في هذه الدراسة عن الأثر والتأثير، نستطيع أن نعرف كيف استطاع السرد العربيّ أن يؤثر في كثير من النصوص الغربية، ولكن كيف استطاع الأدب العربي أن يؤثر في كتاب (دون كيخوته) الكتاب الذي اتبع تقاليد القص الايطالي (النوفيلا) كحكايات كانتربري لتشوسر!!!؟ هذا ما سنقرأه في هذه الدراسة.

أصول السرد العربي القديم في«دون كيخوته»

نادية هناوي

 

أثّر الأدب العربي بآداب أوروبا خلال العصور الوسطى، فكان أن حاكت الكوميديا الالهية وحكايات كانتربري ودي كاميرون المرويات القصصية العربية وحاكى شعراء التروبادور شعر الموشحات والأزجال الأندلسية، بيد أن الذي شاع في النقد الأدبي الأوروبي وتابعه عليه النقد العربي هو أن الآداب الأوروبية في أواخر العصور الوسطى نشأت تستلهم الأدب الإغريقي والروماني.

وعلى الرغم من غلبة الوازع المسيحي في الآداب الأوروبية، فإنها بالمجموع كانت تنتهج تقاليد السرد العربي وتتبع أساليبه كالقطع والوصل والتكرار والخيالية والتوالي والتأطير والتضمين وتداعي الصور وتحبيك الحكي واستعمال تقانات الحلم والاسترجاع والاستبطان والاستباق ووجهة النظر والمناجاة النفسية وغيرها من التقانات التي تدعم التعاقب المنطقي للأحداث وتساهم في تحبيك الأحداث والشخصيات. ولقد استحضرت الرواية الفرنسية الجديدة[1] واحدا من تلك التقاليد وهو البناء الحكائي بوصف الحكاية ضرورة فيها تلقائية الكتابة بحرية بعيدا عن مواضعات الحبكة ونظامها العقلاني الذي يفقد الخيال حريته[2]. ووصف النقاد هذا الاستحضار بأنه تجديد وكأن لا سابقة أدبية تتمثل في تقاليد السرد القديم. ومن المفارقة حقا أن تجنيس الرواية سبق تجنيس القصة القصيرة في حين أن القصة العربية كانت قد أكدت أجناسية قالبها منذ زمن بعيد وفيه ابتكر الكتّاب العرب مواضعات كتابتها وبأساليب سردية ومرجعيات مختلفة.

ويعد كتاب (دون كيخوته) لميغيل دي ثيربانتس ( 1547ـ 1616) مثالا جليا للكيفية التي بها انتقلت تقاليد السرد العربي القديم الى آداب أوروبا. وقد يقال إن هذا الكتاب اتبع تقاليد القص الايطالي (النوفيلا) كحكايات كانتربري لتشوسر لأنها مبنية أيضا على قصة إطارية وداخلها قصة ضمنية[3] وموضوعها كموضوع دون كيخوته واحد وهو الفروسية وما فيه من تراث شعبي وأسطوري وعد النقاد الغربيون هذا العمل مؤسسا لجنس الرواية، ووصفوا هذا الجنس بالوريث للملحمة الإغريقية لكن السرد العربي سابق في استعمال البناء الإطاري منذ حكايات ألف ليلة وليلة كقص دخيل والمقامات كقص أصيل كما عرف الشعر العربي منذ العصر الجاهلي موضوعة الفروسية لما فيها من وجاهة وكذلك الحال مع القص الرسمي والشعبي مما نجده في قصة عنترة بن شداد مثلا.

ولم يثر أمر نشر هذا الكتاب على جزأين متباعدين بينهما عشر سنوات ـ الأول نشر عام 1605 والثاني نشر عام 1615 ـ حفيظة النقاد كما لم تنل نتاجات ثرفانتس السردية الأخرى اهتماما يماثل اهتمامهم بـ ( دون كيخوته) وهي أعمال كثيرة تتوزع بين الشعر والقصة والمسرحية، وأهمها( لا جالاثيا) و(الشهير برناردو) وثماني مسرحيات كوميدية وقصص مثالية. علما ان ثرفانتس لم يكن ذا شهرة بين مجايليه في شبه الجزيرة الإيبيرية وأشهرهم لوبي دي بيجا الذي قال:( لا يوجد بين الشعراء من هو أسوأ من ثربانتس)[4] وأغلب مؤرخي أدب تلك المرحلة يضعونه في خانة الشعراء بينما كانوا يقرون لدون خوان مانويل في قصته( الكونت لوكانور) بالتميز في كتابة القصة القصيرة. وعلى الرغم من ذلك فان في داخل هذا العمل أي (دون كيخوته) ما يثير الشك حول حقيقة عائديته إلى ثرفانتس.

وكثيرة هي الدراسات النقدية المقارنة التي اهتمت بدراسة مؤثرات الأدب العربي في الأدب الاوربي كما أن الدراسات الثقافية هي الأخرى عديدة وهي تبحث عن تأويلات ما هو مغيب في هذه المؤثرات بوجه عام وما صرح به ثرفانتس نفسه بوجه خاص من أن العمل هو عبارة عن مخطوطة وجدها صدفة وتعود لمؤرخ عربي اسمه حامد بن الايلي فاشتراها بثمن زهيد وبعد ان ترجمها له أحد العرب المتنصرين قام هو بإعادة نقلها ككتاب وضع له استهلالا أما المتن فظل محكوما بأساليب وتقانات السرد العربي القديم. ولم يفتأ ثرفانتس من التدخل في بعض المواضع حين يجد أمرا محيرا أو يستغرب حدثا أو يتصرف في تغيير مفردة ما. هذا على مستوى الجزء الأول من المخطوطة، اما الجزء الثاني فقدم له سرفانتس أيضا باستهلال سائرا على ما سار عليه المؤرخ صاحب المخطوطة من أساليب سردية عربية.

وإذا أخذنا هذا التصريح على نية أنه مجرد لعبة فنية وجزء من تجريب سردي يعطي لثرفانتس الحق في أن يكون مؤلفا أصيلا فان بإمكاننا أيضا أن نأخذ التصريح على محمل واقعي تاريخي، فيكون ثرفانتس مجرد كاتب ناقل وليس مؤلفا مبتدعا. ولا مراء في أن الوقوف على صحة واحد من هذين الاحتمالين، سيضعنا أمام مفترق طرق فيها يصح واحد من قولين: الأول إن الرواية الأوربية وريثة الملحمة الإغريقية والثاني إنها وريثة القصة العربية.

بالطبع ليس لعمل أدبي ان يكون هو تأسيسيا إلا إذا كانت قد سبقته مرحلة من التجريب الفني قد تطول أو تقصر، مهيئة الحاضنة لبزوغ عمل إبداعي. وستكون هذه الإبداعية قاعدة لتجريب فني لاحق قد يصيب فيتطور الأدب. ومعلوم أن الجنس الأدبي لا يولد من فراغ ولا يكون متحققاً للوهلة الأولى من دون سلوك سبل التجريب وعنها يتمخض القالب التجنيسي الذي لا تنازع في مسألة اختلافه عن أجناس أخرى.

ولقد كان كولن ولسن منتبها لضرورة وجود تجريب قبلي لأي تأسيس أجناسي، مدركا أن هناك ثغرة في تفسير نشأة الرواية الأوروبية، لذا حاول ردمها من خلال البحث عن بدايات جُربت فيها الكتابة السردية فوجد ( سلستيناLa Celestina  ) رواية نشرت عام 1499 وأعمال سردية أخرى( ومن بعدها نمت الرواية نموا بطيئا لقرنين ونصف من الزمان كنمو شجرة البلوط ومن ثم أصبحت فجأة شجرة كاملة النمو)[5] ويعني بالشجرة رواية دون كيخوته التي نمت ـ كما يقول ـ عن عمل أو مجموعة أعمال سبقت دون كيخوته بقرن أو قرنين، ولا يقول إنها تمخضت عن تجريب له تاريخ طويل فيه استقرت تقاليد القص العربي وصارت مؤثرة بالأدب الاوروبي بشكل كبير.

