في قصيدتها الخاصة بمجلة الكلمة، تعيد الشاعرة الإمارتية المرموقة رسم المشهد العربي اليوم في ظل الحراك السياسي الذي يعرفه وهو ما مكن من تغيير بعض المفاهيم ورسم راهنها مخالفا وأفقا حالما يشي بنهاية الاستبداد.

الصنم

ظبية خميس

هذا صنمي

أوقره

أبجله

وأفديه.

 

صحرائي له

ونهرى له

وبحاري كلها ملكه.

 

بل هو يملك

كل أعضائي.

 

هذا صنمي

أرفو له ليلى

وأرتق له نهاري

وأفتح كفى

أسبحه، وأباركه، وأدعوه.

وألهج بمحاسنه

وأذرف الدمع إن ماتت ناقته

وأفديه بأبي وإبني وأمي وأهلي

إن رف له جفن

أو عن له بال

أو كمدت سواحنه.

 

هذا صنمي يملك ما أملك

وله الزرع

وله الضرع

وله الأول والتالي.

 

صنمي يملكني

ولا أملكه.

 

أصلح الله لي شأني

وأتعوذ به

أن يزل لساني

أو تخرج مفردة

تعلن عن ضلالة حلم يراودني

أو نية

أو رغبة

فالحلم للصنم، والنية للصنم،

والأمر للصنم

ولى السمع والطاعة.

 

أما أنا؟

فمن أنا؟

 

من كنت، وما أصبحت،

وما شأني،  وكياني؟!

 

مجرد فرد في شعب

لا يدعو الجزار، جزار

ولا اللص، لص

ولا القاتل، قاتل، ولا الزاني، زاني.

 

مجرد فرد في شعب

يركع ويسجد

للصورة، والبرواز،

ولضحكة الصنم،

وكاهن الصنم، والبواب، والحاجب،

والجابي،

مجرد فرد يعبد حاكمه....

في الفجر، وفى الليل،

وفى اليوم التالي!

 

وهذا صنم يولد ويلد،

وله عرش،

وشعار،

وله جيش، وله بيت

وله أخوة

وله سيف، وصحيفة،

ومخبر، وخزائن،

ومملكة وجمهورية ودولة

وسفراء

ووزراء

وله عسس،

وله رزق يأتيه من السماء، والبر،

والبحر.

 

وله غول أوكله بي

يتبعني

 

كي لا أتنفس إلا رجع أنفاسه

ولا أتخطى الدرب إلى جارى

ولا أكبو في كلمات مستوردة

يغريني بها صنم آخر

لا يدخل في آل بيت آلهتي.

 

وإمام الجامع يدعو له

ومدير المدرسة يركع له

ورئيسي في العمل يقبل أقدامه

وأنا لا أرفع رأسي أبدا

للنظر في وجهه

فهو صنمي

يملكني ولا أملكه

أوقره

أبجله

وأفديه.

وصنمي يحب الزخرفة

والكلمات المنمقة

وأن أعرف أن حنة الخلد بيده

وأن الجحيم له باب يفتحه

وأن غضبه يبيد ويحرق

وأن رضاه بركة ترفع.

 

وهو الكامل:

فلا فقير في شعبه، ولا أمي ولا جاهل،

ولا مريض، ولا معوز، ولا شحاذ،

ولا قاتل، ولا عاطل.

 

شعبه يشبع برضي الصنم

ويفرح بضحكة الصنم

ويموت ويحيا

ويفدى ذلك الصنم.

 

فإذا مت فمن أجله

وإذا جعت فلكي يشبع

وإذا ركلني الغول فعلى له أن أركع.

 

أنا لا أحد

في حضرة الصنم، والكاهن، وأهل التقدمة

والجاه،

أنا، لا أحد.

أوؤدى دوري

وأوؤدى الواجب

أحفظ لساني، وأطيع أولى الأمر،

وأعلم أولادي:

أن الصنم المفدى حريص على أن

يفتدوه، وبنيه، وحفيده، وخادمه، وكاهنه،

وهو الوحيد

وهم، وأنا، لا أحد

لا.....أحد.

 

ورغم أن لا شيء يحدث في بلاد اللا أحد

فقد حدث في بلاد أخرى

أن أستيقظ الأحد.

رأيت بأم عيني

وليس بعيدا عنى:

لا في بلاد سام

ولا بلاد مارهشترا

ولا الصين، ولا أوروبا البعيدة.

 

بل هنا، وفجأة، ومن حولي،

وحيث ما يممت وجهي

رأيت الأحد...يأتلفون

رأيتهم في الشوارع يهتفون

رأيتهم في الميادين

وفى القرى والمدن.

