ناطحات الخراب للشاعر والناقد علي شبيب ورد

بعد فترة طويلة من علاقته مع الشعر، وكتابته لمئات القصائد المنشورة في اغلب الصحف العراقية والعربية، ومشاركته في اغلب المهرجانات، اصدر الشاعر (علي شبيب ورد) مجموعته الشعرية الجديدة، حيث اصدرت دار الشؤون الثقافية العامة قبل ايام قليلة أولى مجاميعه الشعرية، والتي جاءت تحت عنوان (ناطحات الخراب). وضمت (20) نصاً توزعت على (87) صفحة من القطع المتوسط نذكر منها النصوص التالية: بيت الترباس/ سفينة النعاس/ ذات صفعة/ قلّة تهذيب/ قمر شرقي/ آدم في خلوة، وسواها.

العنوان الذي اقترحه الشاعر لمجموعته يأتي بتعالق تحريفي مع (ناطحات السحاب) لانتاج ايحاء تهكمي واخز. فيما يشير هامش العنوان الثاني للمجموعة (محاولات في إيذاء النص) الى (تجريب في الإيذاء المتبادل بين النص ومنتجِهِ خلال زمن الكتابة) والقراءة المتأنية للمحاولات السبع في الإيذاء، تفضي الى التعرّف على سبع غزوات كتابية (لأمير البوح) على مدن المعنى، وفيها يتبدى كشف استبطاني ( رؤيوي/ اجرائي) في عوالم المشغل الشعري إبان زمن الكتابة. ومنذ المحاولة الأولى نجد أن الشاعر لا يرى في الكتابة الشعرية محاولة عاطفية ساذجة. بل هي صولة مخيلة رائية، لاكتشاف مناطق بوح نصّي أكثر انحرافاً عن السائد. من اجل استحضارات لمدخلات النص بما يرضي ذائقة الشاعر من خيارات. لا يركن الشاعر لأسلوب محدد، بل يفرض كل نص في المجموعة أسلوبه، لذا تتعدد معالجاته البنائية لنصوص المجموعة على المستويين السيميائي والدلالي. التنوع واضح في المجموعة، إّذْ نجد نصوصا تحيل أسماء أدوات الحرب الى شفرات خصبة في احالاتها الدلالية وهي ترسم مشاهد إدانة لغرائبية ولا انسانية العالم الدموي. الجملة الشعرية كذلك، معمولة بتركيب لغوي موغل في اقتصاده البنائي، ومنتج في كفاءته الاتصالية، حيث نواجه جملة شعرية ذات مناخ سريالي صادم، كما في هذا المقطع:

أكره ابني
الذي يرمي العنادل.. بالكتب
لأنّ أمّه.. ولدته تحت راجمة
منصرفة لطبخ حساء الصّولة.. في بيت الترباس.

ومن النصوص البسيطة التي ترتفع بالحديث اليومي الى ما هو فلسفي مشاكس لمنظومة الذاكرة الجمعية، وهو اشتغال خاص ايضاً للشاعر ننتخب هذا المجتزأ:

ـ لِمَ لا نأكل التفاح يا أبي؟
ـ لكي لا نطرد من النار أيضا.

كما انها تشتمل على نصوص تجريبية، وكأنه يستعرض لنا معرضا نصيّا، منها تمرين في المخيلة، وآخر تجربتين بصريتين على جملة شعرية واحدة.

ينتقل بعدها الشاعر الى مغامرته الكتابية المثيرة للانتباه (محاولات في إيذاء النص) حيث سبع غزوات على مدن المعنى التي يقوم بها أمير البوح (الكاتب الجاد) وما يواجهه من صعاب خلال زمن البحث عن جدوى الكتابة. انها محاولات المغامرة الكتابية لاكتشاف النص المغاير، الذي يتطلب عمرا كاملا من الاجتهاد واللهاث الحثيث لطرد مغريات الانجرار وراء النص الخطابي المحبوب لدى الذائقة الخام. النص الأخير(آدم في خلوة) يواشج بين العالم المعاش الأرضي والعالم المتخيل الفوقي، وفيه نكتشف حيرة آدم وأبنائه عبر العصور، وهو محاصر بسلطات دحض شتى ومن كل الجهات، خلال دورة وجود يشوبها العدم:

(6)
من ثقب ما في العماء
رأى ملكَ الموت على محفة
يرفع أنخاب الدم
تحفّه الحماية والبطانة والخدم.
والقبور تهتف...!!!

(7)
من ثقب آخر
شاهدَ أحدَهم يدخن الجثث
ويلقي بأعقابها في النار
ويبتسم.

(8)
وشاهد أعمى
يدرّسُ الخرسانَ عِلمَ الألوان.
وأخرسَ
يدرّب العميانَ على الغناء.
وشاهد أيضا
بئراً في دلوٍ
وقمامةً تسوطُ ربيعاً
وقصيدةً ترعى الغنم.