يواصل الناقد والقاص المغربي سلسلته الاستقصائية للمشهد القصصي المغربي والذي يعرف السنوات الأخيرة حراكا لافتا على مستوى المنجز والتنظير، وفي هذا الحلقة يتوقف عند تجربة رائد من رواد القصة وأحد مناضليها الذين كرسوا وقعدوا لتجربتهم القصصية وساهموا بشكل لافت في "ربيع القصة المغربي".

السندباد والرحلات السبع

عبدالرحيم مؤدن

ديوان السندباد:

أحسن "سي أحمد بوزفور" صنعا، عند اختياره لهذا العنوان- ولاوجود لقصة بهذا الإسم- لمجاميعه  القصصية التي توزعت بين "الديوان" بدلالاته الشعرية، والرمزية، وبين " السندباد" بدلالاته الحكائية، والرمزية، أيضا.

الديوان: ديوان الكلام تتصادي فيه اللغات واللهجات والأصوات والإيقاعات..فبعد أن كان وقفا على الشعر، أصبح  حكيا شيبها بالدمية الروسية التي يقشرها اللاعب وصولا إلى الدمية الأخيرة..

الديوان علبة الحكاية التي - عند فتحها- قد تصدر عنها موسيقى مخدرة، أو لكمة مفاجئة.. الديوان "مصلحة" للمتقاضين أمام حكاية لا تفرق بين روادها، أو الباحثين عن الأمن والأمان  في زمن لا أمن فيه ولا أمان..

الديوان: أريكة من طروس متجددة. فهي أشبه بكرسي الحلاق الذي تعاقب عليه الحكاؤون، يقودهم حلاق لايتردد في رش مدخل الحانوت في عز المطر..فهو يعرف سر الحكاية..

الديوان إسم من أسماء الحلم/ الجفر/الكابوس/ الخوف/ السكينة/الرغية/ العجز/القتل/ اليتم/ القرية / المدينة/ النمل/العمارة/ الكأس/الأم/ الدمع/البسمة/ الحرف الأول/ الحب الأول....

السندباد: رحالة نسي اسمه، وامتزج بالهواء والماء والتراب والنار..يسير فوق الماء، ويتسنم الجبال، ويخترق العمارات ببطائق مشفرة تفتح مغاليق الحكاية،طوال أيام الأسبوع، فجاءت رحلاته السبع، برا وبحرا،لتعم القارات السبع، بعد أن كانت مجرد قارات خمس..     

بين الشعر والحكاية امتدت رحلة الكاتب، بعد أن  "تأبط  شعرا"، وتمنطق ، حكيا،وهو يخطو نحو أرخبيلات  غمرها موج النسيان لتصبح أثرا بعد عين، لكنها ما تلبث أن  تعود أرضا عذراء بشموس وأقمار لا عد لها ولا حصر.. شجرها يورق، نهارا بأوراق من صفحات "اللوح المحفوظ"، ويشتعل ، ليلا،بقناديل ضريح القرية البعيدة، و" النظر في الوجه العزيز" هدفه الأول والأخير..الماء في كل مكان..وماء الحكاية يرتفع، عاليا، ملتويا على شكل سلم من زجاج، يرتقيه السارد، نحو مكانه الأثير، الذي كان" كأسا مكعبة" قدت من بلور، أو لعله ماس"السندباد" الذي رأى، من خلاله" صياد النعام"والحذاء الكتاني ل"البالرينا" الهاجع على ضفة النهر، وتابع" الفاطمي"الذي  مازال يبحث عن عنوان العمارة، بعد أن اشتد به العطش، فبدت له سيارة الأجرة الصغيرة بقنتها الملفوفة بالشريط الأصفر مثل برتقالة، فهرول نحوها إلى أن غاب عن الأنظار...

في قصص "أحمد بوزفور" لا تطلب شخصياته الإذن بمغادرة المكان. فهي سيدة نفسها، مخلصة لمسارها الحكائي الذي يخلو من علامات الطريق الشائعة...

ومخلوقاته مدينة ل" السندباد" الذي كان شاهدا على الحكاية... وعلى المتلقي أن يسلم نفسه للحاكي، بحسن  نية‘ كما يسلم زائر الضريح قياده للولي القادر على الإتيان بما لم تأت به الأوائل..لغة بكر تجلو حكاية تكون أحيانا، أشبه بلعبة المتاهة، وأحيانا أخرى تشبه  ألفة مفتقدة، وهي أقرب إلينا من حبل الوريد.

لا عجب ،أن يجد زائر الحكاية، أو الضريح،والأمر سيان،" الغراب"- وهي من أوائل قصصه- أشبه – وهو لا شبيه له- بطائر السندباد الأثير- طائر الرخ- الذي

الذي ارتفع به عاليا ،فرأى ما رأى : القطيع العائد، ووقفة الأم عند شجرة التين..وجاءته رائحة فطير لا يجود به الدهر مرتين، وبلغته أوراد خاله، وأهزوجة الأطفال عند سقوط القطرة الأولى في رحم الأرض بعد سنوات عجاف.

هو غراب بالألوان. وسواده لون النبالة،بجانب ألوان العشق والفرح والذكرى.لا علاقة له، من قريب أو بعيد، ب غراب"إدجار ألان بو" الذي لا يظهر إلا في الخرائب، بين الصلب والترائب.. لا علاقة له، أيضا، بغراب البين، والنعيق بالهجر، وبما هو أسوأ في الآتي الذي ما زال   رحم الغيب..هو" ققنس" الذي لا يعرف

إلا الغناء.. وبمجرد أن يتوقف عن ذلك ، يموت../.