إن رغبة الناقد الغربي في التغاضي عن تناول أية فرضية تؤكد وجود تماس ثقافي للسرد العربي القديم مع السرد الأوروبي الحديث، هو ما يثير شكوكنا ويدفعنا نحو البحث المتأني في مسائل تنطوي على حقائق، ومن هذه الحقائق:

1 ) أن مترجمي طليطلة في القرن الخامس عشر كانوا قد لعبوا دورا مهما في نقل التراث والثقافة الإسلامية في العصور الوسطى إلى أوروبا.

2 ) أن رواية( سلستينا) ـ وكما يذكر ولسن ـ لم يذكر في طبعتها الأولى اسم مؤلفها ولكن حين أعيد طبعها عام 1502 أضاف إليها مؤلف آخر فصولا جديدة واتفق النقاد فيما بعد على أن المؤلف هو فرناندو روجاس.

3 ) رسوخ تقاليد السرد العربي القديم في أذهان الكتّاب في شبه الجزيرة الايبيرية وخارجها وكانوا آنذاك منكبين على قراءة المترجم من المرويات التراثية العربية، وبعضهم كان يتقن العربية أو يعرف بعضا من تراكيبها ومنهم ثرفانتس الذي وظف في كثير من قصصه ابياتا واقوالا وامثالا شعبية عربية فضلا عن الايات القرانية، كامر طبيعي سار عليه أدباء اوروبا بدءا من القرن السادس عشر الميلادي.

وبناء على هذه الحقائق التاريخية يكون السرد العربي من ناحية الشكل التقاني والمحتوى الموضوعي الناجزين واللذين هما حصيلة تجريب طويل الأمد في (السرد غير الواقعي) قد هيأ للسرد الاوروبي أن يكون بانيا ومطورا، واتضح هذا البناء والتطوير في (دون كيخوته) التي عدها النقاد بعد قرون مؤسسة لجنس الرواية.

وما كان لـ ( دون كيخوته) أن تكون مؤسسة لقالب واضح الأبعاد والحدود لولا ارتكانها على تقاليد السرد العربي القديم التي أعطت هذا القالب إمكانيات تقليده والبناء عليه. ولقد سميت الرواية اولا بـ Roman مأخوذة من رومانس العامية وتعني( كل أثر خيالي لا يرتكز على قاعدة تاريخية والى المادة الأدبية بوصفها معارضة للمادة الشفوية)[6] وصارت تعرف فيما بعد بـ Novel المأخوذة من مفردة Novella  الايطالية. ومن روائيات وروائيي القرنين السابع عشر والثامن عشر، مسز افرا بيهن( 1640ـ1689) كتبت روايتين(العيد الملكي والهجران العادل) وكتبت مدام لافايت( 1634ـ1693) رواية اميرة كليف عام 1678 وكتب دانيال ديفو( 1660ـ1731) رواية(روبنسون كروزو) عام 1719 وكتب صاموئيل ريشاردسون رواية باميلا 1740 ثم رواية كلاريسا هارلو عام 1748 وكتب فولتير( كانديد) عام 1759 وكتب جان جاك روسو رواية( جولي أو ايلويز الجديدة) عام 1760 وكتب لورانس ستيرن روايته( حياة واراء ترستام شاندي جنتلمان ) عام 1758 وكتب شودرلو دي لاكلو (1741ـ 1803) رواية العلاقات الخطرة 1782 وكتب غوته رواية( الام فيرتر) عام 1795 وكتب بنيامين كونستان( 1767ـ1830) رواية ادولف عام 1807. ومن بعدها عرفت روايات السير والتر سكوت وديكنز وفولتير ودكتور جونسون وجين اوستن وشارلوت برونتي وجوجول وبلزاك وفلوبير وغيرهم.

اما ما ذهب إليه بعض النقاد الغربيين من أن (روبنسون كروزو) هي المؤسسة لجنس الرواية، فان لا اختلاف أيضا على مسألة الحاضن الذي هو عربي فلقد استلهمت هذه الرواية قصة( حي بن يقظان) لابن طفيل الأندلسي، ومن ثم تتأكد أكثر مقولة إن الرواية الأوربية وريثة القصة العربية لاسيما أن( دون كيخوته) مختلفة في واقعيتها عن روايات البيكاريسك( قصص المتشردين والشطار) والباستورالية( قصص الرعاة) التي ظهرت قبلها كرواية اركاديا لفيليب سيدني المنشورة عام 1580 وحياة غارغانتوا وبانتاغرويل لفرانسوا ربليه عام 1553 وغيرها.

والأمر نفسه ينطبق على رفض القول بإن الكوميديا الإلهية لدانتي أو دي كاميرون لبوكاشيو تأسيسية فتأثيرات المرويات التراثية العربية فيهما واضح كما أنهما نشرتا والحضارة العربية الإسلامية لم تندثر بعد. ولا شك في أن تحديد الريادة الروائية، يحتاج تعليلا لها ولقد عللها النقد الغربي بأنها جاءت عن ارتباط كتابة الرواية الوثيق بقضية الإنسانية والارتقاء الحضاري وأن ثرفانتس ما ابتكر الرواية إلا تعبيرا عن الطبيعة الإنسانية. أما علاقة الريادة بعمل كان جزءا ما اكتمل إلا بعد عشر سنوات، فذلك ما يراه هذا النقد أمرا فنيا فيه ابتكر ثرفانتس طريقة المخطوطة وادخلها كوثيقة في البناء السردي.

ولكن العلاقة بين الأدب والإنسان من جهة وعلاقة الإنسان بالابتكار والتجريب من جهة أخرى هو أمر لم تدشنه الرواية كجنس جديد، بل هو قديم قدم الإنسان نفسه. ولا يكون أي ابتكار مؤسسا لتقاليد أو تأسيسيا لجنس جديد إلا بعد تاريخ يتعدى الجيل والجيلين وربما الاجيال لا أن يكون عشر سنوات اقتضاها انجاز( دون كيخوته).

إن القول بالريادة من دون وجود تجريب سابق، هو بمثابة قفز على الحقيقة التاريخية. ومن ثم لا تكون ولادة( دون كيخوته) كجنس جديد ولادة اعتباطية، بل هي متحصلة بعد تاريخ طويل من التجريب السردي، فيه توكدت تأثيرات فنون الأدب العربي في الأدب الأوروبي، بسبب الاحتكاك المباشر والطويل الأمد ببين العرب والإفرنج اجتماعيا وثقافيا ولغويا.

2 ـ تهجين سردية (دون كيخوته):
السرد والتاريخ فعلان متصلان، الأول هو الأصل والثاني متشكل منه، كأخبار مروية ينقلها إخباري بشكل شفاهي يعتمد فيه على ذاكرته أو كمدونات يكتبها مؤرخ معتمدا غالبا على التحبيك السردي في ربط النتائج بالأسباب. وهو ما يجعل كتابة التاريخ تحبيكية أي مثل كتابة القصة تخضع للتسبيب المنطقي. وفي رواية( دون كيخوته) نجد أن الترابط وثيق بين السرد والتاريخ. فكتب ثرفانتس قصة تاريخية هي أطول مما هو معتاد في كتابة القصص الأوروبية، ولعل هذا الطول هو السبب وراء اعتبار( دون كيخوته) عملا مؤسسا لجنس جديد هو الرواية.

