. وقياسا حيث ادعى الليبراليون الجدد الثورية وراحوا يؤبلسون كلمة الثورة بين من عداهم فباتت ثورة من عادى المحافظين الجدد نشاطا خطرا ينبغى محاربته واستئصاله فكلمة الثورة نفسها كلمة قذرة.

إلا أن أوباما جاء بثورة غير مسبوقة وقد تلفعت بمشروع السلطة التصالحية. ومع ذلك لم يصوت لمشروع انقاذ الاقتصاد من المحافظين إلا 3 نواب. ورغم ذلك فقد فاضت ادارته باكبر عدد من الجمهوريين فى تاريخ الادارات الامريكية، وتعين على "انقاذ" الرأسمالية ما بعد الصناعية، وانعش بالنتيجة دور صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، فأحيا دورهما فى خلق غرفة انعاش للنموذج الامريكى للتنمية ما بعد الرأسمالية. فقد اعاد أوباما انتاج اقتصاد أو لا اقتصاد المديونية ورأسمالية المراكمة بالربا أو الرأسمالية الربوية. وقد حقن أوباما المصارف بمليارات الدولارات بمال دافع الضريبة الامريكي، وصناعة السيارات بالمثل. وجاء أوباما بمستشارا فى شؤون شارع المال هو حسيب ونسيب شارع المال. ولم يقل أوباما باى مراجعة أو محاسبة للمتسببين فى الخراب الاقتصادى العالمى تانيب مهذب على استحياء احيانا لبعض مدراء المصارف السامة من المجرمين العلنيين بحق المدخرين الصغار، صغار حملة الاسهم، وارباب المعاشات واصحاب الاعمال الصغيرة من الناس العاديين.

تعالق حلول أوباما فى البيت الابيض ومذبحة غزة
يهدى اللوبى الصهيونى باراك أوباما معضلة غزة منحوسة فى الزمن الضائع من ادارة بوش. وكان الاخير قد وعد بان يحقق مشروع الدولتين حلا حتى اذا كان ذلك اخر شئ يقوم به خلال ادارته. وتقضى التطورات التى ادخلت على القضية الفلسطينية بقصف غزة السبت (اليوم الذى يحرم فيه العمل على اليهود الا من اجل الرب) 27 ديسمبر 2009، وتباعا ولا يعنى ذلك عدوان أو حتى احتلال. فغزة محتلة ومن حق اسرائيل ـ حسب القانون الدولى غير المكتوب أو الخروج على القانون Lawlessness ـ ان تجتاح اسرئيل غزة وتحرق الارض وتدمر البنى التحتية وتقتل ـ 50 طفلا ـ بموجب التعليمات العسكرية للجنود ـ مقابل كل جندى ـ وتروع السكان وتمارس عليهم التعذيب النفسى والبدنى. وتقتل اسرائيل الاطباء والممرضين وتضرب عربات الاسعاف ومستشفيات الاطفال، مثلما ذكرت انباء الساعة الخامسة والنصف صباحا والثامنة صباح السبت 3 ديسمبر على بى بى سي راديو 4 من أن اسرائيل اصابتها بالصدع ولم يتوقف عند ذلك احد ـ دفاعا عن نفسها. وتمنع اسرائيل السفينة ديجنيى Dignity ـ الكرامة ـ فى المياه الدولية وكانت فى طريقها إلى غزة تحمل المعونة وتكاد تغرقها يوم السبت اول يناير 2008 بحجة أن السلطات المعنية لا تعمل يوم السبت اي تعمل فقط من اجل الرب، فيغدو منع سفينة المعونة من اجل الرب ايضا، كون الفلسطينيين تجاسروا وصوتوا على نحو معاكس لغاية المجتمع الدولى ـ الرأسمالية بالاحرى واسرائيل بالنتيجة. وتقضي التطورات التى حلت بالقضية الفلسطينية بموجب اجتياج واحالة غزة إلى مجتمع العصر الحجرى بان يعفى أوباما من التفكير فى حل المشكلة إلى التفكير ـ ان فعل ـ فى اغاثة الفلسطينين وفى مشكلة السكن والماء والغذاء ولم يبق للفلسطينين حاضر ناهيك عن مستقبل. وقياسا تتحول القضية إلى قضية عون انسانى مشبوه. وما ادراك ما العون الانسانى. ويتعين الاخير ـ كما فعل مع العراق ـ الى تحويل أي مجتمع إلى تنويعة عالم ثالثية أو حتى اقل فى سيناريوهات "الامريكى القبيح" The Ugly American. فالعون الانسانى تنويع على الاستعمار منذ حروب الهند الصينية(17).

ويفضى صمت الادارة الامريكية الجديدة ـ الى افراغ هذه المحنة الماثلة من محتواها بوصفها قابلة للجدل ـ كما يتضح من رفض البى بى سي اذاعة او/ و نشر اعلان يناشد الناس بالتبرع لاغاثة غزة. وليس غريبا أن تندلع الحرب على غزة فى الزمن الضائع من ادارة بوش، وعشية تنصيب اوباما. ويستحيل تصور أن اجتياح غزة جاء بدون استشارة أو حتى علم الادارة الجديدة. فرغم أن أوباما لاذ بالصمت قائلا عندما سئل رأيه فيما بدأ يحدث فى غزة "ان ليس ثمة سوى ادارة واحدة" بمعنى انه يتملص من التصريح فى حين لم يتخلف عن الجأر بما يدين روسيا فى حوادث حرب جورجيا وروسيا، رغم أن الاولى كانت البادئة توطئة لخلق شرط تدخل المجتمع الدولى. ويفرز اجتياح غزة بالنتيحة على النحو الذى تم به شرط استحالة أي حلول معقولة أو مستحيلة مما ييسر لاوباما الاستمرار فى الصمت المتخاتل حول غزة أو يقول ما لا طائل تحته. وكان أوباما هو الذى قال لو أن ابنتي تعرضتا لقصف الصواريخ اثناء نومهما لفعلت كل شئ... كل شئ من اجل منع حدوث ذلك. ويصمت فى خطاب ولايته الثلاثاء 20 يناير 2009 صمتا يصم الاذان عن ذكر الشرق الاوسط بكامله حتى لا يذكر اطفال غزة. ورغم أن أوباما ليس من خندق المحافظين الجدد تماما الا انه من خندق نظائرهم من اعراب الشتات تتعين على اجندة موازية فينفرد الخندقان بالساحة بلا بديل بوصف أن الخندقين يعبران عن الحزبين الكبيرين الازليين حزب الشمال ولحزب الجنوب الميثلولوجيان أي حزب الملك وحزب الفاتيكان وكلاهما فى جيب اعراب الشتات أو يكادان.

ويلتقى كلا الخندقين فى التطير من ذكر ما يفعلان على مر الاف السنين باطفال خصومهم بمغبة كراهية البشر وتعنى كراهية شعوب غرماءهم كافة وحتى شعوبهم هم كما قد يلاحظ الناس على مر التاريخ المسكوت عنه. فالمالتوسية الجديدة واسلافها من نظريات كراهية البشرية تعبر تباعا عن نفسها فى كل من اجندة المحافظين الجدد اللذين يحرضون على اشعال حروب متزايدة بابناء غيرهم، وفى حرمان كل من عدى اعراب الشتات من الارض والماء. فالعالم اليوتوبى المراد تكريسه لم يكن يوما مجعولا لان يسعنا جميعا. وتتمثل كراهية البشر كما يلاحظ الناس فى كل مكان فى كيف تعصف ثقافة الرأسمالية السامة Toxic Capitalism هذه بالاطفال ـ تجنس الاطفال Sexualise children ـ وتجند الاطفال فى الحروب وتجهض الاطفال وتتقصد قتل الاطفال. فكل طفل هو عائلة محتملة ـ كما قالت جولدا مائير ـ تدمى فؤاد اعراب الشتات. ومن المفيد تذكران الفكر أو السيناريوهات اليوتوبية كانت دائما تصدر عن التعامل الانتقائى مع البشرية فى افضل الشروط أن لم تسوغ العنصرية. وكانت عقيدة "الاطفال الشهداء" قد انتشرت باكرا وقد أسقط الانجليز تلك المسميات على القديس الطفل ويليام من نوريتش Saint William of Norwich والقديس الطفل هيو من مدينة لنكلن Saint Huge of Lincoln. وكانت مذبحة يورك التى راح ضيحتها 150 رجلا وامرأة وطفلا عام 1190 فى واحدة من سلسلة اعتداءات دموية على اعراب الشتات كما فى كل مرة صبيحة تلك الازمات الدورية التى يمنى بها المجتمع المضيف لاعراب الشتات، كما فى كل مرة. فقد كان الانجليز فى القرن الثانى عشر يعتقدون فى اسطورة قتل اليهود للاطفال المسيحيين فيما سمى ب"تبعة الدم" Blood Libel. وكانت تلك الاحداث حرية بان تنتج واحدة من مناويل "الخروج" أو حتى "المحارق التى عمرت التاريخ الذى بقى مسكوتا عنه حتى القرن التاسع عشر. وتقول رواية أن سيمون دى مونتفورت طرد كافة الجالية اليهودية من انجلترا فى 1290 وكان اول امبراطور اوربى يقدم على ذلك. فيما تقول رواية اخرى أن ويليام الثانى هو الذى فعل ذلك.

