في سؤاله الأنطولوجي العميق يعيد الشاعر المغربي هنا، سؤال الشعر الى كنه القصيدة. مشرعا أبواب المعنى على سؤال لانهائي ومبحرا في وجع الذات وانجراحاتها، ومن تم تتعمق الرؤية كي يستعيد الشعر جزءا من أسئلته المعرفية.

لا تصغ كثيرا لما تحمله الريح

جمال الموساوي

لا أعرف.

أول الطريق إلى الحقيقة

مباغتة الأفق بحديث عن كثافة العتمة،

لهذا لا أريد أن أستيقظ من سباتي

الفاره،

فقط

أنزف لأراني بوضوح على فكرة

أو شهقة يرفعها الألم عاليا. عاليا

حيث يختنق الأفق. عاليا حيث

تخفت الأصوات. عاليا حيث الحقيقة

تنزح إلى غموض أشد في كثافة العتمة.

لا أريد أن أعرف.

أعجز عن معرفة ما أريد حقا.

بين المجرات التي في الداخل حرب ضارية.

ليس في الداخل أدغال

فقط

هناك حروب وموازين

تختلُّ.

 

لا تقل شيئا

كثرة الكلام تهلك البدن.

 

لا تصغ كثيرا لما تحمله الريح،

من السخرية أن تدْعك عينيك لتطرد

غبار الحياة.

فلا تبالغ في تمجيد الفكرة

لعل أول الجنون سؤال غير متوقع.

 

لا أعرف ما أريد.

لاهثا خلف فراشات الضوء،

مسرفا في تأمل العالم مثل حيوان

يوشك أن ينقرض.

 

هكذا أتحسس الوجود،

هكذا تبدو طبيعتي المتلبسة بالخيبة،

إلى هناك

تنقاد خطوات الكائن،

إلى الباب المرئي للحقيقة التي لا غبار

حولها.إلى هناك. إلى الباب الآخر.

الباب الذي يفضي إلى عتمة أشد.

 

لا أعرف كيف تتسرب كل هذه الأفعال إلى القصيدة؟

 

الفعل دليل آخر على القوة.

لا يقين !

 

القصيدة أرجوحة الروح.

الروح، هي الأخرى، عاجزة عن فهم هذا التلاشي.

 

لا أريد أن أعرف.

المحو يزحف حثيثا على الخطوط

التي نسجتها مع الوجود. أنا الكائن

المنذور للعدم. لمَ إذن لم أتحدَّ الضوء

واعتصم هناك، في الظلمة الأشد؟

 في رحم العدم؟ لمَ إذن لم أكتف بكوني

فكرةً، لا حقيقة نسبيةً؟ لمَ إذن، استسلمت للتلاشي طمعا في الخلود؟

 

لا أريد أن أعرفَ.

عبثا. لن أبرأ من أعراض الحياة،

سأظل حزينا بما يكفي

قلقا بما يدفع الروح خارج الجسد،

واهما كأي تائه،

حالما كأي مبشر،

لكنني، سأحشرني في أنسجة لغوية، كي أوهم الكلمات

أنني

على قيد الوجود

وأن العدم قصة من الماضي،

وأنني لن أعود إلى الظلمة الكثيفةِ.

 

الظلام مدركي لا محالة.

أَمَحضُ مناجاة أم خوف ضمني؟

 

أحب الليل.

وحده يعيدني إلى حقيقتي:

لا أعرف ما أريد.

لا أريد أن أعرف.