يدعو الباحث الجزائري إلى تطوير منهج نقدي يسعى إلى تحليل النصوص الأدبية من منطلق جامع للمقتربات. يحمل عدة منظورات حول اللغة والخطاب، ضمن النظرية والبحث الاجتماعيين، بهدف تنمية قدرتنا على تحليل النصوص كعناصر في سيرورات اجتماعية. للوصول إلى منهج تحليلي جامع للاختصاصات، وتطوير نظرية تتناول الخطاب ومناهج لتحليل النصوص.

نحو تحليل جامع للتخصصات

الشريف حبيلة

 

مقدمة:

هل التعدد المعرفي في قراءة الأدب، أو ما يصطلح عليه التحليل العابر للتخصصات ضرورة معرفية من أجل ممارسة الفهم، أم هو غاية في حد ذاته؟ لكي نفهم الإشكالية، ومن ثم التحليل العابر للتخصصات، وجب العودة إلى الجذور التي دفعت إلى ذلك، ولا أجدها متمثلة إلا في الخطاب نفسه، أي طبيعته. لأن غياب فهم طبيعة الخطاب المتعددة والمتداخلة والمعقدة، تصعب الممارسة، حتى لو كنا نملك معرفة بمختلف التخصصات، فالجهل بموضوع الدرس يحول دون الدراسة مع توفر أدواتها. وتأتي هذه الورقة لتحاول فهم الخطاب الذي استدعت دراسته التعدد المعرفي، والانفتاح على مختلف التخصصات.

أولا-الدلالة المعجمية لكلمة خطاب:
يذهب (عبد الجليل أبو المجد وعبد العالي حارث) بعد عرض كلمة (خطاب) في لسان العرب، والتي تعني مراجعة الكلام، وفصل الخطاب؛ أي أن يفصل بين الحق والباطل، ويميز بين الحكم وقصده1. وبعد أن يعرجا أيضا على حضور الكلمة في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى )وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) الفرقان الآية 63، وفي قوله (وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب) ص الآية 20،. وقوله تعالى (رب السموات والأرض وما بينهما الرحمان لا يملكون منه خطابا) النبأ الآية 37. يذهبان إلى أن ورود لفظ (الخطاب) في القرآن جاء مقرونا بالحكمة، والعزة، وشدة البأس2.

ثانيا- الخطاب في المعاجم المتخصصة:
وترتحل الدلالات المعجمية لكلمة خطاب من الفكر إلى الكلام في أشكال عديدة ومتنوعة، فقد تتحرك نحو النقاش الثابت/ أو النص، أحيانا بوجه تلقيني (الموعظة مثلا)، وأحيانا في شكل نص حجاجي. وفي استعماله المعاصر يتم التمييز بين الخطاب الذي يعني النص ذي الموضوع الواحد أو الموقف، كتكوين متماسك للمعرفة أو الحقيقة، و"الخطاب" بمعنى شيء مثل كون اللغة منظمة كشبكة من علاقات المعرفة الاجتماعية، لذا رأى صاحبي قاموس "Dictionnaire Fondamentaldu Français Littéraire" أن الكلمة –خطاب- من الصعب  تحديدها بتعريف: 

>>Le mot est particulièrement difficile à définir, tant il est employé pour désigner des réalités différentes. L’influence de la linguistique sur les sciences humaines a fait qu’on atout analysé en termes de discours, qu’on a tout ramené. au langage.3

فكلمة خطاب صعبة التحديد، بسبب استخدامها الذي يحــــيل على حـــقائق مختلفـــة.

ثم إن تأثير علوم اللغة على العلوم الاجتماعية يتجلى في تحليل هذه العلوم بصفتها خطابا، وذلك بإرجاعها إلى اللغة. ومن هنا فمصطلح خطاب من حيث معناه العام المتداول في تحليل الخطابات يحيل على نوع من التناول للغة، أكثر مما يحيل على حقل بحثي محدد، فاللغة في الخطاب لا تعد بنية اعتباطية، بل نشاطا لأفراد مندرجين في سياقات معينة. وبما أنه يفترض تمفصل اللغة مع معايير غير لغوية، فإن الخطاب لا يكون موضوع تناول لساني صرف4.