ولو افترضنا أن ثرفانتس سارد لمخطوط كتبه مؤرخ عربي عن قصة حياة دون كيخوته فسيكون ثرفانتس ناقلا عن نص مترجم، أما إذا افترضنا أن المخطوط متخيل فسيكون ثرفانتس ساردا مبتكرا لتاريخ متخيل. وسواء أخذنا بالافتراض الأول أو أخذنا بالثاني، فإن العلاقة بين السرد والتاريخ تظل واحدة من ناحية التعامل المجازي مع الواقع تعاملا احتماليا لا قطعيا، وسنفصل القول في ذينيك الافتراضين كالآتي:

أولا: أن افتراض ترجمة نص سردي عن نص تاريخي أصلي سابق، يعني أن( دون كيخوته)  عبارة عن قصة تاريخية تحولت بالترجمة إلى نص آخر هو رواية مكتوبة بلغة الغالب/ الاسباني. وأيا كانت الدقة في الترجمة ومهما كانت القدرة كبيرة في إتقان الجانبين النحوي والأدبي، فإن الترجمة تظل فعلا إبداعيا هو عبارة عن نص ثان مبتدع عن نص أول، وفيه الناقل محوّر للنص الأصلي ملبسا إياه لباسا جديدا يفصلِّه على وفق مقاسات اللغة المنقول إليها ذلك النص.

ثانيا: أن افتراض المخطوطة قصة متخيلة وأن ثرفانتس اخترعها وعليها بنى قصته، يأتي من باب التهجين القائم على أمرين:

الأول/ إتباع المؤلف أسلوب التضمين السردي بين قصتين: قصة إطارية فيها المؤلف يخترع شخصية هي حامد بن الايلي، وقصة ضمنية تبنى أحداثها وتحبك من لدن الشخصية في القصة الإطارية. وهو أمر اعتاده القص العربي الدخيل منه والأصيل كما في ألف ليلة وليلة بشخصية شهرزاد، ورسالة الغفران بشخصية ابن القارح، ومقامات الهمذاني بشخصية عيسى بن هشام، ومقامات الحريري بشخصية أبي زيد السروجي. وهكذا جعل ثرفانتس من حامد بن الايلي الشخصية الإطارية التي صنعت (دون كيخوته) بطل القصة الضمنية كفارس مثالي( جوال/ بدوي) انتهى الأمر به كئيبا ومغلوبا فعاد إلى( قريته/ موطنه) ومات حتف أنفه.

وليس ثرفانتس الأول في التأثر بأسلوب التضمين فقد سبقه دانتي وبوكاشيو، وما زال التضمين إلى اليوم متبعا في السرد الحداثي مما نجده في بعض قصص بورخس مثلا، لكن ثرفانتس يعد سابقا في هذا الاستعمال القصاصين الايبيريين الذين جايلوه وكانوا مواظبين على استعمال أسلوب التتابع أو التنضيد متأثرين ببنية الحكاية الشعبية التقليدية. وهو ما نجده في(حكايات الكوندة لوكانور) لدون خوان مانويل حيث كل قصة مستوحاة من حكاية ذات أصل شعبي[7] علما أن ثرفانتس في أعماله التي سبقت دون كيخوته مثل( لا جالاثيا) 1585 ومجموعته ( قصص مثالية)[8] فكان مثلهم يتبع أسلوب التتابع في التعبير عن موضوعات مثالية كالفروسية والحب الأفلاطوني.

الثاني/ توظيف المؤلف ثرفانتس تقانة التناص يعني انه هو الأسد الذي هضم خرافا كثيرة، وأنتج منها هاضما يشبهه ويشبهها معا. وما هذا الهاضم سوى قصة هجينة ذات بناء سردي يخالف السائد في بناء القصص الأوروبي كقصص الرعاة والرومانس والشطار أو البيكاريسك. وليس أمر بناء اللاحق على السابق بالجديد أيضا، وإلا لماذا تبدأ شهرزاد حكاياتها بالقول( بلغني ان/ يحكى ان ) لولا إن لحكاياتها رواة سابقين لكنهم مجهولون. ولا خلاف في أن الحكاية الخرافية بنيت على خرافات التابو والطوطم كما بنيت على الحكاية الخرافية الحكاية الشعبية وعليها بُني القص التاريخي والأدبي والشعبي وهكذا. فالسرد أثر قولي، محكوم بمواضعات فنية تتفاعل فيما بينهما تأثرا وتأثيرا لكن الغلبة دائما تكون للأكثر رسوخا والأسبق تاريخا.

وبناء على الافتراضين السابقين حول علاقة السرد بالتاريخ في التعامل مع الواقع يكون التهجين أمرا مفروغا منه سواء كفعل ترجمي إبداعي أو كفعل استعاري تناصي. وإذا عددنا ثرفانتس مبدعا اخترع مخطوطة تاريخية متخيلة بطلها أوروبي فانه هجنها بأساليب وتقانات سار في استعمالها على تقاليد السرد العربي القديم، فهل يمكن بعد ذلك عد ثرفانتس مؤسسا لجنس أدبي جديد ؟!.

لعل من نافلة القول إن الفرق كبير بين نص مهجن ونص مؤسس، فالنص المهجن هو حصيلة إتباع ما بناه الأول من قواعد بينما النص المؤسس هو تقعيد لحصيلة ما كان الأول قد وضعه من قواعد. والمثال على الأول (المرويات الحكائية) بأنواعها التي تتعدد بتعدد حقول المعرفة. والمثال على الثاني (القصة) التي وضعت قواعدها عربيا بالتمازج ما بين القص الدخيل والأصلي فكانت جنسا سرديا تفرعت عنه أنواع قصصية كالمقامة والمنامة والنادرة والخاطرة وغيرها.

ولا يتحقق للكاتب بناء مؤسس من قبيل ابتداعه نهجا أسلوبيا أو استيلاده جنسا ادبيا أو ابتكاره صنفا كتابيا إلا إذا كان متقدما لا يطال سبقه أي ارتياب، مشافهة أو تدوينا أو ترجمة. والكاتب المؤسس هو الذي يتبع خطاه الكتّاب من بعده. أما النص المهجن فيتحقق بوساطة تأثر الكاتب بتقاليد أدبية سابقة تنتمي لأدب معين فيستثمرها في التعبير عن موضوعه الأدبي، مؤثرا في الكتاب من أبناء جلدته ومطورا الأدب الذي تنتمي إليه نصوصه.

ولقد وقف الناقد عبد الفتاح كيليطو عند كثير من النصوص العربية التأسيسية التي بها تأثر السرد الأوروبي ولكنه تردد في أن يعد تلك النصوص" مؤسسة لتقاليد السرد الأوروبي" ربما بسبب الحاضنة الأوروبية التي انتمى إليها أو بالأحرى سعى إلى الانتماء إليها، فمثلا يقول في معرض الكلام عن القواعد:( تكوين المبادئ والقواعد ما زال بالنسبة لي سرا من الأسرار ليس بمقدوري أن أبين كيف فرضت نصوص شعرية وأخرى نثرية نفسها عند نهاية سيرورة قصيرة أو طويلة وصارت مراجع ومستندات لا يستغنى عنها، اسميها كلاسيكية بشيء من التساهل، نعت لا أجد له مقابلا في العربية غير ان له ميزة توجيه الاهتمام إلى الطبقة والى الصنف والى الصف..النص الكلاسيكي هو النص الذي تتبناه طبقة الأدباء، ويندمج في صنف من النصوص.)[9]

وإذ لا نرى في ( تكوين القواعد) ما هو عويص فهمه، فإننا نرى في قوله(ميزة توجيه الاهتمام..) أهمية لأن فيه الدليل على أن للنصوص العربية تقاليد أسستها وسارت عليها بانتظام، وكان كيليطو نفسه قد أكد أن هناك نصوصا ظهرت فجأة ومن دون سابق إنذار ككتاب البخلاء للجاحظ الذي لا نموذج سابقا له، وقصة حي بن يقظان (الأول من نوعه في الأدب العربي). أما ما أخذه على هذه القصة الأخيرة وعلى غيرها من النصوص من أنها تفتقر إلى الأصل، مما يجعلها ـ بحسب كيليطو ـ منفردة ولم تنتج حركة أدبية في مستواها[10] فمردود جملة وتفصيلا، أولا لأن هذه النصوص أسست لنفسها مواضعات قالب قصصي محدد هو( القصة)، وثانيا أن الأدباء اتبعوا مواضعات هذا القالب حتى غدت قواعد تقليدية، وعنها تفرعت أنواع قصصية أخرى، وانتقلت تأثيرات هذا القالب إلى آداب الأمم المجاورة ومنها الأدب الأوروبي.

