تسعى الباحثة الجزائرية إلى التعرف على جماليات قصيدة الطلاسم الشهيرة لإيليا أبوماضي، وتخلص إلى أن أهم خصائص هذا النص الشعري احتفاؤه بالجانب الموسيقي والايقاعي، وتميزه بالموسيقى الشعرية الداخلية منها والخارجية. الناجمة عن توظيف التواشج والتكرار والجناس وأشكال التقفية المختلفة، وهي كلها عناصر ساهمت في شيوع القصيدة وتعزيز غنائيتها.

جمالية الإيقاع في القصيدة العربية

قصيدة الطلاسم لآليا أبو ماضي أنموذجا

صالحـة عـوادي

 

الملخص:

لطالما لقب الشعر بديوان العرب، فهو احدى مصادر الابداع والتعبير عن النفس والواقع، وتتميز اللغة الشعرية بجمالية تؤثر في المتلقي، ويكتسب الشعر جماليته من خلال العديد من الخصائص من أهمها الجانب الموسيقي والايقاعي، الذي يأخذ جانبين من القصيدة الجانب الشكلي أو ما يعرف بالموسيقى الخارجية، والجانب المضموني الذي تعكسه الموسيقى الداخلية التي تتناغم مع الحالة الشعورية. ومن بين القصائد التي تم الوقوف عليها من خلال هذه الورقة البحثية قصيدة الطلاسم لاليا أبو ماضي، ودراسة البعد الموسيقي للقصيدة ومدى انعكاسه على جمالية اللغة الشعرية.

تمهيد:

من أهم خصائص النص الشعري احتفاؤه بالجانب الموسيقي والايقاعي المحبب للنفس، والذي يميز النص الشعري من النص النثري، فالموسيقى هي المغناطيس الذي يجذب المتلقي للتفاعل مع القصيدة بالبعد الاول المتصل بتقبله للعمل والانسداد صوابه، ذلك ان النفس بطبيعتها تعشق النقد والايقاع وحاجة هذه النفس في بعض الاحيان الى الموسيقى تكل اساسا الهدوء والاستقرار والشعور بالارتياح(1)، وهنا تظهر براعة في التوفيق بين معاني القصيدة والفاظها ضمن نسق موسيقي عذب يتناغم مع حالته الشعورية، وانفعالاته الداخلية تنعكس على لغته فتكون بمثابة نبضات القلب في قصيدة تتغير وفق ما يطرأ من جديد في المعنى وذلك لزيادة تأثير المتلقي.

ومما يميز القصيدة المعاصرة اهتماما بالجانب الموسيقي الداخلي الى جانب الموسيقى الخارجية المتمثلة بالوزن العروضي والتفعيلات وعددها والقوافي وأثرها، أما الموسيقى الخارجية المتمثلة فهي التي تحكم الجو النفسي للقصيدة، وهنالك من يعبر عن هذين النوعية من الموسيقى بموسيقى الإطار وموسيقى الحشو، حيث يقول محمد الطرابلسي وليس الوزن والقافية كل موسيقى الشعر، فالعر الوان من الموسيقى تغوص في حشوه وشان موسيقى الإطار تحتضن موسيقى الغناء، ولذلك سنعمد لدراسة الموسيقى الداخلية والموسيقى الخارجية في قصيدة «الطلاسم».

  1. الموسيقى الداخلية: نلاحظ على مستوى المقطوعات في القصيدة الجوانب الموسيقية الاتية:
  • التواشج اللفظي: ونعني بالتواشج اللفظي: "التقاء الكلمات في جمل في صورة او اكثر من جهة اللفظ،"[i] ومما يخلق تناغما داخل الاسطر الشعرية ويربطهما ببعضهما رابط موسيقى محبب يشد انتباه المستمع للقصيدة ونجده كملمح اسلوبي السيطرة على الموسيقى الداخلية والجو النفسي للقصيدة والذي يترجمه هذا التوشيح ضمن جملة الاصوات تعبيرا عما يعتمل في ذات الشاعر اثناء ابطاله من دفاقات شعوريه ينبض بها قلبه فتقلصه من هذا التوشيح (اتيت مشي’مشيت ، ابيت) في قوله [ii]: 

جئت لا أعلم من اين ، لكن أتيت

ولقد ابصرت قدامي طريقا فمشيت .

