يكشف الباحث المغربي عن المضمر في صلاة الجنازة الأمريكية على جثة بن لادن، وما تنطوي عليه تصرفات الإدارة الأمريكية من طابع سياسي وأيديولوجي، ومن جدل خصب بن الاحترام الظاهري للإسلام، واللعب بالمعاني الدينية التي تُشكل الرصيدَ الأكبر من ثقافة المسلمين، والإلتفاف عليها استخفافا بالعقل الاسلامي.

صلاة الجنازة الأمريكية على أسامة بن لادن

طقوس دينية أم مناورة سياسية في قلب الرموز؟

حمّودان عبدالواحد

«بن لادن» ليست كلمة عادية، ويستحيل أن يعاملها المرءُ، أيّ كان وأينما وُجدَ، باللامبالاة. هي عبارة مشحونة بالدلالات، واسمٌ زاخرٌ بالمعاني يُحيل في شبكة من العلاقات السياسية والجيوستراتيجية والإيديولوجية الدينية، المتفاعلة فيما بينها والمعقدة، إلى مجموعة من العناصر والأحداث، والظواهر والعمليات (عائلة سعودية من أكبر الأثرياء في العالم، مملكة آل سعود، الجزيرة العربية، العالم الاسلامي والبترول، افغانستان والاتحاد السوفياتي، أمريكا وإسرائيل وعملية 11 شتمبر، القاعدة والجهاد، طالبان والأصوليون، العراق والاحتلال، الأنظمة والثورات العربية). كل هذه المرجعيات المتجاذبة - في غموض وقوة - أضفت على صاحبها «أسامة» أبعادا رمزية تجاوزت المسلمين والعربَ لتشمل الناسَ كلهم في مختلف أنحاء العالم، فما من أحدٍ، صغيرا كان أم كبيرا، شرقيا أم غربيا، إلا وتعني له عبارة «بن لادن» شيئا ما. ورغم أنّ أمريكا تعوّدت في تسيير شؤون سياستها الخارجية، وخاصة في تعاملها مع القضايا الإسلامية والعربية، على الكذب والتلفيق واختراع سينياروهات هوليودية (مثال تبريرات غزو العراق اللاقانوني واللاأخلاقي يكفي للتدليل على هذه الفكرة)، فسوف ننطلق في هذه العجالة من فرضية صحة الرواية الرسمية الأمريكية فيما يتعلق بقتل زعيم تنظيم القاعدة، خصوصا وأنّ موقع هذا التنظيم أكّد هذا الخبر دون أن يُشكك فيه.

يبدو أنّ قتل أسامة بن لادن جاء بعد مدّة زمنية لم يعد فيها الرجلُ ولا تنظيمُه يمثلان عمليا قوة قادرة على تهديد أمريكا. بعبارة أخرى، لم يكن بقي من زعيم القاعدة إلا الرمز، وهو الشيء الذي لم يكن من السهل على أمريكا أن تحاربَه على مدى عشر سنين، لكنها كانت تحلم دائما بنهاية له على يديها، تكون في مستوى الرمز الذي يُمَثله. لهذا كانت لعملية قتله دلالة رمزية قويّة ومتعدّدة الأبعاد. كانت شخصية أسامة بن لادن لمّا كان حيّا قد أصبحت إيقونة ذات إيحاءات متنوّعة، دينية وإيديولوجية وسياسية، وكان الشغل الشاغل لأمريكا هوالتفكير في وسيلة لإيقاف هذه الإيقونة من الإشتغال، فبدأت تُهيّئ وتُخطط لوضع حدّ لها بطريقة رمزية مُضادّة … ودخلت الرموز في صراع بينها ... ولم تتراجع أمريكا عن هذا النوع من المواجهة حتى بعد قتل "عدوّها الاسطوري"، إذ أعلنت في مفاجأةٍ كان لها صدمة عنيفة على الناس أنها رَمَت جثته في البحر، بعد أن قامت بأداء صلاة الجنازة على جُثمانه حسب التقاليد الإسلامية. ما معنى أن يقوم الأمريكيون بطقوس جنائزية إسلامية على عدوّهم الاسطوري أسامة بن لادن ويصلون عليه ؟ هل لهذا علاقة كما صرّح بذلك مسؤولون في البنتاغون بموقف إنساني للإدارة الأمريكية، عبّرتْ من خلاله عن احترام الدين الإسلامي ومشاعر عائلة المقتول والمسلمين في العالم؟ للجواب عن هذه الأسئلة، لابُدّ من تسجيل ملاحظة هامة جدا، ولو كانت بديهية: تعرف الإدارة الأمركية أن قتل زعيم القاعدة لا يعني نهاية تنظيمه، والأفكار التي تأسّس عليها ورَوّجَ لها في العالم، فانتشرت بسرعة فائقة وقوة لافتة للأنظار. من هنا، فالمواجهة ستظل مستمرّة، ويُرَجّحُ أن تأخذ وتيرة وأشكالا وأبعادا لا يعرفها إلا الله.