و(دون كيخوته) نتاج من نتائج هذا التأثير الاجناسي كنص مهجن جمع كاتبه بين المتخيل السردي والمتخيل التاريخي متبعا في بنائه الشكلي تقاليد السرد العربي، ومازجا في التمثيل الموضوعي بين الواقعين العربي الإسلامي والاوروبي المسيحي.

إن البحث عن أبعاد التهجين السردي في ما حواه كتاب(دون كيخوته) من أفعال اختلاقية وشخصيات غير واقعية وأزمان يتم دمجها بوقائع( اتوبوغرافية ) يستحضر فيها ثرفانتس معايشاته الواقعية داخل شبه الجزيرة الايبيرية أو خارجها خلال مدة مكوثه في الجزائر وغيرها من المدن الإسلامية، إنما يستدعي التعرف إلى تقاليد السرد العربي الناجزة وطبيعة توظيفها الفني في تحبيك الأحداث والشخصيات والأزمنة والأمكنة والحوارات تحبيكا نصيا به يتحول ما هو غير معقول ولا واقعي إلى سرد احتمالي واقعي.

 1ـ الحكاية الخرافية
تقليد شفاهي استلهمه الأدب العربي من الأدب الرافديني الذي كان على اتصال دائم معه فلم ينقطع تسرب الخرافات السومرية والأساطير البابلية إلى الأقوام العربية التي كانت في هجرة مستمرة من مهدها الأصلي في جزيرة العرب نحو وادي الرافدين، يقول الأستاذ طه باقر:( انتشرت القبائل العربية منذ الألف الأول ق.م. إلى جهات ما بين النهرين وقد اخذ اسم عرب يظهر في أخبار ملوك الأشوريين في حروبهم مع بعض تلك القبائل في بوادي الشام والعراق ولعله في شمالي الحجاز وتذكر أيضا القبائل النبطية..وهناك القبائل العربية مما قبل الإسلام ما بين القرن الثاني ق م والقرن السادس الميلادي) [11]

وخلال هذه الهجرات تغلغل الكثير من الخرافات والأساطير الرافدينية إلى الأدب العربي اما مشافهة أو تدوينا على تماثيل منحوتة وألواح من طين. وكان من تبعات هذا التغلغل أن صارت الخرافية تقليدا اتبعه الحكاء العربي في مروياته الأدبية والتاريخية والدينية الشفاهية منها والكتابية حتى وضع يده على قالب القصة العربية الذي من مكوناته الحكاية الخرافية. والأمثلة كثيرة على توظيف الحكاية الخرافية في رواية(دون كيخوته) وهي بمجموعها ليست مقصودة للإمتاع فقط، بل هي توصل رسائل فكرية، والوسيلة الفنية في ذلك التوصيل هي تهجين البناء السردي بالحكاية الخرافية بطريقتين:

 الأولى/ اعتماد السارد على مخزوناته التراثية من الحكايات الخرافية التي أعطت سرده بعدا استعاريا( لم يكد أبولو ينشر ذوائبه الذهبية من شعره الجميل على وجه البسيطة الفسيح ولم تكد الطيور الصغار ذوات الاصباغ الرائعة تحيي بقيثار ألسنتها وأنغام أعذب من الشهد، مقدم الفجر الوردي..حتى غادر الفارس الشهير دون كيخوته دلامنتشا حشايا الكسل وامتطى صهوة فرسه الشهير روثنانته)[12] وكانت من عادة الفارس العربي أن يسمي جواده باسماء تدل على صفاته، فاسم فرس عنترة الابجر وفرس ابي زيد الهلالي الخضرا.

الثانية/ ما تذكره البطل دون كيخوته من حكايات خرافية بها اصطبغ السرد بصبغة غير واقعية( خيل إلى دون كيخوته ان عفريتا أعطى إشارة الوصول..فرفع حافة الخوذة الكرتونية وكشف عن وجهه الجاف الأغبر)[13] وعبر السارد عن لا واقعية دون كيخوته بالجنون( أدى به جنونه إلى تذكر حادثة فالدفينوس ومركيز منتوا حينما ترك كارلوتو أولهما جريحا في الجبل وهي حكاية يعرفها الأطفال)[14] أو ( يبدو ان الشيطان قد أصر على ان يذكره بكل الحكايات التي تلائم حاله..)[15]. وباستمرار تدفق الحكاية الخرافية في رواية (دون كيخوته) وبجزأيها الأول والثاني يهيمن السرد غير الواقعي ويغدو أرضية عليها يحارب البطل بلا حرب، ويقاتل ما لا يُقاتل، موظفا حكايات خرافية كحكاية تيه اقريطش( في هذه القصور اللعينة ليس منهن واحدة بمأمن ومنجاة حتى لو حبست وأخفيت في تيه شبيه بتيه اقريطش إذ من أضيق الشقوق يدخل الإغراء والغزل ومع الهواء يدخل طاعون الحب)[16]. ومن الصيغ الاسلوبية التي بها هيمن السرد غير الواقعي:

أ ـ ما كان دون كيخوته يسرده من حكايات خرافية فيبادر سنشو إلى التعقيب عليها بأقوال عقلانية، فيفنّدها دون كيخوته ويعتبرها باطلة وغير صحيحة، فحين يقول دون كيخوته:( حاربت المارد حربا لم أخض من قبل مثلها وبضربة واحدة قطعت رأسه ولهذا سال دم كثير كأنها انهار من الماء)[17] يقاطعه سنشو:( بل قل من النبيذ الأحمر إذ يحسن بك ان تعرف ان هذا المارد المقتول ليس شيئا آخر غير خابية مخروقة وهذا الدم ان هو إلا الثلاثون ربعا من النبيذ الأحمر الذي كان في داخل الخابية اما الرأس الذي قطعته فانه لا يوجد إلا في خيالك. قال دون كيخوته: ما تقول يا مجنون لقد فقدت صوابك)[18]

