يقارب الكاتب المصري مجموعة قصصية لكاتبة وحقوقية سعودية، ومعه نتعرف على موضوعاتها ودلالاتها الاجتماعية اللافتة كما يقربنا المقال من سماتها الخطابية العامة.

محنة التوق في «موجز النشرة»

صالح الغازي

تجربه ثرية لقلم ينفذ بدقة إلي عمق الفكرة، القصص غالبا عن هموم الأنثى مما قد يخدعنا في تصنيفها/كتابة أنثوية لكنها ارتفعت بتجربتها إلى أعلى من ذلك لنتعاطف مع بطلاتها وندرك محنة إنسانية وتوق للأفضل. وبتتبع محنة المرأة فقصة (يوم عادي) بشكل غير مباشر و بسخرية لاذعة – سخرية عرض الفكرة وليست سخرية اللفظ – عن خلاف مع الزوج على ركن السيارة وتنتهي القصة طلب سائقهم الهندي إجازة لتتوقف جميع الخطط والواجبات العادية لإدراك جدل قيادة المرأة من النتائج حينما توقف نشاط أسرة. واضطهاد الأنثى في قصة (موجز النشرة) من رفض الأب لابنته "لأنها لم تأت ذكرا كما يحلم حتى الزواج المبكر "محرقة الستر" و تعذيبها" آثار الحروق العميقة في صدرها اثر قهوة طاشت على المحمرة فأطاشها هو عليها " وفى مشاهد إنسانية استحضرت الكاتبة عمق المأساة التي يكملها الليل وموجز النشرة "أطل علينا مذيع النشرة معلنا عن صورة طفلة مفقودة بضفيرتين واسعتين وقلب بحرقة الشمس يخبئه ثوب وردي كالأحلام بأعوام سبعة ، ومنذ أعوام سبعة فقدت ... فعلى من يجدها أن يعيدها إلى نفسها وله مقابل ذلك كل الخلود. " لتهدي حريتها مقابلها الخلود لمانحها وتنتهي القصة على مشهد متخيل للنجاة من هذا الظلم فيه جمال تفهم الإنسان لآلامه وحلم الالتئام. وعن المرأة المهزومة قصة (المهزومة) فيما يشبه الواقع السحري بإيحاءات ملغمة بالهم، تكتب عن كابينة القيادة "انه كبهو بيتي، إلى حد ما في مساحته، كم أحب ذاك المكان كلما اجتاحني لحظة فضفضة لبوح أو كتابة ثم تأخذنني لحظات التأمل حتى تخوم الكآبة ولا أنجز شيئا".

وتفصح المهزومة عن فقدها طفولتها مبكرا وسخطها حينما تنزعج من أطفالها وكأنها على حافة الانهيار وعدم التحقق "حسنا أهم ما في الموضوع رأسي، لا أريد أن أسمع فرقعته " وتنتهي على حالة دماغها" أما الدماغ فقد مورس عليه مسخ مبرمج" وعن العنف ضد الزوجة (الفراشة) بمفارقة لسيدة تحمل لقب الدكتوراه كدليل على وعيها لكن يمارس زوجها العنف. فتبدأ القصة بعدم قدرتها على بكاء عند وفاة أمها وتسرد تاريخها "مرضت أمي ليلة زفافي الذي أرغمت عليه في تلك الليلة امتدت كف زوجي لتلاقى وجهي بصفعة ." وتحدثها والدتها "أن الصفعة لسبب مهما كان تافها أفضل من أختها بلا سبب "وتعلق على كلام أمها بمنولوج داخلي"ليلتها علمت أنى لم آت لهذه الدنيا إلا بعد صفعات عديدة " ثم تجد من يقدرها ليغير لها حالتها " أفيق فأري الشوارع قد زانها مطر وشجر وأزاهير " لتتحول إلى فراشة لتبين عمق مأساتها بين صفعات الزوج وشعورها بالتقدير من آخر لتترك نفسها هنا للبكاء لتصل الدراما لذروتها في القصة " تجاهلت الهاتف وتحاشيت الفرح وبكيت"وقصة (دائما هناك نوافذ أخري) عن سيدة تتكيف مع مشكلاتها " غرفة خاصة أنشأتها من دخلي الخاص دون منة من أخي الذي يقاسمني مرتبي " لتمارس حريتها في نوافذها (الغرفة وصندوق البريد ومكتبها) ولجأت لكتابة خواطرها لتعتبر نفسها الأوفر حظا " لا أفهم لماذا ترني الزميلات أكثرهن بؤسا منهن ، كيف اشرح لهن إنني أكثرهن ابتهاجا وسعادة وأن نوافذ أملكها باتجاه الحياة أرحب وأجمل . "لتنتهي القصة على اجتياح خصوصيتها لتنفضح أسرارها وتغلق نوافذها "

