تساؤلات عام جديد واستقطاب اللغة والتشكيل للاهتمام

رسالة الأردن الثقافية

طارق حمدان

من السهل على أي مراقب أو متابع للوضع الثقافي في الأردن أن يلاحظ بأن المشهد الثقافي في العام 2007 لن يختلف كثيرا عن العام 2006، وبأنه سيبقى تحت تأثير من يتعاملون مع الثقافة بوصفها شيئا جامدا وثابتا كحال مبنى ما، أو كقطعة حجرية وجدت لتبقى مقيدة بالحجم والشكل الذي خلقت من أجله، ويغيب عن أذهانهم أن الثقافة هي فعل وحراك ديناميكي دائم يتفاعل مع كافة مناحي الحياة . وضع ثقافي عام كسول وخجل، مثقفون يعوزهم النشاط والحماس، وحكومة ليس لها أي أولوية فيما يخص الوضع الثقافي، فلا تجد للثقافة أي مكان يذكر في أجندة الحكومة، ولا يلمس أي متتبع أي مبادرة رسمية لمعالجة الحالة الثقافية، ولذلك فمن المتوقع أن عام 2007 لن يختلف كثيرا عن سابقه 2006 وعلى الأغلب سيبقى الحال على ما هو عليه.

وحسب رأي بعض المثقفين الأردنيين فإن الإشكالية تقع في غياب الأجواء المناسبة لعملية الإبداع، أسباب عديدة يذكرها بعض المثقفين ومنها "تعيين أشخاص في الدوائر والمؤسسات الثقافية يغيب عنهم الهم الثقافي ... شديدو الانضباط في الصورة النمطية والتقليدية للموظف الحكومي العادي"، ومنها أيضا "التعامل مع الثقافة من قبل العديدين على أنها نوع من (البزنس) يتم من خلاله توظيف أجواء (ثقافية) مصطنعة لاستخدامها لأغراض مادية ونفعية". الحراك الثقافي مسألة تقع على عاتق الجميع سواء كانوا مثقفون أو جهات رسمية، وبالتالي فإن الأمر منوط أولا بجهود المثقف ونشاطه، وثانيا بالجهات الرسمية وضرورة تغيير نظرتها إلى الثقافة ودورها في حياة المجتمعات، ومالم يتم ذلك فإن المشهد الثقافي الأردني سيظل يعاني من الكثير من الركود والفوضى والارتجالية، وسيبقى الحراك الثقافي قائم على جهود فردية معزولة لا تلقى الكثير من الاهتمام، وحالها أشبه بطيور تغني خارج السرب.

عام 2007 عام اللغة العربية

"عام اللغة العربية" هو الاسم الذي أطلقه مجمع اللغة العربية الأردني على العام 2007، حيث قام مجمع اللغة العربية بوضع برنامج فعاليات وأنشطة على مدار العام تستهدف "حماية وتعزيز اللغة العربية"، وكان فاتحة تلك الأنشطة إرسال مذكرة إلى رئيس الحكومة تذكره فيها "بالتحرك لوضع آليات وسياسات حقيقية تهتم باللغة العربية"، في وقت تدفع به اللغات الأجنبية لتأخذ مكان الصدارة في التعليم الجامعي والبحث العلمي والمؤسسات الاقتصادية، وحتى في الحياة الاجتماعية العادية، فمن الواضح جدا عند تجول أي شخص في شوارع عمان أو دخول بعض المقاهي والمطاعم، أنه سيجد الكثير ممن يستخدمون كلمات انجليزية مثلا (وهم لايتكلمون ولا يفهمون اللغة الانجليزية) !!! وحسب رأي مجمع اللغة العربية أن "اللغة العربية تتعرض إلى خطر كبير يستهدف نخر عظام اللغة"، ولذلك ستقام أنشطة مختلفة ذات تنظيم ومستوى عالي تعنى باللغة العربية، فسيكون هناك العديد من المؤتمرات والأنشطة على مدار العام، و ما عرف منها إلى الآن هو (مؤتمر الامتداد العربي )الذي سيقام في 11 أيلول، ومؤتمر (التعريب) الذي سيقام أيضا ضمن فعاليات العام، وسينظم أيضا محاضرات يلقيها أساتذة وعلماء لغة سيتم دعوتهم من مختلف البلاد العربية، وستبدأ المحاضرات من شهر نيسان وستستمر إلى أواخر حزيران، بواقع محاضرة كل أسبوع .

