أسامة دياب يرصد معاناة الإنسان السوري

أسامة دياب يرصد معاناة الإنسان السوري في الحرب من "زاوية حادة".

بأدواته التعبيرية الضاجة بالألوان وقدرته على تحريك مشاعر المتلقي، استطاع الفنان التشكيلي السوري أسامة دياب أن يكوّن شخصيته الفنية وتجربته الإبداعية الخاصة التي أخذت مكانها في ساحة الفن التشكيلي السوري، جاعلا من المرأة المساحة الأرحب للوحاته. لكنه في معرضه الجديد “زاوية حادة” قلب الأدوار لينحاز هذه المرة إلى الرجل، جاعلا منه بطل اللوحة ومعبّرا عن الضمير الإنساني في انكساره قبل انتصاره.

يستمرّ الفنان التشكيلي السوري أسامة دياب في مشروعه الفني المرتبط بتصوير الحياة والدراما البصرية المرافقة لها في زمن الحرب عبر طرحه مجموعة من اللوحات الجديدة ضمن معرضه الفردي “زاوية حادة” المقام حاليا في صالة لؤي كيالي بالعاصمة السورية دمشق.

والمعرض الجديد ضم أربع وعشرين لوحة بتقنية الزيتي وبأحجام توزّعت بين المتوسط والكبير، وطغت على الأعمال المشاهد الدرامية التراجيدية التي تصوّر معاناة الإنسان السوري في زمن الحرب والحصار.

انحياز مبرّر

أسامة ديابالمعرض يرصد حالات البؤس والاحتراق في زمن الحرب والحصار

عن المعرض قال دياب “أطلقت على المعرض عنوان ‘زاوية حادة’ تعبيرا عن وجود الكثير من الأمور غير المرئية في الحياة من قبل الكثير من البشر، بسبب قرار باطني بعدم رؤيتها أو لعدم قدرتهم على ذلك، فالزاوية الحادة تضمّ الكثير من المآسي والجراحات الخاصة بآلام الإنسان ومدى معاناته ومكابدته صعوبات الحياة”.

وتابع “أردت أن أقدّم هذه الحالات الإنسانية المؤلمة والصعبة والقاسية على سطح اللوحة ليشاهدها الناس ويتفاعلوا معها ويتصالحوا مع الوضع المعقد للمشهد الحياتي الذي بتنا نعيشه نتيجة الحصار والعقوبات الظالمة على سوريا، وحاولت من خلال أعمال المعرض رصد حالات البؤس والجوع والحرمان والاحتراق والانصهار والخواء في زمن الحرب والحصار”.

وحول انحيازه للرجل في معرضه الجديد عكس معارضه السابقة التي احتفت بالمرأة وجمالها، لفت إلى أن الرجل هو بطل جل لوحات المعرض، لأنه يمثل ضمير الإنسان المكلوم والمكسور.

وأكّد الفنان السوري أن المعرض هو استمرار لسلسلة معارضه المرتبطة بفكرة الرماد، والتي تمثل الحالة التي يعيشها المواطن السوري في زمن الحرب والحصار، مبيّنا أنه اعتمد التقشّف اللوني على سطح اللوحة مع طغيان الألوان القاتمة إلى جانب طيف بسيط من الألوان الحارة أو الباردة لتحريك سكون هذا
الرماد.

ولم يعجز دياب عن خلق تقنيات فنية تنسجم مع أفكار معرضه وتترجمها، سواء من حيث الخطوط والضربات والكتل، أو من حيث الألوان السائدة في لوحاته التي تميّزت بلوني الأسود والأبيض ليس من قبيل الثنائية المتضادة، بل لخلق “الرمادي الدخاني” اللون السيد في جميع لوحات معرضه. وما دخول الأحمر والأصفر الباهت، إلاّ لمزيد تكريس دلالات معرضه.

زاوية حادة” معرض الحزانى والفقراء واليتامى والمأسورين والمقموعين والمكسورين الذين ينثنون على أكبادهم كي تتصدّع وتنفلت متدحرجة إلى الخلاص، وإن كان عبر الموت.

إنه جحيم موت مضاعف، ممتد، موت لا يموت، تتوالد مشاهده، وتخزّ وقائعه العين كما نصال زجاج مكسور مدبّبة تماما كزوايا حادة، تجرّح الخام الأبيض بواقع قائم يعيشه إنسان الحرب. ولا يغمض دياب عينه ويترك الأخرى مفتوحة، فهو لا يصوّر، بل يرسم بعينين مفتوحتين تذرفان نصوصا لونية برؤية منفرجة على أرض المقهورين المكلومين.

