جائزة مؤسسة "ابن رشد للفكر الحر" لعام 2006:

للمناضلة العربية "فاطمة أحمد إبراهيم"

فيحاء عبدالهادي

"ليس هناك قيادي ورئيس يصنع التاريخ وحده، واليد الواحدة لا تصفق، مهما بلغت من القوة "
                     فاطمة أحمد إبراهيم

قدَّمت مؤسسة "ابن رشد للفكر الحر" جائزتها الثامنة هذا العام، للسيدة السودانية فاطمة أحمد إبراهيم، التي استلمتها، بتاريخ: 8/12/2006، في برلين، وذلك "لدورها السياسيّ الرائد، وكفاحها المستمر من أجل الحريّة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية في وطنها والبلاد العربية"، بعد أن قدَّمتها في السنوات السابقة إلى: قناة الجزيرة الفضائية، وعصام عبد الهادي، ومحمود أمين العالم، وعزمي بشارة، ومحمد أركون، وصنع الله ابراهيم، ونصر حامد أبو زيد. إذ تواصل مؤسسة "ابن رشد للفكر الحر"، تقديم جوائزها السنوية، لنساء ورجال ومؤسسات، تضيف إلى الفكر الإنساني، وتدافع عن حقّ الإنسان في التعبير والديمقراطية، على جميع الصعد: السياسية والاجتماعية والثقافية، مسترشدة بفكر الفيلسوف والمفكر الأندلسي ابن رشد، (1126-1198)، الذي جهر برأيه دون أن يهاب العواقب، وأعلى من قيمة العقل والاجتهاد، في مرحلة انحطاط سياسيّ وفكريّ شامل ؛ جُرِّم فيه الفكر والاجتهاد والعلم؛ حتى أنه حوكم دون الاستماع إلى دفاعه عن نفسه، وصدر الحكم بإدانته وإحراق كتبه، في الطبيعة، والفلك، والفلسفة.

ويعتبر تكريم المناضلة السياسية والمجتمعية، فاطمة أحمد إبراهيم، تكريماً واحتراماً لحرية التعبير والعمل الديمقراطي؛ في حقبة زمنية مظلمة يعيشها العالم، في العراق وفلسطين ومصر والسودان ولبنان والصومال وأفغانستان وتركيا، حيث تُقمع الآراء بالقوة والترهيب، وتسود ثقافة العنف وإقصاء الآخر، ويُرفض الاختلاف والاجتهاد تحت مسميات دينية أو اجتماعية.

آمنت فاطمة إبراهيم بالعمل المنظم، وأسست مع أخواتها، الاتحاد النسائي السوداني، الذي بدأ بالعمل الإصلاحي الخيري؛ ثم تحوَّل إلى حركة شعبية واسعة سلمية مطلبية: "أدركنا أن مساواة المرأة بالرجل، والقضاء على اضطهادها، لن يتمّ إلا بمطالبة الحكومة بتغيير سياستها وتشريعاتها، التي أدّت إلى عدم مساواة المرأة بالرجل في الحقوق". وأصدرت مجلة نسائية عام 1955م، رغم رفض اللجنة التنفيذية للاتحاد النسائي إصدارها، بذريعة أن المجتمع لا يرفض عمل المرأة في الصحافة فحسب؛ "بل يرفض حتى نشر اسمها في الصحف". تصدت لمحاولات التكفير التي شنتها عليهن الجبهة الإسلامية وأئمة المساجد، بعد أن طالب الاتحاد، في العام 1953م، بحقوق المرأة السياسية، بذريعة أن الإسلام لا يجيز للمرأة الاشتغال بالسياسة، وأنه ضدّ مساواتها بالرجل. لم تتراجع فاطمة وزميلاتها، وواجهن الهجمة بسلاحها نفسه:

"وبدراسة القرآن الكريم، وبمساعدة بعض رجال الدين، أصبح في إمكاننا، تقديم أدلة قاطعة، بأن الإسلام لم يفضّل الرجل على المرأة، ولم يحرمها من المساواة. ولم يبح تعدّد الزوجات بصورة مطلقة. ولم يحرِّم اشتراك المرأة في السياسة".

