يتناول الكاتب الطروحات الفرويدية وتبويباته لمراحل النمو النفسي-الجنسي لدى الطفل، إضافة لمستويات الجهاز النفسي المتنوعة. ويخلص إلى اشتباك العلاقة بين الوعي واللاوعي، وإلى أن الوعي ليس سوى لحظة داخل بناء معقد هو اللاشعور، كما أن اللاشعور هو السجل الخاص بتاريخ الفرد.

اللاوعي: هل هو ابتكار فرويدي؟

رشيد عوبدة

«إن الطفل يتحرك بالغريرة بيد أن هذه الغريزة لا تلبث أن تدخل مبكراً في تناقض مع متطلبات الحياة الاجتماعية»              (سيغموند فرويد).

مع اكتشاف اللاشعور النفسي مع سيجموند فرويد Sigmund Freud))، أصبح من العسير تفسير سلوكات الإنسان وفق منظور الشعور والوعي. فمن خلال معالجته للمرضى رأى فرويد أن هذين الأخيرين –أي الشعور والوعي – ليسا هما المحددين الوحيدين لسلوكاتنا، بل هناك اللاشعور كذلك كموقع نفسي مستقل عن نظام الوعي والإدراك ومستقل عن نظام الوعي والإدراك ومستقل عن الجوانب الشعورية للإنسان، لكنه يؤثر بشكل كبير في حياتنا.

كما سيؤكد فرويد على أن الأعراض الخاصة باللاشعور (فلتات اللسان، الأحلام، المخاوف الهستيرية…) لم تصدر نتيجة صدفة، فهذه الأعراض تفرض نفسها عندما تكون الشخصية ضعيفة فتتحقق الرغبات عندما تضعف الأنا.

لقد حاول فرويد أن يفسر بطريقة عقلانية ما ليس عقلانيا في جوانب شخصية الإنسان. كيف يمكن استعمال الجانب العقلي المنطقي لتفسير الجوانب الغامضة في الإنسان؟

عندما صرح فرويد بان "الجنس" هو المحرك الأساسي للشخصية توصل فرويد إلى أن الرغبات التي تعرضت للكبت في مراحل جد مبكرة، هي من طبيعة جنسية، فالجنس بدأ مع المراحل المبكرة للإنسان، فالرضاعة فيها إشباع غدائي، وفيها أيضاً يتحقق الحفاظ على الذات، فالثدي هو الموضوع الأصلي الذي تتحقق فيه الدوافع الجنسية عند الطفل. وينبغي التنبيه هنا إلى أن المقصود بالجنس ليست الممارسات الاعتيادية المتداولة بين العوام، بقدر ما أن فرويد ربطه بمفهوم إشباع اللذة النفسية اللاشعورية للفرد.

على عكس التصورات المعطاة والتي تعتبر الطفل بريئا (ملاك. ) رأى فرويد أن لدى الطفل دوافع جنسية: وهنا لابد من التمييز بين لفظي "الدافع" و"الغريزة"، فالغريزة لها فقط أساس وراثي/ بيولوجي، أما الدافع فله أساسين أحدهما وراثي/ بيولوجي والآخر سيكولوجي/ نفسي. وللتوضيح أكثر فالإنسان سواء كان طفلاً أو راشداً لا يرغب في الشيء لأن له حاجات بيولوجية ضرورية يسعى إلى إشباعها كما هو الشأن بالنسبة للحيوان، بل إنه عندما يسعى لتحقيق رغباته فهو أيضاً يسعى إلى تحقيق إشباع نفسي أكثر منه بيولوجي.