غزة فى الذهنية الاسرائلية
يمفصل بنو اسرائيل ضغينة على غزة كون اهلها عرفوا بصهر الحديد الذى كانت السيوف تصنع منه، ويتهم بنو اسرائيل الغزاويين ويشيرون اليهم بالسراسانيين. وتخلق تلك الضغينة شرط دمار شمسون الجبار والمعبد فى غزة. فقد كانت داليدا غزاوية. وتقول اسطورة اعراب الشتات أن الاخيرة راحت تغوى شمسون وتلح عليه أن يخبرها بسر قوته حتى عرفته. ولم تلبث أن غافلته فقصت شعره. الا انه ما أن نبت شعر شمسون مجددا حتى هدم المعبد على نفسه وعلى اعداءه الغزاويين. وتتنزل غزة جراء تلك الاسطورة ـ كغيرها من اساطير اعراب الشتات ـ فى خاطر اعراب الشتات بوصفها تمثلا للشر والجحيم. وازعم انه حيث كانت غزة الدولة المدينة تحتكر كل من صهر الحديد وصناعة السلاح مما كانت القبائل المجاورة المتحاربة تتنافس عليه فقد اصطنع اعراب الشتات اسطورة قوة شمسون الفائقة، على كل من سلاح غزة حتى يتعادلوا نفسيا، وربما تاريخيا مع السراسانيين وابلسوا داليدا التي كان شمسون واحد من اكبر قضاتهم قد عشقها. ورغم أن اعراب الشتات بقوا يوظفون نسائهم فى غواية خصومهم، إلا أنه عندما يحدث العكس تصب اللعنة على تلك المرأة وعشيرتها إلى الابد، فتتزل وكأنها ارتكبت الخطيئة المميتة. ويغدو أوباما شمسون الدولة العبرية الحليق الصامت اذ يلو1 بالصمت حيال الحريق.

الصمت المريب
صمت أوباما مرة اخرى عما يحدث لاطفال الفلسطينين ليس جراء الغارات الجوية الليلية وحسب وانما جرا ء التجويع والعطش والحرمان من العلاج والتعليم بصورة متصلة. وقد بقيت اسرائيل تمنع منذ الاحد 3 ديسمبر 2009 دخول الدواء إلى غزة لليوم الرابع على التوالى وتباعا. وتقول هيلارا كلينتون التى عينها أوباما وزيرة لخارجيته للجنة اقرار تعيينها امام الكونجرس، إنها وأوباما يؤكدان على حرصهما على حق اسرائيل فى الدفاع عن امنها. ولا تقول هيلاري أن من حق الغزاويين أن يتنفسوا، وأن يخرجوا للعمل كل صباح، ويرزقوا ما يعولون به اسرهم، وأن يذهبوا إلى المدارس والجامعات والاسواق، وأن يملكوا الحق فى تقرير مصيرهم وفى العودة. ولاتقول هيلاري كلينتون وزيرة خارجية أوباما أن اسرائيل هى الدولة الترسانة التى تسمسر فى مصالح الرأسمالية الامريكية فى الشرق الاوسط، وهى التى تقسم غزة والضفة مجددا لتحيلهما إلى بونتوستانات فى افضل الشروط، أو معسكرات اعتقال بالاحرى.

ويتوعد ايمانويل بوروزو رئيس المفوضية الاوربية روسيا واوكرانيا بان يدعو المجموعة الاوربية لان تدفع بمحاميها لمقاضاتهما، ويجأر أوباما مستنكرا حادثة مومباي، ويندد بدور روسيا حول احداث جورجيا، بينما يصمت كلاهما أمام غزة. وتحصل اسرائيل على ضمان موقع فى اتقاقية حماية أمن اسرائيل مع أمريكا على الا يتوفر لحماس شرط الحصول على سلاح. وكأن أمريكا لم تكن توفر لاسرائيل كافة اللوجيستات واليات التجسس ونتائج تجسس أمريكا على الشرق الاوسط، ناهيك عن السلاح. ويوفر كل ذلك وخلافه على أوباما ما يجعل أي محاولة ـ لو أن أوباما كان سيحاول اصلا ـ لحل ما يسمى بمشكلة الشرق الاوسط ـ بان يختم على أي حل كان. وتظهر مقدمات التواطؤ وقد لاحظ الناس فى كل مكان ولم يكتف المعلقون بالتعليق وانما انبروا يحللون كيف أن وراثة أوباما للبيت الابيض من ايسر واكثر الوراثات تراض بل وتحابب. وبقى بوش الابن حتى اخر لحظة فى ادارته يقرظ أوباما ويدعو له بالتوفيق. وقد وقف أوباما فى الصورة الفريدة بوصفه رابع اخر رؤساء أمريكا بين بوش الابن وبوش الاب. وليس ثمة تفسير لهذه التوليفة لا تاريخيا ولا تراتبيا سوى الجاري من تأليف واخراج هوليوودى لادارة براك أوباما، اول من افتتح فاتحة أن كل كان جدير باحتلال مركز الرئاسة الامريكية، بغض النظر عن العرق واللون والعقيدة، تيسيرا لرئاسة يهودى لاحقة. ولعل أوباما مجهول الام، الا بقدر ما يتستر على تاريخها وسيرتها الذاتية وهويتها الدينية، فهى ملحدة وحسب، ولا كلمة حول ما هى تلك العقيدة التى الحدت عنها أو خارجها.

تكافؤ سلاح آلة الاعلام والسلاح الحى
لا تنطق هيلاى كلينتون وزيرة خارجية الادارة الجديدة بنت شفه بان اسرائيل تضرب المدنيين باسلحة جديدة تجربهاعلى الفلطسينيين مثلما فعلت أمريكا منذ القنبلة الذربة على هيرشيما وناجازاكي، والعنصر البرتقالى على الفيتنام، والقنابل العنقودية وزرع الالغام على العراق ولبنان وافغانستان. واليورانيوم المنضب الذي تستخدمه اسرائيل على الفلسطيينن، مادة تصنع منها القنبلة الهيدروجينية. والقنبلة الهيدروجينية قنبلة رأسمالية تفتك بالانسان والحيوان وتترك العقار قائما لتقصفه مدافع الهون والصواريخ ارض ارض وبحر ارض وسماء ارض. وتقصف اسرائيل المدنيين بذريعة أن حماس تجعل من الاخيرين حزاما بشريا لتطمئن إلى أن جنودها لن يكونوا فى خطر القذف المذكور، عندما تدخل القوات الارضية غزة فى اليوم التاسع. وفى نفس اليوم الذى صعدت فيه اسرائيل عمليات قصف غزة إلى اكثر من 100 عمليه ـ حسب تقرير اسرائيلى عسكرى ـ ينشر روبرت ميردوخ في جريدته الشعبية ـ الصن The Sun ـ قصة مثيرة بشأن عنصرية الامير هاري ـ الثالث فى صف ولاية العرش البريطاني ـ ثم يردفها باخرى حول الامير تشارلز الذى ينادى صديقه بما كان الانجليز ينادى الهنود على عهد الراج Raj. ويطغى الخبران على ما عداهما، مما يدفع باخبار غزة إلى صفحات الجرائد الكبرى الداخلية، فتغدو اخبار غزة ثانوية فى نشرات الاخبار المرئية والمذاعة. وتأتى اخبار وتغطى نشرات أخبار الكلاب حيزا ملحوظا فى شتاء بريطانيا القاسى، فتمنح التقارير الاخبارية اهمية خاصة للكلاب، فيما قد يحظى تقرير من غزة ببضعة دقائق.

