القاصة الأردنية تكتب تلك الرغبة في الانعتاق من حدود المكان وقيوده والتحرر من تفاصيل تعوق الوجود في تفتحه . والارتماء في حضن حلم دون حساب لأية عواقب.

حضن

مهيرة مقدادي

كان يرقبها من شرخ في جدار غرفتها كل يوم يقضي ساعات يجوبها، وفي الليل يندس من الشرخ ويحوم حول جسدها، يندس تحت غطائها، ينسل الى أسفل قدميها ويتسحب مداعبا الى أن يصل شعرها، ينثره فينااام.

في كل صبح تجمع خصلات شعرها بيدين مرهقتين ثم تمضي الى أقمشة تنثرها على ركبتيها وخيوط بألوان شهية وإبر تصنع غرزا في القماش وقلبها.

تشعر به يتوارى بجدار قبالتها فتتجاهله لأمر تجهله ذاتها، تهم بالوقوف أكثر من مرة لتنظر عبر الجدار وتتأكد من وجوده إلا أن رغبة الحلم داخلها تحبط جرأتها، حتى في رفع بصرها الى جهة  تشعر انه يرقبها منها.

ظلت تزرع غرزا وتنشيء أكوان بزوائد قطع لأقمشة اندفعت يوما وتجازت حدود الرغبة فصارت حقيقة.

تنتظر ولوج الليل، وكمن لايدري تتركها للشوق يحملها الى فراشها، بعد أن  تطفيء السراج أبكر بدقيقة أو اثنتين عن الليلية الماضية.

أغمضت جفنيها على عتمة غرفتها، غرقت برغبتها التي فاضت منها حروفا تتقطع وأنفاسها:

-         هل لي أن أراك؟

-         لست ممن تستطيعين رؤيتهم.

-         ماذا أنت؟ حلم؟

-         ربما، وربما كومة منكِ.

 

فتحت مقلتيها على وسعهما حين شعرت بوخز رقيق في قلبها فامتلأتا بنور الصباح، لملمت شعراتها واتجهت الى شرخ فيها!

 

-         أريد أن أراك.

 

صمتت برهة الا أن أحدا لم يجب.

 

مضت في يومها كعادتها عدا حمرة ظهرت على وجنتيها.

 

هذه الليلة أطفأت السراج قبل نبضة وعمر من الليلة السابقة، أبقت على عينيها مفتوحتين وانتظرت ولوجه ذاتها، إلا أنه وكأنه تنبأ بحجم جرأتها الليلة عاف ولأول مرة موعدهما..

انتظرت

لا أحد

أنصتت

لا صوت

نهضت ومدت أناملها عبر الشرخ، تلمسته، كان باردا، ثابتا، يتقن لمس أناملها حتى عبر شرخ!

-         دعني أراك..

-         اصعدي

-         الى أين

-         الى السطح

-         سيقتلونني ان رأوني خارج غرفتي

-         لايمكنكِ رؤيتي الا من هناك..

 

أعادت إليها يدها تكومت فوق فراشها وبحلقت في عتمة وشرخ.

 

حافية، تجر ردائها ورائها وتصعد درجات ترابية عليها من الحصى ما يكفي لتدمي قدميها..

اعتلت شيئا فشيئا الى أن وصلت سطح شفاف لا حدود له قاعه ناصعه وسقفه سماء بنجوم متلألأة.

خطت فارتسمت على الأسطح الشفافة آثار قدم دامية وضحكة لامرأة.

-         أينك؟

-         اقتربي

-         اني هنا

-         خذني إلى حضنك

-         مدي الي يديكِ، وحين تشعرين أنهما تحلقان، عبئيهما بأنفاسي ثم أعيديهما لتعانقا صدركِ، بعدها، أفلتي لي كامل جسدكِ وأنا سأحملكِ وأجوب بكِ الكون، ولن أعيدك الى غرفة حقيرة كغرفتكِ.

 

لم تتمهل ليكمل حديثه، فتركت قدميها لتنزلقا، شعرت بشيء يحملها، بقلب يخفق بين ضلوعها، وبهواء بارد يمرر على حرقة في ذاكرتها، فيحد من اختناقها، وبارتطام، وعصِي تنهال فوق رأسها تشتبك وشعراتها فتسلخها وكل مرة تٌدَقُ بها...

 

وأصوات، لا تشبه صوته.

-         كانت تعانق الهواء وهي تدرك حرمة معانقة الغرباء.