يكتب الناقد أن الكاتب على مدار مجموعته، لم يقدم وصفا خارجيا لشخصية السارد، أو حتى لشيخه، أو بؤرة الضوء غير المنظورة، وإنما قام السرد كله على عملية الاستبطان، بالاستخدام المحسوس وغير الملموس. فى رحلة البحث عن طريق الإنسان للوصول إلى الغيبى، أو السر الكامن فى المجهول، الذى يجسده اتساع الصحراء، وتضاريسها.

أبو خنيجر يتخطى المتاهات والذئاب ليقيم جنته

شوقي عبدالحميد يحيى

 

الإنسان (عامة)، ابن بيئته. والمبدع خاصة، ابن تجربته. حيث لا يكون إبداع أدبى أو فنى، إلا محكوما بمحيطه، يعيشه، متأثرا، ومؤثرا، حاضرا فى تشكلات رؤاه، وصوره، ومضمونه. وإذا كان بعض النقاد يشير، فى عملية التمييز بين الشعر والسرد، بأن الشعر يمثل العاطفة، فى الوقت الذى يمثل فيه السرد "العقل"، وهو أحد العناصر التى قامت عليها نظرية الشعرية. أى أن الشعر يرتبط بالذات الشاعرة،. والمتأمل فى تجربة أحمد أبو خنيجر، من خلال معظم أعماله، خاصة فى مجموعته الأحدث "متاهة الذئب"، سيجد تلك الذات، حاضرة بوضوح، الأمر الذى جعل من الشعرية، احد العناصر المميزة لتلك المجموعة، فاتخذ الراوى، أو السارد، جانب الإفصاح المنبعث، والمرتبط، بالتجربة الذاتية، أو التجربة الخاصة، وهى تجربة الكاتب الخاصة، والمتميزة، التى يمكن معها قراءة المجموعة، برؤية الشعرية السردية، سواء من جانب رؤية الراوى، باعتبارها مميزة لمستويات الخطاب السردى، او فى اللغة المميزة، والتى هى اساس العمل الإبداعى، او تحديد أدبيته.

ففى تجربة المبدع أحمد أبو خنيجر، الروائية والقصصية، سنجد تلك البيئة، التى تشكل الماء الذى تحول معها إلى سمكة تعيش فيه، يرفض أن يغادره، تاركا كل إغراءات القاهرة (المركز)، بصخبها، وأضوائها، وفضَّل عليها (أسوان) المتاخمة للحدود المصرية، قريبا من التاريخ، والصحراء، فتجسدت فى إبداعه، كل عناصر تلك البيئة، ناسها، وأحلامها، ونظرتها للحياة.

 وقد تجلت تلك الصفات، فى رفضه الحياة النمطية، التقليدية، منشئا، عالمه، المنغمس فى اللاشعور، واستخراج مكنون النفس، ليشيد عالما من الخيال، يعبر عن تطلعاته، لعالم أفضل تتوحد فيه، وتتعاون كل الكائنات، ليسود السلام والأمان، النفسى، مقتربا من السريالية الفنية. ولكنه يعيش بيئة شرقية محافظة، تعمل للدين، حساباته، فضلا عن معايشته للبيئة الحاضنة، والمكونة من بسطاء الناس، والذين – ربما- لم يسمعوا عن السريالية من قبل، فتخير منه ما يتواءم مع رؤاه،، ورؤى البيئة الحاضنة، فبدت الصوفية هى الأقرب من فكره، فكانت هى (الشكل) لرسالته التى لا يبعثها إلى محيطه الضيق فقط، وإنما يبعث بها إلى الإنسانية عامة، خاصة إذا سلمنا بأن الكتابة الصوفية، كتابة إشارية. دون أن يكون هناك تناقض أو انفصام بين السريالية والصوفية، مثلما يؤكد ذلك "أدونيس" الذى يجمع بينهما، فيما لو كان يتحدث عن باطن إبداع أبو خنيجر فى أحدث إصداراته " متاهة الذئب"[1] حيث يقول "أدونيس" {إن غايتى هى التوكيد على أن فى الوجود جانبا باطنا، لامرئيا، مجهولا، وأن معرفته لا تتم بالطرق المنطقية- العقلانية-، وأن الإنسان كائن ناقص الوجود والمعرفة، وأن الطرق إليه خاصة وشخصية، بينها الصوفية والسريالية، فالتجارب الكبرى فى معرفة الجانب الخفى من الوجود تتلاقى، بشكل أو آخر، فيما وراء اللغات، وفيما وراء العصور، وفيما وراء الثقافات}[2]ص15. ولذلك نجد أنه طوال مجموعته، لم يقدم وصفا خارجيا لشخصية السارد، أو حتى لشيخه، أو بؤرة الضوء غير المنظورة، وإنما قام السرد كله على عملية الاستبطان، بالاستخدام المحسوس وغير الملموس، لآراء ورؤي السريالية من جانب، والصوفية –التى يمثلها شيخه- من جانب آخر. فى رحلة البحث عن طريق الإنسان للوصول إلى الغيبى، أو السر الكامن فى المجهول، الذى يجسده اتساع الصحراء، وتضاريسها ، وأجوائها، الباعثة على انتظار المجهول وراء صخورها، وجبالها. ونظرا للشعور المتزايد للإنسان فى مثل هذه الأجواء، بالتوحد، وانعدام وجود الغير –إلا نادرا- الذى يقيم معه الحوار، فإنه يؤنسن الجمادات والحيوانات والطيور، حتى يستطيع أن يمارس معها الحوار. ولاختفاء تلك الإمكانية -حقيقة- يُخرج السارد أعماقه، ويجسد تصوراته، مؤمنا، ومطبقا الرؤية الصوفية التى تجسد الغيبي، وتحادثه ، مقيما معها لا الحوار فقط، وإنما التعايش وتحقيق الانسجام النفسى، الذى عجز عن إيجاده فى (الوادى) أو فى الحقيقة. وليخلق السارد من انطوائه، بعيدا عن الضوضاء والصخب، ذلك العالم الصاخب فى صمت، والضاج فى الوحدة.