وكانت اسرائيل قد نشطت وحلفائها فى خلق منظومة من المفهومات والسناريوهات الاعلامية بشأن اجتياح غزة باكرا فى ماكينة دعاية مضادة، فقد كان العدوان على غزة حريا بان يكون حربا اعلامية بقدر ما كان عسكريا. ويكرر المسئولون الاسرائيليون السياسيون والعسكريون والصحفيون وحلفاء اسرائيل مثل بوش وغيره من الصهاينة، وفلول المحافظين الجدد نفس القول المزوق كاسطوانة مشروخة. وتصدر تلك التصريحات فورا عن لغة المحرقة، فتختزل كل حقيقة فى مفردات المحرقة، وكل ناقد لدولة اسرائيل فى اعداء السامية. وتقلب تلك الاسطوانة المشروخة الحقيقة فوق راسها، فيقول مايكل ريفكيند وزير خارجية بريطانيا السابق، والذى كان قد جأر حين تعالت الاصوات تطالب بتسليح البوسنيين أمام سلاح الصرب بان ذلك سوف يجعل المعركة حقلا متكافئا للقتل a Level killing field وكان ريفكيند قد جأر "ان حماس تحب فلسطين اكثر مما تحب الفلسطينيين". وليس ثمة معنى لمثل هذا التخرص سوى انه لن يضير الصهاينة أن يضحي الفليسطينون من اجل فلسطين، مما يعنى أن فلسطين باقية وأن المحرقة لن تدفع الفلسطينين إلى الهجرة هذه المرة أو قبول التسفير إلى الاردن ومصر وغيرهما. والتسفير هو الوجه الاخر للاستيطان. فكلما سفر الفلسطينيون اتسعب فضاءات الاستيطان والعكس صحيح. فكلما اتسعت فضاءات الاستيطان تقلصت فرص الفلسطينيين، فخلق شرط العوامل الطاردة للاخرين، وقد اثارت القنبلة الديمغرغرافية ذعر اسرائيل وضغينتها على الفلسطينين كون 50% منهم اقل من سن 18 عاما ويتكاثرون بجنون.

ويخلق الاحتلال شرطا طاردا للسكان الاصليين بحيث ما ينفكون يهجرون اوطانهم. وتعمل الرأسمالية بنفس الصورة حين تترك الاحياء السكنية الوسطى تتداعى وتخترب، حتى يهجرها سكانها ثم ما تنفك تبتاع الاراضى بتراب النقود، لتعمرها وتبلغ بها ارباح خيالية. وبالمقابل فان معظمهم المستوطنين الذين باتوا يحتكرون كل من الجيش والشرطة والمراكز الحكومية المحلية الخ، مهاجر اقتصادى انتهازى لا علافه له باسرائيل التوراتية المزعومة. وقد اخترقوا اجهزة الدولة واعتنق من ادعى منهم العقيدة الاورثذوكسية ليتحور 180 درجة بعد أن كان يدعى التفرغ للعبادة ليعوله اهله، وغالبا زوجته، فينخرط فى ماليشيات تخرج لاصطياد الفلسطينيين، كما كان الحجاج والمهاجرون إلى العالم الجديد يصطادون السكان الاصليين. وكان الغرب قد جرب ذلك باكرا، وبقى يفعل فى التوسعات الخارجية وبين المستعمرين ـ بفتح الميم الثانية ـ داخليا كايرلندا. فقد دفع الانجليز بمرتزقة من البروتستانت لم يزيدوا على مهاجرين اقتصاديين إلى ايرلندا ومنحوا ارض ورساميل خصما على الايرلنديين الكاثوليك ـ تماما كما تفعل اسرائيل. وقد خلق ذلك شرط هجرة الايرلندينن وقد فاقم شرط الاخير ما يسمى بمجاعة البطاطا فى 1850.

هذا وحيث يصدر المستوطنون الاسرائيليون عن الاصحاح القديم الذى تعاد كتابته فى كل مرة فان الرب يقود حروبهم بنفسه، حتى يضمن انهم لم يتركوا عنزة ورائهم، عندما امرهم بتحريم مدن الخصوم(18). ويتحدث الرب إلى جورج ووكر بوش كما تحدث إلى الاباء الاوائل، وإلى بعض رؤساء الجمهورية الامريكية من قبله. ومن المفيد تذكر أن عامة يهود المانيا كانوا راغبين عن ترك المانيا، مثلما كان يهود وادى النيل الشمالى ـ ان كانوا حقا هناك ـ راغبين عن مغادرتها وراء موس،ي وقد مناهم بارص العسل واللبن مثلما منى زعماء الصهاينة عامة الصهاينة بارض الميعاد فى فلسطين. الا أن الاعلام الغربى يخلق سردية بديلة مثلما بقى الاصحاح القديم يعدل باستمرارا اساطير انبيائهم حسب الطلب. ولم يكن كل يهود المانيا فى معسكرات الاعتقال. وانما تواطأ زعماؤهم مع النازى، لضبط شرط ارغامهم على الهجرة إلى فلسطين. فقد رفض كثيرون الهجرة، وكانت حياتهم فى المانيا افضل بكثير مما قيل عنها. والا فكيف قيض ليهود المانيا الابداع فى والعلوم والاداب والمؤلفات الموسيقية التى يبذ بها يهود المانيا يهود اوربا كاملة؟

عقلانية الاعلام ومشكلة الشرق الاوسط
ليس ثمة اكثر تعبيرا عن عقلانية العقل الغربى من تعامله مع كل ما يخص اسرائيل وما يشير إلى اسرائيل وما يفسر ما تفعله أو تتركه اسرائيل. وازعم أن تلك العقلانية وظيفة أو نتيجة كل من سيطرة الصهاينة على ادواة الاتصال والاعلام مرة، وجراء خشية كل من عداهم من الاتهام بالعداء للسامية، فيقطع رزقه أن لم يكن رقبته(19). فتهمة العداء للسامية لا اساس لها من عقل أو منطق ودليل، سوى انها تشيع الارهاب بين كل من ينتقد اسرائيل. وتعبر خشية كل من يجرؤ على النطق بالحقيقة عن نفسها فى طريقة تناول المشكلة الفلسطينية أو مشكلة الشرق الاوسط. وحيث قد لا يفهم معظم البريطانين مشكلة الشرق الاوسط مثلا فذلك لانهم يشاهدون الاخبار المتلفزة ويقرأون الصحف الشعبية. وتصور الاخيرة الوضع مقلوبا فوق رأسه وكأن الفلسطينين هم المعتدين. ولا ينشر التلفزيون معلومات انتقائية وناقصة احيانا وحسب وانما يرفض التلفزيون غالبا ودائما تفسير الاحداث. ذلك أن التلفزيون يشدد على من يكتبون له، أو يظهرون على شاشته ان" يتركوا التفسير جانبا". فيطلب من الكتاب والصحفيين الا يفسروا ما أدى بالفلسطينيين إلى مواجهة الاحتلال الاسرائيلى العسكرى بما يوجهونه به. واذ يبقى احباط الفلسطينيين غير مفسر، لا يفهم لماذا يفعل الفلسطينيون ما يفعلون. ويبقى ما يذكر ويعرض مما ما يفعله الفلسطينيون بلا تفسير. فالاخبار لا تحمل داخلها تفسيرها الخاص. وحيث تتردد أوهام حول حق الاسرائيليين فى وطن آمن وحول بداية اسرائيل فى فلسطين لا يذكر حق الفلسطيننن فى وطن بدورهم، ويخصم عليهم نزوعهم إلى تكريس قوميتهم وهويتهم التاريخية الخاصة. وحيث يذكر أن الاباء الاوائل كانوا قد انشأوا مجتمعا اشتراكيا فلا يذكر التليفزيون وغيره وخاصة الصحف الشعبية تفسيرا لوجود الاسرائيليين فى فلسطين، ولا أن الصهاينة كانوا قوميين ـ رغم أن بعضهم كان أشتراكيا. وليس ثمة تفسير لانتزاع الصهاينة للارض من الفلسطينيين، واقامة مستوطنات عبارة عن معسكرات عسكرية، ولا بان الاسرائيلى يحصل على عشرات المرات من حصة الفلسطيني من الماء أو أن يشترى الفلسطينيون مائهم من شركات اسرائيلية، بخاصة بعد قيام حائط الفصل العنصرى. ولا يذكر الاعلام كيف ضرب جدار الفصل العنصري الاقتصاد الزراعى الفلسطينى، مما فاقم احباط الفلسطينيين. وهكذا وهكذا.