لا يخفى على أحد أنّ مقاصد الطقوس الجنائزية، إذن، كانت لها علاقة مباشرة بـ«متابعة الحرب» ضدّ زعيم القاعدة حتى بعد رحيله، والمبادىء التي تُحَرّك منظمته بطبيعة الحال. فبعد القضاء على الرأس المفكّر لحركة القاعدة العالمية في عملية تندرج في إطار القتال المادي، العسكري المسلح، لم تُضيّع الإدارة الأمريكية وقتها، إذ كانت قد أعدّت ترتيبات وخططا لمتابعة الحرب على الميت، من خلال استغلال التعامل مع جثمانه بطريقة سياسية مطلقة، تمَكّنها من ضرب وتحطيم الأبعاد الرمزية ليس فقط لعقيدة المقتول وأنصاره، بل أيضا للثقافة الدينية والروحية للطبقات الشعبية في العالم الإسلامي التي تتعاطف مع أسامة بن لادن، أو تتقمّص نموذجَه الفكري ... كيف ذلك؟

تعرف الإدارة الأمريكية أنّ أسامة بن لادن هو – حسب الوصف الذي ينعته به أنصارُه وأتباعُ حركته والمتعاطفون معه ومع مبادىء حركته – إمام وشيخ المجاهدين، وأنّ المجاهد كما هو معروف في دين الإسلام إما أن ينتصر أو يُقتل في المعركة فيموت شهيدا. أي يكون ضحّى بنفسه في سبيل الدفاع عن الإسلام، وردّ العدوان عن المسلمين ورفع كلمة الله وراية الحق. لكن، من وجهة نظر هذه الإدارة الأمريكية، لا يعدو أن يكون أسامة بن لادن إرهابيا ليس إلا ... لهذا أرادت أن تنفي عن المقتول صفة الشهادة، وفي نفس الوقت تُحَرّم الملايينَ ممّن يعتقدون بشرعية كفاحه ونضاله من الرصيد الرمزي الكبير الذي كان يرفع من معنوياتها ويحمّسها ويدفعها إلى مساندته والتآزر معه. فماذا فعلت لتحقيق هذا الهدف أي محاولة ضرب عقيدة عدوّها، وعلاماته الثقافية ورموز نظامه الديني، حتى تتمكن من إضعافه وزعزعة ثقته بنفسه، فيتخلى ربّما آنذاك عن المواجهة أو يستسلم؟

قامت بكلّ بساطة بعد قتله بغسله، وهو شيء مخالِفٌ لما جاء في الحديث (قال صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد: "زمّلوهم بدمائهم وكلومهم") وسنن الصحابة والتابعين عن كون الشهيد لا يُغسَل، ثمّ قامت بعد ذلك بالصلاة عليه، وهي تعرف بأن لا صلاة على الشهيد في الإسلام، وهذا ما اتفقت عليه غالبية جمهور الفقهاء من أمثال الشافعي ومالك وأحمد. غسْلُ المقتول أسامة بن لادن والصلاة عليه ترتيبٌ استراتيجي مضبوط، وسلاح ذو طابع سياسي وإيديولوجي، يستمدّ قوّته من معرفة النصوص الثقافية للخصم، والعناصر العقيدية المركزية المُحرّكة لنشاطاته، ثم استغلالها بطريقة براغماتية ظاهرُها فيه الاحترام والرحمة، وباطنُها فيه اللعب بالمعاني الدينية التي تُشكل الرصيدَ الأكبر من ثقافة المسلمين، والإلتفاف عليها استخفافا بالعقل الاسلامي.