وسأبقى ماشيا ان شئت هذا أم ابيت

وكذلك في قوله: [iii]

جديد القديم انا في هذا الوجود

هل انا حر طليق ام اسير في قيود

انا قائد نفسي في حياتي ام مقود

فهنا اشترك في كل من ( وجود، قيود، مقود) في الحرفان الاخيران (الواو الدال) في قوله ايضا:[iv]

ليت شعري وانا في عالم الغيب الامين

اتراني كنت ادري انني في دفين

وباني سوف أبدو وباني سأكون

ام تراني كنت لا أدرى شيئا؟

لست أدري

فهنا اشترك اللفظان في ثلاثة (النون والكاف والالف) كما اشتركا مع الفظ (افكا) في الحرفين الاخيرين (الكاف والالف)

وفي قوله:

انت يا بحر اسير اه ما عظم اسرك.

انت مثلي ايها الجبار لا تملك امرك

اشبهت حالك حالي وحكي عذري عذرك

فمتى انجو من الاسري وتنجو

اشتراك اكثر من لفظين (اسرك، امرك، عذرك) في ثلاث حروف (الالف، الراء، الكاف).

وتكثر التواشيج اللفظية في نهاية القصيدة، مما يؤكد براعة الشعر اللغوي اقتداره على صنع اللغة خاصة فالأصوات مختاره بعنايه للتعبير المضامين مختاره بعنايه تضاهيها، فيدعم التصوير المعنوي حركات ايقاعيه محكمه ودقيقه من ذلك نذكر (يسري، ادريو صدري)، (نور، شعور، يمور).

  •  التكرار:
    بالإضافة الى التواشج اللفظي واشتراك كلمتين او اكثر صوت او اكثر نجد التكرار لم يعد يعني تكرار معنويا واخر لفظيا فيما تؤديه المفردة او المعنى المكرر في البيت الواحد او البيتين فهو في التكرار يساهم في الشعر الحداثي في تشكيل هيكل القصيدة، ويحكم بناءها ووحدتها، ويثري معناها ويوجهه. فيكون التكرار من مكونات اسلوب الشاعر، الذي يظفر باهتمام القارئ على مستوى الصوت الذي ينعكس على المعنى "التكرار هو ظاهرة موسيقية للكلمة او البيت او المقطع ويأتي على شكل الازمة الموسيقية الإيقاعية وعلى شكل النغم الاساسي الذي يخلف الجو نغيما ممتعا." [v] يساهم في ثراء الموسيقى الداخلية للقصيدة ومنحها انسجاما مع الحالة الشعورية والانفعالية التي تعتري الشاعر، وتلفت انتباه ترنم المتلقي وتدعم تفاعله بها، وتفكيره في معانيها. وكان التكرار يعمل في داخله نزعه طقوسيه توحي بغموض المعنى الذي يثير الذهنـ باعتباره موجه عصبيه في شبه هيمات فطري الذي[vi]. والتكرار ظاهره لافته واضحه يشعر إيليا يستشعرها كل من يتجول بين ثنايا قصائده ولم يكن ظهورها لكثرتها الكميه فحسب بل كان بخصوصيتها التعبيرية، تميزها بخطاب ابي ماضي الشعري وللتكرار مستويان
  1.  التكرار اللفظي بالمفردة مرتين او اكثر في المقطوعة الواحدة:[vii]

قد سألت السحب في الافاق هل تذكر رملك ؟

وسألت الشجرة المورق هل يعرف فضلك؟

وسألت الذر في الاعناق هل تذكر اصلك؟

وكأني خلتها قالت جميعها.