لقد قدم فرويد تصوراً نشازاً عن التصورات الدينية والفلسفية التي تعتبر الإنسان كائناً عاقلاً (عقلانياً)، وقد سبق لفريدريك نيتشه (Friedrich Nietzsche) أن تحدث عن الصور اللاعقلانية في الإنسان، ويرى خلاف ذلك، أي القول بوجود دوافع لاعقلانية تسير الإنسان: كحب السيطرة وحب الهيمنة. التي لا تأتي من العقل بل من الجوانب اللاعقلانية في الإنسان، فقد اهتم فرويد بالمهمل في الفكر (الغرائز، الجنس، الأحلام).

وقد اعتبر فرويد أن النمو النفسي والجنسي يبتدئ من الطفولة لهذا نجده يعتبر أن الحياة النفسية للراشد تبدأ في التشكل منذ الطفولة. يقول فرويد في هذا الصدد "الطفل أبو الرجل" كما أنه يؤكد على أن "الخمس سنوات الأولى من حياة الطفل تظل كبيرة في نفس الراشد…"، لهذا قسم فرويد مراحل النمو النفسي/ الجنسي لدى الطفل إلى المراحل التالية:

1- المرحلة الفمية: من الولادة إلى سنتين، وقد ارتبط فيها الإشباع لدى الطفل بالفم، فثدي الأم يعتبر مصدر إشباع لدى الطفل، لذا غالباً ما نجد الطفل يضع كل الأشياء داخل فمه تحقيقا لرغبة نفسية لاشعورية… لكن المجتمع يتدخل لردع سلوكات الطفل، وتعتبر أزمة الفطام هى ثاني أزمة بعد أزمة الخروج إلى الحياة، هذه الأزمة تمنع الطفل من إشباع رغباته فتتعرض بذلك للكبت الذي، كما سنرى لاحقا، يخبأ على مستوى بنية الهو  Le Soi

2- المرحلة الشرجيّة: (من سنتين إلى ثلاث سنوات)، و ترتبط فيها رغبات الطفل بمنطقة الشرج، فالطفل يحقق لذة في الاحتفاظ ببرازه لكونه يعتبره جزء لا ينبغي تضييعه، فهو في تصور الطفل جزء يتملكه وفقدانه معناه التفريط في جزء من ذاته، إذن هنا لذة الطفل تتحقق بواسطة الاحتفاظ، لكن المجتمع يتدخل مرة ثانية لمنع الطفل من الاحتفاظ ببرازه، ولكن يمكن الاحتفاظ بأشياء أخرى كاللعب، أو النقود القديمة، أو الذكريات

3- المرحلة القضيبية أو المرحلة التناسلية: (من ثلاث سنوات إلى أربع) وهنا يتضح أن لذة الطفل تتحقق عند التلاعب بالأعضاء التناسلية، وقد ربط فرويد هذا الأمر بعقدة أوديب التي تقابلها عقدة الكترا، وسأعمل فيما بعد على التفصيل أكثر في العقدتين السالفتي الذكر.

4- مرحلة الكمون: (من أربع سنوات إلى خمس) وهي مرحلة مهمة في حياة الطفل الذي يرى على أن لذته تتحقق بالفضول المعرفي لذا فهو يكثر من طرح التساؤلات التي تحرج في أحيان كثيرة المجتمع، لهذا يتم أخذ الطفل في هذا العمر إلى مؤسسة تعليمية تمكنه من إشباع فضوله والكف عن إزعاج المجتمع الصغير المكون من الأبوين بكثرة الأسئلة.

على ضوء هذه المراحل يمكن الآن التفصيل في الأجهزة النفسية التي وضعها فرويد، والتي تتكون من ثلاث مستويات وهي:

الهو Le Soi/ The Id: منطقة الغرائز، المنطقة الغريبة في الشخصية، يتكون من مجموعة من الدوافع، وهو القطب الدافعي في الإنسان (الليبيدو Libido ) هذه الدوافع هي: الحفاظ على الذات، دوافع الحياة والموت، الدوافع الجنسية، العدوانية… و"الهو" هو الخزان الرسمي للطاقة النفسية. على المستوى التكويني هو الأسبق من بين الأنظمة الأخرى، فالأنا Le Moi تكون بالاستقلال التدريجي عن الهو، بفضل احتكاكه المباشر بالعالم الخارجي بواسطة عمليات الادراك والشعور والوعي. وعلى المستوى الديناميكي الهو يدخل في صراع مع الأنا والأنا الأعلى وهو يخضع لمبدأ اللذة وللنسق البدائي ويجهل كل شيء عن القيم والواقع ولا يعتبر لا مفهوم الزمان ولا المكان.

