ضمائر اللغة لدى القاصة المغربية مع تباين منظوراتها تصير مداخل إلى مفارقات كاشفة. ومن خلال كل ضمير لغوي يتشكل عالما مكثفا، دالا بمشاعره المتباينة وصراعاته مع الزمن وتقلبات الحياة المتعددة.

ضـمائـرُ مسـتـرسِـلة

قصص وامِضة

سعيدة تاقي

مذكَّـر مـتَّـصل:

كان يبحث عنها في كل قصيدة يصبُّها اندهاشُه.

حين ارتسمت ملامحُها أمام انبهاره، كانت قد فارقتِ المجاز وضيَّعتِ الاستعارات الجميلة.

لم يعرفها.. مرّتْ بمحاذاة انخطافه، وما أسْلـمَها افـتـتـانَـه.

ما علِم بعد ذلك أحدٌ؛ أكان فعلاً يعانق طيفَها في القصائد التي أوْدَعها قـلـبَهُ الهائم، أم كانت القصيدة معشوقـتَه الوحيدة؟!

*******

 

غــائـب:

كانت تـنـتظرهُ كلَّ غروب.

لم تأبه كثيراً للقـمر الولـيد الذي يطـلّ علـيها من السماء.. كان قمـرُها الـوديع قد غـاب، و لم يشرِف، منذ أكثر من شهر، عليها  بإطلالته .

كانت تنـتظره كلَّ غروب.

لم تكن شغوفةً باحتراق الشمس و اندلاع كلِّ تلك الألوان.. كانت كلُّ الحرائق مندلِعةً في قلبها وهي تهفو إلى شمسها الحلوة التي تركت قلبها مظـلماً.

كانت تنـتظِره دون أمل..

لم تكن غافلةً عن دمه الذي مازال وشاحاً على باب البيت، لمّا اختطًف وهجَــهُ قنّاصٌ هـمجي ذات مساء.. وترك المهرِّج الكهربائي وحيداً، يدق على طبلته بكل إخلاص.

*******

 

مـسـتــتِـر:

ليلاً حين يـلـبَسُني

لا أدري..

أأرتديه أم يرتديني.

ذاك القميص الشفّاف..

حين أضعُـه،

يرتضـيني.

يلـتـبِسُ عُـريي..

و في عيـنـيْه يُخْفـيـني.

*******

 

جـمعٌ مـقـدَّر:

كان يفكِّر في بيت يُـؤويه و زوجَه و أطفالَه الأربعة.

كان ليل الشتاء بين الجدران الرَّطبة، و السقف المتصدِّع قارساً.

كان نهار الصيف بين الجدران الممتدة دون منافذ، و السقف القصديري مشتعلاً.

... كان يأمل  بحرارة، أن يحمِله الغدُ يوماً ما إلى البيت الذي ينتظره...

لكنه لم يكن ينتظرـ قطعاً ـ أن تحمِل جرّافة البلدية ما تبقّى من البيت الصفيحي المهشَّم.. ليعود ثانية رفقة زوجه و أطفاله الأربعة إلى هامش المدينة الذي أنجبهم بكلّ برود.

*******

 

مـؤنـث مـكسـور:

غسل يديه من دمها بكل عناية، ثم عاد إلى غرفة النوم.

كانت ممدَّدةً مثلما تركها.. عيناها جاحظتان ورأسها مشدود قليلاً نحو الخلف.. لم يحاول إسدال جفـنيها.. حدّق فيهما بكل إمعان دون أن تتبدّل ملامحه.. أشرف على نومتها المبلَّـلة بدم الغدر واقفًا.

لم يكن متـعَباً، وما كانت أنفاسه متقطِّعةً.. مرّت العملية بكلّ يسرٍ، أكثر مما توقّع. مسَّد جبـينها قليلاً. قـبّله. ثم أطلق تلك الضحكة التي تعرفها جيداً.. تدرك عبرها الضيقَ الذي يخفيه ببراعة خلف جموده. و قال بكلّ تأنٍّ: لقد قمتُ بكلِّ شيء هذه المرّة، أخبريني الآن ماذا أفعل بجثّـتكِ؟

*******

 

مثـنى منـفـصل:

لم يكن فرحهما يسَعُ غيرَهما.. لم يكن فقرهما يسَعُ غيرَهما..

ولم يكن حبُّهما يسَعُ فقرهما.

أصرّا في البدء على الصمود..

انتظرا شهرين ثم ثلاثة فأربعة وما تغير شيء.. ظل فقرُهما أكبر.. فأكبر.. فأكبر.

لم يتغيّر شيء.

حاولا عدم اليأس.. ثم واصلا درب الانتظار..

انتظرا سنتين ثم ثلاث فأربع وما انصرف عن دربهما ذلك الانتظار.

اكتـشفا بعد انهيار الفرح والحب والفقر أنهما ما انتظرا بعضهما، كانا فقط يريدان أن يستسلما للانتظار.