ثالثا- الخطاب في الدراسات العامة للغة والتواصل:
تبرز قوة المفهوم في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث وفر بديلا عن كل من ثنائية (فرديناند دي سوسور) (اللغة والكلام Langue-parole)، وتمييز (تشومسكي) بين الكفاءة (أي المعرفة الفطرية بنظام اللغة) والأداء، <<يمكن أن ننظر إلى الحالة الأولى للملكة اللغوية على أنها شبكة قارة موصولة بمفاتيح وتتكون هذه الشبكة من مبادئ اللغة، أما المفاتيح فتمثل الخيارات المعينة التي تحددها التجربة. ونحصل حين توضع المفاتيح في وضع معين على اللغة السواحلية؛ ونحصل على اليابانية حين توضع بشكل آخر>>5، والتحول في المفهوم لدى (دي سوسور) عندما وضع الطبيعة النسقية للغة، جعل من الصعب فهم الكلام الفعلي أو النص (الكلامparole) بوصفه شيئا آخر، سوى النتيجة العارضة للشفرات اللغوية، وتنوعاته مجرد اختيار فردي. والأمر نفسه  في النحو التحويلي عند (تشومسكي)، حيث يكمن الاهتمام في بنية القواعد على مستوى التوليد، وليس على البنية السطحية للأداء الكلامي.

وإحدى خصائص الخطاب هي العناية به من وجهة نظر لسانية خاصة؛ إذ اعتبر مثلا إطارا لما أصبح يصطلح عليه بنحو النص، في حين أن بنيات أخرى تخص الخطاب ومعالجته، وجهت الاهتمام بالبحث في علم النفس المعرفي والأنتروبولوجي، وعلم الاجتماع والخطاب أو القول الشعري6. من الواضح أنه ليست جميع الخواص المطردة للخطاب تنسب إلى مجال النظرية اللسانية والنحوية. ذلك أن القواعد المتواضع عليها وشروط الدلالة والمرجع والتأويل، وكذلك استعمال معرفة العالم، والفعل التداولي ووظائفه، كل تلك الأمور قد يصح أن تدمج جوازا في اهتمام تحليل الخطاب اللساني وانشغاله7.

وبهذا الاعتبار فإن النظرية اللسانية للخطاب لا يقصد بها فحسب إغناء اللسانيات، بل يقصد بها قاعدة أساسية لدراسة الخطاب في فروع معرفية أخرى، مما يدمج الخطاب على تلك الصفة في الدراسة العامة للغة والتواصل8.

رابعا- الخطاب في علم اللغة البنيوي:
وانبثق مفهوم الخطاب من داخل علم اللغة البنيوي، ربما متأثرا إلى حد كبير بتمييز (إميل بنفنيست) بين نمطين من الرواية، حيث يشير إلى السرد (histoire)؛ أي الأحداث المكتملة التي حررت في الزمن عن المتكلم9 ويشير الخطاب (discourse) إلى أحداث ترتبط من الناحية الزمنية بفعل الكلام. هكذا يبرز مفهوم الخطاب لدى (بنفنست) الموقع والعلاقات الاجتماعية للنطق (أي موقعي المتكلم والمستمع، والسياق الباني الذي يحدث فيه الكلام بينهما). بمعنى مختلف قليلا، تشير  الكلمة في مستوى الجملة، وبتوسيعها إلى الأبعاد البلاغية للغة: أي إلى القيود السياقية علة إنتاج النص. والتحدي الذي يثيره مفهوم الخطاب، هو فهم تنظيم الكلام أو الكتابة كأمر نسقي ليس فقط على مستوى النحو أو تشكيل الكلمة، بل على المستويين الدلالي والتداولي (ما يقال وكيف يرتبط بسياق نقطة ما). هكذا تفهم اللغة على أنها تبنيها قواعد أو شفرات وأعراف تشبه القواعد على أي مستوى من مستويي المنظومة اللغوية والخطاب.