لست أدري

قد تكرر لفظ (مالت) ثلاث مرات في المقطع، وتكرار الكلمة مع أودعها في نفوسنا من موسيقى، له دلالة نفسها في من خلال التأكيد على ذلك التكرار في سياقه في هذه التساؤلات انعكاس واضحه لقلقه وحيرته وتردده الدائم وخوفه من المجهول الذي يسأل عنه، ولا يقتنع بأية اجابه ليمسي كل شيء طلسما لا سبيل لمعرفته.

  1. تكرار الجملة في اطار القصيدة:
    "قد يعبر الحديث عن التكرار الجملة في اطار القصيدة حديثا وثيق الصلة  بوسائل الايقاع الداخلي الذي تتحدث عنها مثلما كان الحديث عن تكرار المفردة طوليا له قيمه الإيقاعية الدلالية."[viii] عن تكرار الجملة هو الوجه التركيبي لتكرار المفردة والجملة المتكررة هنا تبدو بمثابة الجملة/ السياق، من ثم تصير محور القصيدة التي تدور حوله كل تفصيلاتها بل تغدو هنا وبصورة ما "الجملة/ الموضوع[ix]، في نطاق القصيدة وتحسها نغمه متكررة على النحو غير مباشر شكليه تتابعية ما بحيث تحدث ظلالا ايقاعية تساعد على ابراز الغائية الدلالية للعمل الشعري، بالإضافة الى كونها تمثل معنوي وبكيفية ما للمضمون العام للقصيدة.

حيث اول ما يلمح القارئ في قصيده الطلاسم المطولة هو تكرار الشاعر للجملة (لست ادري) في خاتمة لكل مقطع من مقاطع القصيدة الحاديه والسبعين وعلى مدى ما تبين وأربعة وثمانين بيتا، تلك الجملة هي بحق تمثل مضمونا معنويا قصيده وهو (اللاإرادية والارتيابية) انه ايقاع الشك الذي يغلق القصيدة من البدء والى المختتم .

يقول إيليا في مقطعها:

كم فتاة مثل ليلى وفتى كأبن الملوح

أنفقا السّاعات في الشاطئ، تشكو وهو يشرح

كلّما حدّث أصغت وإذا قالت ترنّح

أخفيف الموج سرّ ضيّعاه.

لست أدري[x]!

كم ملوك ضربوا حولك في اللّيل القبابا

طلع الصّبح ولكن لم نجد إلاّ الضّبابا

ألهم يا بحر يوما رجعة أم لا إيابا

أم هم في الرّمل ؟ قال الرّمل إني

لست أدري[xi]!

فيك مثلي أيّها الجبّار أصداف ورمل

إنّما أنت بلا ظلّ ولي في الأرض ظلّ

إنّما أنت بلا عقل ولي ،يا بحر ، عقل

فلماذا ، يا ترى، أمضي وتبقى ؟..

لست أدري[xii]!

يا كتاب الدّهر قل لي أله قبل وبعد

أنا كالزّورق فيه وهو بحر لا يجدّ

ليس لي قصد فهلل للدهر في سيري قصد

حبّذا العلم، ولكن كيف أدري؟..

لست أدري[xiii]!

ومن يقرأ القصيدة بتمامها يشعر بتلك النغمة المتكررة المميزة في نهاية كل مقطع والتي اظهرت البعد الدلالي للقصيدة ككل بل جعلت السياق القصيدة يبحر فيها ،فعبرت اصدق تعبير عن نفس مرتابة  مترددة لا تعلم لليقين وجها ،يحاصرها الشك، ولا تجد مهربا منه الا اليه وتصل معه الى مداه فتصر حتى النهاية على جهلها ولا تجد لديها ايه اجابه على اي تساؤل يوجه اليه والى غيرها سوى لست ادري. وبذلك فان استخدام الشاعر للتكرار في اسلوب القصيدة كان له دور في بعث نغم موسيقى داخلي، يحاكي ما يختلج في صدره من دفقات شعوريه هذا من جهة، ومن جهة اخرى يرسخ المعنى ويركزه في ذهن القارئ.

ج-  الاصوات المهيمنة:
من الاصوات المهيمنة على القصيدة اصوات حروف المد ( الواو، والياء والالف).

