انتظم في مدينة سطات المغربية ملتقى الذاكرة والتراث الثقافي في دورة جديدة يشرف عليها مختبر السرديات المغربي وشارك في فعالياته العديد من النقاد والباحثين في محاولة لإرهاف الذاكرة الجمعية ورصدها بالبحث والتحليل الى جانب تشجيع البحث العلمي للتواريخ المحلية وهو المبحث الذي أمسى يحظى بحضور لافت في الكتابات التاريخية في المغرب السنوات الأخيرة.

الحج إلى مكارطو: الذاكرة والمستقبل

سالم الفائدة

 

حج إلى الشاوية، وتحديدابالجماعة القروية مكارطو دائرة ابن أحمد إقليم سطات، يوم السبت 26 يونيو 2021 في الساعة العاشرة (10.00) صباحا، مثقفون وجامعيون وطلبة ومهتمون وعمداء كليات وإعلاميون وفنانون وحقوقيون، من مدن وأماكن متعددة، إلى الملتقى الرابع عشر (14) للذاكرة والتراث الثقافي بالشاوية الذي أشرف على تنظيمه مختبر السرديات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء بتنسيق مع جامعة الحسن الأول بسطات وبشراكة مع الجماعة الترابية مكارطو/ وعدد من جمعيات المجتمع المدنيفي موضوع:"المقاومة الشعبية في امْزاب - أولاد امْحمّد".

البداية كانت بعرض شريط وثائقي خاص بالصور التي تؤرخ للمنطقة، خاصة في بدايات الاحتلال الفرنسي والمعارك التي خاضتها قبائل امزاب والشاوية عموما.

وشهدت الجلسة الافتتاحية التي ترأس أشغالها شعيب حليفي الذي عبر عن سعادته بهذا اللقاء الذي يأتي في إطار الوفاء للتاريخ والمقاومة، وإعادة الاعتبار للذاكرة الجمعية بما تحمله من دلالات ورموز تمنحنا القوة للاستمرار والتقدم والتحديق في الشمس، وقد نوه حليفي في مستهل كلمته بمجهودات الجامعة التي تحضر إلى البادية بفريق من المؤرخين والباحثين للتصالح مع التاريخ  وهو ما يبيّن دور المثقف في بناء العقل والإنسان والتاريخ .

كما تقدم بالشكر الى عمداء الكليات المشاركة الذي حضروا لتجسيد هذا الارتباط بين الجامعة والبادية المغربية، وكذا أشاد بجهود كل الفاعلين المشرفين على الملتقى.

بعد ذلك تناول الكلمة السيد  يوسف العيالي، رئيس الجماعة الترابية مكارطو معبرا عن فخره بالملتقى الثقافي الرابع عشر، مثمنا دور الجامعة في الانفتاح على محيطها القروي ومبرزا صفحات مشرقة للمنطقة في مقاومة ومقارعة المستعمر خلال بداية القرن العشرين.

أما كلمة ممثل جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، التي ألقاها الأستاذ عبد القادر كنكاي عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، فقد عبّر من خلالها على أهمية التاريخ المحلي العريق كمكون أساس في الاستراتيجية المحلية والجهوية والوطنية، ودلالاته العميقة التي تتمثل في الوعي بمكونات المجتمع المغربي ومقوماته، كما عبر عن رغبة كلية الآداب والعلوم الانسانية بنمسيك بالدار البيضاء الأكيدة في الانخراط في محيطها الاجتماعي والاقتصادي. وقد أشار الأستاذ كنكاي أن الهدف الأسمى من هذا الملتقى هو نشر الثقافة والخروج مباشرة، بالجامعة عبر طلبتها وأساتذتهاإلى المحيط للمساهمة في التنمية والتقدم المنشود كما أكد حرص الجامعة  على تخصيص بحوث في الإجازة والماستر والدكتوراه  لدراسة  تراث المنطقة وثقافتها لاستشراف آفاق المستقبل .

 وفي كلمة ممثلجامعة الحسن الأول بسطات الأستاذ عبد القادر سبيل عميد كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية بسطات، أشار إلى أهمية انخراط الجامعة المغربية في قضايا البادية  والتأريخ للماضي التحرري التليد، مُذكرا في هذا السياق بالملتقيات والندوات التي عقدتها جامعة الحسن الأول لتعزيز الاهتمام بالمنطقة وتاريخها والإنسان فيها،  ندوة ابن عربي في مقام الشاوية، ندوات التراث المادي واللامادي بالشاوية التي ساهم فيها جامعيون وباحثون كثر نبّهوا الى التراث الحافل بالشاوية . كما أشاد الاستاذ سبيل بالشراكة المنتجة التي تجمع الجامعات التي تنتمي إلى  الفضاء الجغرافي للشاوية، البيضاء والجديدة  خدمة لقضايا التنمية  في المنطقة .

ومن جهته  نوّه السيد عبد الكريم الزرقطوني عن مؤسسة " محمد الزرقطونيللثقافة والأبحاث"  بجهود المنظمين  وكذا بجهود الباحثين في نبش التاريخ المنسي للمنطقة  صونا للذاكرة  الجماعية في  مختلف مجلاتها التاريخية والرمزية.

كما حضر برفقة نجل الشهيد محمد الزرقطوني المقاوم محمد بن عبد القادر الشتوكي رفيق الشهيد ، وقد قدمه محمد معروف الدفالي بكلمة تعريفية لقيت حماسا لدى الجمهور.