خامسا- الخطاب ومفهوم النوع:
وتجري إحدى الطرق في التفكير بالكيفية التي تشكل بها الأبعاد السياقية والموضوعية، والصورية للكلام والنص مركبات متماسكة عن طريق مفهوم مستعار من النظرية الأدبية، ألا وهو مفهوم النوع. هنا أنجز العمل المهم في نقد مبكر لعلم اللغة السوسوري، بوشر به في أواخر العشرينيات في كتابات (ميخائيل باختين). يكتب (باختين) عما يسميه بأنواع الخطاب، و يعني بها المركبات المبنية معياريا من ملامح شكلية، وسياقية وموضوعاتية، أي (طرق التكلم) في موقف جديد محدد10، يتركب كل نوع كممارسة اجتماعية من خلال أهمية (اللياقة اللغوية، والذوق الكلامي، وأشكال أخرى من تنظيم المنطوق مع التنظيم التراتبي للمجتمع).

هكذا يرتبط إنتاج المعنى ارتباطا مباشرا بالقيود السيميائية على الموقف الكلامي. وهكذا فإن نوعا من الصلاة التي هي مكون من المكونات المركزية للخطاب الديني في كثير من الثقافات، يخلق مركبا موحدا من المواقع الكلامية الممكنة والمناسبة، وموضوعات ممكنة ومناسبة، وأشكالا لغوية وأسلوبية ممكنة ومناسبة. ويشفر هذا المركب بدوره علاقات القوة الاستطرادية لجماعة كلامية معينة. وتجمع النظرية في باعث واحد الميادين المنظمة للمادة الدلالية، المصفوفة في الأعماق وفي علاقة معقدة مع الميادين الأخرى، ومواقع مناسبة للنطق والسلطة والمصداقية؛ ونماذج مناسبة من التفاعل الاستراتيجي، واختيارات بلاغية ولغوية مناسبة.  

سادسا- الخطاب عند مشال فوكو:
تطورت الرؤية لمفهوم الخطاب، واكتسبت أهمية خاصة في استعماله الجاري في عمل (ميشال فوكو) وصيغت في كتابه حفريات المعرفة. الخطاب في استعماله الفوكوي (أوبعبارة أدق: التشكيل الخطابي أوالاستطرادي) هو نمط من أنماط تنظيم المعرفة في علاقة بممارسات السلطة وصورها، التي غالبا ما تتجذر في تنظيمات تسيطر وتنبني على معارف منهجية متميزة »يبدو أن الخطاب في ظاهره شيء بسيط، لكن أشكال المنع التي تلحقه تكشف باكرا وبسرعة عن ارتباطه بالرغبة وبالسلطة. وما المستغرب في ذلك مادام الخطاب –وقد أوضح لنا التحليل النفسي ذلك- ليس فقط هو ما يظهر أو يخفي الرغبة، لكنه أيضا هو موضوع الرغبة. ومادام الخطاب –والتاريخ ما فتئ يعلمنا ذلك- ليس فقط هو ما يترجم الصراعات أو أنظمة السيطرة، لكنه هو ما نصارع من أجله، وما نصارع به، وهو السلطة التي نحاول الاستيلاء عليها1».

