ما بين الراهن الآسن وصور مليئة بحدس الذاكرة وتوهجات تجاربها، يقترح الشاعر المغربي المغترب قصائد في "الهنا الآن" بين ظلال وأطلال ينكتب جزء من سيرة ما تبقى من التكوين، وعالم شظايا لا يملأه إلا طيف امرأة تأتي من سحر القصيدة.

قصائد

عبد اللطيف الإدريسي

 
1 ـ سيناريو الظِّلِّ الكَليم
بِدايَةُ السيناريو
مَشْهَد
بِدايَة التَّكْوين
أولى
– وَسَتَكونُ الأخيرَة /الآخِرَة –
جَزْم ..
صَمْت ..
سُكون...
مَكانٌ في الزَّمان الأسطوري
حَدائِقُ سُطوحِ فارِس
المتَدَلِّيَّة
أَوْ رُبّما حَدائِق بابِل
المعَلَّقَة
لا مُذَكَّرَ وَلا مُؤَنَّثَ
لا صَوْتَ زَمْهَريرِ
وَلا كَوْثَر
وَلا رَيّان
وَلا رِضْوان
وَلا ظِلال
Action ...
سَتَسْتَغْني شَهْرَزادُ عَنِ الكَلامِ المباح
وَسَيَرْحَلُ شهريار إلى أيرلندة باحِثا ًعَنْ جميلَةٍ
رَقْطاءَ
صُبِغَتْ جلْدَتها بِالمَغَرَةِ
صَهْباءُ
سَيريدُ جَلْبَها
لِيَتَحَسَّسَ ثَدْيَيْها الواقِفَيْنِ
المتَدَفِّقَيْنِ لأَوَّلِ عِلَّةٍ
العَطِرَيْنِ
وَقَلْبُها الَّذي
– كَمَجْنونٍ -
سَيَعْزِفُ سيمفونية أوديسْيوس
في لَيالي أَلْفِ لَيْلَةٍِ وَلَيْلَةٍ
الخالِدَةِ
عَلى ضِفافِ بحَيْرَةِ لوخ نيس
وَعِنْدَما تَنْعَكِسُ الشَّجَرَةُ عَلى مِرْآة الماءِ
سَيَقولُ الوَحْشُ لِشَقْرائِهِ :
يا زَهْرَةَ الجِبال – شهريار العاشِق -
يا عَتْمَةَ النَّهار - شهريار المتَنَبِّئ -
فاتَ الأوانْ
لَقَدْ سَبَقَ أَنْ قُلْتُ : نَعَمْ
قَبْلَ الآنْ
أُلْصِقْتُ إثْرَها بِشَيْءٍ اسمُهُ ظِلٌّ
لَيْتَني ما أَطْلَقْتُ لأفْعايَ العِنانْ !
سَتَسْأَلُهُ الأيرلَنْدِيَّة
ريم الدُّجى :
- ما الظِّلُ ؟
- سَتْرَةُ الديجور
سَيُجيبُ شهريار الجبّار
- دراما عَميقَة –
سَيُعَقِّبُ شكسبير
Flashforward...
Prolepse... 
بمُجَرَّدِ أَنْ غادَرَ مَلاذَهُ الأزَليّ ممْتَطِياً بُنْدُقِيَةَ الفَنْطازِيا طَلَباً في غَنائِمَ
كَتِلْكَ الَّتي غَنَمَها أَجْدادُهُ أَثْناءَ فُتوحاتهِمْ
- عَفْواً -
حمَلاتهِمْ البونابَرْتِيَّة
غَزَواتهِمْ الاسْتِعْمارِيَّة
مَنْ يَجْرُؤُ عَلى إعادَةِ الاعْتِبارِ لِلتّاريخِ
بَعْدَما صارَ الَّذي صار؟
وَالعَبْدُ مَسْعود الَّذي كانَ يَظُنُّه مخْصِيّاً
يُواقِعُ أيرلنديته في أَزِقَّةِ دبلن العَتيقَة حَتىّ وَلّى النَّهار
قُضِيَ الأَمْرُ وَسمِعَ صَدى صَوْتِ شهريار في قاع الوديان
يحاكي صَوْتَ الأَزَلِ
وَأْدٌ
وَبُرْقُعٌ
وَتشادور
وَحِجاب
وَحايك
وَجلاّبة...
جُبَّةٌ وِقائِيَّة
وَما في الجبَّةِ إلاّ الظِّلُّ
ظِلٌ لِلظِّلِّ
فَيْءٌ ثانٍ
عَجَلَةُ نجْدَةٍ لِلْخَلاصِ
وَصَبْرٌ كَثيف
عُنْصُرُ تَشْويق...
وَسَيَتَغَنّى الشُّعَراءُ
بِلَيْلِكِ يا لَيْلة / يا لَيْلى
وَنورُ القَمَرِ مُسْتَعارٌ كَسَتْرَةِ جلْدَتِكِ المسْتَعارَةِ
غَريبٌ مُذَكَّرُ أَسماءِ السّتْرَةِ هَذِهِ
غافِرَةُ الذُّنوبِ
بِغَرابَةِ تَأْنيثِ الشَّمْسِ
وَتَذْكيرِ القَمَرِ
كَظِلّي – المذَكَّر – هَذا الَّذي يَلْصَقُني كَالجذام
وَالَّذي يميعُ في الضُّحى
أمّا النَّهارُ فَسَيُتْرَكُ لِلْفَضيحَةِ وَالعار
وَلِلإعْلانات العُمومِية
وَالإشْهار
وَالفَتاوى
وَسِباقِ التّلفازات
وَنِسَبِ الاسْتِماع
اسْتِراحَة...
الشَّمْسُ انْتَصَفَتْ
وَظُروفُ مُتابَعَةُ التَّصْويرِ
غَيْرُ مُوافِقَة
فَلْنَنْتَظِرْ أَنْ يَنْقَلِبَ الظِّلُ فَيْئاً
تَعْقيبٌ خارِجٌ عَنْ السيناريو...
نُقْطَةٌ بَيْضاء مُعَلَّقَةٌ في الفَراغ
وَأَقْلامٌ مُلَطَّخَةٌ بحِبْرٍ أَسْوَدَ تُطارِدُها
باسْمِ فَقْرٍ وَفَقير
وَمُنْكَر وَنَكير
وَحمار وَحمير
سَتَلين العَصا
وَتَسْوَدُّ النُّقْطَة البَيْضاء
طَمَعاً في الخلاص مِنَ الغِوايَة
أمّا الحاكِمُ كَما سَيَجيء في الأَثَر
فَلَنْ تُقْرَعَ لَهُ العَصا
 