نالت المرأة السودانية حقّ التصويت والترشيح، عام 1964م، وفي عام 1965م، وانتخبت فاطمة إبراهيم كأول نائبة في برلمان منتخب، استطاعت من خلاله تضمين الكثير من المطالب الخاصة بالنساء في الدستور عام 1968م: مثل حرية اختيار المهنة، بما فيها القضاء والقضاء الشرعي، والسلك الديبلوماسي، والقوات المسلحة وجهاز الشرطة، ثم الحقّ في الأجر المتساوي للعمل المتساوي، والمساواة في فرص التأهيل والتدريب والترقّي، والحق في عطلة الولادة مدفوعة الأجر، وتحديد سنّ الزواج، ومنع الزواج الإجباري، وإلغاء قانون بيت الطاعة.

"لكل تلك الإنجازات، منحت الأمم المتحدة الاتحاد النسائي جائزة حقوق الإنسان عام 1993. وهكذا أصبح أول تنظيم نسائي في كلّ العالم ينال تلك الجائزة، والوحيد حتى الآن".

عانت فاطمة إبراهيم بعد انقلاب النميري العسكري 1969م، وبعد حل الأحزاب، وتعطيل الدستور، وإقامة الحكم العسكري: أعدم زوجها الشفيع أحمد، ووضعت تحت الإقامة الجبرية، في ظلّ حكم مطلق، قضى على كل ما حقّقه الاتحاد من إنجازات. عاشت في المنفى بعد إطلاق سراحها، وواصلت نضالها في مجال حقوق الإنسان، فأسست "اللجنة السودانية للتصدي لانتهاكات حقوق النساء والشباب والطلاب"، وأسست فرعاً للاتحاد النسائي في لندن، كما أسست مركزاً لتأهيل القيادات الشابة وتدريبها على الكتابة، وتعريفها من خلال المحاضرات والمعارض بالثقافة السودانية، وتشجيع المثقفين السودانيين الذين أجبروا على مغادرة وطنهم وتشتتوا في كل أنحاء العالم على العودة للوطن، متى تهيأت الفرص، ومن ضمن البرنامج إصدار نشرة دورية. وفي عام1991م، اختيرت رئيسة للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي. عادت إلى بلادها عام 2005، لتقيم، وتمارس عملها عضواً في البرلمان السوداني.

تعزو المناضلة سبب نجاح الاتحاد النسائي في الحصول على الحقوق السياسية عام 1968م؛ إلى عمله الدؤوب بين الجماهير، وإشراكهن في مقاومة حكم إبراهيم عبود العسكري. كما تتحدث عن لقاء جمعها بالنميري، إثر الانقلاب، طالبت فيه تحقيق المطالب التي أقرّها الدستور؛ فوعد خيراً؛ ولكنه حين طلب منها مرافقته إلى الاتحاد السوفييتي؛ رفضت، مؤكّدة على أهمية الحفاظ على استقلالية الاتحاد من السلطة ومن الأحزاب السياسية معاً. وحين عرض عليها منصب وزيرة للمرأة والشؤون الاجتماعية؛ اعتذرت عن قبول المنصب، واقترحت عليه أن يمنح الجماهير النسائية حقّ اختيار وزيرتهن؛ الأمر الذي أغضب النميري غضباً شديداً.

إلى نساء فلسطين:

أجابت المناضلة العربية فاطمة أحمد إبراهيم على العديد من الأسئلة التي تطرحها الحركة النسوية الفلسطينية والعربية؛ حين ربطت بين الاجتماعيّ والسياسيّ والثقافيّ بشكل خلاّق، وحين تحرّكت بين الجماهير النسائية ومعها، وحين حافظت على استقلاليّة الاتحاد النسائي، عن السلطة وعن الأحزاب السياسية. وعندما مارست الديمقراطية قولاً وعملاً.

إلى فاطمة أحمد إبراهيم:

أقدم تهنئتي لك، باسمي واسم العديد من النساء الفلسطينيات، على نيلك جائزة ابن رشد للفكر الحر، وأضمّ صوتي إلى صوتك، الذي انطلق مدوياً في نهاية كلمتك، بعد تسلم الجائزة:

"يا نساء العالم وحِّدن جهودكن، كفانا ظلماً واضطهاداً وآلاماً! لنوحِّد جهودنا لنحصل على حقوقنا وحقوق أطفالنا! لنصبح قوة مؤثرة ضاغطة، ونفرض وجودنا في كل الميادين وعلى كل المستويات! فلنتوحد؛ لنتمكن من بناء مجتمع محلي وإقليمي وعالمي، تسوده الديمقراطية والسلام والاستقرار، وتتوفر فيه حقوق الإنسان والعدالة لاجتماعية، ولنقضِِ على كل أنواع الاضطهاد العنصري والطبقي والجنسي والديني والفكري والسياسي".

faihaab@gmail.com
28/1/2007