توقيع رواية صبحي فحماوي (الإسكندرية 2050)

وقَّع الروائي صبحي فحماوي روايته الخامسة (الإسكندرية 2050) في حفل أقيم في مركز الحسين الثقافي التابع لأمانة عمان، وذلك بحضور السيد مأمون التلهوني ممثل وزير الثقافة، ومدير عام المكتبة الوطنية، ومجموعة من النقاد الأكاديميين والمثقفين الأردنيين، وحشد من الصحفيين والإعلاميين والسادة الحضور، والرواية صدرت مؤخراً عن دار الفارابي اللبنانية في 316 صفحة قطع متوسط، وتدور أحداثها بين مدينة الإسكندرية ودبي، ومختبرات هيسن الألمانية للوراثة، ولم تستثن سطح القمر، ولا محطة مير الفضائية الدولية من أحداثها.

(عمل متقن، أسجل إعجابي الشديد به. وليتها كانت عمّان2050!)
ومما قاله مدير الحفل الناقد الأستاذ زياد أبو لبن من وزارة الثقافة: تخيّلوا معي أننا نعيش حياة بعد أربعين عاما من هذه السنة الميلادية. وأين هي تلك الحياة؟ في الإسكندرية، وليتها كانت عمّان، ولعلّ المخبوء في كتابة صبحي فحماوي يأتي بعد حين.

الإسكندرية 2050 رواية خامسة للصديق فحماوي إلى جانب مجموعاته القصصية الخمس ومسرحياته، فهو مبدع تنثال منه الكلمات في تشكّل سردي جميل، فمنذ الصفحة الأولى وأنا أسير عمله المتقن، ولذا أسجل إعجابي الشديد بها.

الإسكندرية 2050 عمل مفارق للواقع من حيث المضمون، مغاير من حيث الكتابة، ينمّ عن ثقافة واسعة يتمتع بها صبحي فحماوي، ومتخيّل لعالم جديد، وليس من شروط الكتابة تحقيق المتخيل، بل نحن نصنع أخيلتنا في مناطق اللاشعور، كي نسعى للذة النصّ، وأظنّ أن القارئ للرواية سيدرك هذه اللذة في ثنايا الرواية.

(رواية مفارقات، تغري القارئ بمزيد من التأمل).
وقال د. بلال كمال رشيد من جامعة البلقاء: (الإسكندرية 2050) تصور معالم غابرة، وعالماً حالماً، وتمثل (نص مذكرات) ويشكل العنوان عتبة أولى تبدأ منه وتنتهي إليه، وهو موظف توظيفا جيدا في النص السردي، عالم تكون فيه المفارقة أو المقارنة ديدن الرواية. ويبقى صبحي فحماوي وفيا لقضيته ولتراثه ومورثه، ويحمل (كنعان) معه رمزا، فيحمله فكرا ويعايشه بكل أوجاعه وأحلامه وتطلعاته.تعمد الرواية إلى خلق عالم آخر، مستندة إلى علم الوراثة، لتنتج عالماً أخضر يتحد فيه الإنسان والحيوان والنبات باللون الأخضر، ويكون الناس سواسية كأسنان المشط. وفي الرواية يظهر البحر مكانا وزمنا وشخصية وحدثا وفكرة وفلسفة، هو بحر يجمع المتناقضات (عالم فيه الحياة والموت، وفيه الخيال والواقعية، والبراءة والتوحش، وفيه الجمال والبشاعة، وفيه الماء والعطش...). كما أن الرواية تنذر بأن (الحروب القادمة هي حروب مياه). ربط صبحي فحماوي البحر بالمرأة (أنت الذي لم يعرف للحب دربا، ولا للبحر طريقا..) وحاول أن يجعل الرومانسية واقعية تعاش. توقعت الرواية إمبراطورية صينية كاسحة، وسعت إلى رسم معالم جنة خضراء على الأرض. إن رواية صبحي فحماوي نص يحمل أفكارا تغري القارئ بمزيد من القراءة والتأمل.

(رواية تختلف في مضمونها عن كلّ ما قرأناه).
وقالت د. تهاني شاكر من جامعة البلقاء: رواية الإسكندرية 2050 فريدة في فكرتها، فهي لا تأخذ أحداثها من الماضي أو الحاضر فقط، بل تسعى إلى استشراف المستقبل، وتصوير ما ستكون عليه الإسكندرية والعالم بأسره بعد عقود من الزّمن. ويعتمد الكاتب في استشراف المستقبل على مؤشرات من الحاضر أحياناً، وعلى خياله العلميّ غالباً، ليقدّم لنا رواية تختلف في مضمونها عن كلّ ما قرأناه له، أو لغيره من الكتّاب.