 
وَسَيَموتُ الظِّلُّ !
لَيْلَة أَمريكِيَّة...
وَسَيَرْتَدي شهريار انْعِكاسَ مِرْآتِهِ وَسَيَخْرُجُ باحِثاً عَنْ ظِلِّهِ
سَيَقِفُ عَلى الأطْلالِ
مَشوباً بِالخزْيِ وَالعار
وَسَيَنْعَتُهُ الرُّحَّلُ
مِنْ رَأْسِ القافِلَةِ
إلى ذَيْلِها
في ضُحَى نجْدٍ
بِفاقِدِ ظِلِّهِ
لَكِنَّهُ..
سَيَجْري السُّبُلَ
مِنَ عَتْمَةٍ إلى أُخْرى
وَسَيَقْطَعُ الأَلْوانَ
مِنْ أَسْوَدَ إِلى آخَرَ
وَيَتَرَجَّى الأَصْنَامَ
مِنْ أَتْفَهِها إلى أَسْماها
أَنْ تَدُلَّهُ عَلى مُقام ظِلِّهِ
وَسَيَجيئُهُ صَدىً مِنْ أَقْصى الوادي
لا صَوْتَ سَبَقَهُ مُبَلْبِلاً :
- يا شَهْرَيار !
لَقَدْ أَضَعْتَ ظِلَّكَ
لَقَدْ ماعَ ظِلُّكَ مَعَ أَوَّلِ شُعاعٍ لِشَمْسٍ زاغَتْ عَنْ ضَوْءٍ مُرْغَمٍ بِالإضاءَةِ
فَتَدَرَّبْ عَلى العَتْمَةِ
- أَيْ نَعَمْ
سَيُجيبُ شهريار مِنْ رِداءِ مِرْآتِهِ وَدَمُهُ يَنْبَجِسُ
بِكُلِّ الأَلْوان
مِنَ الأَسْوَدِ الفاتِحِ
إلى الأَسْوَدِ الدّاكِنِ
هارِباً عَن جَسَدِه المجْروحِ
في اتجاه عَوْراتِ أيرلنديته الشَّقْراء
وَسَتَتَكاثَرُ عَلَيْةِ اللُّغاتُ
وَسَيُضَيِّعُ لهْجَتَهُ
- يَلْزَم دبلجة أَوْ بَلْبَلة
قالَ المخْرِج
Chute...
في عيدِ الدَّياجيرِ
سَيَحْمِلُ شهريار ظِلَّهُ المجْروحَ
الَّذي ضَحى قَبْلَهُ
عَلى كَتِفَيْهِ
وَسَيُضيعُ بِذَلِكَ
طَواسينَ الحلاّجِ
وَوَصْلَهُ الأوَّلَ
سَيَبْقى خارِجَ الحلولِ
وَبِدونِ فَناء
ضرْغاماً جَريحاً
يَقْصِدُ وَكْرَ عُصْفورَةٍ يَتيمَةِ النَّشْأَةِ
أَرْمَلَةٍ
ضَحى ظِلُّ عُصْفورِها الهُمام بَعْدَ السَّفاد
عِنْدَ القِطاعِ في المنَفْى
وَيَكَمِّدُ جُرْحَ ظِلِّهِ الكَليمِ
سَيَخْرُجُ صَدى صَوْتِ شَهْرَزاد الَّتي اسْتَغْنَتْ عَنِ الكَلامِ المباحِ عَنْ صَمْتِهِ
لِيُعيدَ طَرْحَ السُّؤال المصيرِيّ :
- هَلْ سَيَبْقى
حَتْماً
أَبَداً
بِدونِ ظِلٍّ ؟ بِدونِ ظِلٍّ ؟
- نعمْ
سيقول شهريار
أو ربما أوليس
نعم.
 