بارقة أمل

المعرض طغت عليه المشاهد الدرامية التراجيدية التي تصور معاناة الإنسان السوري في زمن الحرب والحصار.. أعمال المعرض رغم ظاهرها المتشائم والسوداوي، إلاّ أنها تحمل الأمل بين سطورها، حيث يقول دياب “جاءت لتكون نوعا من التصالح مع الذات والواقع والتطّهر من العذاب والألم عبر التشاركية بيني وبين الجمهور لنتجاوز معا كل هذه المشاهد المؤلمة نحو مستقبل أفضل وأجمل”.

وفي ما يخصّ تجربته الفنية التي لا يودّ لها أن تنتهي، يقول الفنان السوري “أعتمد في أعمالي على الإنسان، ما يهمه، وما يتفاعل معه، وما يؤثّر فيه، حيث هو الملهم والمؤثر والمتفاعل في أغلب الأعمال، وكذلك المرأة، التي هي عصب الإنسانية، وعمودها الفقري فهي الأنثى الملهمة، العاشقة، الحبيبة المفقودة، والأخت المنتظرة والخائفة، والأم المدرسة، الحانية المربية، المتلهفة والفخورة، وهي الأنثى بتفاصيلها، ومنحنيات جسدها الفاتن، كالجرار المختزنة، والأواني الفضية المكشوفة، وسنابل الحنطة، تتمايل الأجساد بالثياب المزركشة كالربيع”.

ويحبّ دياب أن يكون العمل الذي يرسمه قريبا من الجمهور يحاكي خلجاته وأحاسيسه، حيث يقدّم أعماله بألوان صريحة حرة، متراصفة بجمل بصرية معبّرة، لتبدو اللوحة بتعبيرية مباشرة أكثر فهما وأقرب قراءة إلى المتلقي.

وعن تجربة دياب الفنية يقول التشكيلي السوري أنور الرحبي “أسامة من الفنانين الطليعيين والحقيقيين في المشهد التشكيلي السوري؛ إذ إنه يعمل على امتلاك أدواته ووحداته المختلفة، لخلق مناص تشكيلي فيه الكثير من الزخم المعرفي والإنساني، تسبح المرأة في الكثير من أعماله ضمن إيقاعات ملونة ليست مضافة، بل هي تشكيل درامي، وتجربة الفنان نشطة في تقديم مصوّراته التي تبعث في المتلقي الألفة والحميمية والحب رغم قسوتها أحيانا، أما ملوناته التي تميل على سطوحه، فتبدأ من الأزرق المشوب بالأصفر، والأخضر الذي يشكّل بإضافة الأبيض إنارة ملونة فيها الكثير من تفعيل الفعل”.

وعن واقع الفن التشكيلي السوري الحالي، يقول “أخذ الحراك التشكيلي في ظل الحرب طابع الكم والتقليد لدى العديد من التشكيليين، في حين تفرّد بعضهم بتقديم أعمال مؤثرة وجميلة ومتطوّرة في التجريد والواقعية الحديثة والتعبيرية المباشرة”.

حالات إنسانية قائمة برؤية فنية حادة   

ويضيف “لكل بلد خصوصية تطبعها البيئة والثقافة، والفن السوري له هذه الخصوصية في مفرداته وعناصره، فهو يظهر هويته وسحره وأعلامه الذين غصّت بأعمالهم متاحف العالم كإرث عظيم يمتد بعيدا في أعماق التاريخ”.  ويؤكّد دياب على أهمية تعليم الفن للأطفال والأجيال الجديدة، وفي ذلك يقول “إذا أردنا أن نبني طفلا للمستقبل يجب أن نعلمه كيف يعبّر عن مدلولاته وكيف يصنع ويشكّل جملته البصرية الأولى كيفما يشاء، وأن نحفّزه لمحاكاة الإبداع وتقويمه والبحث عن الحس الجميل من خلال ما يقدّمه بشكل عفوي في القراءة واللعب والحركات”.

والفنان التشكيلي أسامة دياب من مواليد إدلب عام 1962، درس الفنون في جامعة دمشق وتخرّج منها عام 1985 اختصاص تصوير، وهو عضو في اتحاد الفنانين التشكيليين منذ عام 1987، ومدرّس في كليتي الفنون الجميلة والعمارة بجامعة دمشق وفي المراكز التربوية للفن التشكيلي، له العديد من المعارض الفردية والجامعية بسوريا وخارجها، وحاصل على العديد من شهادات التقدير، منها عن مشاركته في الملتقى السابع للتصوير الزيتي عام 2016، وأخرى عن مشاركته في مهرجان “فلسطين الدولي الثالث للثقافة والفنون” عام 2017، وغيرها الكثير.