ب ـ تعليقات المؤلف/ ثرفانتس التي فيها يتبع نهجا واقعيا يغاير نهج السارد/ حامد بن الايلي غير الواقعي في توظيف الحكاية الخرافية داخل القصة الضمنية، ومن هذه التعليقات قول ثرفانتس عن دون كيخوته:( وجنونه مدعاة لان يخلط بين الأشياء ويرى الطواحين عمالقة والبغال جمالا وقطعان الخراف جيوشا فليس صعبا ان نوهمه ان أول فلاحة ألقاها هي السيدة دولسينيه)[19] وهذا الموقف طبيعي من كاتب عرف بنهجه الواقعي في أعماله القصصية السابقة وبغاياته التربوية والأخلاقية. ومن ثم لا نتعجب أن وجدنا ثرفانتس يرفض زج الحكاية الخرافية في السرد( ان هذا اللون من التأليف قد تولد عن الخرافات الميلازية القديمة ..وهي حافلة بأمور لا معقولة عديدة..في خرافة تجد فيها صبيا في سن السادسة عشرة يشطر الى نصفين ..ماردا هائلا ارتفاعه كالبرج)[20]. وأوضح دليل على نهجه الواقعي الذي هجنه بتقاليد السرد العربي غير الواقعي ما كتبه في التقديم لقصصه المثالية قائلا:( لا أبالغ ان قلت إنني أول من كتب قصصا باللغة الاسبانية لان القصص الكثيرة التي طبعت بها وتجوب أنحاء البلاد مترجمة جميعها عن لغات أخرى اما هذه فتخصني وحدي وليست مقلدة أو مستعارة فهي من بنات أفكاري التي تمخض عنها قلمي وشبت وترعرعت بين ذراعي خيالي)[21]

2ـ اللامحاكاة أو المحاكاة المضادة
لا يوجد نص أدبي واقعيته محضة تستنسخ العالم مئة بالمئة، ولكن يمكن لنص أن تكون خياليته محضة، تخالف العالم بنسبة كبيرة. وإذا كان تكذيب غير المعقول فعلا عقلانيا، فان التحبيك هو الفعل العقلاني الذي به يصبح سرد ما هو غير معقول مقبولا ومنطقيا. ومن هنا يُنتفى الكذب الوقائعي ويُنظر إليه كصدق فني. وهو أمر تفرضه شعرية الأدب وبلاغة القص. والاقتناع بأحداث القصة غير الواقعية يعني أن التحبيك السردي أدى مهمته في لا محاكاة العالم الواقعي.

والغاية من اللامحاكاة هي التحرر من الأوهام من خلال اختلاق نص خيالي يتحول بالحبكة إلى نص واقعي يعبر عن رغبات غير معلنة ووجهات نظر مختلفة، تقبل التفسير والتأويل على وفق فرضية التخييل الذي فيه كل شيء ممكن بمرونة التسلسل الزمني كاسترجاع واستباق وبحضور عنصر المفاجأة والدهشة وبتوظيف المفارقة والباروديا والتراجيديا وغيرها. ولا خلاف في أن توظيف اللامحاكاة لا يقتصر على الكتابات الأدبية، بل هو يوظف أيضا في الكتابات التاريخية كـ( نوع من أنواع الروايات الخيالية التي يصدقها الناس)[22]

وتعج رواية( دون كيخوته) بسرد تاريخي غير واقعي هو نتيجة لا محاكاة وقائع الزمان الماضي عبر استحضار أحداث وشخصيات مستحيلة، وعن ذلك يقول السارد:( كم من تواريخنا (قصصنا) حافل بهذه العجائب)[23] وتظل الأمثلة كثيرة على توظيف اللامحاكاة في السرد غير الواقعي الذي فيه يكون الإنسان وحشا، والحيوان عاقلا. وكلما ازدادت درجة التضاد في عملية محاكاة الواقع التاريخي ارتفع معها دور الحبكة في تمتين السرد غير الواقعي من ناحية الاقتناع والتصديق( هذا تاريخي..وكان بودي أن أرويه لكم على نحو موجز)[24] وبهذا تصبح الرواية هي تاريخ ما يكون، ويصبح التاريخ هو رواية ما كان.

وبالتحبيك تغدو كل هذه الصور المستحيلة محتملة كسرد واقعي، تتخلله مشاهد تاريخية تعكس بمجموعها وجهة نظر إيديولوجية فيها ثرفانتس متعصب عرقيا ومنحاز دينيا بشكل لا يقبل الشك.

وقد تأتي وجهة النظر في شكل تعليقات بها يؤاخذ ثرفانتس سارد القصة الضمنية حامد بن الايلي مما وجدناه آنفا في توظيف( الحكاية الخرافية) وهنا نجده في توظيف( اللامحاكاة) وكأن ثرفانتس يؤاخذ السرد العربي القديم كله على لا واقعيته. ولعل أطول التعليقات التي فيها تتضح وجهة نظره الايديولوجية قوله: (وأي عقل إذا لم يكن عقلا همجيا يمكن أن يقتنع حين يقرأ أن برجا عاليا مليئا بالفرسان يسبح في عرض البحر. إن الخرافات تكون أحسن وأمتع كلما ازدادت قربا من الحقيقة واندرجت في نطاق الأمور الممكنة...)[25]

وبسبب وجهة النظر هذه بدت بعض الأقوال مصطنعة لا تناسب الشخصية التي تتكلم، من ذلك مثلا ما وضعه السارد على لسان العربي المغربي وهو يثني على أفعال فيليب الثاني الوحشية تجاه العرب الأندلسيين[26] . وهذا التضاد في تحميل الشخصيات ما لا يحتمل من الأقوال هو ما جعل النقاد يشككون في نسبة الرواية لثرفانتس وأنها ربما كتبت بأكثر من قلم. ونرى في هذا دليلا أيضا يؤكد أن المخطوطة مكتوبة بتقاليد سردية عربية مهجنة بنص سردي إطاري واقعي يجعلها تبدو كمتخيل تاريخي. وما أن يتدخل ثرفانتس في سرد المخطوطة حتى يغدو التحريف والدس واضحين بلا خفاء، بوصفه الناقل وليس المؤلف، وإلا كيف يكتب ثرفانتس نصاً على وفق تقاليد لا يؤمن بها ثم يأتي ويعترض على تلك التقاليد بل ويسفهها ويتعالى عليها وينتقص مؤسسها ؟!

 3ـ الخرق والتعطيل
هما فعاليتان سرديتان تجعلان النص لا معقولا، ولكن بمعقولية التحبيك السردي يتحول المستحيل وقوعه على أرض الواقع إلى ممكن الوقوع في النص السردي. والبطل في (دون كيخوته) فاعل سردي عاقل لكنه يؤدي أفعالا غير معقولة تخرق المعتاد وتعطل المألوف. والغاية من توظيف الخرق والتعطيل هي تأكيد قيم الخير وتوجيه النفوس نحوها ونبذ الشر وصوره. ولقد وصف النقاد أفعال البطل بالجنونية على المستوى الموضوعي وقصته بالمتماسكة فنيا كتحبيك سردي. وكان الحكاء العربي قد عرف قبل قرون عدة توظيف الجنون كطريقة لخرق المعتاد وتعطيله فحكى قصصا لا واقعية عن معتوهين ومجانين، ولكن جنون دون كيخوته اعتبر مؤسسا لجنس جديد هو الرواية التي موضوعها الإنسان ووسيلتها التخييل.

وكان من تبعات الجنون استعمال التوالي في الفصل بين مقطع قصصي وآخر أو الوصل بين مقطع وآخر باستعمال الفعل( تذكر) . وبسبب هذا التوالي السردي تتفرع عن الحبكة الرئيسة حبكات ثانوية وبعضها تحشر حشرا فتتراكم الحوادث بتداخلات حادة وربما انحدارات شديدة فيزداد إيقاع السخرية حتى تكاد الحبكات من تكاثرها ان تنفجر. والسرد غير الواقعي هو المولد لهذا التكاثر كحبكات ثانوية بمتخيلات غير معقولة. وعلى الرغم من تشعب حبكات القصة الضمنية، فإن الحبكة الرئيسة لا تنقطع بل تظل متماسكة تماسكا نصيا يجعل القصة الإطارية متصلة بالقصة الضمنية اتصالا وثيقا، حتى صار ( دون كيخوته) عملا مختلفا ومتفوقا على غيره من روايات القرن السابع عشر.

