عن المكان ومجازاته يكتب الشاعر التونسي، عبدالعزيز الهمامي، في قصيد يحتفي بوشائج ونبض ما تبقى في رفيف الذاكرة ومن ألق المكان وظلال الناس وذات ترفعت الى سدرة الصفاء وكلمة اختارت أن تكتب نبضها وذاك الأمل الوراف في الدواخل يشكل مستقبل صبح يأتي.. لعل في مساءات المكان أفضية تؤدي الى بداياته.

مساء المدينة

عبد العزيز الهمّامي

 

قَـلْـبِي هُـنَــاكَ تَـشُــدّهُ الأَعْـتَــابُ

وَهْـوَ الغَـرِيــبُ وَمَا لَـهُ أَصْـحَـابُ

وَالأَرْضُ سَـوْسَـنَـةٌ تَغِـيــبُ كَأَنَّـمَا

لاَشَيْـىءَ تَـحْـــتَ سَـمَـائِـهَـا أَوَّابُ

أَبْصَرْتُ فِي جَـفْـنِ المَدِيـنَةِ دَمْـعَـةً

مُـذْ مَــرَّ مِنْهَا العَاشِـقُـونَ وَغَابُـوا

يَـا قَــيْــرَوَانُ مَـتَى أَرُدُّ نُــبُـوءَتِي؟

وَمَـتَى يَـعُــودُ زَمَــانُــكِ الـخَـلاَّبُ

مَاذَا أَقُـولُ وَفِــيـكِ صْـرْتُ مُتَـيَّـمًـا

الحُــبُّ أَعْـمَى وَالهَــوَى غَـــلاَّبُ

دَوَّنْـتُ اِسْـمَـكِ فِي فَهَارِسِ نَخْوَتِي

فَـتَـوَرَّدَتْ بِـدَفَــاتِـــرِي الأَحْـقَـابُ

فَانْظُرْ اِذَا مَالَـتْ عُيُـونُـكَ نَـحْوَهـا

سَتَرَى الطَّـهَـارَةَ صَاغَـها الوَهَـابُ

نُـورٌ بِجَـامِـعِـهـَا الكَبِـيــرِ فَكُـلّـمَا

قَامَـتْ صَـلاَةٌ أَشْــرَقَ المِــحْــرَابُ

وَهْـيَ الَّتِي كَـانَـتْ بِخَـاطِـرِ غَـيْـمَةٍ

تَـهْـمِي فَـيَـنْـضَحُ بِـالنَّـعِــيـمِ تُــرَابُ

وَقَصِـيـدَةً حَـلَّــتْ ضَـفَــائِــرَ بَـوْحِهَا

وَعَـلَى الحُـرُوفِ تُـعَــرِّشُ الأَعْـنَابُ

وَفَرَاشَـةً أَخْـفَـى الرّبِـيـعُ وِشَـاحَـهَا

وَنَـأَى بِـهَا نَـحْــوَ البَـعِــيــدِ غِـيَـابُ

لِي شَـهْـوَةُ الأَمْـوَاجِ حِـيـنَ تَضُمُّـنِي

وَيَـرُوقُ لِـي فَـوْقَ المِـيَــاهِ عُــبَـابُ

وَقَطَـفْـتُ فَاكِهَـةَ المَجَـازِ مِـنَ الذُّرَى

مُـذْ طَـافَ بِي مَـلَـكُـوتُــهُ الجَــذَّابُ

وَأَظَـلُّ أَسْـأَلُ كَـيْـفَ تَـذْبُــلُ أَيْـكَــةٌ؟

أَوْ يَخْـتَــفِـي قَـبْـلَ الأَوَانِ شَـبَــابُ

يَا وَاعِــدًا بِالـوَهْـمِ حُـلْـمَ طُـفُـولَـتِي

مَـا لِـلْـفَـيَـافِـي مَـاؤُهُـــنَّ سَـــرَابُ

أَحْـتَـاجُ أَنْ تَـلِـدَ الفُـصُولُ جَـمَـالَـهَـا

فَـوْقَ الضِّفَـافِ وَتَنْهَـض الأَعْـشَـابُ

وَيَـفِـيـض مَاءُ الصُّبْـحِ فِـي أَكْـوَابِـنَـا

وَاِذَا شَـرِبْــنَــا تَــظْــمَــأُ الأَكْـــوَابُ

يَـاطِـفْــلَـةً هَــزَّتْ بِجِــذْعِ قِــوَامِـهَـا

فَـاسَّاقَــطَ النِّـسْــرِيــنُ وَ العُــنّــابُ

عَـيْـنَاكِ مِنْ طِيـنِ الأَصَالَـةِ فِـيهِمَا

كُـحْــلٌ تَـضُـمُّ سَــوَادَهُ الأَهْــدَابُ

وَمَعِي جَـنَاحٌ لاَ يَتُــوبُ عَــنِ المُـنَى

هُــوَ فِـي رِحَـابِــكِ طَـائِــرٌ جَــوّابُ

فِي صَوْلَجَـانِ البُعْـدِ يَشْـرَبُنِي المَدَى

الرّيــحُ ثَـكْـلَى وَ الطَّــرِيـقُ ضَبَـابُ

وَنَثَرْتُ فَوْقَ الطُّورِ ضَوْءَ شَهَـامَتِي

فَـمَـضَــتْ اِلَـيَّ ثَـعَــالِـبٌ وَ ذِئَـابُ

وَذَرَعْـتُ أَجْـنِحَـةَ الشَّـوَارِعِ مُتْعَـبًـا

وَرَأَيْــتُ كَــيْــفَ تَـأَوّهَــتْ أَبْــوَابُ

وَبَنَى المَسَاءُ عَلَى الحِجَـارَةِ عُـشَّـهُ

وَتَـهَـالَـكَ التَّـارِيـخُ وَهْــوَ مُـصَـابُ

وَأَنَـا بِـوَادٍ غَــيْــرِ ذِي زَرْعٍ فَـلاَ

نَــبْــتٌ وَ لاَ مَـــاءٌ بِـهِ يَـنْـسَــابُ

وَأَخَذْتُ مِنْ هَـمِّ المَدِيـنَـةِ حِـصَّـتِي

وَبِـدَاخِـلِـي لَمْ تَــنْــتَــهِ الأَتْـعَــابُ

لَـكّـنَّـنِـي سَـأَظَــلُّ مِـنْ صَلْـصَـالِهَا

حَتَّى يُـضَـاف اِلَـى السُّـؤَالِ جَـوَابُ

وَغَـدًا سَتُشْرِقُ مِـنْ رَمَـادِ سَـدِيـمِهَا

وَيُضِـيـىءُ لَـيْــلَ العَــادِيَـاتِ اِيَــابُ