ونحن بهذا الصدد، لا يسعُنا إلا أن نقفَ على صلاة الجنازة حتى نتأملَ ونتساءلَ ونطرحَ على الإدارة الأمريكية السؤال الذي لا بُدّ منه: هل حقّا التزمتم، كما صرّح بذلك الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بالأحكام المتبعة في صلاة الجنازة الإسلامية؟ هل اتبعتم كيفيتها كما جاء في السنة، ووضّحَت ذلك كتبُ الحديث؟ لِنُفصّل الاسئلة حتى يفهم الجميع: هل وقف الإمام عند رأس الميت واتجه نحو القبلة؟ هل كبّر الإمام أربع تكبيرات؟ هل قرأ الفاتحة بعد التكبيرة الأولى؟ هل صلى على النبي عليه الصلاة والسلام بعد التكبيرة الثانية كما يفعل المصلي في التشهّد؟ هل بعد التكبيرة الثالثة – وهذا بيت القصيد – دعا الإمامُ للميت أسامة بن لادن وأخلص في الدعاء، بما ورد من أدعية كما جاء في السنة؟ ومن ذلك قوله : «اللهمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعافِهِ وَاعْفِ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نَزْلَهُ وَوَسِّعْ مَدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بالماءِ والثلج وَالبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الخطايا كما نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ داراً خَيراً من دارِه وَأَهْلاً خَيْراً مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجَةَ خَيْراً مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ وَنَجِّهِ مِنَ النّارِ، وَأعِدْهُ من عَذابِ القَبْرِ» رواه مسلم وأحمد. هنا نوَجّهُ للإدارة الأمريكية - التي سمحت لإمامها الذي صلى على جثمان بن لادن بأن يدعوَ له بالرحمة والمغفرة – السؤال التالي: هل يمكن لكل مسلم أو غير مسلم في العالم أن يَترَحّمَ عليه هو الاخر، إن شاء دون أن يُتهَم بالإرهاب ومساندة العنف والتحريض عليه؟ فالمسلمون العارفون بدينهم، - وكثير منهم لم يكونوا متفقين مع تنظيم القاعدة لا شكلا ولا مضمونا يرفضون اليوم اتباعا لمبادىء الإسلام: «أذكروا موتاكم بخير» أن يذكروا الميت بالشر، أوأن يسمحوا لأنفسهم بأن يحكموا عليه وكأنّهم قضاة.

مبدأ الاحترام هذا لروح الانسان لمّا يكون بين يديْ خالقه، كان للأسف الشديد غائبا في أغلب ردود أفعال من هم ضدّ فكر وحركة بن لادن، حين بلغهم خبرُ قتله ففرحوا وأعلنوا انتصارَهم عليه، واحتفلوا بذلك. ثم أطلقوا العنان لتعليقات وانتقادات استعملت لغة السخرية والزهو والتبجّح، وتفننوا في اختراع ألفاظ وعبارات تدل على ما يُوجد في سريرتهم: الحقد والكراهية والغيظ والرغبة في الانتقام، فكانوا كالحيوانات التي تجتمع حول جثة فريسة لتفتك بها وتغرز أسنانها وأظافرها في لحمها لتمزّقها إربا إربا وتبتلعها تلبية لجوعها ... هذا والغريب في طقوس صلاة الجنازة هاته أنّ المسؤولين الأمريكيين قاموا، بعد الدعاء للميت بأن «يُبَدّله الله دارًا خيرًا من داره وأهلا خيرًا من أهله ... وأن يعده الله من عذاب القبر»، بترجمة ذلك في الواقع بطريقة لم يسبقهم أحد إليها في التاريخ، فبدّلوه القبرَ بالبحر، وأهلَه على الأرض بسكان المحيطات والأعماق من سمك وحيتان وقرشان ومخلوقات عجيبة لا يعرف عددها وألوانها وأشكالها إلا الله ... وفي مناورة منهم رمزية للإلتفاف على ثقافة القاعدة والاتجاه الديني الذي يؤطر عقيدَتها وأنشطتها، برّر الأمريكان هذا النوع الجديد من الدفن، باجتهادٍ فحواه أنّ الدفن في البحر أملته عليهم الخشيةُ من أن يتحوّل مكانُ دفنه في اليابسة إلى ضريح يتخذه المسلمون مزارا لهم، فيتحوّل إلى قبلة الملايين من الحجاج ... وجاء الردّ على هذا التبرير، في تعليقات الآلاف من القراء الإنترنتيّين على الخبر أنّ في الأمر مغالطة كبيرة، تفضح نوايا الإدارة الأمريكية، إذ كما يعرف الجميع أنّ القاعدة تحرّم زيارة الأضرحة وتعتبرها نوعا من الشرك بالله. ممّا يدفع إلى الاعتقاد بأنّ محاولة السطو هاته على مبدإ اساسي في العقيدة السلفية والوهابية للقاعدة وتحريفه، على عكس ما يظن عدد من الباحثين والمراقبين، لم تكن تقصد القاعدة إلا في الظاهر. أمّا في الباطن، فالذين وُجّهَ لهم التبرير الأمريكي هم المسلمون ... وفي هذا دليل واضح على أنّ الإدارة الأمريكية لم تستطع في مواجهتها مع القاعدة واسامة بن لادن أن تفرق بينهما وبين الإسلام والمسلمين. وأغلب الظن أن الذي دفعها إلى ارتكاب هذا الخطأ في التخطيط لاصطناع المبرّرات هو عدم قدرتها على التخلص من زعيم القاعدة كظاهرة أسطورية أو كحالة رمزية.