ومن مظاهر الخرق والتعطيل الهيأة التي يبدو عليها دون كيخوته كبطل يرى ما لا يراه الآخرون( ادخل يا سيدي في هذه الجنة فستجد فيها شموسا جديرة بالسماء التي تصحبك وأسلحة بكل بريقها وجمالا بكل روعته)[27] أو اجتماع المتناقضات في شخصية البطل فهو فارس في سن لا يؤهله أن يكون فارسا وهو مولع بأمرين هما الصيد والقراءة كما جمع بين العقل الخصب والدماغ الجاف. والسخرية والتهكم هما نتائج توظيف الخرق والتعطيل في شكل مشاهد دراماتيكية عنيفة أو مصورات بانورامية تلخص أجواء السحر والتوتر، وتروى بضمير الغائب في الأغلب.

وقد يقال إن لا معقولية دون كيخوته ليست بسبب الخرق والتعطيل غير الواقعيين، إنما هو انعكاس حياة ثرفانتس المضطربة والحافلة بالمتضادات والمضايقات وبسببها كتب هذه الرواية كجندي مقاتل وأسير ورهينة ومتهم وسجين ومدين يطارده دائنوه. ونقول إن هذا الانعكاس ممكن مع القصة لقصر كتابتها فلا تحتاج من الكاتب استقرارا مكانيا ونفسيا، لكن كتابة الرواية تحتاج ذلك لاسيما رواية مثل( دون كيخوته) كتبت بمئات الصفحات ونشرت على قسمين بينهما عقد من السنين، فضلا عن أن سرفانتس نفسه رفض فاعليتي الخرق والتعطيل وتبرم من الخيال السردي الجامح في أغلب تدخلاته وتعليقاته على سارد القصة الضمنية كقوله:( كان الأرجح إلا يومئ إلى أن لقبه هو كيخانا..والمهم هو إلا نحيد في رواية الوقائع عن الحقيقة قيد أنملة.)[28].

وهذا دليل على أن ثرفانتس يسير على تقاليد لا تتوافق مع أسلوبه القصصي الذي تشهد عليه أعماله السابقة التي هي واقعية وبموضوعات عامة عن الوطن والصداقة والزواج والأخلاق، وعنها قال في مقدمة (قصصه المثالية):( إن طفرات الحب وتباريح العشق التي يمكن ان نجدها في بعضها تمتاز بالعفة والاتزان ولا تتخطى المعيار المسيحي ومن ثم لن تثير الغرائز ولن تجنح بخيال قارئها عن جادة الصواب..)[29]

ومن الجدير ذكره ندرة استعمال ثرفانتس أية مفردات عربية أو أوصاف أو أمكنة إسلامية في قصصه السابقة لدون كيخوته، فكان كثير التمثيل فيها على المجتمع الارستقراطي بكل ما فيه من النبلاء والقساوسة والسيدات والخادمات وبنهايات رومانسية سعيدة باستثناء قصة( رينكوتية وكورتاديو) التي ختمها قائلا:( اما أنا فلم تبق لدى سوى الرغبة في الوصول إلى نهاية هذه الحكاية المحزنة التي ترشدنا إلى عدم الركون إلى المفاتيح والأقفال..طالما ظلت الإرادة حرة طليقة. )[30].

4ـ المتكلم والوثوق به
المتكلم في السرد غير الواقعي يحكي ما هو غير ممكن الوقوع كأحداث وشخصيات، وفي رواية( دون كيخوته) يكون المتكلم أما ساردا عليما يقص حكايات بطل مجنون أو يكون ساردا ذاتيا يقص مذكراته الخيالية لكن التحبيك هو الذي يجعل هذا المتكلم موثوقا بسرده حيث يجتمع السارد بالمؤلف ويصيران حكاءً واحدا. وفي رواية (دون كيخوته) يكون المتكلم في القصة الإطارية خارج الرواية كمؤلف يحكي بضمير الأنا عن شخصية هي مؤلفة القصة الضمنية وهناك أيضا الحكاء الذي يواجه قارئا له دوره في السرد ويريد أن يستميله( أيها القارئ الخلي: تستطيع ان تصدقني دون ان تستحلفني..)[31]

وكسب ود القارئ يعني إقناعه بما يقرأه من سرد غير واقعي وهو ما تحقق في الرواية من خلال كثرة تدخل حكاء القصة الإطارية بوظيفة المتكلم في القصة الضمنية، قاصدا تخطئته وإظهاره بمظهر المفتقر إلى الوضوح. من قبيل مؤاخذته لأنه جعل البطل يموت حتف أنفه، وهو ما يتناص مع المثل العربي( مات حتف أنفه) كمصير يخشاه الفارس العربي منذ الجاهلية[32](لم نقرأ في كتاب من كتب الفروسية أن فارسا جوالا مات في فراشه ..)[33] أو قوله في ربط أحداث الجزء الأول بأحداث الجزء الثاني( ان هذه القصة اللذيذة قد بترت عند هذا الموضع وصارت معلقة في الهواء )[34].

وإذا كانت القصة الضمنية مخطوطة وكانت ترجمتها خيانة لها، فإن تدخل الحكاء/ ثرفانتس في عمل المتكلم / سيدي حامد هو بمثابة تخوين له. وهكذا تولّد نقد لاذع وسخرية متهكمة من كثرة ذلك التدخل.

وإذا كان الحكاء، ثرفانتس متكلما خارجيا، فان السارد متكلم داخلي هو في الغالب موضوعي. والمعتاد في السارد الموضوعي أنه يعرف ما يدور في أذهان الشخصيات الأخرى ويعرض وجهة نظر كل واحدة منها لكن الأمر ليس كذلك في السرد غير الواقعي لان السارد العليم متكلم بضمير الغائب عن مسروداته غير المعقولة في أقوالها أو أفعالها لذا يفرض وجهة نظره عليها سواء في الحوارات أو الاستبطانات أو المونولوجات الداخلية، كونها ليست مؤهلة لأن تكون لها وجهات نظر؛ أما لان لا ماضي لها أو لاعتباطية دورها أو ضآلة حجم هذا الدور. ومن هنا يفرض الحكاء بشكل واضح وجهة نظره الإيديولوجية التي بها يوجه القارئ ويبدد شكوكه شيئا فشيئا بالتحبيك ما بين قصتيه الإطارية والضمنية( أني لم أكن غير أب زنيم لدون كيخوته وان بدا أني أبوه حقا فلست أريد ان أساير العرف الجاري ولا ان اضرع إليك،)[35].

ولا يختلف الأمر في حالة السارد الذاتي كشخصية ساردة لسيرتها الذاتية وبوجهة نظر تصدر عن ذاكرة ناقصة أو متضادة في محاكاة الواقع الموضوعي، مما يقتضي من الحكاء التدخل بوجهة نظر إيديولوجية بها يردم ثغرات النسيان مستعملا التكرار والحلم والمفارقة وغيرها، مؤديا غرضه الفني في الإقناع والتمويه.

وإذا كان ثرفانتس في هذه التدخلات قد أكد وجوده التأليفي، فإنه في الحقيقة كشف عن مرجعياته التي بها يتأكد إتباعه تقاليد السرد العربي، سعياً منه إلى مجاراة المؤلفين العرب الذين لم يكونوا يتوانون مثلا من توظيف التعابير المجازية والصور البلاغية ووضع هوامش أو حواش لشرح معنى هنا وتسمية هناك. وهو ما لم يستطعه ثرفانتس في( دون كيخوته) لذلك أجرى محاورة وهمية بينه وبين قارئ، عدّه صديقا وطلب منه المشورة في ما ينبغي أن يفعله أو لا يفعله في السرد، فقال القارئ:( إن لم يخطئ ظني اعتقد أن كتابك هذا ليس في حاجة مطلقا إلى شيء من هذه الأشياء التي تقول إنها تنقصه لأنه من أوله إلى أخره ليس إلا هجاء لكتب الفروسية)[36].

