يعود الشاعر والتشكيلي العراقي ليث الصندوق الى صورة التشظي التي نعيشها اليوم، من خلال نص شعري جديد "ينحته" كما يشكل أي مجسم لعالمنا اليوم حيث الغزاة الذين يأتون من كل صوب اتجاه كل شيء، لهؤلاء يكتب الشاعر في محاولة للنبش في راهننا اليوم بالتباساته ومفارقاته المدوية.

الغزاة الغافلون

ليث الصندوق

 

نزلوا غازينَ من الجبال

خوذهم أعشاشُ صقور

ودروعُهم السُحُبُ الصدئة من سوء التخزين

وإمعاناً في تزييف الشتاء

غمرت صيحاتُهم الوديانَ تحت طبقة من الجليد

وحجبت أحداقهم الجاحظة السماء

خلف رشقاتُ من السِهام

**

نزلوا

وتسرّبوا في معاطف الوديان المهترئة من قضم الوعول

أكلوا الأشواك

ولبسوا الغدرانَ المدبوغة من جلود الظلال

كانوا يحلمون بأوطان حوامل

تلفظ في كلّ ولادة قطعاناً من الأنهار والمروج

وكانوا ككل مدمني السهر

يعصرون الليلَ في جرارهم

ويُعتّقونه

حتى تفوح من أجسادهم رائحة حريق

وككل المخلوقات المحرومةِ من الأجفان

إذا أمعنتَ النظرَ في دهاليز أحداقِهم

رأيتَ أكداساً من الأحلام

مرزومة

ومُعدّة للتهريب

**

نزلوا تاركين وراءهم بيوتهم المعتلّة

تئنّ من مشاقّ الحمل

وعُسر الولادة

وفي حضنها الأموميّ ترتمي الجدران النازفة

والسقوف المهشّمة الأضلاع

بينما الكراسي السهرانة

تُدخّن مساميرها الصدئة

وتسكرُ بصريرها المُعتّقِ في سراديب النسيان

**

نزلوا دون أن يلتفتوا إلى الوراء

مخافة أن تصرخ بهم الذكريات : ردّوا إليّ ديوني

كانت مداخن بيوتهم تركض من ورائهم

مذعورة من دخانها الذي صار ينبحُ كالكلاب

**

نزلوا من الجبال طامعين بمدن

يأكلونها مملّحة بشراهتهم

لكنهم نسوا من ورائهم مدن طفولتهم

تحترق على النار

لم يدركوا أيّة وحوشٍ تصيرُها الأصداءُ

حين تُحبس في البيوت الخالية ؟

وأيّ ثِقل للعباءات السود التي تخلعها الغربان

وتُغطي بها الأودية ؟

تركوا بيوتهم الخالية فرائسَ

تجلبُ روائحها المفترسين

الذين يتربصون بها

ليتخذوا من حجارتها حبوباً للصداع

ويخيطوا من ظلالها معاطفَ مطرية.