وتكرر الصحافة مفردات عقلانية، وتستخدم لغة تبريرية ذرائعية مثل "اعتقل اسرائيليون واختطف الفلسطينيون اسرائييلين، والضحايا المدنيين الاسرائيليين والخسائر الموازية الاسرائيلية" التى هى مسئولية الارهابيين الفلسطينيين، وكيف أن أي ضحبة فلسطينية بمغبة أن الارهابيين "يجعلون من المدنيين حزاما بشريا" وان ذلك ليس سوى خسائر "يصعب تفاديها" وقد "يؤسف لها" فى افضل الاحوال. وحيث يبدو الاسرائيليون اكثر تحضرا اذ "يأسفون" على قتل الابرياء يذهب الفلسطينى الانتحارى بتقصد ف"يقتل المدنيين الابرياء عمدا". ومع ذلك يحتج الاسرائيلون بان الطريقة التى تقدم بها الصحافة تقارير الاحداث "تدفع لانتشار العداء للسامية". ولا يزيد الصهاينة على خلق قاموس كامل للمفاهيم ويأخذ عنهم الغرب، وكورس العرب والمسلمين المرقدين بين احضان ما بعد الليبرالية. وما ينفك أوباما يفعل المثل بعنصرية مجيدة، وكما يفعل مستشاروه ونصحائه من عتاة الصهاينة، ولا استخدم المفردة اشارة لليهودى فثمة صهاينة من كل ملة حتى من المسلمين وما اكثرهم.

تدوير المعانى وايقاف الكلام فوق رأسه مجددا
يستخدم الرئيس الامريكى الجديد باراك أوباما فكرة اعادة تغليف المنتج على طريقة أومو، وأومو الجديد، واومو الاكثر بياضا وهكذا. وكانت الرأسمالية قد استخدمت اعادة تغليف المفهومات في كل مرة. فقد جأرت ب "التنوير" و "الاكتشافات الجغرافية الكبرى" ونادت بالمبدأ الانسانوي تغليفا للعبودية. ولم تزد النهضة على رد فعل على التنوير. وقالت الرأسمالية ـ الامريكية ما بعد الصناعية البازغة وقتها ـ بحق تقرير المصير تزييفا للتوسع الامريكى منذ الحرب العالمية الاولى، وتباعا حتى ثلاثينات القرن العشرين، خصما على الإمبراطوريات الصناعية الاوربية. فقد قيض حق تقرير المصير تفتيت الامبراطوريات السابقة على الرأسمالية ما بعد الصناعية، والامبراطوريات السابقة على الصناعية مثل الامبراطوية العثمانية والنمساوية جميعا. ولم تلبث الرأسمالية أن اغوت المجتمعات المذعنة للمراكمة الرأسمالية فى خمسينات القرن العشرين بما سمى الثورة الخضراء The Green Revolution فاجبرت المجتمعات الزراعية العالم ثالثية على شراء المخصبات والمحسنات والمبيدات، فتسمم التربة والمياه والبشر والحيوان، مما خلق شرط نكوص تلك المجتمعات إلى عوالم رابعة وعصر حجرية تباعا. ولم تنفك امريكا ـ الرأسمالية مابعد الصناعية ـ ان زينت فى ستينات القرن العشرين للاقوام المذعنة لشرط المراكمة الرأسمالية "التصنيع" الذي لم يزد على خلق شرط العمالة، الرخيصة اللامسيسة الطيعة اللا منظمة، تباعا حتى ثمانينات القرن العشرين لحساب عمل المرأة خصما على العمل الصناعى أو شبه الصناعى المنظم المدرب المسيس. وقد قيض ذلك السوق احلال الحرب بين الجنسين مكان الصراع الطبقى.

واردفت الرأسمالية ذلك فى ثمانينات القرن العشرين ب "التنمية" سيئة السمعة وهى احلال النموذج الامريكي الليبرالي الجديد مكان الاقتصاد المخطط فى كل مكان خصما على الجمهوريات الاشتراكية والمجتمعات التى استمثلت نموذج الاخيرة وصولا إلى الاطاحة بالمنظومة الاشتراكية وكل ما دار فى فلكها الا ما عدى كيرالا وكوبا والصين الشعبية. ولم تنفك الرأسمالية ما بعد الصناعية وما بعد الليبرالية أن اغوت الناس ب"الاصلاح الاقتصادي" ولم يزد على تخريب منظم لاقتصاد العوالم الثالثة والرابعة وتكريس نكوصها لاقتصاد العصر الحجري. وقد تصاحب "التطبيع" في ثمانينات وتسعبينات القرن العشرين، والاصلاح الاقتصادي ولم يزد الاول بدوره على سوى تشويه الاقتصاد مجددا لحساب الدولة العبرية والكويز QUIZ. هذا ولم تخلو جعبة الرأسمالية المذكورة من احبولة دمقرطة المجتمعات البائسة تلك نفسها. ونلتقط نحن الطعم في كل مرة. وكان اشد انواع الطعم فتكا توريطنا فى الديون الخارجية. فالرأسمالية المالية لا تراكم بسوى الفائدة أي الربا ـ وبخالص العمل العبودى.

ولا تعنى تلك التنويعات سوى اعادة انتاج الالحاق المذعن للسوق الرأسمالى بشرطيات البنك الدولى ومشاريع صندوق النقد الدولى ومنظمة التجارة العالمية. وإلى ذلك فقد باتت الرأسمالية المالية تملك السلطة العليا فى العالم على مقدرات العالم. وترتهن الراسمالية المالية الدول بالدين العام واقتصاد بات يتمأسس فوق الديون وبارتهان الشباب منذ الدراسة الجامعية عبورا بغواية الافراد العاديين بالعقار المرهون لشركات العقار والانفاق والاستهلاك ومزيد منه ـ تنشيطا للاقتصاد واللا اقتصاد بالديون الفردية الخاصة. ولا يسمى شئ باسمه فازمة اسواق الائتهان العقارى تسمى تقلص الرهن Credit Cruch وهى فى الواقع ازمة ديون وقد بات الفرد مستهلكا وليس مواطنا. ومعنى الاستهلاك التهام وتبديد المواد وتدميرها. وقد بات مبدأ أن اشترى اليوم وادفع بعد عام قانونا يطبق على الافراد، مثلما اجبرت الدول على الاستدانة بما يسمى الائتمان، مقابل تطبيق التكييف الهيكلى Structural Adjustment Loans(SAL) بغاية احلال شرط التكييف الهيكلى مع اقتصاد السوق. وكانت سياسات وديون التكييف الهيكلى بحيث سقط العالم من يومها فى وهدة الاقتصاد المتمأسس فوق الديون فلم يعد ثمة سبيل إلى أي مشروع خاص أو عام بدون اللجوء إلى الاستدانة. فقد باتت الاستدانة كالادمان الذى لا شفاء منه الا فى مصحة يقوم عليها صندوق النقد الدولى والبنك الدولى فمزيد من الديون الخارجية للدول قاطبة بغاية تكريس النموذج الامريكى للتنمية ما بعد الليبرالية لحساب اوليجاركيات عولمية مجددا.

تحور الليبراليون الجدد حسب المقاس والطلب
يجأر بعض الليبراليين الجدد فى قلب الكارثة التى يصفها اصحابها بانها غير مسبوقة، وأن كل شئ تغيير وأن شيئا لن يعود إلى ما كان عليه قبل الاعصار المالى الحالي يجأرون هجوما على من عداهم فى دفاعهم عن مراكزهم المتضعضعة تباعا ويقولون أن من يعلن شماتته فى الراسمالية ليس سوى جاهل محبط لا يفقه شيئا فى الاقتصاد. ويبقى هؤلاء وحدهم هم الذين يكتبون فى كل شئ من البرسيم إلى فوكياما إلى الشائعات حول خصومهم ساسة واناس عاديين بائسين غلابة الا بقدر ما يملكون مواجهة الليبراليين الجدد. وفيما يصدر الليبراليون الجدد العرب عن كتاب ومحللين اجانب ما يفتأؤون ينثرون اسماء اجنبية هنا وهناك دليلا على طول الباع المعرفى ولا ينسون ذكر انبيائهم من فوكوياما وصمويل هنتيجتون إلى برنارد لويس دون مراجعة اخر ما قالته تلك الكائنات الحربائية. فقد اقر فوكوياما الاثنين 8 اكتوبر 2008 أن النموذج الامريكى التنموي اثبت انه غير صالح.