فإذا كانت السريالية، فى أبسط معانيها أنها الانفتاح علی المجهول وعلی الماوراء، أو ما فوق الطبيعة، وتسعی إلی تحرير القوی اللاشعورية المكبوتة أو المجهولة في الإنسان، مستندة على الدوافع النفسية للمبدع. بمعنى أنها تقوم على لاشعور المبدع، وهو ما يؤكده "أدونيس" أيضا فى {تتجه السوريالية، فى الحركة ذاتها التى تستقصى بها الأعماق الذاتية، إلى العالم الخارجى، لا لكى تتعرف إليه، كما هو، بل لكى تُعيد خلقه وفقا لقوانين الرغبة} ص276. بمعنى أن السريالية، وإبداعات أبو خنيجر، تسعيان إلى تحقيق رغبة متوارية وراء الشعور، لخلق عالم أفضل، سعيا وراء حوهر الإبداع، الحرية والخير والجمال .

على أن نظرة لتاريخ نشأة السيريالية بين الحربين العالميتين، وما أدت إليه من دمار وجوع وفقر. ورفض المبدع لكل ذلك، جعله يفكر فى الخروج، أو الهروب (الاحتجاجى) من ذلك العالم المرفوض، وراح يُنشئ عالمه الخاص (المُتَصور). فنزع إلى التعبير عن العقل الباطن، وإن استخدم الموجودات الحياتية فى ذلك، فاصبح يعيد تشكيل العالم، وتشكيل الحياة، وفق رؤيته.

 بينما يرى الصوفي فى توحد الإنسان مع المطلق، متخيلا إياه، مستحضرا لا لجسده، وإنما لروحه، مُسْتَخرَجا من داخله، فيصبح الداخل هو المادة التى ينسج منها خيوط تصوراته {والهدف الأخير الذى يسعى إليه الصوفى هو أن يتماهى مع الغيب، أى مع المطلق. ويهدف السريالى إلى أن يحقق الأمر نفسه. وليس المهم هنا هوية هذا المطلق، بل حركة التماهى معه، والطريق التى تؤدى إلى ذلك، سواء كان هذا المطلق الله، أو العقل، او المادة نفسها، أو الفكر أو الروح}[3].

وإذا كانت اللغة السيرالية، لغة إشارية، فهى لغة شاعرية بامتياز، حيث يصبح على القارء البحث عما وراء الكلمات، وصولا للمعنى الذى استبطنه الكاتب، وهو أحد العناصر الهمة للشعرية.

فإذا ما تأملنا عنوان أحدث مجموعاته القصصية "متاهة الذئب"[4] فسنجد أنه لم يبعد عن البيئة المحيطة، والمحاطة بمساحات الصحارى، وهى البيئة الأساسية لتعايش الذئاب، فضلا عن توارد الأخبار عن مهاجمة الذئاب لبعض الأماكن فيها[5]. إلا انه –بالتأكيد- لا يعنى ذلك الوجود الحياتى المباشر، حيث تعتمد المجموعة - بالأساس- على الوجود الرمزى، وهو ما يدعونا لتأمل الوجود الرمزى للذئب، والذى يعتبر الدهاء والمكر، والهجوم وعشق الدماء، من أهم صفاته المألوفة، وما رآها أبو خنيجر – ومعه الكثير من الحق- تنطبق أكثر ما تنطبق على إنسان عصرنا، خاصة بعد العديد من موجات الانفجار والتمرد، وما صحبها من رؤية عامة بتحول فى العلاقات الاجتماعية المغايرة، وهى الصفات التى يمكن أن نستنبطها من وراء رؤى المجموعة.