أما في الجلسة العلمية التي تمحورت حول المقاومة بالمنطقة، فقد عرفت مشاركة  مجموعة من الباحثين ، ففي المداخلة الأولى، قدّمها صالح شكاك:  بعنوان "امزاب، معطيات عامة"،مفتتحا  كلمته بالتأكيد على ضرورة كتابة تاريخ المغرب  بأصوات متعددة وقلب واحد ، وقد عرّج  في مداخلته على  تاريخ المنطقة خاصة في القرن التاسع عشر 19 انطلاقا من الوثائق المخزنية،  حيث  تميزت فيه الشاوية بين مرحلتين، مرحلة تدخل الشاوية عبر حركات إلى خارجها، ومرحلة أخرى  توجه فيها الحركات إلى داخل الشاوية وهي الفترة التي عرفت تغلغل الأوربيين إلى الشاوية.

كما توقف المؤرخ صالح شكاك عند الصراع الذي ميز تاريخ الشاوية بفعل عوامل مختلفة، المخزن الاستعمار وغيرهما، قبل أن يختم  بالقول أن تاريخ الشاوية الحافل تاريخ من الصراع والوحدة.

المداخلة الثانية تقدمت بهاأسماء الرفاعي حول الحضور المخزني بقبائل أولاد امحمد في القرن التاسع عشر. وقد توقفت الباحثة في عرضها عند كثير من رجالات المخزن من  القادة الذين  تعاقبوا على المنطقة وعلاقة المد والجزر التي حكمت ممارستهم في علاقة مع المحن  والساكنة ( القايد عبد الله المعروفي، القايد المعطي بن أيوب ) مبرزة أسباب الاهتمام المخزني بالشاوية  الاقتصادية والأمنية ، كما تناولت المنطقة خلال الوجود الاستعماري ،  وقد خلصت الباحثة إلى أن تاريخ  قبائل اولاد امحمد وعلاقتهم بالمخزن والاستعمار اتخذ طابعين : الطاعة  المتمثلة في الاستجابة عبر القياد للمطالب والواجبات الجبائية والمالية المخزنية ،والتوتر والعصيان أحيانا وهو ما يؤدي إلى إرسال المخزن  للمحلات السلطانية لفرض سلطانه. وهو ما أدى إلى الانتفاض بداية ضد المخزن  ثم إلى الانتفاض ضد المحتل الفرنسي دفاعا عن أرضهم ووجودهم.

 المداخلة الثالثة  قدمها علي فقير: (رئيس جمعية أسر المقاومة وأعضاء جيش التحرير بامزاب) بعنوان : المقاومة الشعبية والوطنية بامزاب. تناول فيها التاريخ المجيد للمقاومة التي قادها رجالات الشاوية وفي مقدمتهم  محمد ولد بوعبيد والمرابط محمد البوعزاوي وغيرهما  ممن وقفوا ضد مجازر الفرنسيين مذكرا بمذبحة داماد بالمنطقة، كما بيّن مساهمة خلايا "مكارطو في المقاومة من خلال بعض أفرادها الذين انتموا إلى منظمات مسلحة بالمغرب مثل (المنظمة السرية، أسود التحري، جيش التحرير)، قبل أن يختتم  كلمته بقصيدة زجلية أهداها إلى شهداء المقاومة بالشاوية  بعنوان " سمحوا لي يا لخوان قصة واحد من الشجعان".

 وقدم نورالدين فردي مداخلة حول :المقاومة بالشاوية: دور البوعزاوي في تأطير المقاومة الشعبية.خصصها لتناول سيرة  الشيخ  محمد الطيب البوعزاوي، في الجهاد الروحي والمسلح ضد الوجود الاستعماري الفرنسي ، متوقفا عند جوانب من حياته التربوية والروحية، وكذا عند الدور المحوري الذي لعبه في التحشيد والتصدي للفرنسيين ومشاريعهم خلال سنوات 1907/ 1908 وما بعدها وأيضا عن تأثيره الروحي  والتحرري عبر مقارعة الاختلال بمؤسستين (الزاوية والطريقة، ومؤسسة الرمى) في المنطقة والمغرب وكيف كانت تنظر إليه الإدارة الاستعمارية في تقاريرها العسكرية،مما أدى إلى فرض الإقامة الجبرية عليه في فاس بعد ذلك وكذا مختلف أشكال التضييق التي مورست عليه للجم تأثيره وخطورته.

آخر مداخلة في الملتقى، قدمها محمد وحيد حول "حجاج المزابي: من القتال تحت راية الاحتلال إلى المقاومة من أجل الاستقلال"، وقد ركز فيها على مساهمة حجّاج لمزابي  رفقة الإخوة الحداوي في خلايا المقاومة للوجود الاستعماري الفرنسي 1922/1955،  من خلال انتمائه إلى منظمة الهلال الأسود  وكيف حرص على المقاومة إلى آخر رمق  ليستشهد مع رفيق دربه محمد الحداوي  قرب ضريح سيدي معروف بالدار البيضاء في صراع مسلح مع الجنود الفرنسيين.

في حفل  اختتام الملتقى، تم توزيع عدد من الجوائز بالمناسبة، حيث  تقدم عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء الأستاذ عبد القادر كنكاي بتسليم هبة  لمكتبة الجماعة تتمثل في 100 كتاب من منشورات كلية الآداب بنمسيك وعبر عن استعداد الكلية لتكوين مشرف على مكتبة الجماعة ، كما تم تكريم عدد من حفدة رجال المقاومة ورموزها في المنطقة (حفدة محمد ولد بوعبيد- حفدة الأحمر بن منصور – حفدة القرشي بن الرغاي- حفدة المقاوم بوعزة المنياني- حفدة المقاوم الحاج أحمد عفيفي. كما تم تكريم عدد من الفاعلين المحليين والجمعويين بالمنطقة والجمعيات المشاركة.