هكذا، بدأت تظهر بوادر انقلاب السحر على الساحر! لنتأمّل في البحر الذي رُميت فيه جثة المقتول واسمه الحقيقي لنفهم عمق الموضوع : «بحر عُمان» كما يسميه الفرنسيون ما هو إلا «بحر العرب» حسب التسمية التي يطلقها عليه العرب والجغرافيون الأنجلوسكسونيون Arabian Sea، وهذا البحر العربي اختير ليكون ملجأ أخيراً لرجل ظل مطرودا من إمارات ومملكات العرب، ومطاردا محاصَرا لمدة طويلة من طرف أمريكا والقوى الغربية، ولم يبق له من هوية إلا اسمه وعقيدته ونسبه العربي ... وها هو بعد قتله، يمارس عليه نفسُ القانون، ويظل في نفس الحالة أي مطرودا من الأرض وغير مرغوب فيه، ولكن يُرمى به في بحر أمام عُمان وقريب من اليمن - موطن أصوله وأجداده وتاريخه – والسعودية أي الأرض التي تبنته ... وكأنّ لسان حال الإدارة الأمريكية يقول عند رمي جثمان أسامة العربي، ابن الجزيرة العربية، في بحر العرب: «بعد أن انتهينا منه، نتركه لكم انتقاما منكم لأنه منتوجكم، فعوموا في بحركم أيها العرب» أي في مشاكلكم مع بن لادن وأمثاله.

هكذا اصبح بن لادن بحرًا، لكن بحراً من المشاكل للعرب، وأول مشكلة بدأت تؤرق السلطات الحاكمة العربية في المنطقة هو مطالبة الكثير من العرب بتسمية بحر العرب ببحر أسامة ... وبالتأكيد ستحاول هذه السلطات - قدر جهدها وبكل الوسائل، وتحت ضغوط أمريكا وكل الأنظمة المعادية لأسامة والخائفة من عودة روحه - منعَ تحقيق هذه الأمنية وظهور جملة «بحر أسامة» على الخرائط الجغرافية والوثائق الاستراتيجية والجيوسياسية الرسمية ... لكن، ممّا لا شك فيه، سوف يفرض التواصلُ عبر شبكة الإنترنت، في إطار الدردشة الشفهية أو صفحات الحائط الفيسبوكي مثلا وجودَ هذه العبارة الجديدة في الاستعمال اللغوي عند المتكلمين العرب! ولا يُستبعَدُ أن يتداولها الغربيون أنفسهم مع تقدّم الزمن! ألسنا في عصر العولمة، عولمة كل شيء؟