فإذا ما أردنا قراءة "متاهة الذئب"، فسنذهب مباشرة إلى القصة الرئيسة، ليس فقط، لكونها صاحبة العنوان الرئيس للمجموعة، وإنما لانها أطول قصص المجموعة، والمُجمِعة لخصائصها، ورؤيتها. حيث يلقى العنوان بحمولته الدلالية، الشاحنة بتلك الرؤى الناطقة برحلة الإنسان فى الحياة. حيث يظل السؤال يؤرقه، رغم محاولات الفلاسفة والمبدعين فى البحث عن الطريق، إلا أن الطريق سيظل (متاهة) مهما أوتى (الإنسان) من دهاء (الذئب) ودمويته، محاطا بأشجار الغابات التى لا يعرف طريق الخروج منها، أو ما يتربصه خلفها.

فتبدأ القصة، وكأنها تبدأ بالنهاية، وهو ما يعطيها الشكل الدائرى، الذى يساعد فى إبراز عملية التكثيف التى تعتبر أحد أهم عناصر القصة القصيرة، والشاعرية أيضا، وما يجعل امتداد الزمن فيها مبررا، فينحصر الحدث فى مساحة زمنية تتوافق ومفهوم القصة القصيرة. يصل السارد إلى تلك الجنة المبتغاه، والتى يهرب إليها من غوغائية البشر، وكأنه الظمآن الباحث عن الماء، الذى أخيرا وجده فى هذه الجنة {بدا المكان كأنما نبت فجأة وتم إخفاؤه بعناية شديدة، فقد تكفلت الجبال القصيرة والصخور العالية بحفظه بعيدا عن الأعين وجلافة البشر.... أشرف على هذه الجنة الصغيرة – هكذا تخيلتها فى هذه اللحظة- من قمة التل العالية الوعرة التى وصلتُ إليها بصعوبة وتعب شديد}. ثم يُعَبرُ السارد عن الرغبة المُلِّحة التى تدفعه إلى ركوب الصعب، وصولا إلى هذه الجنة {ولولا عطشى ورغبتى فى السباحة فى الماء ما كنت تجاسرت على ما أنا فيه الآن، ربما كنت أكتفى بالنظر إلى هذه البركة من العلياء، أتمتع بمنظرها المبهج للعين والروح}. ويشير فى موقع آخر، ما يمنح هذه القطعة من الأرض مزية خاصة، وكأنها ليست من الأرض فى شئ {تصورت معركة هائلة تجرى فى هذه البقعة المنعزلة ما بين الحرارة القاتلة التى تمرح فى كافة الأنحاء إلا هذه البقعة}- والشاعرية ، فى تلك الصورة التى تنطق بها الكلمات، فتؤنسن الحرارة. وفى موضع آخر، ما يؤكد الخصوصية {منتشيا بالجنة الصغيرة التى أوجدتها الطبيعة من أجلى}، فهى الخصوصية تتبدى من البداية. ويأتى السؤال، الذى يحمل فى طياته الإجابة، والذى يؤكد خلق أعماق الكاتب لهذه الجنة المتخيلة {فهل هذا ما يجرى، أم أن هذا محض خيال منى أطلقه الفراغ والزمن؟} حيث يعود بنا السؤال إلى الكاتب ذاته، ذلك الذى سبق الإشارة إلى تفضيله، وتمسكه بتلك المنطقة الجغرافية، التى ينعم فيها بانفتاح الزمن، والخيال، وليؤكد لنا أن الإبداع ليس إلا قطعة من نفس الكاتب، وهو الرؤية الملموسة لعوالمه غير الملموسة.

وحول هذه الجنة، وفيها، يُشيد عالمه الذى يحلم به، والذى لا يجده فى محيطه بين البشر، مستلهما صيغ الصوفية، المعتمدة على (شيخ الطريقة) أو المرجع لدى -مريديه – للوصول إلى الحقية، التائهة. {قال شيخى: بماذا أشار الذئب على ابنه؟ } حيث يبرز الحديث عن الذئب دون سابق ذكر له، وحتى دون أن ينتظر إجابة. فضلا عن دخولنا مجال الذئب، الذى يتكلم ويشير وينصح.