الا انهم يصرون على ترديد اغنية بوش المضلة التى التقطها أوباما وحور مفرداتها فباتت كثر غنائية وشعبوية تخاتلا. فقد راح الاخير يطلع على الناس كل 4 دقائق يطمئنهم على اسواق المال ومستقبل الاقتصاد الامريكى وقدرة الادارة على تحقيق ذلك. وينشد الليبراليون الجدد ـ و قد اطلقوا على انفسهم اسماء جديدة لزوم تغيير الوان المعاطف ـ معه أو وراءه أن الاقتصاد الامريكى متين، وأن أمريكا ستخرج باقتصادها واقتصاد العالم من الازمة سالمين، مثلما بقي بوش يقول أن القوات الامريكية منتصرة فى العراق وافعانستان، وتقول هيلارى كلينتون فى بغداد من وراء اسوار المنطقة الخضراء، أو فى مطار بغداد السبت 24 ابريل 2009 وقد راح اكثر من 60 عراقى وعراقية ضحية تفجرات يوم الجمعة 23 ابريل تقول "ان ذلك دليل على يأس المقاومة جراء ادراكها أن حكومة نورى قوية وثابتة". وما ينفك الكورس أن يرفع عقيرته مرجعا "الدنيا ربيع والجو بديع، قفل لى على كل المواضيع". فقد ادمن بعضهم الانصياع "التخبط واللهاث" وراء المناصب فلم يعد يفكر لنفسه مما يسر لباراك أوباما وراثة قيادة الخيبة الكاملة بامتياز مجددا بقاموس مزوق مجددا.

الليبراليون الجدد العرب والقومية الفلسطينية
رغم شيطنة الفلسيطنيين داخل فلسيطين نفسها، وفى المخيمات فى لبنان والاردن وغيرها، أو ربما بسبب ذلك فقد نجح الفلسطينيون فى تنظيم انفسهم فى حركة ـ او حركات ـ قومية قوية وصاعدة. وكان بعض زعماء تلك الحركات من اللذين ولدوا فى أو بعد 1948 وشبوا فى ستينات القرن العشرين. وكانت الاخيرة سنين حركات التحرر الوطنى والاستقلال وحركات الكفاح المسلح فى أمريكا اللاتنية وفى افريقيا وفي اسيا. وكان زعماء ثوريين مثل جيفارا واميلكار كابرال وغيرهم يملآؤون الدنيا تفاؤلا بالثورة وكانت الثورة والنضال تنشدان العدل. وقد ادرك الفلسطينيون أن الصهيونية حركة استعمارية توسعية ـ رغم بداياتها العلمانية التحررية ـ أن لا سبيل إلى تحقيق حل عادل لقضيتهم تحت هيمنة الاحتلال. فقد ترعرعت الصهيونية بين احضان الاستعمار العالمى أن لم تكن قد الهمته، وحضت اجندتها عليه، وكرس مفكروها خطابه. فقد قدم وعد بلفور الدرع الحامى للصهيونية الذى بدونه ما كانت اسرائيل. وحتى اذا كان للصهيونية ـ كما ينتشر الادعاء ـ قلب يخصها، وقوة دفعها الذاتى، الا انها ما كانت تستقيم كمشروع ناجح، وقصة نجاح غير مسبوق، فى زمن قياسى من 1948 إلى 1967 بدون الدعم الخارجى كما يلاحظ الناس فى كل مكان. فقد تحولت اسرائيل من دولة قومية صغيرة إلى مشروع استعمارى يتمأسس على التوسع والغزو منذ 1967 بل منذ القرن التاسع عشر. فان انشأت اول مستعمرة اسرائيلية فى فلسطين منذ 100 عام أي فى بداية القرن العشرن وقياسا فبداية اسرائيل تتفق وبداية نهاية الامبراطريات الاوربية الغربية لحساب الامبراطورية الشمال امريكية.

وكانت الحركة الصهيونية قد الحقت نفسها بالقوى العظمى منذ الخلافات الاسلامية حتى الخلافة العثمانية وصولا إلى الامبراطورية البريطانية. فان ساعدت الحركة الصهوينة على تقوية الاخيرة خصما على فرنسا الا أن الحركة الصهيونية الحقت نفسها من بعد وكرست علاقتها بامريكا وقد نشطت فى خلق شرط تقويض الامبراطورية البريطانية تباعا. واجادل أن هجرات ثروات الصهاينة ورساميلهم إلى الولايات المتحدة كان قد عبر عن نفسه منذ الاكتشافات الجغرافية الكبرى تباعا، وشركات الهند الشرقية، وصولا إلى ما يسمى الاورثوذوكسية الاقتصادية وتكريس حرية حركة الرساميل، ومنها رفع سقف تصدير الاموال والارباح على عهد مارجريت ثاتشر.

وقد ساعدت تاكتيكيات اخرى لم تكن تقل عن خلق شرط تحقيق استراتيجية معلاة لحساب توسيع الدولة العبرية، وصولا إلى ارض ميعاد تمتد إلى كل شبر وطأته بطون اقدام الصهاينة من تنويعات اعراب الشتات وبخاصة المستوطين(20). فقد كانت الامبراطورية البريطانية حاضنة المشروع القومى لحساب قيام الدولة العبرية، وقياسا تعينت الامبراطورية الامريكية الوجيزة بالضرورة على وأد القومية فى كل مكان، باسم القومية ـ قومية اسرائيل وامريكا بجيوش قومية، تشعل حروبا ضد القومية بذريعة أن القومية تؤجج الحروب. وتشعل الاثنان حروبا ضد ما يسمى "اندلاع الحس القومى" ـ لان القومية حرية بان تفجر النعرات والمنازعات الاقليمية ـ بجيوش قومية تتنافس فيما بينها على الفخار والتباهى القومى. الا أن الواقع يقول بان قوام تلك الجيوش القومية بات على عهد الادارة الامريكية 43 مرتزقة ومغامرين ونهابين وشذاذ افاق بصورة غير مسبوقة. وقد خصخصت الجيوش مثلما كان العهد على ايام الجيوش التوسيعة منذ قديم الزمان. وما تنفك الادارة 44 ادارة باراك أوباما تفاقم خصخصة الحرب فى افغانستان أو/ و تجند جيوش من الاهالى كما فى العراق وافغانستان مثلما كان المهاجرون الاوائل، واسلافهم من بعد، قد أغوى الهنود الحمر على الانخراط فى صفوف قوات المواجهة مع المهاجرين الاخرين. وتعيد قوات الاحتلال فى العراق انتاج التنويعة ذاتها بتجنيد الهسبان والافروامريكان والافريقيين المسلمين وغير المسلمين وحتى بعض العرب والمسلمين. ويدين معظم تلك القوات من شذاذ الافاق على مر التاريخ بالولاء لقوات الاحتلال، تحت حذاء ورقابة المارينز، واعين حاكم عسكرى عام، كما فى البوسنة أو معتمد امريكى أو مسئول حلف الاطلنطى كما فى العراق وافغانستان، وقد احاطت بكل ذلك جميعا قواعد عسكرية غير مسبوقة بدورها.

وتجند اسرائيل المستوطينين من شذاذ الافاق ـ اللذين كانوا سيبقون فى عداد المشردين بلا مأوى لولا الاغراءات الاقتصادية ـ فى الجيش لااسرائيلى. ذلك أن معظم جماعات المستوطنين المتطرفة تتألف من المهاجرين الاقتصاديين. وقياسا فقد بات جيش اسرائيل منذ 1967 جيش مستوطنين متهوسين يجأرون بان مشروعهم ـ من ارتكاب الفظائع بحق الفلسطيين ـ ليس سوى ثواب فى الرب وباسم الرب. ولما كانت اسرائيل فى حالة حرب مستمرة، لانها فى حالة دفاع مستمرة عن نفسها، فان المستوطنين المتشددين المتهوسين دينيا يكادون يحكترون السلطة فى كل من الجيش والمراكز العليا فى الخدمة المدنية. والعكس صحيح فان كان المستوطنون يهيمنون على الجيش ويتشاركون السلطة مع الاحزاب القديمة، فان حالة الحرب من اجل حماية حقوق اولئك المستوطنين تغدو قضية مقطوع بها. ولا يزيد المستوطنون حتى وأن لم يكونوا يهودا بل يستدعون مخيلة بعض تنويعات الصهيونية سوى أن يعيدوا انتاج ما يقول به صاجال من حيث أن الصهيونى يدعى الدفاع عن وضعه الاجتماعى السياسي، دفاعا عن امتيازاتهم الاقتصادية والعكس صحيح(21).

ويذكر غلواء المستوطنين كما كان غلواء تلك التنويعة من الخزر فى تطلب امتيازات فائقة يتفاقم تطلبها لامتيازات الفائقة عشية سقوط الدولة فى مناويل يلاحظها الناس عبر التاريخ فى كل مكان. وقد راحت عناصر متطرفة ومشبوهة تزاود على غيرها وتسيطر على الدولة وتستقطبها وريما استقطبت الاخيرة ومجاميع غير متطرفة من بين عامة الشعب. وكانت جماعات قد ظهرت عبر التاريخ المسكوت عنه وغير المكتوب غالبا وراحت تدعى لنفسها احتكار بعض طوائف اليهودية منذ ابناء يعقوب إلى عبد الله ابن سبأ إلى ساباتاي زفي زعيم طوئفة الدونمة إلى بن جوريون وصولا إلى المسيحيين الصهاينة بتحريض تنويعات المحافظين الجدد على مر التاريخ المسكوت عنه.