بينالي القاهرة، بينالي طهران ...

انتعاش يذكر للساحة التشكيلية الأردنية، بعد فوز هيلدا الحياري في بينالي القاهرة عن "الفيديو ارت"، وفوز محمد العامري في بينالي طهران من خلال عملين فنيين هما: "ملاحة بصرية 1" و"ملاحة بصرية 2"، الأمر الذي قد يؤدي إلى لفت الأنظار للساحة التشكيلية الأردنية، كونها غالبا ما تكون غائبة في مثل تلك المحافل .

ويأتي فوز العامري والحياري في ظل جو تشكيلي أردني مرتبك، فالبعض من الفنانين التشكيليين مازال "يناشد المؤسسات الرسمية لضرورة الالتفات إلى الفنانين التشكيليين ودعمهم"، والبعض الآخر يشكو من "تقصير رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين في القيام بمسؤولياتها تجاه أعضائها". وفي ظل رابطة مثقلة بخلافات ومناكفات داخلية، يذكر بأن رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين ورغم إجراء انتخاباتها مؤخرا، إلا أنها لا تزال تعاني من إرباك شديد في هيئتها الإدارية، مما ينعكس مباشرة على أداء الرابطة وفاعليتها في تقديم المساندة والدعم اللازم للفنانين .

هل نقول "وداعا مجلة عمان"؟

بعد ما حبس المثقف الأردني أنفاسه "ستصدر أم لا؟"، جاء العدد الثامن والثلاثون بعد المائة من مجلة عمان الثقافية التي تصدر من "أمانة عمان"، وفي هذه الأوقات يتناقل الوسط الثقافي في الأردن أخبار مفادها أن هذا العدد سيكون هو العدد الأخير من المجلة، حيث لم يخصص للمجلة هذا العام أي شيء من ميزانية "الأمانة" التي كانت خلال عقدين تخصص جزء من ميزانيتها لمجلة (عمان) ومجلة (تايكي) النسوية التي التزمت الأمانة بإصدارها منذ ما يقارب العشر سنوات، وهي مجلة تعنى بالأدب النسوي في الأردن.

عدد من المثقفين الأردنيين والأكاديميين أصدروا بيانا طالبوا فيه الجهات الرسمية وعلى رأسهم أمين عمان بمواصلة تمويل ودعم المجلة وعدم التخلي عنها، وجاء في البيان على لسان المثقفين والأكاديميين ما للمجلة من "أهمية كمرجع لطلاب الدراسات العليا في الأردن والعالم العربي، وأهميتها للمتابعين والمهتمين بالشأن الثقافي المحلي والعربي، كما أصبحت هذه المجلة صورة من صور الأردن المشرقة، وقد باتت اليوم تؤدي دورا مهما في الحياة الثقافية". يذكر أن تلك الأخبار شبه المؤكدة بإيقاف المجلتين تأتي بحجة (التوفير وتقليص المصروفات)، وكأن تلك المجلات هي السبب في الوضع الاقتصادي المتردي وفي الغلاء المعيشي الفاحش ورفع أسعار الخضار والفواكه والكاز والغاز والبنزين .... !

اقلام جديدة

صدر في مطلع يناير2007، العدد الأول من مجلة (أقلام جديدة)، وهي مجلة ثقافية تتبنى "الاهتمام بالمواهب الأدبية الشابة والسعي لإبرازها"، المجلة ستصدر بشكل شهري وستكرس معظم صفحاتها للكتابات الإبداعية الجديدة في المجالات الأدبية والفنية. يذكر أن رئيس تحرير المجلة هو د. صلاح جرار ومدير تحريرها هو الأستاذ عزمي خميس (رئيس تحرير مجلة أفكار سابقا) وجاء في افتتاحية العدد الأول التي كتبها رئيس التحرير والتي يقول فيها "هذه المجلة تؤمن بأن الإبداع في سن الحداثة والشباب أقرب صور الإبداع إلى الصدق والشفافية والصفاء بسبب نقاء التجربة التي ما تزال غضة، وبعيدة عن حسابات الربح والخسارة، واعتبارات المصالح ومتطلبات الطموح الشخصي والأهداف القريبة والبعيدة". وجاء في العدد الأول الكثير من المواد الإبداعية لكتاب شباب جدد، كما ضم العدد في باب آداب عالمية قصة قصيرة من ترجمة الشاعرة والأديبة المصرية فاطمة الناعوت، بالإضافة إلى قراءات للناقد حسين جمعة في رواية "الوهم" لوائل قاسم، وأيضا قراءة لكتاب نوال العلي "سيرة النائم" قدمها القاص يحيى القيسي، واحتوى العدد أيضا طرح للناقد وفيق سليطين حول "أفعال النقد التمهيدي"، وكتب الروائي محمد سناجلة حول الرواية الرقمية والثقافة الرقمية.