 ويترك الشيخ وصية الذئب، قليلا، ويأتى لصاحبنا، ليدخله المتاهة {تبسمت وأنا أرى شيخى يخط خطوطا فوق الأرض بطرف عصاه، بدت لى الخطوط متداخلة وشديدة التعقيد، بلا معنى أو هدف غير جر طرف عصاه فوق التراب، لكنه صنع حفرة عميقة وسط تلك الغابة من الخطوط، وقال لى : انظر.. ماذا ترى؟ رحت أمعن .. .. لكنى لم أصل لشئ واضح، وحينما تعجلنى قلت: صَدَفَةٌ تحمى جوهرة. رفع عصاه من على الأرض وأركزها على صدرى، وقال: ربما تبصر غدا}. حيث يقف السارد بإنسانيته البشرية، أمام المبهم والغامض، لا يعلم من أمره شيئا، ويقف الشيخ، برمزيته المعنوية، يلقى بالألغاز غير المفهومة لرؤية البشرى المحدود. ورغم أننا نتوغل فى المتاهة، إلا أن معالم الطريق تتكشف شيئا فشيئا {لا استطيع فهم ما كان يرمى إليه، هل يقصد المتاهة التى أنا فيها الآن وعلىَّ تبصر ذاتى.. ربما}. وكأن أبو خنيجر يدعونا للبحث عن جنتنا ، داخل ذواتنا.

ثم يقول الشيخ {فى متاهة الذئب لا يمكن أن تخطو أو تتقدم إلا وحيدا}. ولا يمر التعليق المفاجئ، غير المبرر –ظاهريا- دون أن ينبهنا أبو خنيجر، بألا شئ يتأتى مجانيا، فنراه يقول:{ ما الذى دفعه لقول تلك المقولة؟ .. أنا أعرف أنه يعلق هكذا متطوعا، ملازمتى له لفترة عَرَّفنى على بعض طباعه وطرقه الغامضة والملتوية التى يسلكها فى كثير من الأحيان}. وهنا يتكشف: ملازمة السارد للشيخ فترة. الأمر الذى يعنى ارتباطه بالطريقة. وكذلك إحتواء الطريقة (الصوفية) على الكثير من الحيل والغموض للوصول إلى الحقيقة. ليندمج السارد فى الطريقة، دون إفصاح. ثم يصل التوهان والغموض، عندما يُخرج السارد رأسه من الماء، ليجد أربعة عيون تنظر إليه. حيث يرى نعجة بالغة بجوار (جرو) ذئب، يحدقان فيه. وكالعادة، يلجأ لمن يثق فى أنه ضؤه الكاشف{ ما قولك يا شيخى فيما رأيت؟ ستراوغ كعادتك فى هذه المواقف المباشرة}. ونغوص أكثر فى فكر الصوفية، الذين تتحول رؤاهم إلى مشاهد يقينية، عينية {التهيؤات يا شيخى إن جرت فهى فى عقلى فقط، أنا من يستدعيها ,أقيمها فى خيالى. أما الآن فهى متجسدة دون تفكير منى، نعجة وذئب على بعد خطوة من عُريى فى بركة ماء مخفية وسط الجبال}.على أن (العُرى) هنا ، ليس العُرى المادى، وإنما هو العرى المعنوى، وكأنه يستحضر لحظة الشفافية التى يصعد فيها الإنسان إلى حيث الملكوت الأعلى، والذى يتخلص فيها من كل القوانين الأرضية. ثم نمضى إلى حيث العالم المرتجى، والذى يرى فيه الصوفى التناغم والانسجام، حتى بين الأضداد {لكن الذئب ظل على حاله والنعجة تحوطه كأنها أمه .. فما أراه الآن ليس خيالا ولا ضربا من وهم تجسد لى .. هما على الأقل نعجة وذئب، لا نعجة ووليدها، ولا ذئب وأمه}. ويبلغ المشهد مداه حيث {كان الذئب دافسا رأسه بين خلفيتى النعجة، وملتقما ثديها، ويرضع}، وتتوالى مشاهد التناغم بين الكائنات، فنظرة إلى النجوم، يراها تعرف ما يدورـ وتبتسم، حتى حركة أعواد البوص بدت متناغمة مع صوت الهمهمة المتصاعدة من الذئب والنعجة. ويطير السارد فى الأعالى ليسمع صوت حورية تغنى وترقص، وعندما يشعر ببرد الصحراء ينام. و تكتمل الحكاية، ويصل أبو خنيجر لرؤيته الصوفية الخيالية، حيث غشيته السكينة وغمرت روحه، ف{حين صحوت وجدتنى راقدا بين النعجة والذئب، النعجة عن يمينى، والذئب عن يسارى).

ثم تاتى عملية التوحد، بين الذئب، والإنسان، فى ذلك المشهد الغريب، الذى نقول عنه فى الحياة العادية، أنه التآخى، حيث راح الذئب يدك النعجة دكات خفيفة على خلفيتها ، وصعد السارد إلى جوارهما{وسْعّتْ النعجة ما بين خلفيتها، فأدخل الذئب رأسه ليلتقم أحد ثدييها، وجرى ريقى بطعم اللبن، فوجدتنى أُدخل رأسى من الناحية الأخرى لألتقم الثدىَ الثانى.... ورحنا نرضع سويا لبن النعجة المتدفق نحو حلقينا}.