وقصة(الزهور) عدم الانتباه للحب فتتحدث إلينا السيدة الأسيرة "أقبع في المقعد الأمامي بجانبه، دموعي تتشربها الطبقة الثالثة من غطاء وجهي فلا تبين " ثم تنتقل إلى بائع الزهور البنغالي في إشارة المرور ثم تعلن عن أمل كل سيدة أن يهديها حبيبها زهرة لكن دوما يخذلها لتنتهي القصة عند نصيحتها المكتومة إلى بائع الزهور" ارحل بها لأرض، فيها شارع لفضاء فسيح وعشاق ! فشارعهم لا يتسع ولا يقبل الحب ويكتم شهيق الحب في القلوب". وعن قسوة الحياة على الأنثى (أسرار غدير) تبدأ القصة ببيان لحالة الملل وتنقلنا إلى وحدتها بإعادتها رسم لوحة الجدار وهكذا تتوق بطلة القصة إلى للحياة حينما تضيف إلى الرسم " سحبا وأمطارا وقوس قزح " ثم تنقل القصة من المونولوج الأشبه بمناجاة البطلة لذاتها إلى مقارنة بين صديقة طفولتها غدير الآن " لكن هذا الكف المكفن بالسواد لا يمكن أن يكون لها ... كدت أفز واقفة وشفاهي كادتا تنطقان اسمها ، إلا أن هذا الوجه الطاعن بالبؤس والذي بدا مريعا بإطار من غلالات سوداء عديدة .." وبين استدعاء حالها فيما قبل "انه وجهها ابتسامة طفلة آسرة ورائحة بحرية تستحثني للآفاق" وتنتهي القصة على اختفاء غدير " وغدير لم تعد تأتى ... قهوتي مرة وممر الطالبات ما زال محتقنا وأمامي صفحات بيضاء عدة.

وعن علاقة الرجل بالمرأة تحكي (جنسان) بسخرية عن تفكير الرجل في الأنثى "كيف أصل طابعة بجهاز انه اتصال غير شرعي". وتعبر قصة (هذه الصفحة) عن سطوة الرقابة لنجد ان قصة (الأرنبة) تتناول مخالفة الطبيعة وتشويه الأصل وكأن القصة تبشر بكارثة بسبب " الترف الهش" ثم العلاقة وامرأة لا تعيش شخصيتها في قصة (الشرنقة) وتلك المحنة بدأتها الكاتبة بتشكيل للحروف الألف والياء لتكون مفتتح المجموعة في قصة(أبجديه حياة) ونجد في المجموعة قصص أخري كلها تتناول الهم الإنساني عامة من مشكلا ت الوحدة والفقر والاغتراب . فالأنثى تجابه المجتمع كله في قصة (وحدة) لترصد لنا حالة إنسانية راقية الحزن خليط من الفقر والوحدة والفقد والكفاح.

كما تناولت - جدلية الحياة والموت ففي قصة (الغلالة) عن الفقد والانتظار تحكى عن أم أحلام التي اغتيلت بنتها في ربيعها الثاني عشر بسبب خطأ سائق وانتظارها لبنتها حتى بعد مرور سنوات لترسم بكلماتها مشهد دقيق وبديع " أم أحلام تنتظر الحافلة تفتش في الغبار عن سبب تأخر الصغيرة .. المسكينة كانت على ثقة أنها لم ترسلها لحتفها ! هي مازالت واقفة هناك تلوح للأحلام المزدحمة". وفي قصة (عشرون ثانية) الوعي بالموت كجزء من الحياة بدقة اللفظ والمشهد المبدع. قد تكون قراءة نيتشا هي المثير لكتابة مليئة بحساسية الفقد والجرح الإنساني لكن براعة الكاتبة لا تحتاج محفز هو مجرد كتاب بين يديها و القصة كمشهد بديع. تصفه الكاتبة بدقة " لم تكد تبلغ السماعة مرقدها ، والشمس تلويحتها الواعدة ، حتى انطلقت الرصاصة التائهة فأصابت بشكل مائل ،أحسستها بدقة قد مرت من العنق حتى آخر ضلعي الأيسر" ونأتي لمراوغة النص وروعته في ترك مساحات واسعة للتأويل " قال انه كان يصوب مزحته تجاهي، لكنى صرخت ووقفت !وصدر صوت نشاز من الآلة " وصوت اصطكاك يدها على البيانو فيه دقة وعلو المشهد ، لكن هل هي رصاصة أم تلك المزحة القاتلة كالرصاصة! أم أنها لا تصدق اغتيالها. وكونت بالصوت علاقة التشبث بالحياة " أصخت السمع بكل جوارحي للصوت النشاز! وكأنه يشدني ويربطني بالحياة . "تتحدث عن الموت كجزء من الحياة لترصد حقيقة مختلفة عندما تطلق الرصاصة فتقول "عيناي أخذتا أقصى اتساعهما فبدتا كمرآتين محدبتين وقادرتين على اختزال العالم بأكمله فى لوحة واحدة" وتقول "وترصد أمها الثكلى وابنتها البائسة وإخوتها في العزاء وترصد الكاتبة بطلتها تصرخ " لا تهيلوا على التراب" وتنتهي القصة على موتها وتوقها "وفى داخلي إلحاح في أن أعيش يوما واحدا ، بل ساعة أخري فقط لأدون هذه الثواني المريعة .

