تتنوّع تجربة الفنان الأردني رائد إبراهيم لتشمل الرسم والفيديو والتركيب الفني، محاولا فيها الدمج بين الجدة والكوميديا(السخرية السوداء)، في طرح أفكار تتعلق بالراهن الاجتماعي والسياسي وقضايا الناس وهمومهم. هنا يسعى لتسليط الضوء على إشكاليات أصبحت شائعة إلى درجة أنها تبدو طبيعية في مساحة تجريبية واسعة يحلّق المشروع الفني للتشكيلي الأردني رائد إبراهيم متجاوزا المدارس الفنية وتدعو المُشاهد إلى إمعان النظر من جديد في ما يؤمن به.

الجرأة والسخرية في أعمال الأردني رائد إبراهيم

 

الفنان الأردني يسعى لتسليط الضوء على إشكاليات حارقة أصبحت شائعة إلى درجة أنها تبدو طبيعية ومألوفة. في مساحة تجريبية واسعة يحلّق المشروع الفني للتشكيلي الأردني رائد إبراهيم متجاوزا المدارس الفنية، قديمها وحديثها، ليطرح تساؤلات كثيرة ومُربكة تحملها أعماله، والتي لا يخلو بعضها من روح السخرية والتهكّم. تساؤلات تدعو المُشاهد إلى إمعان النظر من جديد في ما يؤمن به وما يتعامل معه كمسلمات أو حقائق.

تتنوّع تجربة الفنان الأردني رائد إبراهيم لتشمل الرسم والفيديو والتركيب الفني، محاولا فيها الدمج بين الجدة والكوميديا، أو ما يسمى السخرية السوداء” في طرح أفكار تتعلق بالراهن الاجتماعي والسياسي وقضايا الناس وهمومهم. ففي عمله الذي يحمل عنوان “لكل داء دواء” صُمّمت مجموعة كبيرة من الأشكال التي تحاكي عبوات الدواء، وطُبعت ملصقات صُمّمت من وحي الحالة المرضية التي يعالجها كل دواء، ووُضعت لكل عبوة نشرة تبيّن مكونات الدواء ودواعي الاستعمال والجرعات وموانع الاستعمال، وبالقرب منها نشرة دعائية تحثّ الناس على الشراء بصيغ تُراوح بين الجد والسخرية.

وبناء على هذه التوليفة نقرأ مقولات على شاكلة “الحَبّة السريعة للمرأة المطيعة”، ونتعرّف على علاج “يحفّز الانتماء ويعزّز الولاء”، يجاوره علاج مضاد للتخلف”. وتتنوّع أشكال العبوات؛ فبعضها زجاجي يحتوي على مشروب سائل، وبعضها الآخر يتضمن حبوبا ملوّنة أو بيضاء اللون، وثمة عبوات محشوة بالكبسولات، وكلّ عبوة منها لها اسم ذو دلالة.

فهناك دواء اسمه “ميديغري” المشتقة من كلمة إنجليزية تعني “الموافقة، وداخل العبوة حبوب يمكن للعاملات تناولها ليعملن فترات طويلة بلا تعب أو تذمر، وبالتالي يحمين أنفسهنّ من غضب رب العمل. وقد حمل الملصق الدعائي لهذا الدواء صور فتيات يرتدين زي العمل ويمسكن بأدوات التنظيف.

ويقول إبراهيم في حديثه عن الفكرة التي يطرحها من خلال هذه الأعمال بأنه يروم إحداث صدمة وعي لدى المتلقي، وتسليط الضوء على إشكاليات أصبحت شائعة إلى درجة أنها تبدو طبيعية ومألوفة.

ومن أعمال الفنان الأردني الإشكالية وذات الصبغة الناقدة والساخرة عمل بعنوان “دولة إسماعيل”، وهو مشروع بدأ إبراهيم العمل عليه خلال إقامته الفنية في سويسرا، حيث أعلن في 13 أغسطس 2009 تأسيس دولة وهمية أسماها دولة إسماعيل” على أراضي أرغاو، وأقيم حفل الإعلان في مدينة آراو التي أصبحت تُعرَف بـ”مدينة إسماعيل”؛ عاصمة الدولة، وعُرضت فيه قطع تبدو كأنها أثرية تاريخية زُعم أنها من الحفريات التي جرت في أرض الشعب الإسماعيلي.