كما هو معلوم أن أصوات المد مجهورة والجهر سمة صوتيه،[xiv] وهي من الحركات الطوال تحمل الينا من خلال سياقها احدى خفقات الشك. ولا أدري التي تسيطر على نفس شاعرنا فتصيبها بالحزن والكأبة وتمد معها لتصل الى الا مبالات انه جهلها بمصيرها ومصير الاشياء من حولها ذلك الجهل الذي يجعلها تقتنع ان الحقيقة ابدا خافية ولا سبيل لمعرفتها، وكلما ازاحت سترا عنها وجدت دونها استارا تمنعها, وتلك الحالة مسيطره على ايليا وموضوع القصيدة لا يتضمن واقع الهدوء، ومن هنا جاء زخم من الاصوات المحصورة في القصيدة لتعبير عن هذا الموضوع يقول الشاعر:

أين ضحكي وبكائي وأنا طفل صغير

أين جهلي ومراحي وأنا غضّ غرير

أين أحلامي وكانت كيفما سرت تسير

كلّها ضاعت ولكن كيف ضاعت؟

لست أدري [xv]!

وفي قوله:

كل يوم لي شأن، كل حين لي شعور
هل أنا اليوم أنا منذ ليال وشهور
أم أنا عند غروب الشمس غيري في البكور
كلما سألت نفسي جاوبتني:
لست أدري ![xvi]

إذ نلاحظ كثرة حروف المد في كل كلمات المقطعين معدا (الطفل، غض) وفي المقطع الاول(عند، كل، منذ). كما تسمح الاصوات المد بإخراج كميه كبيرة من الهواء اثناء النطق بها وكان الشاعر اختارها لتكون متنفسه الذي يخرج به ما في صدره من شك وحزن وكأبة وذلك لان هذا النوع من الاصوات "لا يعرضه عضوا من اعضاء النطق بمخرج الصوتي يثني النفس (الهواء الصادر من الحنجرة) عن امتداده،  فيكون الصوت اثناء النطق ممتدا حرا لا يعرفه عائق حتى ينفذ"[xvii] وكان لاختيار حروف المد عده وظائف لخدمه المعنى والدلالة من الاصوات المهيمنة" حرف الراء" وهو صوت مجهور مكرر واضح سمعيا وهذا التكرار يعطيه ميزه موسيقية خاصه تحيل الى حاله الشك والاضطراب النفسي الغير مستقر، الغير هادئة يقول في ذلك الشاعر:

أتراه سابحا في الأرض من نفس لأخرى

رابه مني أمر فأبى أن يستقرّا

أم تراه سرّ في نفسي كما أعبر جسرا

هل رأته قبل نفسي غير نفسي؟

لست أدري [xviii]

أم تراه بارقا حينا وتوارى

أم تراه كان مثل الطير في سجن فطارا

أم تراه انحلّ كالموجة في نفسي وغارا

فأنا أبحث عنه وهو فيها،

لست أدري [xix]

كما كان حضور الاصوات الصفيرية في القصيدة واضحا، والمتمثلة في السين والصاد والشين وهذا يعزز موسيقى القصيدة الداخلية، ويعطيها طابعا خاصا. كذلك فإن للاصوات وظيفة دلالية لكأن الصفير خارج من نفس الشاعر، ليدل على تأزم حالته النفسية تتضافي الاصوات ليقدم الدلالات نجد ذلك من قوله:

قيل أدرى النّاس بالأسرار سكّان الصوامع

قلت إن صحّ الذي قالوا فإن السرّ شائع

عجبا كيف ترى الشّمس عيون في البراقع

والتي لم تتبرقع لا تراها؟..

لست أدري [xx]!