 يغيب الذئب مرات عديدة، دون ان يعرف السارد إلى أين، ففكر فى صنع حبل يربط طرفه فى رقبة الذئب(الجرو) والآخر فى يده هو.. وسار حين ذهب الجرو.. ليكتشف مكانا تسطع فيه الشمس، بما يعنى النهار، أو العودة للحياة الأرضية، فيسعى لإزاحة النعجة من مكانها-وهو لا يعرف لماذا أتت، فلا بد أن قواعد اللعبة قد تغيرت، وينجح بعد مقاومتها العنيفة، وكأنها تتمسك بالعِشرة، أو بالرابط الوهمى الذى ربط بينها وجرو الذئب. ويجد الجرو يأتى فى صحبة أمه وعدد كبير من الذئاب، يتحلقون حوله، ويضيقون الدائرة من حوله، يبغون مهاجمته. لكن الجرو يقذف نفسه بين قدمى السارد، وينظر لأمه وصحبتها فى زمجرة، وتحد –وكأنه يأخذ وضع الدفاع عنه.. حتى تجد الأم ألا مفر من الانسحاب ومعها الذئاب، وما أن يبتعدوا قليلا، حتى يلحق بهم الجرو، الذى راح ينظر خلفه بين الحين والآخر، وكأنه يودع السارد. فقد توحدت الكائنات، الذى يظن الإنسان ألا تواشج بينها، إن لم تكن العداوة، ليصل الإنسان إلى حالة من التوافق والوئام النفسى، ويخرج عن دائرة الحروب والتطاحن، الذى يعيشها الإنسان فى الوادى.

وهى نفس الحالة، تجسيد الرؤى الداخلية فى موجودات ملموسة، و تيه الطريق الفارض للغربة والحيرة. نعيشهما أيضا مع قصة "تمثال الريح" حيث ينبت فجأة صخرة، بدت كتمثال، وكأن السارد لم يرها من قبل، رغم وجودها القديم، وهو ما يصنع المفارقة، والدهشة، التى هى –أيضا- أحد عناصر الشعرية. تتوسط الصخرة الوادى، وكأن (الوادى) هنا هو المكان الواقعى، أو المكان المعاش بين الناس، بينما رآها السارد تمثالا مجسِدا للفتنة الفاجرة {الاستدارات والانحناءات مستوية الكمال، شديدة النعومة والصقل}. ورغم وجود الصخرة منذ البداية، إلا اتها عندما بدت لعين، وإحساس السارد، ذلك التمثال البديع، كما لو أنه يراها لآول مرة. دار السارد حول التمثال فى مدار ثابت، وكأنه تحول إلى كوكب دوار يدور حول المركز، أو كأنه يدور حول (الكعبة) التى تهفو إليها قلوب الملايين من البشر، إلا انه يخشى الاقتراب {خوفا من الاحتراق} فى تناص مع الحديث حول معراج الرسول إلى السماء السابعة، و تصل الرؤية الصوفية لذروتها عندما تتجسد الذات الإلهية للبشر. ثم جلس يتأمل الملامح. فيرى الجمال والقمر(الذى يغازل الحجر) ويبدو الخجل على محيا الحجر، كسوفا، فتطمئن نفس السارد، وتهدهده راحة البال، فيخلد للنوم. غير أنه يستيقظ فجأة على لسعة الشمس القاسية، التى ارتفعت واستوى لهيبها وكأنها الصحوة من الحلم،. وراح يبحث عن التمثال، فلا يجد حجرا ولا تمثالا {فقط انشعاب الدرب لدربين: واحد يقود للعمار والآخر يقود لعمق المتاهة، ولا علامة تدل على أيهما أسلك، وكان علىَّ أن أختار}. وكأن الحيرة ، والمتاهة، قد كتبا على الإنسان حين يقف بين طريقين –ربما الخير والشر- ووحده مَنْ عليه الاختيار.

إلا أن صاحبنا، يبدو أنه اختار. ففى أولى قصص المجموعة "ضلال الرائحة" يبدأ رحلته نحو الصحراء ونحو الشيخ. وفى الصحراء يجد المطر، الذى يوحى بالسقيا، ويعنى الخير، وفيها يرى طيفا يقوم و(يقعد)، سرعان ما يتبين أنه لرجل عجوز.. وسرعان ما يتبين (الشبه) بينه وبين شيخه. يقدم له القهوة التى تتطاير رائحتها فى الأجواء، وتشده إلى المكان، بينما الأدوار والأوراد والأرواح والوجد يغلف حلقة الذكر الممزوجة بالنشوة، تتلاعب فى الذاكرة. يشرب السارد القهوة، وتشتعل فى حلقة نار الرشفة، فيسأله الشيخ {نسيت الطعم، أم افتقدت الحنان؟} ليجيبه {كلاهما... الطعم والحنان}. حيث لا شئ مادى، وإنما هى الرائحة والطعم والحنان، هى ما شده إلى الصحراء، والعالم النابت فى الصحراء، بكل عوالمه، وإيحاءاته، المستدعية رحلة كل الأنبياء البادئة من الصحراء، فكانت بداية رحلة السارد، نحو التجرد والشفافية، والصوفية.

