في عَتَمةِ الدَّهرِ، حينَ الأرضُ شاخَتْ،
وحينَ الجُرحُ يُسقى بالمَلامِ،
خرجوا مِن بطنِ عَتمَتِهم،
كأفاعٍ سودِهِم حُكمُ الظلامِ.
يَرتَقونَ العَرشَ بالنابِ،
ويَسرقونَ العِزَّ من وَجهِ السُّهادِ،
ثَوبُهُم من وَحلِ كِسرى،
والمَناصِبُ فَوقَ أكتافِ العِبادِ.
كذِبوا
حينَ قالوا:
الأرضُ سَرخَتْ بالرُّعودِ،
والحَقلُ مِن غَيثٍ يُنادي،
والنخلُ ما زالَت جِباهُهُ سامِقاتٍ
في سِفوحِ الشمسِ والعِزِّ المُبيدِ.
كذِبوا
حينَ غنَّوا في المآذِنِ،
حينَ صَاحُوا في الجِراحِ المُستَباحَةْ،
حينَ قالوا:
نحنُ جُندُ طاهرون،
ونحنُ العادِلونَ،
ونحنُ كَفُّ المُخلِصِينَ،
ونحنُ للعَدلِ المُقَامِ.
أينَ كنتم؟
حينَ شَاخَت أضلُعُ النهرِ اليتيم؟
حينَ جاعَ الطِفلُ،
,وأُغلق الفمُ فِي المَساءِ المُغتَصَبْ؟
حينَ باعوا الأرضَ حَفنةَ مَعدِنٍ،
وحَفَروا صَدورَ الناسِ
بالنارِ الجَسُورِ،
وبِالكَلامِ المُلتَهِبْ؟
يا كِلابَ المترفين، يا جُندَ الرِّياحِ!
هَل سمِعتُم
كيفَ جَفَّ التِّبرُ في كَفِّ الحَصادِ؟
كيفَ ضَاعَ الصوتُ في صَمتِ العِبَادِ؟
كيفَ سَالت من شفاهِ القَهرِ،
آياتُ الفَنَاءِ المُستَبِدِّ؟
أينَ خَيلُ الفاتِحينَ؟
أينَ سَيفُ اللهِ؟
أينَ العادِلُونَ؟
كيفَ ضَاعَ النُّورُ في وجْهِ العُيُونِ؟
كيفَ ماتَ الحَقُّ،
وارتَفَعَ الدَّخَانُ إِلَى السَّماءِ
بِاسْمِ دِينِ العَارِ،
والمَجدِ العَتِيقِ المُنكَسِرْ؟
لَكِنَّهُم سيرحلُونَ…
كمَ يسقُطُ الوَهمُ إِذَا ضَجَّتْ شِفَاهُ الحَقِّ
فِي وَجهِ التُّرَابِ المُنْدَحِرْ!
سيسقطونَ…
حينَ تَنهَضُ مِن رمادِ الذُّلِّ
أصواتُ الجياعِ،
وحينَ ينفَجِرُ النَّهارُ
بِسَيفِ فَجرٍ مُنتَظَرْ،
وحينَ يَرتَجفُ الطَّغاةُ
كَمَا تَرتَجِفُ العِصِيُّ
بِوَجهِ عاصِفَةِ المَدَرْ.
يا وَجهَ الظُّلْمِ المُقَنَّعِ بالنُّبوءَةِ،
يا رايةً بيضاءَ فوقَ سُيوفِ قَتلى،
يا تَمرَةً علقَى تُساقُ
إلى موائدِ العابِثينَ،
أينَ الأمانةُ في يَديكَ؟
أينَ المِسكُ، أينَ اللُّبَّ،
أينَ رَفِيفُ أجنِحَةِ العَدلِ العَتيقِ؟
أنتمُ اللَّيلُ، ونحنُ الصُّبحُ إنْ هبَّ الرَّبيعُ!
أنتمُ القَيدُ، ونحنُ النَّارُ
إنْ ضَجَّ الحَدِيدُ.
كُنتُمُ العَارَ الذي سَارَ، ومَشتّ
فَوقَ عِظامِ الأرضِ
أقدَامُ العبيد
كيفَ اشتَرى الطاووسُ عَرشًا مِن دماءِ الأبرياءِ؟
كيفَ صارَ اللُّصُّ وَلِيَّ الأمرِ
في أرضِ السُّيُوفِ المُنذَرينَ
إلى المَنايا كَالضِّياءِ؟
كيفَ تَركَضُ خَيلُهُم
فَوقَ العُروقِ المُنهَكَةْ؟
كيفَ جَفَّت في العيونِ
سُحُبُ الكَرامَةِ والتُّقَى؟
كيفَ ضَاعَت في المَدائِنِ
كُلُّ أجنِحَةِ الغُيُومِ الصامتة؟
أيُّها المَاضُونَ فَوقَ الجُثَّةِ المُنهَارَةِ
هَل تَظُنُّونَ النَّهَارَ
سَيَحني هامَهُ للظَّالِمِينَ؟
هَل تَظُنُّونَ الحَقيقةَ
سَوفَ تَغفُو في عُيونِ الغافِلِين؟
كَلَّا!
فالزَّمانُ لَهُ يَدانِ مِن جَحِيمٍ،
والتَّأرِيخُ سَيفٌ،
لا يُطِيقُ ظُلُومَةَ المُتَجَبِّرِينَ.
سَيَسقُطُونَ…
وَسَيَشتَعِلُ الفَجْرُ الذِي نامَت عَلَيهِ
بِأذرُعِ الجَمرِ الطَّوائِفُ،
سَيَسقُطُونَ
كَما يَسقُطُ من وجهِ الخَريفُ
فَوقَ غُصنٍ وَاهِنٍ،
وَتَرتَفِعُ الجِراحُ
إلى السَّماءِ المُتعَبَةْ.
يا أيُّها الوَطَنُ المُضَاعُ،
هَل سَتُشرِقُ؟
أَمْ تُبَاعُ مَرَّةً أُخرَى
إلى الجَيشِ المُقَنَّعِ؟
هَل سَتَرفَعُ وَجهَكَ الغَضَّ المُعَذَّبَ
نَحوَ رُوحِ العادِلِينَ؟
أَمْ تَظَلُّ بِلا دَمٍ
تَحفِي بِحَقدِ السَّارِقِينَ؟
كَلَّا!
فَالأَرْضُ تَصْرُخُ…
وَالحَقُّ يَزْحَفُ…
وَالنُّورُ يَأتي مِن جَحِيمِ المُنتَظَرْ!
سَيَسقُطُونَ…
كما يَسقُطُ اللَّيلُ فِي حِجرِ الصَّباحِ،
كما يَنفَضُ الغَيمُ رَمَادَ العَاصِفَةِ،
كما يَنحَسِرُ المَدُّ عَن شَطآنِ الجِياعِ
ويَنكَسِرُ المَوجُ بِالكَفِّ العَارِيَةِ.