وقوله أيضا:

. أنا كالصّهباء ، لكن أنا صهباي ودّني

أصلها خاف كأصلي ، سجنها طين كسجني

ويزاح الختم عنها مثلما ينشّق عني

وهي لا تفقه معناها، وإني

لست أدري [xxi]

حيث نجد تكرار صوت سين (13) مرة وصوت الصاد (10) مرات وصوت الشين (6) مرات فهي اصوات مهموسة يحاول الشاعر التنفيس عن اضطراره الداخلي والرتبة التي تؤجج نفسه. وبذلك ساهمت الحروف المهيمنة في الموسيقى الداخلية يخلف تناغم يتساوق مع الدلالة العامة للقصيدة

ـ الجناس: "هو ذلك الفن البديعي الذي يعد من وسائل الايقاع الداخلية وثيقه الصلة بموسيقى الالفاظ" فهو يعتمد على ترديد الاصوات لكنه يختلف عن تكرارها، اذ ان الاخير يعتمد على اصحاب الدال والمدلول بين ما الجناس يعتمد على اصحاب الدال دون المدلول."[xxii] عليه في الجناس نوعان تام وغير تام. فالجناس التام هو "ما اتفق فيه اللفظان في اربعه امور وهي انواع الحروف اعدادها وهيئتها الحاصلة من الحركات والسكنات وترتيبها "وهذا هو اكمل انواع الجناس ابداعا واسماها رتبه[xxiii].

ومثال ذلك قوله:

  • طريقي ما طريقي طويل أم قصير؟[xxiv] .
  • في دخلة الدير عند الفجر كالفجر الطروب .
  • وتركت الديرة عند الليل كالليل الغضوب [xxv].
  • أنت جان أي جان، قاتل في إيدثار[xxvi].  

في المثال الاول جناس تام بين بين لفظي (طريقي ما طريقي ) الاول منها تعني الحياه اما الثاني تعني مده العيش (عدد السن التي سيحييها). أما في مثال الثاني الجناس التام هذا بين ( الفجر والفجر) فالأول منها تعني وقت الصلات والثانية تعني (حلول يوم جديد). اما في المثال الثالث فالجناس التام بين لفظية (الليل والليل) فالأولى تعني  ذلك الظلام المتلألئ بالنجوم ام الثانية تعني (الرجل المسود الوجه من شده القصيدة). اما في المثال الاخير فالجناس تام هنا بين اللفظية ( جان، جان) الاولى تعني (ذلك الشخص الذي يتهم بارتكابه الجريمة) ام الثانية فتعني (تعظيم فعل القاتل).

لم يحرز الجناس مكانة كبيرة في القصيدة وارتبط تواجده بمواضع قليلة ففي تعارضنا لبعض منها.

اما الجناس غير تام "هو ما اختلف فيه اللفظان في واحد من الامور الاربعة المتقدمة" [xxvii]

ونجد ذلك في قوله:

أنت يا بحر أسير آه ما أعظم أسرك

أنت مثلي أيّها الجبار لا تملك أمرك

أشبهت حالك حالي وحكى عذري عذرك [xxviii]

فقد تمت المجانسة بين (امرك، امرك ،عذرك) تعد الاولى قيد السجن الثانية تعني العبودية ام الثالثة فتعني الضعف والقهر ومن ثم فهناك شابعية منطقية بين الجناسين فالأسر يتبعه العبودية لهذا يكون الانسان معذور في عدم قدرته على فعل شيئ وبتالي نستطيع أن نفهم السياق المتجانسين  فالشطر الاول مضمون العام سبب الشطر الثاني والثالث نتيجة الاول والثاني .

وقوله كذلك:

ربّ بستان قضيت العمر أحمي شجره

ومنعت النّاس أن تقطف منه زهره

جاءت الأطيار في الفجر فشاشت ثمره[xxix]

تمت المحاسبة بين ( شجرة، ثمرة، زهرة) تشابه صوتي كبير، جعل الموسيقى الناتجة عنهما واضحة بإذن الملتقي، وبالملاحظة نلاحظ ان الثالث نتيجة للثاني والثاني نتيجة للأول فالشجرة تزهر لتعطينا الثمرة

 وقوله ايضا:

أنا لا أذكر شيئا من حياة في الماضية

أنا لا اعرف شيئا عن حياتي الاتية .[xxx]

تمت المجانسة بين (الماضي الآتية) فيه متجانسية تضاد ومن خلال ذلك العلاقة التقابلية بينهما على مستوى المفردات ثم الموازنة المعنوية على مستوى السياق إذ أن نسيان الحياه الماضية وعدم معرفته للحياة القديمة ما هو الا وجهان لعملة واحدة ففي كلتا الحالتين الشاعر جاهل.