ويعلنها السارد منذ بداية ثانية قصصه "غيمة وحيدة" والتى تنضح بالوحدة، التى يبدأ بها القصة {رغم وحدتى، إلا ان روحى خفيفة، أشعر بها محلقة حول البيوت والزروع والتلال المحيطة بالواحة} . فرغم البيوت والزروع.. إلا أنه لا يعيشها، وإنما يصعد بروحة الخفيفة، ليحلق فى الفراغ الشفاف. يتراءى للسارد فتاة تنظر نحو الغيمة.. تشدها وتتراقص فى عريها.. تشد الغيمة فتبتسم الغيمة، فيتساقط المطر، والشيخ الحاضر بروحه يجسد المشهد المتُخيل، فيستحضر قوله {الحب يلعب بالأرواح} وتتشكل الغيمة رجلا يخاصر الفتاة، والناى من بعيد، يتقطر عذوبة ولوعة، وروح السارد كانت فى الغيمة ترقص. ودائما تأتى الصحوة .... فيخرج السارد من تصوراته، حيث يطلع الفجر {أيقظنى أذان الفجر، كل شئ هادئ وجليل وغارق فى بهاء القمر المائل للغروب، وأحسست بجسمى كله غارقا من بلل المطر الذى لم يكن له أثر وجود على الصخرة والأرض من حولى}. فهى نوبة روحية، يتسامى فيها الإنسان، إلا أنه طالما هو إنسان، فدائما ما تجئ الصحوة، فيعود من رحلته، إلى الأرض.

ويتخذ السارد زاوية أخرى، ليصبح مجرد راو، ليستحضر الكاتب السيرة الشعبية، والتى تعبر عن الاحتكاك بالغير، إلا انه يطير بهم إلى عالم السحر والخيال ( كان ياما كان .. فى سالف العصر والآوان) . ويتضح التواصل عندما يتصور السارد من يناقشه أو يستعجله للمزيد منها {سأقصها عليك كما سمعتها بأذنى هاتين، بالتمام والكمال، ولك فى النهاية أن تجيب أو تفعل مثلى، لاتتعجل ، سيأتى السؤال فى حينهأ أرجوك لا تتعجل كما الصخرة حينما ردت على سؤال الرجل وأجابت}، وحيث نجد أنسنة الصخرة، تلك التى تسأل وتجيب.. وكأنى بالكاتب يريد القول بأننى لست وحدى من يعيش الخيال، ويسبح فى الفضاء اللامرئى. فيتخد السارد الجانب الآخر من الصخرة المرتفعة، بينما على جانبها الآخر يجلس من يحكى ( الحكاية يا صاحبى...} تلك التى يرويها الآخر للصخرة، عن "حكاية برأسين وذيل" التى يسعى فيها إلى أن الصوفى يكون أكثر انفتاحا عن غيره ، فيحكى السارد عن الآخر {ربما لو انتبه لكان من الممكن أن يغير رأيه ولا يقص الحكاية، أو على الأقل يُعدل أو يغير منها، الخجل يا صاحبى قد يفعل أكثر من ذلك، نعم هو الخجل، فلا يمكنك مثلا قص الحكاية بتمامها أمام غريب هكذا، ثم تمضى لحال سبيلك، لكن مع الصخرة ستحكى وتفيض، ربما أكثر مما تفضى لنفسك}.

وفى النهاية –أيضا- تحدث الإفاقة، فنكتشف أن ليس هناك آخر، وإنما هو حديث الصخرة، أو حديث النفس{ قمت ودرت حول الصخرة كي أُحَدِثَ الآخر، لكنى لم أجده}. حيث يصل التوحد مداه، فلا صديق يحادثه، ولا شخصا آخر يُحَدثُ الصخرة، لكنه الفضاء والوحدة، والتوحد.