وتصدر تلك الجماعات غالبا عن مفاهيم تستدعى معايير يسوعية Messianic وتتمأسس فوق البدو واعراب الشتات على الخصوص ومن الاخيرين الغلاة Zealots. وقد نجحت تلك الجماعات على احلال تخريج من عقيدة صهيون مكان المسيح. فقد اختطف بعض تلك الجماعات البعد الروحى لمفهوم صهيون ـ فاسقطته على سياسات السلطة القومية National power politics بغاية احلال الدولة القومية مكان سلطة الرب(22). فهم ـ وبعد انقضاء التطهرية المتخيلة تلك ـ من ثم فى حالة استنفار دائم يتطلبون الغنائم ويطالبون بها ويخقلون شرط توفرها على الدوام.

المهم أجج الاحتلال وانتشار الفكر الاستيطانى وتنظيماته بين جوانب الدولة الاسرائيلية بحد ذاته وكون اسرائيل تقف بوصفها الدولة القومية بل الاثنية بجدارة ـ الحس القومى الفلسطينى. وقد عاد ارتفاع الحسن القومى فاثار زعر اسرائيل فراحت تفعل كل ما من شأنه القضاء عليه. وقد تعينت المؤسسة الاكاديمية المعولمة والتى تهمين الصهيونة على اهم عناصرها مثل هنتينجتون وبيرنارد لويس وغيرهما ومراكز البحوث المتخصصة واللوبيات الصهيونية واصحاب المال والاعمال اصحاب المصلحة فى تكريس ذلك المشروع يذرون بالقومية بل ينفونها ويؤبلسونها.

ولم يلبث ما يسمى بالليبراليين العرب والمسلمين الجدد ـ ذلك النبت الشيطانى ـ وقد راح ينتشر بليل رافعا راية خصومة لا متهاودة للقومية العربية ـ ان تعين على شظينة القومية العربية من فوق شاشات القنوات الفضائية والصحف كما يلاحظ الناس فى كل مكان. فقد بقيت الرأسمالية ما بعد الصناعية ـ الامركة ـ العولمة ـ مشروع القرن الامريكى أو الصهيونى الجديد ـ تثابر على خلق شرط تصفية حسابات الحرب العالمية الثانية تباعا منذ سقوط حائط برلين بنشر ما اسميه الفوضى الفكرية والتنظيمة المهيكلة.

القضية الفلسطينية وارتهان المثقف العربى والمسلم:
ازعم أن بعض المثقفين العرب والمسلمينيرتهن بدوره ب:

ـ بالمثقف الغربى دون تأمل التاريخ الرسمى للفكر والثقافة الاوربية الغربية ناهيك عن تجليات التاريخ الشعبى

ـ الانظمة العربية الحاكمة ويجعل من انسحاقه امامها أو ـ ومشاكستها في تنويع على نظرية الثعلب اذ استعضى عليه الدجاج وقد اغلق دونه قفص الدجاج ـ فراح يدخل ذيله فى القفص ليزعج الدجاج دون الوصول اليه. أي كما نقول عندنا فى السودان "سهر الدجاج ولا نومه"

ـ بالنظريات ومناهج البحث الغربية

فيتعلق فؤاد المثقف العربي والمسلم بالديمقراطية الاثينية مثلا ـ من اثينا. ورغم أن اثنيا كانت مجتمع الاقتصاد العبودى سوى ادراك أن الديمقراطية الاثنية ليست سوى ديمقراطية الرجال الاحرار الانداد خصما على عبيد والنساء يغيب غالبا على معظم المثقفين. ويقول افلاطون صاحب الجمهورية: "لنا نساء يخدمننا ـ الاماء ولنا نساء يلدن لنا الزوجات اليونانيات غالبا ولنا نساء يرفهن عنا الخليلات أو الغانيات المثقفات ولنا اصدقاء رجال انداد.

ـ بالنظرية التآمرية

ـ ينتظر المثقف العربى الضوء الاخضر من الغرب حول تفسير وتحليل قضاياه ـ فان وصم الغرب الانتفاضات الشعبية والعمليات الانتحارية جلس ليفلصف ـ من الفالصو ـ وليس من الفلسفة ـ على مهل تعاليه عليها فمناهضته لها ويبتدع ويبدع وربما يزاود على الغرب فى استنكاره للعمليات الانتحارية من ناحية. ومن ناحية اخرى قد يدور ويلف ويروح يدور ويلف حتى لا يجيب برأى حول موقفه منها فى افضل الشروط. ومرة ثالثة وفى اقصاها قد يلوذ بالصمت حيالها. وأزعم أن الثورة الفلسطينية فاجأت بل فضحت الكل والقت بالمثقف العربى فى محنة مجددة غب الثلاثاء المشؤوم11 سبتمبر 2008 وبخاصة بعد المجزرة اصهيونية لسكان غزة العزل ما بين نهاية ديسمبر 2008 إلى يناير 2009.

وقد بقيت الانتفاضة الثانية تحظى بدرجة من مشروعية التقبل بوصف انها مقاومة للاحتلال الصهيونى حتى عشية الثلاثاء المشؤوم. الا أن المقاومة الفلسطينة سيدة المقاومات واطولها عمرا ومعه ـ ما انفكت أن صنفت فى عداد الارهاب. وقد حرم تعريف الارهاب بقرار ناجز من الامم المتحدة تحت حذاء الادارة الامريكية 43 كما حرمت محاكمة أي امريكى من جنود الجيش النظامى أو قوات مرتزقة الجيوش المخصخصة مثل بلاك ووتر Black Waters وساند لاين Sandline وعشرات غيرها لارتكاب جرائم حرب فى أي مكان من العراق وافغانستان تجاوزا لمحكمة الجرائم الدولية. وقد اصاب سيف تهمة التهاون فى محاربة الارهاب صورة نشطة المسلط معظم المثقفين والمفكرين العرب بالزعر فلاذ معظهم بالفرار واكتفى بعضهم من الغنيمة بالارتماء فى احضان الليبرالية الجديدة أو ما بعد الليبرالية أي نهاية الاخيرة بالاحرى وما بعد الحداثة بمعنى نهاية الحداثة البرجوازية الصناعية بدورها لحساب الرأسمالية ما بعد الصناعية.

وحيث يضع الغرب الاجندة والمفردات ولا يقدم معظم العرب والمسلمين بدائل للاجندة ولا للمفردات فقد قيضت مبررات الحرب على الارهاب وباتت ناجزة ويستحيل الرد عليها ناهيك عن مقاومة قاموسها. وقياسا قيض اجهاض المسألة العربية الفلسطينية تباعا. وبالمقابل وصمت حركات المقاومة بليل وكرست مفردات قاموس الارهاب فى وصف تلك الحركات. وما أن كرست مفردات الارهاب مكان قاموس المقاومة فى غياب وتغييب الجماهير الشعبية ووأد المفكرين العرب والمسلمين الشرفاء لحساب نظائر ما بعد حداثية ليبرالية جديدة، فقد اسقط فى يد البعض. فقد راح الاخيرون يتلفتون بحثا عن مسوغات من خارج الواقع العربى الموضوعى فمن وراء وما بعد حقيقة وسياق ما يسمى بالارهاب فى الفكر الغربى للعمليات الانتحارية. وفى تلفت اؤلئك البعض يخشى أن يتهم بما يشارف اقتراف الزنا. فقد كان معظمهم قد عجز فى غياب مشروع فكرى تنظيمى بديل عن أن يحتمى بمشروع كان سوى المشروع ما بعد الليبرالى أو ما بعد الحداثى ـ لا يهم المهم انه ما بعدوى. ولا يقول المشروع المابعدوى بطبعه شيئا. مثلما يكون مشروع أوباما ما بعد بوشوى. وأن فعل فلا يفعل سوى تجريم كل من يتعين على البديل.

وقد استبق المحافظون الجدد وما بعد الحداثيين وما بعد الليبراليين أو الليبراليين الجدد والاصوليين الغربيين أو الاصوليين العلمانيين أو اليسوعوقراط وما بعد البنائيين Post Structuralist والنسووقراط تعريف أي مفردة. وبالمقابل اسلمنا امعان النظر إلى تساؤل فيما لو كان ممكنا تعريف مفردة أو نحت أي مفردة بديلة؟ وقياسا بات أي شك فى أو اثارة جدل حول ناهيك عن تعريف مفردات الاصولية أو حوار مع الاصولييين مستحيل فالبحث والتقصى العقلانى ـ بحق وليس بالمفهوم التنويرى المتكاذب ـ من شأنه أن يفتح فكى الجحيم على سعتهما.