حيث يتكرر صوت السين (13) مرة وصوت الصاد (10) مرات وصوت الشين (6) مرات فهي اصوات مهموسة يحاول الشاعر التنفيس عن اضطرابه وشكه في الاسطر الأخيرة ترد هذه الاصوات ضمن كلمة هي(شيئا، طلسما). وبذلك ساهمت الحروف المهيمنة في الموسيقى الداخلية بخلق النغم وتناغم يتساوق مع الدلالة العامة للقصيدة.

  1. الموسيقى الخارجية: 

تشكل الموسيقى الخارجية الاطار العام الذي تتحرك لغة الشعر وفقه، قد تفطن لها العرب كظاهره صوتيه في الشعر يتحكم بناء، وكان من ذلك ان وضع الخليل البحور الشعرية التي تلخص انماط النظم الشعرية الذي ورث منذ العصر الجاهلي حتى عهده وظلت هذه البحور شعريه التي استنتجها الخليل بحسه الموسيقى المرهف مستعمله كقواعد اساسية لعلم العروض ينظم الشعراء سنها اروع الكلام، وابدعه وامتعه حتى يؤمن هذا وذلك فان الموسيقى الخارجية تشكل من ايقاع  البحر وتفعيله حرف الراوي لذلك سنعرض لهذه الجواب.

البحر و ايقاعه:
تساهم البنية الإيقاعية في تشكيل اسلوب القصيدة، وابراز مقدرة الشاعر اللغوية في التحكم في الموسيقى قصيدته البنية الإيقاعية وهي اولى المظاهر المادية المحسوسة للنسيج الشعري الصوتي وتعالقاته الدلالية ان الخطاب الشعري عندما ينطلق على مستوى التعبير، يمكن تصويره باعتباره نوعا من عرض الوحدات الصوتية متشاكلة. التي يمكن التعريف فيها على المتوازيان والبدائل من المتألفان والمتنافران وعلى مجموعه من التحولات الدالة للحزم والحزام الصوتية بنهاية الامر وهذه الحزم الصوتية هي ما يعرف بتفعيلات البحو وقد اعتمد الشاعر ايليا ابو ماضي في هذه القصيدة البحر الرمل الذي تتميز تكرار تفعيلية واحه غنائية مفاتيحه. عن الرمل في هذا البحر يتكون من تفعيلة واحده فهي (فاعلاتن)  مما يتيح للشاعر حرية اكبر في الحركة والتنقل بين الالفاظ والمعاني المتاحة أمامه. ومما نلاحظه في استخدامه الشاعر للبحر تنوع عدد التفعيلات بين الاسطر في الشعرية فنجد سطرا يحوي اربع تفعيلات وسطرا يحوي ثلاث تفعيلات وسطرا يحوي تفعيلة واحده كمان في قوله:

قد سألت البحر يوما هل أنا يا بحر منكا؟     فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن

هل صحيح ما رواه بعضهم عني وعنكا؟     فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن

أم ترى ما زعموا زوار وبهتانا وإفكا؟       فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن

ضحكت أمواجه مني وقالت:       فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن

لست أدري  [xxxi]        فاعلان

لقد تراوحت تفعيلات هذا المقطع بين تفعيلة واربع وخمس، وقد يولد ذلك الرتابة التي تنتج من تساوي عدد التفعيلات في الاسطر الشعرية بما يتناسب مع التدفق الشعوري للشاعر، فيجعل من قصيدته لوحه فنيه تمتزج فيها النعمان لتشكل وحده مميزة.