وفى قصة "فرش الشيطان" يحضر الصعيدى الأسوانى، بعناده، وكأن البيئة الحاضنة تأبى المغادرة {فقد كان مِرجَلُ العناد قد قادنى لأول الدرب ولم يكن لى سوى أن أكمل مهما كانت النتائج}، ليُصِّر أن يهبط من الجبل إلى التل، عبر تلك الصخور المتدرجة بلا انتظام، والأشبه بسلم، وما هو بسلم، غير أنه أقصر الطرق، رغم تحذير البيئة من سلوك هذا الطريق، لأنه بيت الشيطان. غير أن الرؤية العامة تظل موجودة، ففى أعالى الجبل، يرى السارد {رفعت عينى ببطء من على قدمى بعد أن استقرت، وأنا أملأ رئيتى بأشهى نسمة صباحية يمكن توقعها بين الجبال العالية هذه، رأيت الجنة، يا الله.. كل هذا الجمال! اشجار وخضرة تكسو كل البقاع ورائحة زكية تتصاعد، وطيور ملونة لم أر مثلها، وموسيقى مختلطة بغناء، كأنه السحر}. هذا بينما فى الوداى، تختلف الرؤيا، فعملية الهبوط من الجبل إلى الوادى { لأن الأهم هو الحفاظ على التوازن أثناء القفز وطوال الهبوط، ولأنك لو فقدته فى أى لحظة سوف تهوى مسافة الثلاثة كيلو مترات حتى ترتطم بصخور الوادى المُشرِعة اسنتها فى انتظار سقوطك}. وكأن الوادى تظل اسنته مُشرَعة، حيث تظل تلك الأسنة بحمولتها الدلالية، والتى تتجاوز لما هو أبعد منها. بل إن الشيطان يظل – فى تصور العامة- رابضا على أبواب الوادى، بينما هو لا يستطيع دخول الجنة فى الأعالى، أعالى الجبل. وتتضح الصورة أكثر ، عندما يرى السارد الشيطان فى صورة صديقه حيث تبسم الصديق {نعم ابتسمتَ، نفس البسمة اللئيمة التى رأيتها فوق الجبل، فعرفت بأنك الشيطان، وعلى الفور أغمضت عينى وتمددت بظهرى للخلف نائما} . وهى المفارقة التى تحملها كل القصص، فإذا كان الصديق قد تخلى عن السارد وظهر فى غير موضعه، فهرب منه بالنوم {حتى انسل الغناء وانقشعت الرائحة، وعادت الجبال لجهامتها والألم لركبتى، فقمت ماسحا دموعى وأخذت فى الهبوط، كى أنتظرك هنا .. يا صديقى}. وكأنه يقول أنتظرك أيها الشيطان فى مكانك الطبيعى .. هنا .. فى الوادى.. حيث مكانك الطبيعى. وكأننا أمام عملية استحضار للآية القرانية [شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا][6] .

وفى قصة "ممر الثعبان" يظل الصاحب أيضا مصدر الألم، الذى يصبح معه الثعبان احن وأرحم. فقد مر السارد بالثعبان مرتان، لم يتنبه له فى الأولى، بينما يتنبه له فى الثانية {إن الغفلة التى أخذتنى فى الصباح بسببك يا صاحبى، تلاشت الآن، وتلاشى معها الألم الضارب فى قدمى، فكل حواسى تيقظت وتركزت على هذا الراقد بوداعة مفرطة بقلب الممر كأنما هو فى جحره}. ولأن أبو خنيجر يعسى دائما للتنويع والتغيير. فإن إشارته لا تأتى مباشرة إلى توحد كل من الصاحب والثعبان. لكنها تأتى بعد الكثير من وصف الثعبان، وما يمكن أن يفعله ليميت السارد فى لحظة. إلا ان الثعبان يمر دون أن يبخ سمه فى وجه السارد. لكن الجرح القديم عاد ينزف، عندما واصل الثعبان سيره. فقط أحتكت حراشفه الخشنة بأصبعه. فأحيا الجرح القديم، وكأنها الدعوة للمقارنة، حيث لا يغيب عن الذهن، الوحد بين الصديق والثعبان، و إن لم تخلو من الرؤية القريبة والتقليدية، التى تصنع من الثعبان صديقا، ومن الصديق ثعبانا، أو بين الحياة بين الناس، والحياة بعيدا عنهم.

ونغمة جديدة يعزفها أبو خنيجر على لحن الزهد والتصوف، فى قصة "حصافة الرمل" حيث يمتلك الرمل الناعم- الممتد بطول المجموعة- (حصافة) يستطيع بها محو أثر الأقدام، وخيال الإنسان، السائر لا محالة إلى حيث لايبقى منه شئ، أو أثر {أتأملها الآن وأنا أرقب النسائم الخفيفة تعمل جاهدة لردم ما خلفته قدمى من أثر خفيف، فأرى الرمل يقبض على الأثر ويخبئه بعيدا فى ذاكرته شديدة الانفراط..أما الظل الذى يدرك أن وجوده فى هذه الرمال المكشوفة رهن بقاء الأخدود أطول وقت، لكنه فى الختام يستسلم لحصافة الرمل}. وهنا -أيضا- ينتصر الإحساس على النظر، المحسوس على الملموس، فيصعد السارد حتى يصل إلى قمة سلسلة من الجبال، مشدودا بإحساس وجود الماء، الذى يمنى نفسه بالاستبراد فيه من لهيب الصحراء، واختناق الجسد. مدعوما بهبات النسمات التى يستشعرها، حيث أنبأته طراوة النسمات بوجود نبع الماء المحاط بالأشجار. غير أن، السراب يلعب لعبته، فلا يجد ماء { غير أن جسدى ما يزال يُكذب ما ترى عيناى، فإحساسه بقرب الماء ما يزال يغمره، تؤكد ذلك النسمات اللينة التى تداعبه... وتحت قدمى كان الماء} لينتصر الإحساس الداخلى، على الموجود الفعلى. ولتنتصر الروح على الجسد، ولينتصر أبو خنيجر فى عالمه الصحراوى، على ضوضاء العاصمة، وصخبها.