ذلك أن مفردات السردية الغربية تبدو وكأنها متاريس لا متناهية امام البدائل. فالسردية الرسمية الوحيدة لفضيحة "اسلحة الدمار الشامل" ما تبرح الذريعة الرسمية لاجتياح العراق رغم أن تلك السردية الملفقة تلفيقا قائمة وقد باتت حقيقة تلفيقها باتت ماثلة للعيان. ولا يقيض لسردية بديلة اكتمال فصول واجزاء وقائعها جراء المصادرة وسيف النظرية التآمرية. فكيف يقيض لسرديات قديمة لا شهود عليها سوى انبياء وقضاة وملوك اسطوريين فى غياب التاريخ الشعبى والشهود العدل(23)؟

أوباما والشرق الاوسط ومآل الامبراطورية(24)
يتسال كثيرون عن تداعيات الازمة الاقتصادية العالمية على سياسات الولايات المتحدة فى الشرق الاوسط، وما اذا كان الشرق الاوسط سينحو نحو الميل نحو الولايات المتحدة اكثر أو اقل من كان عهده حتى وقوع الازمة وقد باتت دول الشرق الاوسك تعانى جراء الازمة الاقتصادية؟ حيث كانت سياسات دارة بوش قد اورثت الشرق الاوسط فوضى من التداعيات غير القابلة للحل بعد فان معظم من يعيش فى الشرط الاوسط سواء كان عربيا مسلما أو غير ذلك وغير سكان الشرق الاوسط إلى ذلك يؤمن بان الازمة الاقتصادية الزاحفة لتشمل العالم كاملا هى من صنع ومترتبات التنويعة المتطرفة للرأسمالية الامريكية يسياسات الادارة 43 جراء التركيز الكثيف على الخصخصة والتطبيع Liberalisation ورفع كافة القيود على حركة المال Deregulation وفوق كل شئ حرية السوق مما كان حريا بان يقيض بعض الحماية للناس العاديين لحساب اصحاب المال. ورغم أن البعض قد يتعاطف مع أمريكا جراء ماتعانية الا انه على المستوى السيائ لا لملكسى أن يعبر عن عدم استحبابه بل كرهه لسياسات الولايات المتحدة كما يراها على حق بانها تصدر عن الاستعمار الامريكى الاسرائيلى وعمليات بناء الامبراطورية التى تمأسست فوق الويلات الاقتصادية واللامساوات التى اصابت اليوم كافة الامم فى كل مكان.

وقياسا فثمة فى العام القادم أو نحو ذلك سيناريوهين لا اكثر امام الولايات المتحدة ازاء الشرق الاوسط. ولا يعرف معظمنا حتى الان عن باراك أوباما ما يكفى للتكهن الا بقدر ما توحبه ادارته والذين عينهم اعضاء بها ومن ثم قد يصعب التهكن بصورة كافية التعرف على أي من تنويعات السيناريو الذى قد يتعين باراك أوباما عليها. على انه من المفيد تذكر أن القضية المحورية فى سياسة أوباما الخارجية لن تتغير كثيرا. والكل يتمنى العكس طبعا بالنسبة لقضية اسرائيل وفلسطين على الاقل. وقد كان أوباما واضحا منذ بداية حملته الانتخابية وباكرا قبل انتخابه انه سيدعم عناصر الجناح اليميني من اللوبى الاسرائيلى بقيادة ايباك. سوى أن السؤال يبقى مع ذلك حول ما هي القوى الداعمة لتلك السياسات. وعليه فالسيناريو الاول سوف يتعثر دون أن يغير من سياسات بوش الا بقد ما يتعين على تلطيف الحواف القاسية لسياسات بوش هنا وهناك كمثل ما يفعل أوباما حول التعذيب. فاوباما يوسع الحرب على افغانستان ويواصل الحرب فى العراق لمدة اطول مما كان قد وعد إبان الحملة الانتخابية. وكان قد صرح بانسحاب القوات فى عام ثم فى عام ونصف ثم فى 19 شهرا وهكذا. ومهما كان الامر فان أي درجة من الانسحاب لن تغير من رموز الاحتلال العسكرى للعراق فيما يتصل بعدد القواعد وحجم السفارة الامريكية. وفى ضوء ذلك السيناريو سوف يواصل أوباما الحديث عن ايران مرارا ويحاول تفادى القتال. وسوف يحاول المحافظة على مساندة الحكومة المدنية فى باكستان الا انه لن يعارض فى الواقع عودة ديكتاتورية عسكرية فى ذلك البلد طالما بقيت باكستان تواصل مساندة سياسته فى افغانستان وايران. ورغم أن السيناريو الاول سوف يدعم الامبراطورية والاستعمار مما يجعله سيناريو غير مرغوب فيه الا أن أوباما سوف يحاول على الاقل تفادى حرب كبرى.

اما السناريو الثانى فانه سيناريو اكثر عسكرة واسوأ بكثير وربما استخدم مزيد من الحروب مما قد يشير إلى ما قد تتحول اليه سياسات أوباما فى الشرق الاوسط فى الاشهر القادمة من العام 2009. على انه من المفيد تذكر وقع المشاكل الداخلية التى تواجه باراك اوباما. فهى مشاكل اكبر مما كان يتصور خلال حملته للرئاسة أو يتوقع السرعة التى حدثت بها تلك التطورات الاقتصادية غير المسبوقة. هذا وكان عليه مواجهة المركب الصناعى العسكرى الذى يدفع الان ـ زيادة على اشياء اخرى ـ باتجاه مزيد من الانفاق العسكري وسياسة خارجية اكثر عدوانا بوصف أن ذلك من شأنه أن يساعد فى حل مصاعب أمريكا الاقتصادية. وزيادة على ذلك فان أوباما مواجه بحلول حكومة اسرائيلية تحت قيادة نتانياهو اكثر يمينية من سابقتها. ذلك أن تلك الحكومة مدعومة باللوبى الاسرائيلى ايباك. وأن ذلك الجناح من اللوبى اليهودي من اقوى حلفاء المركب الصناعي العسكرى فى الدفع بسياسات الحروب العدوانية فى الشرق الاوسط. وكان أوباما قد اظهر مساندته لذلك اللوبى طوال حملته الانتخابية ولم يفعل شيئا فى معارضة اللوبى المذكور ازاء اسقاطهم لتشارلز فريمان مرشح الادارة المفضل مرشحا جيد لمركز رفيع فى الاستخبارات. فقد اتهم اللوبى تشارلز فريمان بانه معاد لاسرائيل. وفيما تساند اغليبة المقترعين فى الانتخابات اسرائيل عموما بلا انتقاء فان حركات المعارضة مثل حركة العدل والسلام فى الولايات المتحدة ليست بالقودة الكافية على مواجهة المركب الصناعى العسكرى أو الجناح اليمنيى فى اللوبى الاسرائيلى.

وربما بقى من الواضح حتى الان أن أوباما لا يرغب فى أن يكون ذلك الرئيس الامريكى الذى يفقد الامبراطورية الامريكية. وعموما فان معظم الحكومات الاوربية ومعظم الحكومات العربية واليابان لا يعارضونه فى ذلك. وقياسا فان شعوب تلك الحكومات يعارضون بقوة اكبر سياسات الولايات المتحدة الامبريالية الا أن من المشكوك فيه أن شعوب تلك المجتمعات سوف تملك انجاز الكثير فى هذا الشأن. وعليه فان تحقق فان السيناريو الثانى سيواجه هو الواقع شعوب العالم وسوف تواجه الاخيرة بالتالى فترة خطرة من تاريخ العالم. وإلى ذلك فثمة فى الولايات المتحدة وفى اسرائيل قوى تريد صدام حضارات وتدفع حتما باتجاه مزيد من الحروب وهى ايضا قوى قوية جدا. ولعله من البديهى أن ايران سوف تكون اول متضرر من هذا السيناريو. الا انه من الصعب ادراك ما اذا كان أوباما قادر على أو حتى راغب فى منع تلك القوى من احتجاز مستقبل سياسات الولايات المتحدة فى الشرق الاوسط قاطبة(25). وثمة سيناريو ثالث خفى أو اجندة مسكوت عنها وهى ما قالت به النيويورك تايمز فى مقال افتتاحي بعنوان نهب أمريكا الخميس 10 ابريل 2009 من أن أمريكا بسبيل أن تنهب تباعا لحساب اقليات اوليجاركية.