القــــافيــة:

تشكل القافية الى جانب الوزن الاساسي للمتن الذي ينهض به بناء القصيدة العربية فهي تساهم في خلق موسيقى خارجيه تربط اسطر قصيده ومقطوعات بنعم عذب يمنعها من التفكك فتأتي القصيدة متماسكه منسجمه محددة الوقفات عند قافيه تكون ختام الجملة الشعرية وبذلك" فالقافية دور واضح في الشعر الغنائي سواء كان تكرارها منظما أو غير منظم".[xxxii] ذلك اننا على عكس الشعر العمودي نجد الشعر الحر غير مطالب فيه بالالتزام بقافية واحده تقيد حركته الطليقة في اللغة الشعرية المجسدة لدفقات شعوره  فلا يتكلف قافيه موحده تحكم القصيدة .

وفي قصيدة – الطلاسم – التي تتكون من (71 مقطعا )، كل مقطع يتكون من اربعة أبيات الثلاثة الاولى منها بقافية، اما البيت الرابع فبقافية أخرى ثابتة بكل المقاطع فهي قافية يائية

يقول ايليا ابو ماضي:

جئت، لا أعلم من أين، ولكنّي أتيت

ولقد أبصرت قدّامي طريقا فمشيت

وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت

كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟

لست أدري

أجديد أم قديم أنا في هذا الوجود

هل أنا حرّ طليق أم أسير في قيود

هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود

أتمنّى أنّني أدري ولكن

لست أدري

وطريقي، ما طريقي؟ أطويل أم قصير؟

هل أنا أصعد أم أهبط فيه وأغور

أأنا السّائر في الدّرب أم الدّرب يسير

أم كلاّنا واقف والدّهر يجري؟

لست أدري

أتراني قبلما أصبحت إنسانا سويّا

أتراني كنت محوا أم تراني كنت شيّا

ألهذا اللّغز حلّ أم سيبقى أبديّا

لست أدري… ولماذا لست أدري؟

لست أدري [xxxiii]

هكذا تنتهي كل المقاطع بقوله ثابته (هي لست ادري) من ثم فهناك بين الشكل نمط تقفوي وثابت وشكل متغير. الثابت بالبيت الرابع والمتغير بالأبيات الثلاث السابقة عليه وفي المقاطع الأربعة الماضية كان النمط التقفوي الثابت (/0/س) اما المتغير فكان(/ر س و /ر س /س و) وهكذا بكل القصيدة. لكن هذا الشكل التقفوي على كل حال لا يخضع لنمطية تجديدية بقدر ما هو اجتهاد تجديدي من شاعرنا، فالقافية ما زالت في اطار الشكل التقليدي، بعيدة عن الاشكال النمطية التجديدية الموجودة بموسيقى الشعر العربي.

لكن لنا ان نلتمس شيئا ضامرا تحمله الجملة المتكررة في نهاية البيت الرابع والمتضمنة للشكل النمط التقفوي الثابت بالقصيدة، ان تلك الجملة هي عصب القصيدة المعبر عن خلاصة محتواها ومضمونها. انها اللاإرادية ارتيابية الايقاع الحيرة المعلق لمقاطع القصيدة. وقد جاءت القافية مفيدة منتهية بالسكون (الوجودْ، قيودْ، اغور، قصير) وذلك بزياده الغموض الذي يكتنف التجربة الشعرية فيتبعها السكون بموسيقى ايحائية تشير إلى عمق تجربته الشعرية الذي يصعب الاعراب عنها.

ومن الملاحظ تنوع القافية على مستوى القصيدة فهذا التنوع في القوافي الى توزيع الصوت اضفاء ايقاع موسيقي وتشويق القارئ.