أما عن مشاعر الاغتراب فقصة (وحشة) تحكي عن مدينة يهجرها سكانها وعن هذا الإنسان البائس " كان ينتظر نهاية الأسبوع كيما يغادر إلى دولة مجاورة فالسماء تطبق على أنفاسه هنا" ودقة لفظ السماء تطبق على أنفاسه تعطى المعنى الأهم وهى أن المكان كله ضاق فعلا وليست مشكلة ذاتية. قصة (ربكة بوح) انعدام القيمة بنية القصة تعتمد على شاعرية السرد في تحاور بين البوح والرمز والحقيقة. وقصة (انقلاب) تتناول الوحدة تتناول بشكل رمزي تلك الأوضاع الخاطئة التي تفاجئ الإنسان. وتتكون قصة (الأشياء تتمرد) من خمس مقاطع كمستويات لارتباك العلاقة و قصة (مواء)عن تعقد حياة الإنسان بينه وفارق بينه والحيوان فغريزته جمعت الأم ببناتها بالمواء أما الإنسان فبحكم المحكمة " أما قصة (صاحب الرأس) حوارية طويلة عن الضغوط المادية قد تصنف من سطورها الأولى على أنها عبثية أو أنها على لسان بطل القصة المخبول لكنى تدخلنا إلى عالم الواقع من باب السخرية المرة يسرد المواطن المسكين مأساته من عجزه عن تغطية المصروفات اليومية إلى أمله في الترفيه ،وتتحول القصة في نصفها الثاني إلى رمزية حينما نجد رأسه قد انقلب كأنه يمشى بالعكس أو وجهه في قفاه وتنتهي القصة على طلب واضح " دعنى أرحل ... أنا مخنوق وبحاجه ماسه للسفر.

والسمات العامة للمجموعة: بالنسبة للأفكار تناولت مشكلات اجتماعية: مثل حرية المرأة والفقر والضغوط المادية وحالة الإنسان:مثل التمرد والشعور بالوحدة والوعي بالموت والاغتراب وعلاقة المبدع باللغة.
وبالنسبة للأسلوب: تناسجت أدواتها عبر المجموعة لتتميز بمشهد يثبت في المخيلة والحكي الشيق المطعم أحيانا بالمفارقة او المونولوج الداخلي وشاعرية اللفظ والسخرية المرة والإسقاط الذكي. ، ونلاحظ أن تواريخ القصص ما بين 1992 إلى2007 ورغم طول الفترة فلا نجد سوي قصص مكتوبة بعناية وقد تتباين سمات القصص بعض الشيء فالقصص المكتوبة في التسعينات تتناول مضامين اجتماعية عن المرأة بشكل رئيس بحكي ساخر مثل قصص (يوم عادي، موجز النشرة، أسرار غدير، دائما هناك نوافذ أخري، الفراشة، وحدة) أما ما كتب بعد سنة 2000 م أكثر ميلا للشاعرية و المشهد والرمز أحيانا مثل (البوح، الأشياء تتمرد، حار ولكن، الزهور، انقلاب) لكن عموما كلها يجمعها نص إنساني مختلف . مجموعة قصص موجز النشرة للأستاذة فوزية العيوني محطة أساسية في فن كتابة القصة القصيرة، صدرت المجموعة في طبعتها الأولى فبراير 2008 م ، وتهدى الكاتبة المجموعة إلى ابنتها فتقدم لها رؤيتها وأحلامها دون إلزامها.

 

كاتب مصري مقيم بالسعودية