وفي ختام العدد كتب عزمي خميس في زاوية تأملات مقالا تحت عنوان "وقود الكاتب" و يذكر كما هو معلن من إدارة المجلة، أن مجلة "أقلام جديدة" هي مشروع ثقافي خاص بادر إليه صلاح جرار ويهدف المشروع إلى "الاهتمام بالمواهب الأدبية لخلق وإبراز جيل جديد من الكتاب".

ندوات ... محاضرات ... معارض

شهدت العاصمة عمان في يناير الفائت العديد من الندوات والمحاضرات والمعارض جاء معظمها من تنظيم مؤسسات ثقافية خاصة، ولعل من ابرز تلك المحاضرات والاكثرها إثارة للجدل هي محاضرة سعد الدين إبراهيم، التي جاءت بدعوة من المركز الاردني الجديد، وكانت المحاضرة بعنوان "أزمة الثقافة العربية"، تحدث بها سعد الدين إبراهيم عن حالة المثقف العربي من وجهة نظره، وتحدث في جزء كبير من المحاضرة عن (الأزمة التي مر بها هو شخصيا عندما كان معتقلا لدى السلطات المصرية)، ويقول سعد الدين في محاضرته "إن معظم المثقفين العرب يعانون من العجز، فهم إما شكائيين أو لطامين، وبخاصة حين صدقوا ماسمعوه من الحكام دون مراجعة، مما جعلنا نواجه الهزيمة تلو الهزيمة ولم نشهد لأي من هؤلاء ظاهرة احتجاجية تتساءل عن الذي يجري"، ولا ندري إن كان حكمه على (معظم المثقفين العرب) صائبا أم لا؟

وتحدث إبراهيم أيضا عن الحريات في البلاد العربية، وعن ما اسماه ظاهرة "توريث الحكم" ومقاله بهذا الشأن الذي جاء تحت عنوان "جملوكية"، ويقول سعد إبراهيم أن هذا المقال هو السبب الرئيسي في اعتقاله. وحسب السلطات المصرية فقد كان اعتقال سعد إبراهيم قد جاء لتلقيه أموال كبيرة من الولايات المتحدة الأمريكية، التي قدمت تلك الأموال لدعم مركز ابن خلدون للدراسات، وهو المركز الذي يرأسه سعد الدين إبراهيم .

وعن المعارض فقد شهدت عمان العديد من المعارض الفنية، وإحدى تلك المعارض كان معرض الفوتوغرافي الفرنسي البن بيوسات والذي يعيش في مدينة القدس منذ العام 2002، وجاء معرضه بعنوان "الجانب الأكثر خضارا من الخط "، ويبحث المعرض في ماهية الخط الأخضر كمرجع محوري في مفاوضات السلام والفصل المحتمل بين المجتمع، ويصور بيوسات في معرضه ذاك الخط الفعلي الموجود والذي (لم يره احد)، حيث استخدم أشرطة وكرات خضراء، لتكون بمثابة أدوات ضمنية ومصطنعة يستخدمها للإشارة إلى الخط الأخضر، وكيف أن ذاك الخط بات خط منغرس في أذهان الناس على انه مرجعية سياسية تفصل بين الحدود الإسرائيلية والفلسطينية، وهذا ما حاول قوله بيوسات في معرضه الفوتوغرافي.

الخط الأخضر هو خط يفضي إلى ما يشبه التعمية والتمويه، فهو غير واضح وغير قائم أصلا وخصوصا في هذه الأثناء التي يتواصل فيها بناء الجدار العازل ليلتهم المزيد من أراضي الطرف الآخر.