وأنا أخط السطور الأخيرة من هذه الورقة السريعة، وصلني خبران:
الأول يقول بأن طالبان باكستان نفذت أول عملية انتقامية في ردّ منها على قتل بن لادن، وقد ذهب ضحية هذا الانتقام ثمانون إنسانا على الأقل، بالإضافة إلى عدد كبير من الجرحى ... ها نحن من جديد أمام ظاهرة القتل الأعمى الذي يستحل دماء الأبرياء، وها نحن – يالخسارة الجميع! – في حالة عجز شبه مطلق أمام تحوّل البشرية إلى وحش عنيف يأكل نفسه في دائرة دوّامة من العنف الذي يولد العنف ... من المسؤول إذن عن هذا الدّمار وتبعاته النفسية العميقة والكارثية على حاضر الانسانية ومستقبلها؟ لنتذكر أنّ لكل ضحيّة عنف، سواء كانت شرقية أو غربية، وكيفما كان لونها ودينها، أهل وأولاد وأقارب وأصحاب وزملاء عمل يذوقون معه مرارة العذاب ويتجرّعون ألوانا من الآلام، فهل سيرتفع إلى ما لا نهاية عدد الضحايا والممزقين في الأرض؟ هل ستفرض مسحة الحزن وموجة الشعور بالألم والإحباط نفسها على وجه الأرض إلى الأبد؟ أليس فيها من أمّة عاقلة؟ أليس في أمريكا من إنسان حكيم أو جماعة رشيدة؟ كم من دم يجب إراقته؟ كم من حياة يجب السطو عليها؟ كم من مصيبة يجب استغلالها ... حتى يسدّ الجائعون جوعَهم ويهدأ ظمأ الذين يعتقدون  خلافا لكل منطق - أن القتل والنيران والاسلحة الفتاكة يمكنها أن تطفئ الظمأ؟ الخاسر الأول في المواجهات العنيفة والحروب هي الحقيقة أي حسب تعبير الكاتب Italo Calvino الانسان في حقوقه الاساسية كحق الأمن والحياة والعدل ... وفي غياب العدل لا يمكن للمجتمعات الإنسانية أن تعرف ما يسمّيه ابن خلدون "العمران" أي الإنتعاش النفسي والرواج المادي والتنمية العامة، التي لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل السلام.

الخبر الثاني نشرته وكالة رويترز ويقول بأنه عُثِرَ على أفلام إباحية بورنوغرافية في المجمع الذي كان يختبيء فيه زعيم القاعدة. هذا الخبر لم يفاجأ أحدًا في الحقيقة والكل كان ينتظره وهو من نوع التهمة التي ألصقت بمؤسس موقع ويكيليكس جوليان أسانج. غير أنّ له علاقة وثيقة بـ«استمرار الحرب» على مؤسس تنظيم القاعدة، والغرض منه واضح بما فيه الكفاية، وهو تشويه وتدميرصورة أسامة بن لادن أملا في تحويل الأسطورة والإيقونية الرمزية إلى شخص عادي وتافه، لا يختلف عن الآخرين في شيء … وهذا خطأ فادح في استراتيجية الحرب النفسية على بن لادن الرمز، لأن الرجل كان بالفعل – والوثائق التي تشهد بذلك توجد بكثرة - بسيطا جدا، بل متقشفا وزاهدا في ماديات الدنيا … ولعل نقطة الضعف الكبيرة التي تعاني منها الإدارة الأمريكية توجد في طريقة تعاملها مع القضايا الجادة بطريقة غير جدّية. إلى متى سيظل العُقابُ الأمريكي يتبجح في استعراض محاسن عملياته اللاقانونية واللاخلاقية ويملأ بطنه بما يحسبه «جيفة» وهو جثة إنسان؟ ألم يؤسس المهاتما غاندي، وهو الذي اعترفت الإمبراطوريّة البريطانية التي كانت لاتغيب عنها الشمس بصواب سياسته الروحية، نظامَ فلسفته ضدّ العنف وغريزة الحقد والانتقام والثأر، حول حقيقة «كلّ البشر إخوة»؟ ألم يكن رسول الاسلام عليه الصلاة والسلام يردّد دائما بأن البشرية تشكل أسرة واحدة، وأن أحب الناس إلى الله وأقربهم إليه أرحمهم بعباده؟

 

كاتب عربي يقطن بفرنسا