الأنا Le Moi/ The Ego: هو هذا النظام الذي يميزه فرويد عن الأنا الأعلى وعن الهو فهو يواجه ضغوطات كثيرة، إذ يجب أن يستجيب لأوامر الأنا الأعلى ومتطلبات الواقع، وكذلك يحاول أن يجد حلولاً تسمح للهو بتحقيق رغباته بطرق مشروعة. واستقلالية الأنا جد نسبية، فهو عبارة عن جهاز تكيفي يستعمل عدة ميكانيزمات دفاعية للتخلص من كل ما يسبب له صراعاً وألماً داخلياً ونجد من هذه الميكانيزمات الدفاعية: الكبت، الإسقاط، التسامي، ردود الفعل، اختبار الواقع.

الأنا الاعلى Le Sur Moi/ The Súper Ego: بعد سقوط أوديب يشبه فرويد الانا الأعلى بالحاكم الذي يمنع ويراقب… هذا الحاكم اتجاه الهو مرادف للضمير الأخلاقي الذي حينما يتشكل يقوم بالمراقبة الداخلية.

هكذا تتخدد العلاقة بين الوعي واللاوعي، في نظرية التحليل النفسي، وضعاً خاصاً وجديداً بخصوص أصل الحياة النفسية، إذ لم يعد الوعي أو الشعور سوى لحظة داخل بناء معقد هو اللاشعور النفسي، كما سيتبين أن اللاشعور هو السجل الخاص بتاريخ الفرد، وهو سجل له دلالة، وهنا يتعارض التحليل النفسي، الذي يعتبر جميع الأفعال اللاشعورية في تفسير السلوك، وفلسفة الوعي القصدي التي ترى أن الوعي، كما بين ادموند هوسرل (Edmund Hussrel) هو دوماً وعي بشيء ما. كما أن الطرح الفرويدي تم انتقاده من قبل التوجهات الفلسفية التي رأت فيه إبداعاً لشخصية أسطورية بإبداعها لمفهوم اللاشعور، وهذا مع واخذه إميل شاريتيه أو الفيلسوف الملقب بـ ألان  Alainعلى فرويد، فقد اعتبر أن الطرح الفرويدي قد وقع في عدة أخطاء لأنه جعلنا غامضين حتى بالنسبة لذواتنا، وقد أكد على أن وجود "أنا ثاني" داخل الشخصية أمر غير ممكن، بل إنه أقر على أنه لا توجد فينا أفكار إلا ما تمنحنا إياه الذات المتكلمة أي الذات الواعية.

 

ببليوغرافيا خاصة بالمراجع المعتمدة:
1- سيغموند فرويد، "الموجز في التحليل النفسي"، ترجمة سامي محمود علي/عبد السلام القفاش، 2000.

2- سيغموند فرويد، "الحياة الجنسية"، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة، ط3، 1999.

3- سيغموند فرويد، "الأنا و الهو"، ترجمة محمد عثمان نجاتي، دار الشروق، ط4، 1982.

4- سيغموند فرويد، "ثلاثة مباحث في نظرية الجنس"، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة، ط2، 1983.

5- فريديريك نيتشه، "هذا هو الانسان"، ترجمة على مصباح، منشورات الجمل.

6- فريديريك نيتشه، "ما وراء الخير والشر: تباشير فلسفة للمستقبل"، ترجمة موسى وهبه الفارابي.