ويتأكد في هذه المحاورة هاجس السير على ما اعتاده المؤلفون العرب في مطالع كتبهم وخواتيمها ومن هنا سار سرفانتس مثلا على طريقة الجاحظ في اختتام بعض فصول الرواية كما شابه اختتامه الاستهلال بما ختم به ابن قتيبة كتابه (أدب الكاتب)( هذا منتهى القول فيما نختاره للكاتب.. وأمده الله بآداب النفس من العفاف والحلم والصبر)[37] فقال ثرفانتس:( ستنتشي نسيم الراحة حينما تجد قصة دون كيخوته دلا مانتشا الشهير بكل بساطتها وبغير خلط أو التواء. قرن الله عمرك بالعافية والسلام)[38]. وهذا كله نوع من التطامن بين الحكاء والقارئ، وبه يصبح المتكلم في السرد موثوقا به.

5ـ الخيالية
هيمنت الخيالية بقوة على البناء السردي لرواية دون كيخوته، وهو ما جعل بعض النقاد الغربيين يعدونها جنونا واعتبر بعضهم هذا الجنون غير مقبول كخطأ فني. والخيالية تغدو جنونا بمقاييس السرد الواقعي بيد أنها في السرد غير الواقعي طبيعية بمعايير السرد العربي القديم. ولان السرد غير الواقعي يهيمن على القصة الضمنية، كثرت تدخلات ثرفانتس من جهة وتعززت خيالية السرد من جهة أخرى لا في أفعال البطل وأقواله حسب، بل في أقوال الشخصيات الأخرى وأفعالها. وعلى الرغم من أن "سنشو" كان كثير التنبيه على تصرفات دون كيخوته غير المعقولة فانه كان أيضا يتصرف بلا معقولية، منها طريقة تعامله مع حماره الذي كان يخاطبه(بكثير من الحنان وقال له : كيف صحتك يا ولدي يا حمار روحي يا رفيقي العزيز ويا صديقي الوفي..لم يعرف الحمار بم يجيب وترك صاحبه يقبله ويداعبه دون ان يرد بكلمة)[39]

وبالخيالية تغدو رواية( دون كيخوته) نصا أغرب من أن يكون عجائبيا أو سرياليا، بل هو نص لا واقعي ينطلق من اللامحاكاة وينتهي بالمحاكاة حيث اللاواقعية هي الأب الروحي للواقعية.

ومما زاد في قوة خيالية هذه الرواية أسلوب التضمين السردي حيث القصة الضمنية تعتمد على ذاكرة تتضاد مع ذاكرة القصة الإطارية. ومن هنا تفاوتت خيالية الحكاء عن خيالية السارد وهو ما يتضح في مقاطع كثيرة منها هذا المقطع الذي فيه يشرح المؤلف رأيه في ذاك التضاد( الشهرة وحدها حفظت في ذاكرة شعوب المانش ان دون كيشوت عندما حرج في المرة الثالثة ذهب إلى سرقسطة.. ولم يستطع المؤلف أيضا ان يعثر على شيء حول المغامرات الأخرى ولا حول نهاية حياته وما كان ليعلم شيئا لولا انه التقى لحسن الحظ طبيبا قديما كان له عنده صندوق من الرصاص يقول انه عثر عليه في أساسات صومعة قديمة يعاد بناؤها وفيها وجد رق عليه أشعار اسبانية بحروف قوطية تحتوي على بعض مآثر دون كيشوت)[40]

ويستمر توظيف الخيالية حتى ختام الرواية حين يعرف دون كيخوته أنه كان مجنونا وصار الآن عاقلا. ولهذا ذهب أكثر نقاد هذه الرواية إلى أن موضوعها هو السخرية من أدب الفروسية. وكان الدكتور عبد الرحمن بدوي قد أكد ذلك أيضا لكنه رأى في موضع آخر ان ثرفانتس تأثر بأدب الفروسية ( إذا كان ثربانتس قد هاجم كتب الفروسية من ناحية النقد الأدبي فانه في الواقع تأثر بها كما كان عصره متأثرا بها)[41] وفسر جنون دون كيخوته تفسيرا عقليا( كانت قصة دون كيخوته هي قصة الوجود نفسه بقطبيه المتنافرين المتصارعين المتنازعين .. ان دون كيخوته يمثل روح الإنسان اما رفيقه سانشو فيمثل بدن الإنسان)[42] وهو تفسير يستبعد تأثير السرد العربي من جهة ويغالي في فهم واقعية الرواية من جهة أخرى. وما نراه في رواية دون كيخوته هو سخرية سوداوية نظرا لما فيها من نقد اجتماعي ممض.

6ـ العواطف والوصف
لان الأدب العربي متفاعل منذ أقدم العصور مع آداب الأمم المجاورة، صارت لفنونه الأدبية صيغ أسلوبية واتجاهات موضوعية، فكانت أن شكلت قالب القصيدة قبل تشكل قالب القصة بزمن بعيد. وأثّر هذان القالبان من ثم في آداب البلدان التي فتحها العرب، ومنها الأندلس. ولطول العهد العربي في حكمها تداخلت اللغة العربية باللغات الإفرنجية وأثرت في لهجاتها تهجينا ومثاقفة. وكان من تبعات تأثر الأوربيين بالشعر والقص العربيين أن كتبوا على غرار شعر الموشحات قصائد التروبادور والسونيتات الغنائية كما كتبوا قصصا على غرار المقامات التي توضح تطورها في( دون كيخوته).

ومن المسائل الموضوعية التي تطورت مسألة العاطفة غير الطبيعة التي لا تخلو منها المرويات التراثية العربية الكلاسيكية كامتداد لجذور الحكاية الخرافية فيها وبنزعات نقدية على عكس العاطفة في قصص العصور الوسطى الأوروبية التي فيها عاطفة طبيعية وتغلب عليها النزعة الرومانسية.

ويعد الوصف عاملا مهما في جعل العاطفة غير طبيعية، وهو ما يبدو واضح الأثر في رواية( دون كيخوته) التي تعج بالأوصاف والعواطف غير الواقعية وهي لا تقتصر على البطل بل تشمل الشخصيات الأخرى فشخصية دورتي مثلا، التقاها دون كيخوته فتصورها الأميرة ميكوميكون وتصورته الفارس النبيل الذي كان أبوها قد قال لها إنها ستلتقيه يوما ما( حيث سألتقي حاميا قويا في شخص فارس جوال معروف في الأرض كلها ببسالته وقوته ويدعى إذا أسعفتني الذاكرة دون شيكو أو دون غيجة قاطعها سانشو قولي من فضلك دون كيشوت او فارس الوجه الحزين.)[43]

وما من عاطفة غير طبيعية إلا والمرأة هي المولدة لها سلبا أو إيجابا( تروي الأخبار ان المرأة التي أضاعت اسبانيا على المسلمين مدفونة في هذا المكان..)[44]

ومن حسنات الوصف في السرد غير الواقعي انه مهما طال لا يتوقف تقدم الحدث السردي كما في هذا المقطع الوصفي الطويل الذي تأتي فيه الأشياء الجامدة حية وذات أحاسيس( ولم يكن الذين يريدون الحصول على قوتهم العادي بحاجة إلى جهد أكثر من ان يمدوا اكفهم ويقتطفوا غذاءهم من أغصان البلوط السامقة وهي تدعوهم بكل ترحاب إلى مأدبة ثمارها العذبة الناضجة وكانت العيون الصافية والأنهار السريعة تقدم لهم مياها دافقة رائعة حلوة )[45]

هذا إلى جانب الأوصاف الكثيرة للفارس دون كيخوته بأسلحته الذهبية وترسه البيضاوي وأزهاره التي يحملها لفاتنة عليه أن يحررها من قبضة وحش فتاك. وهو ما زاد في حجم الرواية كأمر لم تألفه القصة الأوروبية من قبل، فكان لذلك أثر في اعتبار دون كيخوته عملا دشن الرواية كجنس جديد.