وتشيد خطابات الطب أو إصلاح السجون، مثلا، إمكان أن تطغى بعض الحقائق وإمكان أن تكون غيرها بلا فاعلية أوإقرار من المجتمع. وبفعلها هذا تعتمد الخطابات وتقوي بعض بنى السلطة الاستطرادية (صوت الطبيب أو العالم، أو نظام حقيقة المهندس الاجتماعي البشري)، وتزيح بنى أخرى (أصوات المرضى أو المجرمين، ولكن أيضا أصوات المعالج بالطبيعة أو الشافي بالإيمان، أو الشفرات "الأثرية" للانتقام والجزاء). وفي الحركة نفسها تنجز بعض الآثار المادية12فالمستشفيات والسجون تبنى لتجسد نظرة المعالجة الطبية أو إصلاح النفوس ويتم إضفاء الشرعية على بعض نظم المعالجة أو الاعتقال، فتطغى على غيرها «هنا في حقول التفريق الأول هذه، وفي الفوارق والانفصالات والعتبات التي تظهر فيها، عثر الخطاب الطبعقلي على إمكانية تحديد ميدانه وتعريف موضوعه، ومنحه صفة موضوع؛ أي أنه استطاع أن يظهره كموضوع ويجعله قابلا للتسمية والوصف»13.

وهذا يعني أن تشكيلات (فوكو) الخطابية متباينة، ولا تتكون أيضا من ممارسات مادية وبنى تحدد كيف تتكرر عبر ميادين اجتماعية مختلفة، ونتائجها والمواقف الكلامية التي تتيحها، والموضوعات والحقائق التي تبعثها وتضفي عليها بعض الواقعية، «وذلك من خلال إبراز كيف تنتشر المعرفة العلمية وتكون مناسبة لولادة مفاهيم فلسفية وتفصح عن نفسها أحيانا، وعند الاقتضاء، في الآثار الأدبية؛ كيف تهاجر المشاكل والمفاهيم والأفكار المحورية من الحقل الفلسفي الذي تشكلت فيه إلى خطابات علمية أوسياسية؛ يربط الآثار بالمؤسسات والعادات وأنواع السلوك الاجتماعية والتقنيات والحاجات والممارسات الصامتة يعمل على بعث ماضي أشكال الخطاب، الأكثر تطورا وإحيائها ثانية في صورتها الأصلية المحسوسة وداخل ذات النمو والتطور اللذين شهدا ميلادها»14، (مثال الخطاب الفلسفي).

سابعا- الخطاب في نظرية الاتصال:
ومركزية مفهوم الخطاب بالنسبة إلى جزء كبير من النظرية المعاصرة، جعلت منه هدفا للنقاد غير الراضين على التحدي الذي يثيره بوجه الطرق التقليدية لفهم التمثيل؛ كما إنه يستخدم استخداما واسعا غالبا ما يتخلله الارتجال حتى فقد الكثير من معناه الدقيق1إذا سلمنا بأن النص لا يختلف عن الخطاب فإن  المفهوم المحدد لكليهما لدى علماء تحليل الخطاب أو لسانيات النص <<هو مجموع الإشارات النصية التي ترد في تفاعل اتصالي >>16، أو هو <<إنتاج ليشمل كل وسائل الاتصال، كون النص يرد دوما في سياق اجتماعي محدد يشترط مشاركة المشاركين في الاتصال لتحقيق أهداف اجتماعية أوشخصية، إن النص يمتلك وجودا اجتماعيا ما ينعكس في المضمون وفي الإستراتيجية المتبعة من طرف المشاركين في الاتصال، وهم ينظمون النص ويصيغونه17.

ويدرس تحليل الخطاب أبنية النصـوص، مهتما بأبعـادها اللغوية، والاجتماعية والثقافية من أجل فهم تشكيل المعنى. لذا يتقاطع مع اتجاهات منهجية أخرى تهتم كذلك بإنتاج المعنى، فنظرية الاتصال وثيقة الصلة بحقول أخرى، ترى المعنى محصلة عملية الاتصال التي عناصرها مرسل ورسالة وشفرة، ومتلقي، وقناة اتصال، وسياق. وتتضمن الرسالة معنى ما، وكلما تم التركيز على أحد هذه العناصر أنتج لنا وظيفة معينة قد تكون: تعبيرية، أوتوجيهية، أو إخبارية، أو اتصالية، أومرجعية، أو شعرية.