بيزوس المحروسة، 6 سبتمبر 2010
 
2 ـ أطلال قصيدة حبّ
إلى كل المقدمات الطللية
أسيرُ عَلى أطْلالٍ وَشمْتِ رِمالها بِعَرَقٍ تَكَوَّنَ في أُكْرَةِ كَعْبِ ساقَكِ المخَلْخَلِ
وَعَنهُ نَزَّ       
أَسيرُ عَلى أَثَرِكِ وَعَلى صَوْتِ "زَطّاطٍ"
وَهُوَ يُنَّبِهُني إلى حُضورِ "حَرّازٍ"
وَكَمينٍ نَصَبَهُ قاطِعُ طُرِقٍ
يمْحُوانِ سَبيلي المرْسومَ إليْكِ
أنْتِ الّتي تحْفرينَ في قَلْبي سَراديبَ غوركِ
أنتِ الّتي تَدْخُلينَ جُنوني وَتَطْلُبينَ الهذَيانَ
أنتِ الّتي تُغَنّينَ وَصوْت السّويسْري :
- هَذِهِ هِيَ الحقيبةُ الّتي انْطَوَتْ فيها روحي
وَأنا لا سَبيلَ يَنْطَوي في أُفقي
وَلا حَقائِبَ لِلسَّفَرِ أُعِدَّتْ
وَلا ظِلَّ أَمْتَطيه
يخْرُجُ بي مِنْ أطْلالِ القَصيدَةِ وَيَصِلُني بِكِ
أَنْتِ كَالرّاحِ الّتي تهْجُرُني بَعْدَ كُلِّ فَجْرٍ
كَالحُلْمِ الّذي يَنْفَِلُتُ بَعْدَ كُلِّ يَقظَةٍ
كَالوُضوءِ الّذي تُبْطِلُهُ وَفْرَةُ امْرَأَةٍ
كَالصَّلاةٍ الّتي تُقامُ لإلَهٍ غائِبٍ
كَرائِحَةِ الخروفِ المشْوِيّ الّتي تَنْفَلِتُ عَبْرَ أَزِقَّةِ بومباي الجائعة
كَسَرابٍ أنْتِ وَقْتَ القَيْظِ وَالماءُ يُتَرَجّى
بِكِ أُرَوّضُ القَصيدَ
وَفيكِ تَسْتَحيلُ الصَّبابَةُ
فَكَيْف الوِصالُ وَأَنِتِ لَسْتِ إلاّ صبابةً افْترَضَتْها الأطْلالُ ؟
 