 

رأيت بأم عيني الجموع من اللاأحد

وقد أصبحوا أحد!!!

 

رأيت الشرطة تضربهم

وهم يتقدمون

الجيوش تدكهم

وهم يتقدمون

الزنازين تتخاطفهم

وهم يتقدمون!

ولا أميز بينهم

رجل وامرأة

طفل وشيخ

أسود وأبيض

لا أميز بينهم

فهم يتقدمون كتلة واحدة.

لا يخيفهم الموت

ولا رعد الصوت

ولا تهديدات الصنم

وأبناء الصنم

وموالى الصنم

وجيوش الصنم

وشرطة الصنم

وأصدقاء الصنم

وأصنام الصنم.

 

يتقدمون كتلة واحدة

دماءهم في كل صوب

وحناجرهم تعلو وتعلوا بالهتاف

ضد الصنم

والعشب يعلو معهم

والبحر يعلو معهم

والأرض تمشى معهم

والسماء تردد معهم

والصوت يكبر، يكبر

ويمر ليجلب حشودا أخرى

في مدن أخرى

وميادين، وساحات،

والأحد يتقدم

شمالا، وجنوبا

شرقا وغربا.

 

وأصنامهم تسقط

أصنامهم تتداعى

أصنامهم تفر

أصنامهم تدعو أصنامها

لتدافع عنها

ولا يجدوا غير ذراع مكسور

وأقدام محطمة

وكأن إبراهيم للتو قد دخل المحفل

وأعمل في الأصنام فأسه

وكأن كل أحد صار لا أحد

وكأن اللاأحد قد صاروا أحد!!!

 

في عالم بلا أصنام

كيف سيعيشون؟!

من سيحمى بيتهم ببروازه

من سيرد الشياطين عن نساءهم

من سيعلم أبناءهم الولاء والطاعة

ومن سيطعمهم ويسقيهم؟؟

من...من ...من؟؟؟؟!

 

في بلاد بلا أصنام:

من سيأخذ غلة الزرع

والمصنع،

وخير الأرض

من سيأكل قوتهم بدلا عنهم

ويتحدث بالنيابة عنهم

ويفكر لهم

ويحلم بدلا عنهم

ويكون المفدى والمبجل الذي لولاه لما عاشوا ولا ماتوا،

من

من

من...؟؟؟؟!!!!

 

في عالم بلا صنم يركب فوق أصنام

تجثو فوق أصنام

في دولة لها شعب من اللاأحد

سوف يخرج الرعاع من الحجور

ويضربون العسس

ويستبيحون ماء النهر

وسبورة الحائط

وشاشة الأخبار

ويكتبون، ويقرأوون

وينتخبون، ويختارون

ويسقطون،

ويصيغون الدستور، والقانون،

ويحكمون، ولا يحكمون!

ويكسرون الصنم إربا، إربا

ويحبسون سلالته

ويجترأون على كهنته

ويستولون على صولجانه

ويصبح الصنم مجرد صنم

يتم دفنه بعد قليل

أو حرقه

أو إعدامه

أو القذف به إلى مزبلة كبرى

تضم أخوته وبنيه وأحفاده

وعباده وآله وذويه.

إن الرعاع ما عادوا كذلك

بل صاروا بشرا

لهم نفس الحق كالصنم المبجل

في العيش

وفى القوت

وفى الحكم، والعمل.

 

حدودهم لهم

وأرضهم لهم

وسماءهم ونهرهم وبحرهم

صاروا شعبا يحكم وطنا

ولا يحكم!

 

واليوم لا أدرى ما حل بى

فقد رفعت عيني لأول مرة

لأنظر وجه الصنم، فوجدت أن الصنم مجرد صنم!

وسمعت أبنى وأخته

يقولان:لم نعد نرغب في عبادة الصنم!

وفتحت الباب ووجدت

أحادا تحمل فئوسا

وتذهب بإتجاه قصر الصنم

وانا لا أعرف ماذا أفعل،

فبين رأسي ورأس الصنم

لا بد أن أختار

من أكسر...

وقد ذكرني الله

بما أنساني إياه الصنم

وقد حصحص الحق: إن الله لا إله إلا هو ولا شريك له،

مالك الملك يؤتى الملك من يشاء!

والله، والشعب، وأنا

قررنا أن اللاأحد هو الصنم

وأنا، من أنا؟

أعرف أنني الشعب، وأنني أحد،

وأن الصنم هو اللا أحد!!       

 

القاهرة2مايو2011

شاعرة من الإمارات