ثامنا- الخطاب في النقد البلاغي:
ورأى النقد البلاغي الذي اتخذ الاتصال إطارا له في كل خطاب حضورا وتفاعلا بلاغيا، تحكمه قوى سياسية واجتماعية، تحمل النص برموز ذات مقاصد، قادرة على التأثير في الوسط المحيط، ومن ثم عد النص وإنتاجه ووسائل إقناعه مهمة الخطاب الذي اتجهت البلاغة لدراسته. وإذا كان الاستعمال اللغوي يستند إلى التفاعل الاجتماعي والظروف الثقافية، فإنه يغدو فعلا معرفيا. وبذلك يكون الخطاب وسيلة خلق حقائق مؤسساتية، وإعلان وظائف تفرضها المؤسسة على الظواهر الطبيعية، لخدمة مقاصدها وترسيخ أنظمتها من العلاقات وبني القوة وتكريسها؛ يعني هذا أن تحليل الخطاب يمنح عناية بما وراء اللغة (الاستعارة) من تفاعل وسياق محيط18.

هكذا صار تفسير النص بإرجاعه إلى عناصره الأولى المكونة، والكشف عن نظام العلاقات الذي تنتظم بنيته، والأعراف الثقافية التي تدخلت في بناء معناه. فكانت النقلة من القيم الجمالية إلى البنى الاجتماعية، وتناول المعنى بوصفه تأسيسا اجتماعيا يرتبط بشبكة من التداعيات وأهداف منتجيه ومتلقيه.

تاسعا- الخطاب داخل السرد الثقافي (الفعل الثقافي):
لذا كان لابد من الكشف عن هذا الخطاب الذي قد يؤدي تحليل مضمونه وفهم عناصره إلى معرفة كيفية إنتاج وحداته ووظيفتها داخل السرد الثقافي والسياق الاجتماعي. كما يرشدنا ذلك إلى تمييز المفاهيم والتصورات داخل المضمون، وفهم دلالات الرسالة، ونقصد الموضوعات والقيم والأيديولوجيـا  والتوجـهات والمعتقدات، وطرائق التعبير لدى الأشخاص. ولتحليل الخطاب تحديدات متنوعة، يوجد تحديد واسع جدا (هو تحليل استعمال اللغة)، كما هناك تعريف آخر (دراسة الاستعمال الفعلي للغة من قبل ناطقين حقيقيين في أوضاع حقيقية19.

ومن المستحسن اعتبار تحليل الخطاب الذي بدأ يقدم على التحليل اللغوي للنص في ذاته أو على التحليل السوسيولوجي أو النفساني لمحتواه، يسعى إلى مفصلة articuler تلفظه مع موقع اجتماعي بعينه، وهكذا، يجد تحليل الخطاب نفسه حيال أنواع الخطابات المشتغلة في قطاعات الفضاء الاجتماعي (المقهى المدرسة، المحل التجاري...) أو في الحقول الخطابية (السياسي، العلمي...). إذن بإمكان تحليل الخطاب أن يعني المدونات بنفسها على غرار علم الاجتماع وتحليل الحديث إلخ. ولما كان تحليل الخطاب يقف في مفترق طرق العلوم الإنسانية، فهو عرضة لعدم استقرار، ذلك أنه يوجد محللون للخطاب هم بالأحرى علماء اجتماع، وآخرون هم بالأحرى لسانيون، والبعض الآخر علماء نفس20.

