في "لقاء" يخصنا به الشاعر المغربي، الكثير من بلاغة الانكسار والخيبة. حيث اليد التي تخط في عمق المعنى، أضدادا من صورتنا المأساوية ومن انشطارات الحياة التي سكنها جلادون..ربما لهذا السبب، تذهب يد الشاعر الى تخطيط التباسات الصورة. ومعها نتمثل جزءا من أسئلة القصيدة المغربية اليوم، في رهانها اللامتناهي على أسئلة الكتابة.

فِي الْهَوَاءِ الْعَمِيقِ

فتح الله بوعزة

 

لاَ أرِيدُ لَهُمْ أَنْ يَأْتُوا غَداً، أَوْ بَعْدَ غَدٍ

لاَزَالَ لَدَيَّ الْكَثِيرُ مِنَ الدَّمِ فِي جَدْوَلِ أَعْمَالِي

قَدْ لاَ أَفْرَغُ كَيْ نَشْرَبَ كَأْسَ شَايٍ مَعاً

أَوْ نَعْدِلَ سَاقَ النَّخْلَةِ

قَدْ لاَ أَفْرَغُ كَيْ نَدْفَعَ طَوْقَ الرَّمْلِ

بعيدا خَلْفَ سُعَالِ الْجَوَارِي

قَدْ لاَ أَفْرَغُ لِلتَّحَايَا

لَدَيَّ الْكَثِيرُ مِنَ الدَّمِ فِي جَدْوَلِ أَعْمَالِي

وَ هَوَاءٌ قَلِيلٌ لاَ يَكْفِي النِّسْوَةَ

كَيْ يَصْرِفْنَ الْحُلْمَ إِلَى نَسْلِهِ

وَ الْوَقْتُ قَصِيرٌ جِدّاً/ عَشْوَائِيٌّ جِدّاً

لاَ يَكْفِي كَيْ أَمُوتَ مِرَاراً

وَ أَحْيَا مِرَاراً

أَنَا دِيكُ الْجِنِّ الْغَامِضُ

شَبَهُ الأَكْثَرِيَّةِ مِنْ حُرَّاسِ التِّبْغِ

وَ آثَارِ النَّوْمِ فِي أَيْدِي الْمَارَّةِ

عَيْنٌ فِي الْهَوَاءِ

عَلَى الْغَيْبَةِ وَ الْآتِي

وَ دَمْعِ الْيَتَامَى

حَطَّابٌ يُؤْنِسُ صَفْصَافَ الْوَادِي

وَ ثَدْيَ الْغَزَالَةِ

تُعْوِزُهُ الْحِيلَةُ كُلَّمَا ضَاقَتْ

أُنْثَاهُ بِصَمْتِ الْأَعَالِي!

هَذَا أَنَا

لَمْ أَخْلَعْ جَارِيَتِيْ

لَمْ أَخْلَعْ صَاحِبَهَا

كَيْ أَبْقَى دُونَ مَسَاءٍ وَاقٍ

أَدِينُ لَهُ بِاللُّهَاثِ الَّذِي يُسْنِدُ كَفِّي!

 

حَطَّاباً كُنْتُ

 أَرُدُّ الْقَتِيلَ إِلَى سَاقِ النَّخْلَةِ فِي يَدِي

 فِي الْهَوَاءِ الْعَمِيقِ، وَيُفْلِتُ مِنِّي

أُعِيدُ الْكَرَّةَ ثَانِيَةً مِثْلَ جنْدِيٍّ مَرْشُوشٍ بِطَعْمِ الْفَوَاكِهِ

فِي حَلْقِهِ غُصَّةٌ وَ عَلَى كَاحِلِهِ دَمٌ سَائِبٌ!

 

الدَّمُ لُعْبَةٌ لاَ يُتْقِنُهَا غَيْرِي

مُنْذُ خَامَرَنِي الشَّكُّ

                 مُنْذُ انْسَلَّتْ أُمِّي مِنْ سُرَّتِيْ

قَبْلَ أَنْ يَفْطِنَ الْمُتْعَبُونَ          

                إِلَى سَاقِ النَّخْلَةِ فِي يَدِيْ!

 

حَطَّاباً كُنْتُ ، نَعَمْ

لَكِنِّي لَمْ أَهْزِمْ أَحَداً

كُنْتُ أَلْهُو فَقَطْ

وَ أُمَرّنُ نَفْسِي عَلَى تَشْكِيلِ الْكَوْنِ بِكَيْفِيَّةٍ أُخْرَى

وَأُدَرِّبُ نِصْفِي عَلَى شَطَحَاتٍ عَصْرِيَةٍ

نَادِراً مَا يُفَكِّرُ فِيهَا الرُّمَاةُ

وَ كُنْتُ جَوْعَانَ عَلَى غَيْرِ الْعَادَةِ

أَرْقُصُ مِثْلَ جُنْدِيٍّ مَرْشُوشٍ  بِمِلْحِ الْيُورَانْيُومِ:

يَدٌ فِي الْهَوَاءِ الْعَمِيقِ

 وَ أُخْرَى عَلَى سَاقِ النَّخْلَةِ

...................

هَكَذَا أَقْضِي وَقْتِي!

 

شاعر من المغرب

Fathallah63@yahoo.fr