بعد ذلك نقل الفنان عمله إلى عمّان، وتضمّن المعرض وثيقة إعلان التأسيس مطبوعة ورقيا، وعرضا لفيلم تسجيلي يوثّق لحظة قيام الدولة، وتعريفا بأعلام الدولة وشعارها “الخنفساء”، إضافة إلى أوراق يمكن لزوار المعرض تسجيل أسمائهم عليها للحصول على الجنسية أو “لمّ الشمل”.

ومن أعمال إبراهيم المعروضة في دارة الفنون بمؤسسة خالد شومان في عمّان واحد بعنوان “جمل في الغرفة” استُلهم عنوانه من العبارة المجازية باللغة الإنجليزية “فيل في الغرفة” التي تشير إلى الحقيقة الواضحة التي يتم تجاهلها، أو الخطر المحدق الذي يتجنب الناس الحديث عنه. غير أن الفنان استبدل الجمل في معرضه بالفيل؛ والجمل هنا يرمز كما يقول إبراهيم إلى النظرة الغربية النمطية تجاه المنطقة العربية، وكيف نتماهى مع هذه الرؤى النمطية التي يتمّ حصرنا فيها ومن خلالها عبر التأكيد عليها والتعامل معها كحقائق أو مسلّمات”.

ويتضمّن هذا العمل دمية على شكل جمل ضخم وُضعت داخل صالة العرض، لونها ورديّ وزُيّنت بشكل يذكّر بالدمى التي تباع للسائحين كتذكارات. أما العمل المُعنون بـ”رعب من؟” فيُبرز تأثير أحداث 11 سبتمبر 2001 على الراهن، إذ أدّت هذه الأحداث إلى تداعيات كارثية واستقطاب سلبي في السياسة المعاصرة، حتى أصبح هذا العصر يوصَف بـ”عصر الرعب” كما يوصّفه إبراهيم.

ويتكوّن العمل من أربعة أجزاء، في الأول ينتصب هيكلان عموديان على هيئة لفافتي تبغ من الماركة الأميركية الشهيرة “مارلبورو”، وتعلوهما سحابة من الدخان الأسود الكثيف، في إشارة إلى أحداث 11 سبتمبر التي خلّفت نتائج كارثية، ليس على الولايات المتحدة وحدها بل على العالم أجمع، وتحديدا على المنطقة العربية.

ويتكوّن الجزء الثاني من العمل من هيكلين آخرين ملونين بالأسود، يعبّر أحدهما عن برج التجارة العالمي، أما الجزء الثالث فهو مجسَّم ذو إطار مذهَّب كرمز للمنطقة العربية، بينما يشبه الجزء الرابع ناطحة سحاب غير مكتملة، ويبدو أن دعامات البناء وعناصره المستخدمة في التشييد قد تحوّلت مع الوقت من وسيلة إلى غاية، حتى أصبحت هي البناء نفسه.

وتعكس هذه المجسمات معاني مختلفة، كفكرة الاستهلاك وسيادة العولمة، وهي تدعو كما يقول الفنان إلى “إمعان النظر من جديد في ما نؤمن به وما نتعامل معه كمسلّمات أو حقائق.. لعلنا نستطيع رؤية الأفيال أو الجمال التي تحتل غرفنا”. ورغم دراسته الرسم بمناهجه كافة إلاّ أن إبراهيم يرفض تأطير تجربته ضمن منهج فني معين، ويقول عن ذلك “في الواقع، إن التيار الفني يولد بعد العمل لا قبله، ولا أقبل التقيّد باتجاه فني معين، فمن شأن ذلك أن يحدّ من أفق التعبير وحرية الحركة”.

والفنان رائد إبراهيم ولد في السعودية ودرس الرسم والتصوير في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية وتخرّج منه في عام 1997. له مشاركات في العديد من ورشات العمل المختصة ومعارض في الأردن ولبنان وإيرلندا والمملكة المتحدة والنمسا والولايات المتحدة وهولندا. وقد أقام معرضه الشخصي الأول في “زيكو هاوس” ببيروت عام 2001، ومعرضا شخصيا ثانيا بعنوان “مشاهد مدينية” في المركز الثقافي الفرنسي في عمّان عام 2007، ومعرضا بعنوان “لكل داء دواء” في عمّان عام 2009. كما شارك في برنامج الإقامات الفنية بروهلفتيا في آراو عام 2009 وفي دارة الفنون في العام ذاته وفي كورك بإيرلندا عام 2007.