والشخصية الرئيسة في هذه الرواية هو المهندس مشهور شاهر الشهري الذي رقد على فراش الموت في عكا عام ألفين وواحد وخمسين، وبناءً على طلب ابنه برهان استطاعت شركة المخابرات الخاصة رصد كل ما دار في ذهنه من ذكريات في الساعات الأخيرة من عمره، وهذه الذكريات هي رحلة حياته الموجودة في هذه الرواية.

وعلاقة مشهور الشهري بالإسكندرية أنّه درس فيها الهندسة في نهاية الستينات من القرن العشرين، ثمّ عاد إليها عام ألفين وخمسين، فظلّ يقارن بين ما كانت عليه الإسكندرية وبين ما آلت إليه، وهو في ذكرياته عن المكان كان يستحضر ذكرياته عن الشخوص، ومن هذه الذكريات نستطيع أن نستخلص صورة المرأة في الرواية، لنجد أنّها تقدّم المرأة في سبع صور متباينة وهي: المرأة المستلبة، والمرأة المتسلّطة، والمرأة المثالية، والمرأة الساقطة، والمرأة القائدة لمجتمعها، والمرأة المناضلة، والمرأة الآلية.

(الروائي يثرينا بتقنية القفزات السريعة بين مختلف الأماكن والأزمنة!)
وقالت د. نيرة المنياوي من جامعة البلقاء الأردنية: الرواية تنهج نهج فانتازيا الخيال العلمي، بجانب كونها رواية واقعية.. تجمع ما بين الطرافة في قالب مشوق وساخر، وما بين السرد والحوار الجذاب والنكات، كما تجمع بين الفكر الأيدولوجي الجاد، وما بين الحب والعشق أحياناً، والكراهية والظلم أحياناً أخرى.. ونلاحظ في الرواية أن الإسكندرية هي مدينة ومكان التقاء.. هي ناس وهي حضارة.. وأن الصيادين والسمك مهنة ورمز لمصدر الرزق، وأن سيدنا البدوي هو ولي الصالحين، يجسد بعداً روحانياً،وأن الصعادية وناس بحري هما شقا برتقالة مصرية.. والرواية شهادة على العصر من خلال أماكنها وأحداثها، فمن خلال ذاكرة السارد مشهور نجد أن الروائي يثرينا بتقنية القفزات السريعة كقفزات الكنغر بين مختلف الأماكن والأزمنة، ولكن بدون إرباك وتحيير للقارىء، فالروائي يستخدم قلمه ككاميرا تخوله حرية التنقل جغرافياً وزمانياً، كاسراً الحدود التقليدية ومعبراً عن تقنية حديثة...

(كم حلمت بالجنة على الأرض).
وأخيراً قال الروائي صبحي فحماوي:

كم حلمت بعالم لا يقوم على الصراع ونهش الآخر... كم حلمت بكائنات لا تقوم كينونتها على إلغاء الآخر، وغنى لا يقوم على إفقار الآخر، وصحة لا تغزوها أمراض الآخر، وأوطان هي مستقر لمواطنيها، فلا يضطرون لهجرتها تحت تهديد الحروب والتمييز العرقي. كم حلمت بقصة حب لا تنتهي، وبعالم يتحلى بالبراءة والصدق، ويخلو من حُقَن المخدرات وتجارة الجنس، وبحياةٍ بَحْرية تُنعش مرتاديها دون أن تلتهمهم أسماكها، فيعيش فيها الإنسان والحيوان الأخضر، كما تعيش طحالب البحار، كما في خيالات ألف ليلة وليلة.

ولذلك تفتق ذهني عن عالم يسوده الإنسان والحيوان الأخضر، الذي يعيش على التمثيل الكلوروفيلي، فلا يأكل إلا من ضوء الشمس، وبالتالي فهو لا يذهب إلى المرحاض، ولا يلوث البيئة بفضلاته، فلا يعتدي الفيل على الغابة، ولا يأكل الذئب الأرنب ولا ينهش الأسد الغزال، وتعود مياه الأنهار نقية رقراقة، وتعيش الكائنات الحية الخضراء من أجل الاستمتاع بالحب، الخالي من الحرب والخوف والتدمير... كم حلمت بالجنة على الأرض، التي تخيلت تباشيرها في الإسكندرية عام 2050