مؤدى القول.. إن السرد العربي القديم مرَّ بتاريخ طويل هو تاريخ القص الخرافي والأسطوري حتى وصل هذا السرد إلى وضع تقاليده الفنية المبنية على السرد غير الواقعي، وهو ما أثر تاريخيا في آداب الامم المجاورة ومنها الأدب الأوروبي. فكان كتاب( دون كيخوته) مثالا للتأثر بتقاليد القصة العربية في السرد غير الواقعي الذي عليه تأسس السرد الواقعي في الادب الأوروبي لاسيما بعد انتقال الثقافة العربية بمختلف معارفها إلى اوروبا، ولعبت الأندلس دور الناقل والوسيط حتى إذا ما سقطت كان وهج هذه الثقافة قد هيأ مناخات مناسبة للنهضة الأوروبية.

وهو ما بدا واضحا في الرواية الاوروبية في القرن الثامن عشر وهيمن من ثم على الروايات الكلاسيكية في القرنين التاسع عشر والعشرين والتي أثرت بدورها في السرد العربي الحديث الذي صار يتبع ــ بدءا من عصر النهضة الأدبية ــ تقاليد السرد الواقعي الأوربي في كتابة القصة والرواية فانحسرت اللاواقعية تدريجيا من القص. ومع تزايد تأثير الحضارة الغربية في بلدان الشرق بوجه عام والبلدان العربية بوجه خاص، تضاءل إتباع الكتّاب العرب تقاليد سردهم العربي القديم.

فهرس هوامش الدراسة ومصادرها

 

[1] ينظر: الرواية الفرنسية الجديدة الجزء الأول، ترجمة نهاد التكرلي( بغداد: دار الشؤون الثقافية والنشر، الموسوعة الصغيرة 166، 1985) ص70 

[2] ينظر: نحو رواية جديدة، ص31ـ41.

[3] حكايات كانتربري، جيوفري تشوسر، ترجمة د. مجدي وهبة وعبد الحميد يونس( مصر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1983) ص52. وتبدأ القصة الاطارية بالمؤلف وبعض الحكايات تبدأ على الطريقة العربية( كان يا ما كان) كما في حكاية الفارس( في قديم الزمان كما تروي لنا قصص التاريخ القديمة كان هناك دوق يدعى..)ص77.

[4] الغجرية، ثربانتس، ترجمة د. علي البمبي( مصر: وزارة الثقافة الهيئة العامة لقصور الثقافة، ط1 ، 2009 ) ص13 

[5] فن الرواية، ص241. وذهب رولان بورنوف إلى ان أقدم رواية هي رواية اسكندر نحو عام 1130 ص6.

[6] عالم الرواية، رولان بورنوف ويال اونيليه، ترجمة نهاد التكرلي( بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة، ط1،1991) ص6

[7] ينظر: الأدب الاسباني في عصره الذهبي، ترجمة وإعداد محسن الرملي( بغداد: دار المدى، 2015 ) ص258

[8] قصص مثالية، ميجل ثربانتس سابدرا، ترجمة علي البمبي( مصر: المجلس الأعلى للثقافة، ط1، 2005 )

[9] الأدب والارتياب، عبد الفتاح كيليطو( المغرب: دار توبقال للنشر، ط2، 2013)ص56ـ57

[10] ينظر : المصدر السابق، ص71

[11] مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، طه باقر( بغداد: دار الوراق للنشر، ط2، 2012 ) ص91ـ92.

[12] دون كيخوته، ثربانتس، ترجمه عن الاسبانية عبد الرحمن بدوي ( سورية: دار المدى للثقافة والنشر، ط1 ،1998) ص40

[13] دون كيخوته، ص41

[14] دون كيخوته، ص60

[15] دون كيخوته، ص63

[16] دون كيخوته، ص107 وتيه اقريطش: أقامه ديدالوس في الأسطورة اليونانية لحبس نينوتورس وكان ماردا نصفه بشر ونصفه ثور.

[17] دون كيخوته، ص48

[18] دون كيخوته، ص49

[19] دون كيشوت، سارفانتس، ترجمه عن الفرنسية صياح الجهيم ( بيروت: دار الفكر اللبناني، ط1 ، 1999 ) ص127

[20] دون كيخوته، ص133

[21] قصص مثالية، ص22و23

[22] شعرية التاريخ الإسلامي: تفكيك تاريخ الطبري، بواز شوشان، ترجمة حيدر الكعبي (بيروت: منشورات الجمل، ط1،2016) ص27

[23] دون كيخوته، ، ص181

[24] دون كيخوته، ص91

[25] دون كيخوته، ص133ـ134

[26] ينظر: دون كيخوته، ص592 ووجد المترجم عبد الرحمن بدوي في هذا الشاهد تعصبا بشعا وقال( كان الأولى به ان يدافع عن هؤلاء الأبرياء الذين اجلوا عن ديارهم .. ولكن ثرفانتس انساق وراء عمي بني جنسه فكان في هذا الأمر أعمى وأضل سبيلا)

[27] دون كيخوته، 93

[28] دون كيخوته، ص34

[29] قصص مثالية، ص22 

[30] قصص مثالية، ص333

[31] دون كيخوته، ص25ـ26

[32] وهذا ما جسده الشاعر السموأل في قوله:

وما ضرنا أنّا قليل وجارنا   عزيز وجار الاكثرين ذليل

وما مات منا سيد حتف أنفه  ولا طلّ منا حيث كان قتيل

[33] دون كيخوته، ص693

[34] دون كيخوته، ص93ـ94

[35] دون كيخوته، ص25

[36] دون كيخوته، ص30

[37] أدب الكاتب، ابن قتيبة، pdf ، ص21

[38] دون كيخوته، ص30

[39] دون كيشوت، ص108

[40] دون كيشوت، ص117ـ118.

[41] دون كيخوته، ص12.

[42] دون كيخوته، ص5

[43] دون كيشوت، ص101

[44] دون كيخوته، ص86

[45] دون كيخوته، ص106ـ107.

 

  • الدكتورة نادية هناوي: أستاذة النقد الحديث في قسم اللغة العربية، كلية التربية، الجامعة المستنصرية، العراق. لها أكثر من مئة بحث علمي منشور في مجلات عربية وأجنبية محكمة فصلية ونصف سنوية فضلا عن عشرات الدراسات في مجلات أدبية وثقافية عراقية وعربية. لها تسعة وعشرون كتابا منشورا، منها:

ـ الجسدنة بين المحو والخط الذكورية والأنثوية مقاربات في النقد الثقافي، دار الرافدين للتوزيع والنشر، بيروت، 2016.

ـ موسوعة السرد العربي معاينات نقدية ومراجعات تاريخية، دار غيداء للتوزيع والنشر، عمان الاردن، 2019.

ـ قصة القصة دراسة ميثودولوجية في جريان القصة العراقية من المنابع الى المصبات، دار غيداء للتوزيع والنشر، عمان، الاردن، 2021.

ـ علم السرد ما بعد الكلاسيكي، ثلاثة أجزاء، مؤسسة أبجد للترجمة والنشر والتوزيع، العراق، 2022.

ـ النسوية العمومية، مؤسسة أبجد للترجمة والنشر والتوزيع، 2023.