لم يتوقف بنا الكاتب عند شاعرية الرؤية، فقط، حيث تحولت الصحراء إلى واحة تتهادى فيها النسمات، وتتراقص حول نبع الماء، المتعطش لها تائه الصحراء. فبدل الأوضاع، وتحولت لديه الصحراء إلى الجنة، وتحول الوادى إلى ثعالب وحيات وشياطين، فأسند ظهره إلى الصخرة وراح يعزف مقطوعاته، المتنوعة، على ذات اللحن، لتصنع من عُزلته جنة موفورة العطاء.

 وإنما جاءت شاعرية اللغة أيضا، متمثلة فى القدرة على صنع الصورة الحركية الفاعلة، محركا الجمادات، بعد أنسنتها، وإدارة الحوار، والصراع بينها، مثلما نقرأ {الرياح التى شَعُرتْ بانحدار الشمس وميلها للغروب أرسلت نسماتها بكثافة متحالفة مع الظلال المتسارعة التى بدت جحافلها فى السيطرة على أغاريد الرمال ناقضة للهدنة اللينة لنهار خريفى طويل، بدت بهجة الظلال غير محتملة فى تبجحها الفج}. وكذلك فى القدرة على الخيال واتساع أفق الصورة فى {تباطأتُ حتى أترك للشمس فرجة من الوقت لتلملم أشعتها الحارقة بهدوء ودون صخب من فوق الرمل}. حيث الصورة تكشف عن المهزوم الذى يقاوم قوة يعلم أنها أكبر منه، لكنه يوهم النفس بالقوة، فيترك (فرجة) أو ثغرة ينفذ منها صاحب القوة الأكبر، وكأنه هو المهزوم الفَّار.

كما نستطيع تبين أثر البيئة الحاضنة على لغة السرد، التى تبدو وكأنها منحوتة من صخر الواقع المعيش، والكاشفة عن المعايشة، والتى تتناول الكثير من لغة البيئة، وكأنه يصنع اسطورته من مكانه، حيث تبدو (الكتابة) وكأنها حكى لحكاء شعبى يخاطب العامة، فنرى:

 {والمطر المتزايد (حاشنى) من التقدم} لتضع القارئ فى قلب البيئة الحياتية، فتتحول الكلمة إلى عالم المكان، وناس المكان.

ثم يجبر الكاتب قارئه على التعايش باستخدام عناصر البيئة، فى التعبير، ولترغم القارئ على البحث الذى يقوده لتلك العوالم التى لم يعشها. فنجد {تجرنى الرائحة الحريفة للقهوة الصحراوية (الجَبَنَة)} فنتعرف على أن القهوة (الصحراوية) تسمى (الجبنة). و{مقصدى (بيت الشَعْر) فى طرف الوادى} حيث بيت الشعر هو ما يبنيه البدوى كسكنى له من الوبر والصوف.(قصة ضلال الرائحة).

 وكذلك {فأنت تعرفنى مذ كنا صغارا نطارد العصافير كى تبتعد عن حقول الذرة وكى لا تقترب من أرغفة الخبز فوق المداور حتى تخمر بهدوء فى حرارة الشمس} من قصة "حكاية برأسين وذيل".

فيستطيع القارئ أن يتعايش مع تلك البيئة، ويتعرف على بعض تفاصيلها، ومفرداتها، وكأنه يقوم بسياحة ديمغرافية لتلك البقعة التى خلق منها أبو خنيجر جنته، متجاوزا متاهاتها، وثعالبها. فقد حاولت المجموعة أن تصنع من ذات الإنسان، جنته، وكأنه يبرهن على مقولته لشيخه: {إن الإدراك وحده هو الكفيل بتحديد ما نراه أو حتى نريد إبصاره}.

 

[1] - أحمد أبو خنيجر- متاهة الذئب- مجموعة قصصية – دار الربى للنشر والتوزيع- 2021.

[2] - أدونيس – الصوفية والسريالية – دار الساقى – لبنان – ط3.

[3] - أدونيس المصدر السابق.

[4] - أحمد أبو خنيجر- متاهة الذئب – دار الربى للنشر والتوزيع –ط1  2021.

[5] - أنثى ذئب تثير الرعب فى أسوان وتعقر 4 أشخاص(30 أبريل 2014). الذئاب تهاجم شوارع أسوان (المصرى اليوم 15 أكتوبر 2009).

[6] - الآية 112 سورة الأنعام.