نخلص إلى أن من أهم خصائص النص الشعري احتفاؤه بالجانب الموسيقي والايقاعي المحبب للنفس، والذي يميز النص الشعري من النص النثري. فقصيدة، «الطلاسم» من قصائد الشاعر العربي إليا أبو ماضي، حيث تميز شعره بالموسيقى الشعرية الداخلية منها والخارجية. فقد عمد الشاعر إلى توظيف التواشج اللفظي الذي يخلق تناغما داخل الاسطر الشعرية ويربطهما ببعضهما رابط موسيقى محبب يشد انتباه المستمع للقصيدة، كما وظف التكرار الذي يساهم في الشعر الحداثي في تشكيل هيكل القصيدة، ويحكم بناءها ووحدتها، ويثري معناها ويوجهه. فيكون التكرار من مكونات اسلوب الشاعر، الذي يظفر باهتمام القارئ على مستوى الصوت الذي ينعكس على المعنى، ومن الأصوات التي هيمنت على القصيدة أصوات المد والأصوات الصفيرية التي تدل على تأزم حالته النفسية، كما وظف الشاعر الجناس وهو من وسائل الايقاع الداخلية وهو وثيق الصلة بموسيقى الالفاظ" فهو يعتمد على ترديد الأصوات والتي تختلف في المعنى، وهناك الجناس التام والجناس الناقص. أما الموسيقى الخارجية للقصيدة، فهي تشكل الاطار العام الذي تتحرك لغة الشعر وفقه، وتتضمن البحر والقافية والروي، وتنوع في عدد التفعيلات، أما القافية فتربط اسطر القصيده ومقطوعاتها  بنعم عذب يمنعها من التفكك فتأتي القصيدة متماسكه منسجمه محددة الوقفات.

 

جامعة حسيبة بن بوعلي ـ الشلف

 

[i]  يوسف ابو العدوس , الاسلوبية الرؤية والتطبيق ،دار المسيرة  للطباعة والنشر،2007  ص262-263.

[ii]  دكتور عفيف نايف الحاطوم ,ديوان اليا ابو ماضي ,دار صادر ,بيروت ط ص 87.

[iii]  المرجع نفسه ص87

[iv]    المرجع نفسه ص87

[v]   يوسف ابو العدوس , الاسلوبية ,ص264.

[vi]   المرجع نفسه ص264.

[vii]   عبد الباسط محمود ,دراسة لغة الشعر عند اليا ابو ماضي ,دار الطيبة النشر والتوزيع والتجهيزات العلمية ,2005,ص177.

[viii]   د.عفيف نايف حاطوم ,ديوان إليا ابو ماضي ,ص 89.

 [ix]  يرى علماء الدلالة اللبنانيون أن (الجملة /الموضوع ) هي الجملة الاكثر استخداما عند الاديب بعينه 

[x]  ديوان ايليا ابو ماضي ص 89.

[xi]  المرجع نفسه ص 90.

[xii]  المرجع نفسه ص 90.

[xiii]  ديوان ايليا ابو ماضي ص 90.

[xiv]  يوسف ابو العدوس ,الاسلوبية ص 267.

[xv]  ديوان ايليا ابو ماضي ص 99.

[xvi]  نفس المرجع السابق ص 99.

[xvii]  محمود عماشة ,التحليل اللغوي في ضوء علم الدلالة ,دار النشر للجامعات ,مصر ط1 , 2005 ص 17.

[xviii]  ديوان ايليا ابو ماضي ص 9

[xix]  المرجع نفسه ص 98.

[xx]   عفيف نايف خطوم ديوان ايليا ايو ماضي ص 91.

[xxi]  المرجع نفسه ص 104.

[xxii]  علي جارم ,مصطفى أمين ,البلاغة الواضحة ص 220.

[xxiii]  المرجع نفسه ص 220.

[xxiv]  عفيف نايف حاطوم ,ديوان اليا ايو ماضي ص 87.

[xxv]  المرجع نفسه 92.

[xxvi]  المرجع نفسه 93.

[xxvii]  على الجارم , مصطفى أمين , البلاغة الواضحة ص 220.

[xxviii]  عفيف نايف حاطوم , ديوان ايليا ابو ماضي ص 88.

[xxix]  المرجع السابق ص 100.

 [xxx]  المرجع نفسه، 102.

[xxxi]  المرجع نفسه، 88.

 [xxxii]  صلاح فضل ، أساليب الشعرية معاصرة , ص 48

[xxxiii]  ديوان ايليا ابو ماضي ص 87.