بيزوس المحروسة – 10 سبتمبر 2010
 
3 ـ رقصة الوداع
إلى الكاتب والناقد المغربي السي محمد برّادة في ذكرى لاليك وحديث قانون الفيزياء وسكون الظل
فارَقني الأَلمُ وَكُلُّ أَنْواعِ العَذابِ
وَالبرّاحُ يُعْلِنُ عَنْ إفْلاسِ ذاتي
بِتَدَنّي جَسَدي
وَانْتِكاسِ أَخْلاقي
وَتَواري حَقيقَتي
وَخَجَلي المفْرِط
اخْتَفى ظِلّي
فَجْأَةً
وَهُوَ يُنْصِتُ إلى الصَدى
النابعِ مِنْ صَوْتِ بَرّاحٍ
لا صَوْتَ لَهُ
اخْتَفى ظِلّي
خُلْسَةً
وَراءَ جِدارٍ
خَوْفاً مِنْ وَصْمَةِ العارِ
وَمِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ المُدين إذا تجلى
وَمِنْ امْتِدادِ مُدَّة التَّحْنيطِ
اخْتَفى ظِلّي
عَجَباً
لم يُشاوِرْني !
هُوَ الَّذي لم يَتْرُكْني أَبَداً
وَهُوَ يَنْسَحِبُ
إلاّ عِنْدَ سُكونِ اللَّيْلِ
أَوْ في ضُحى نجْدٍ
اخْتَفى ظِلّي
غابَ
أَلَيْسَتْ حُجَّةُ الغائبِ بحَوْزَتِهِ ؟
رُبما خَوْفاً
أَوْ رُبما خَجَلاً
أَوْ رُبما الْتِزاماً
اسْتِهْلالٌ نهائي :
مَرَّة وَأَنا في إِحْدى الخمّاراتِ الرَّديئَةِ
مَعَ أُناسٍ طَيّبينَ
أَطْيَبُ بِكَثيرٍ مِنْ زُمَلائي وَزَميلاتي في العَمَل
وَمِنْ كُلِّ حُكّامِ وَحاكِمات البَلَد
فَبَيْنما كُنْتُ أَفْرغُ كَأْسَ نَبيدٍ هُوَ الآخَرُ مِنَ النَّوْعِ الرَّديء
لَكِن لَيْسَ أَرْدَأَ مِنْ زُمَلائي وَزَميلاتي في العَمَل
وَلا مِنْ كُلِّ حُكّامِ وَحاكِماتِ البَلَد
أَحْسَسْتُ بِشَيْءٍ يَضْغَطُ عَلى حُوَيْصِلَتي
تَوَجَّهْتُ عَلى التَّوِّ صَوْبَ مِرْحاضِ الخمّارَةِ الرَّديء
لأُفْرِغَ حَصيلَةَ بَوْلٍ مُتَرَدِّدٍ كَضَبابِ الأطْلَسِيّ
اسْتَقْبَلَتْني امْرَأَةٌ كانَتْ حَتْماً جميلَةً
وَأَصْبَحَتْ حَتْماً شَبَحاً لقيطاً
هَزَمَتْها الظُّنونُ وَالسُّنون التي لحِقَتْ بِها
وَأَبْوابُ بُؤَرِ بَوْلِ السَّكارى التي باتَتْ فَيْء شبحها اللَّيْلي الملازِم
وَمِرْآةٌ شِبْهُ مُعَلَّقَةٍ عَلى ما تَبَقّى مِنْ جِدارٍ صَرَعَتْهُ الرُّطوبَةُ وَجُسوءُ الزَّبائنِ
مَزَعَ الصَّدَأُ نِصْفَها التَّحْتيّ
قابَلَني انْعِكاسي في نِصْفِها غَيرِ الصَّدِئ
لَمْ أَعْرِفْني مِنَ الوَهْلَةِ الأولى
دَهِشْتُ...
وَفي دَهْشَتي كَمُلَتْ حِكْمَتي
وَاسْتَيْقَظْتُ إثْرَها مِنَ الفَرْحَةِ الَّتي كانَتْ تُسَبِّخُني
لمّا لمحْتُ في نِصْفِها الصَّدِئ ظِلّي مُتَنَكِّراً
وَهُو يَقْتَفي أَثَري خِلْسَةً
سَعِدْتُ بِلِقائِه بَعْدَ طولِ الغَيَبَةِ
 وَحُرْقَةِ الفِراق
حَكَيْتُ لَهُ ما انْسابَ مِنْ أَيّامي السّاخِنَة
بَيْنَما سَرَدَ لي كَيْفَ كانَ يَقْضي لَياليهِ الحالِكَة
وَهكَذا دَواليك
هُوَ يَشْحَذُ
ظَلامي الَّذي يقْرِضُني
وَأَنا أُواصِلُ تَسَكُّعي
مِنْ خمّارَةٍ رَديئةٍ إلى أُخْرى أَرْدَأَ مِنْها
وَلَكِن لَيْسَ أَرْدَأَ مِنْ زُمَلائي وَزَميلاتي في العَمَل
وَلا مِنْ كُلِّ حُكّامِ وَحاكِماتِ البَلَد
بِدُونِ هَدَفٍ
هُوَ بِلا جَسِدٍ يَعْكِسُهُ
وَأَنا بِلا ظِلٍّ يحْميني
أَفْرَغْتُ آخِرَ جُرْعَةِ مِنْ أَرْخَصِ نَبيذٍ
.............................................
.............................................
وَدَخَّنَ هُوَ ما تَبَقّى مِنْ ذاتي المفْلِسَة
نَظَرْنا إلَيْنا نَظْرَةَ الوَداعِ
تَعانَقْنا
وَنحْنُ نَرْقُصُ
عَلى وَقْعِ خُطى جَنائزِيَّة
رَقْصَةَ الوَداعِ
قَبْلَ نهايَةِ المسْرِحِيَّة
 
إضافَة :
تمتَدُّ الظِّلاّلُ
ثمّ تَسْكُنُ
ثمّ يُدَلُّ عَلَيْها
ثمّ تُقْبَضُ
سِتار !
بيزوس المحروسة، 7 سبتمبر 2010