عاشرا-التفاعل الخطابي:
ولا يقتصر تحليل الخطاب على التحليل اللساني للنصوص، بل يتأرجح بين التركيز على نصوص معينة، والتركيز على ما يسمى نطاق الخطاب (Ordre de Discours)؛ أي البناء الثابت نسبيا للغة الذي يشكل مكونا في بناء الممارسات الاجتماعية والشبكة التي تؤلفها، الثابتين نسبيا أيضا. ويهتم التحليل النقدي للخطاب بالاستمرارية والتغيير على هذا المستوى الأكثر تجريدا وبنائية من مستوى النصوص، كما يهتم أيضا بما يحصل في النصوص بعينها. وتربط طريقة تحليل النصوص في التحليل النقدي للخطاب بين الاهتمام بالنصوص وبنطاق الخطاب. فلا يعتبر تحليل الخطاب تحليلا لسانيا فقط، إنما يتضمن أيضا ما يسمى تحليل التفاعل الخطابي (Interdiscursiv Analysis)؛ أي معـالجة النصوص من منطلق ضروب الخطاب والأصناف  والأساليب المختلفة التي تستند إليها وتمفصلها بعضها مع بعض21.

نصل إلى القول:  توجد حاجة لتطوير معالجة تحليل النصوص من خلال حوار عابر للاختصاصات (DialogueTransdisciplinaire)، يحمل عدة منظورات حول اللغة والخطاب، ضمن النظرية والبحث الاجتماعيين، وذلك بهدف تنمية قدرتنا على تحليل النصوص كعناصر في سيرورات اجتماعية. وللوصول إلى معالجة أو منهج تحليلي )جامع للاختصاصات)، لا بد من العمل على فئات النظريات الاجتماعية ومنطقها، وفئات ومنطق مكونات أخرى، لأجل تطوير نظرية تتناول الخطاب ومناهج لتحليل النصوص22.

 

جامعة الإخوة منتوري-قسنطينة1

 

الهوامش:

[1]– عبد الجليل أبو المجد–عبد العالي حارث: تجديد الخطاب الإسلامي وتحديات الحداثة، أفريقيا الشرق، المغرب،2011  ص11

2- المرجع نفسه  ص12

3 -Philippe Forest et Gérard Conio : Dictionnaire Fondamental du Français Littéraire, Maxi-lièvres 2004 p122

4- دوممينيك مانغونو: المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب، ترجمة محمد يحياتن، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، منشورات الاختلاف، الجزائر الطبعة1/2008 ص38

5- نعوم تشومسكي: أفاق جديدة في دراسة اللغة والذهن، ترجمةحمزة بن قبلان المزينى المجلس الأعلى للثقافة، مصر 2005 ص92.

6- فان ديك: النص والسياق، استقصاء البحث في الخطاب الدلالي والتداولي، ترجمة عبد القادر قنيني، أفريقيا الشرق، المغرب 2000 ص13

7- المرجع نفسه ص30

8- المرجع نفسه ص32

9- طوني بينيت،لورانس غروسبيرغ، ميغان موريس: مفاتيح اصطلاحية جديدة، معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع، ترجمة سعيد الغانمي، المنظمة العربية للترجمة، ط1/2010 ص322

10- المرجع نفسه ص323

11- ميشيل فوكو: نظام الخطاب ترجمة محمد سبيلا، دار التنوير بيروت 2007ص9

12- طوني بينيت، لورانس غروسبيرغ، ميغان موريس: مرجع سابق ص324

13- ميشال فوكو:حفريات المعرفة، ترجمة سالم يفوت،المركز الثقافي العربي، الدارالبيضاء المغرب ط2/1987 ص40

14- المرجع نفسه ص127

15- المرجع نفسه ص325

16- فولفجانج هينه مان ديتر فيهقجر: مدخل إلى علم لغة النص، ترجمة سعيد حسن بحيري، مكتبة زهراء الشرق،القاهرة، ط1/2004 ص7

17- المرجع نفسه ص8

18- حسنة عبد السميع:سيميوطيقا اللغة وتحليل الخطاب، الإعلان التلفزيوني، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، 2005 ص 2

19- دوممينيك مانغونو: مرجع سابق ص9

20- المرجع نفسه ص10

21- نورمان فاركلوف: تحليل الخطاب، التحليل النصي في البحث الاجتماعي، ترجمة طلال وهبة، المنظمة العربية للترجمة، بيروت الطبعة1/2009ص21

22- المرجع نفسه ص28-29