ويتمأسس نهب أمريكا ـ ومعها خراب الصين ربما ـ فوق سياسات ما يسمى بدرئ تداعيات الازمة المالية من تأميم واعادة خصخصة وضمان السندات السامة بشرائها بمال دافع الضريبة فوق دعوة شارع المال للجلوس حول نفس المائدة مع الشارع العام لمناقشة حلول الازمة يقيض لشارع المال حصص غير مسبوقة من المراكمة خصما على الطبقات العاملة. ويقول المقال ما معناه أن الذى يجرى تباعا هو بمثابة السياسات التى خصخصة روسيا المرسملة صبيحة انهيار الاتحاد السوفيتى لحساب بضعة اوليجاركيات (26). فهل يصعب التكهن باعضاء التنويعة الاوليجاركيات الامريكية؟

ختاما
يلاحظ الناس كيف انه عندما جاء أوباما كان الحقل محروثا وممهدا لقاموس لا يزيد سوى أن يعيد انتاج ما قبله وانما بلغة القة وحزقة وتأخذ بالقلوب وتخطف الافئدة المحتارة فى امرها، الا أن اللغة الاوباماوية عكس ما تعلن وأن قالت فليس ثمة ما يعتد به طالما انها لا تعين على فعل شئ يذكر أو ينسى. ويقول ماركس ـ غفر الله له هو الاخر ـ "أن سحر وغواية المفردات المفخمة ـ تلك التى تعقد قياسا بين أي شئ وكل شئ ـ لا يقاوم وبخاصة عندما تبدو تلك المفردات لاول وهلة عميقة وجامعة" واضيف انه ما أن يتوفر تعريف تلك المفردات الالقة الفخمة المعقمة حتى يتكشف كيف انها ببساطة اقل من عديمة الفائدة بقدر ما ترفض التعريف بل ضارة اشد الضرر فلا ينبغى أن تثير أكثر ولا اقل من السخرية"(27).

باحثة من السودان تقيم في أكسفورد ـ بريطانيا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ـ That's no surprise. That's part of our tortured, tangled history."" 
(2) ـ Obama does, however, have European royalty: from Edward Fit Randolph back to William I, King of Scots, and from Martha Eltonhead back to Edward I, King of England.
(3) ـ انظر(ى). Gary Boyd Roberts, the Royal Descents of 600 immigrants (2008: Baltimore
(4) ـ انظر(ي)www.islamway.com/gaza
(5) ـ تعود اصول ميخائيل نوستراداموس المتصوف والعراف الهولندى الى جزيرة ايبريا وكذا اصول شباتاي زفي الذى كان ابوه اندلسيا هاجر الى ازمير ـ تركيا. وكان وقد تبحر فى التصوف وراح يفسر كل ما يتصور من صفات المسيح لصالحه وقد بات يعتقد انه مجعول لقيادة شعبه كالمسيح لزعامة العالم. وكانت مضاهات الاحرف بالارقام على الطريقة التوراتية افادت بان علامات بعينها تشير الى أن ساباتاي زفى هو المسيح.
(6) ـ A very special relationship /radio4, 13.05pm, Sunday 18.2.2007.
(7) ـ انظر(ى)John Pilger: The Politics of Bollocks: Newstatesman: 9.2.2009:PP:26-7.
(8) ـ انظرى) The Real Estate War in Gaza The History and "Morals" of Ethnic Cleansing By VICTORIA BUCH :an Israeli academic and anti-Occupation activist
(9) ـ انظر(ي) The Independent 1st.Nov.2008.
(10) ـ -Self Hating Jews لمثل الاكاديمية النشطة فيكتوريا بوتش Victoria Buch كاتبة التقرير الذى يصدر عنه هذا التحليل
(11) ـ على أمريكا التفريق بين الطالبان والقاعدة. والطالبان جماعات قروية ريفية رعوية لم تخرج من افغانستان ابدا وهم رغم انهم من الاشتون غالبا الا انهم حتى مع دخول اخرين الى حركته فانهم ليسوا حزبا. وبالمقابل فان القاعدة جماعة مدولة وشبه عالمية.
(12) ـ انظر(ي) BBC,WS: Obama professor-president:2.00am Saturday,17th, Jan,2009
(13) ـ كان تحرير العييد بالتنكل سمح بتجنيدهم فى جيش الاتحاد مما كسر الولايات الجنوبية. وكان لوجود الاربعة ملايين "زنجى" دور هام فى انتصار الاتحاديين. وحتى فى الولايات الشمالية وبخاصة الولايات الحدودية كان الجنود البيض يحتجون على الزنوج فى الجيش وراحوا يهجرون الجيش. وصدرت تعليمات فى يناير 1863 بان يعاقب كل جندي فار سواء ابيض أو اسود وكانت عقوبة الفرار من الخدمة الاعدام أن ثبت الجرم. وقد ترتب على الفرار من الخدمة احتجاجا على تجنيد السود أن تخلخل الجيش ومنى الجيش بكثير من المشاكل مما هدد بهزيمة الاتحاديين.
(14) ـ انظر(ي) دان براون: دافينشي كود:The Da Vinci Code:2003:Dan Brown: والدم المقدس والطاس المقدس The holy Blood & the Holy Grial:1982:Mihael Daigent, Richard Leigh and Henry Lincoin.
(15) ـ انظر(ي)John Pilger: Time to re-think the Realpolitik in the New statesman:16 Feb.2009:PP:36-7
(16) ـ انظر(ى) John Pilger: After Bobby: Is this Liberalism s last fling? In the New statesman 2nd June 2008:PP:32-34
(17) ـ The Ugly American رواية ل "وليام ليدرر" William J Ledrer صدرت فى الستنيات حول ابتذال شعوب جنوب شرقى اسيا ـ كوريا ـ فيتنام وكامبوديا بالعون الغذائى الامريكى مرمز فى صلافة السفير الامريكى.
(18) ـ انظر(ي) سفر القضاة The Book of Judges الفصل الاول ـ 4 و 9 و 15و  19و 27 الى 35. الفصل الثانى 1 و 7 .
(19) ـ طالبت اسرائيل برفت روبت فيسك الصحفى البريطانى المعروف ومحرر جريدة الانديبيندت فى شئون الشرق الاوسط لانه يكتب ما لا يروق لاسرائيل. وقد قام الناس بحملة كبيرة واسعة للدفاع عنه حتى انتهت المشكلة مؤقتا. الا انه عندما قدمت الانديبيندت تقريرا باعداد الاطفال اللبيانيين اللذين تقصدتهم القذائف والالغام والقنابل العنقودية الاسرائيلية اشارة الى نزوع الاسرائيليين التاريخي الى قتل اطفال خصومهم فقد عادت اسرائيل وشددت من نقدها له والمطالبة بالثار منه مهنيا. وكانت جولدا مائير قد قالت باكرا "ان كل طفل فلسطينى يولد بمثابة الجمرة فى كبدى" أو شئ من هذا القبيل.
(20) ـ وعد رئيس المؤتمر اليهودى العالمى الرأسمالى الشهير دونالد لودر صاحب مستجضرات التجميل والعطور العالمية (21) ـ ببناء المجتمعات اليهودية فى وسط وشؤق اوربا كان قد انشأن منظمة خيرة فى 1987 لذلك الغرض.
(22) ـ أنظر(ى)Rose, John: 2004:The myth of Zionism: Pluto Press:PP:10-12
(23) ـ If the single story of the Weapons of Mass Destruction (WMD) which has been rendered openly fabricated cannot yet be put to rest, what of the old fabricated myths about similar and other incidents in written and unwritten history?
(24) ـ Information Clearance House هذا الجزء من الدراسة مأخوذ من شبكة المعلومات Information Clearance House عن مقال فى Will He Sell Himself into His Own Defeat? Obama and the Empire By Bill and Kathleen Christi son March 17, 2009 "Counterpunch"
(25) ـ انظر(ى) Information Clearing House على شبكة المعلومات مارس 2009.
(26) ـ ومن المفيد تذكر أن الاخيرة تتألف من ثمانية اوليجاركيين روس يمتلك 7 من بين هؤلاء الأوليجاركيين الثمانية ـ أمثال بوريس بيريزوفسكى وميخاييل فريدمان وفلاديمير جوزينسكى وبيوتر آفون Pyotr Aven وميخاييل خودوركفسكى ورومان ابرهاموفيتش ـ ما يقدر ب 80% من ثروة روسيا. كذلك انظر(ي)Amy Chua:2003:World on Fire: How Exporting Free ـ Market Democracy Breeds Ethnic Hatred & Global Unrest: London:ch.7
(27) ـ انظر(ي).