تجلب هذه الدراسة النقدية المتأنية إخلاصا منها لمنهجيتها في النقد الثقافي كتابة الهامش لتدير بها حوارا خصبا مع المركز، وتحلل عبرها تجليات القهر باستفاضة لا تفلت منها حتى دلالات الحشرات والطيور ونأمات الصوت والصمت في النص، كاشفة عن أن الهامش كان له حظه من القهر والألم الذي ولد دمدمات الانفجار.

تشكلات السرد بين القهر والألم

دراسة سردية في نماذج روائية مصرية

أحمد علواني

 

(1) التنظير النقدي:
تنطلق فكرة هذه الورقة البحثية من ظاهرة ملموسة أخذت طريقها إلى النصوص الروائية بشكلٍ لافت، إنها القهر والألم، اللذان يتشكلان سرديًا في كثير من الروايات المصرية المعاصرة، لأن صلة الكاتب بما حوله في الواقع من مؤثرات استبدادية، قهرية، ترك أثره الواضح في وعيه، وظهر ذلك بوضوح عند تشكيله لنصه السردي. وعلى الرغم من تمثيل القهر والألم في السرد المصري المعاصر، فإن تحليل هذا التمثيل لا يزال في حاجة إلى بحث وإعادة نظر، خاصة في ظل انتشار معالجات نقدية حديثة تعتمد على الدراسات الثقافية، وذلك لأن «التغيرات واسعة النطاق في النظرية الأدبية والثقافية تبعث على تعزيز الاهتمام بالسرد والثقافة والتأريخ السردي، فهذه التغيرات النظرية المعقّدة في المناخ النظري، عُرفت بـ"التحول الثقافي" وهذا زاد من أهمية التحول التاريخي والأنثروبولوجى والأخلاقي والسردي مما يستدعى الاهتمام بـ "البناء القصصي للواقع" في حين كان المنهج المجرّد والتحليل الشكلي للقصص، هو النقطة المركزية لعلم السرد"Narratology" ، والآن لم يُعدّ البؤرة الرئيسية، حيث بدأ المنظرون للسرد بتوجيه انتباههم إلى "التحليل الثقافي" واعتبر (ميكا بال Mieke Bal) أن الدراسات الثقافية هي الأكثر حيوية».(1)

ومن اللافت للنظر أن معظم الدراسات السردية السائدة تركز على جوانب بنائية ظاهرة مثل: (الراوي ـ الشخصيات ـ الزمان ـ المكان ـ اللغة .. وغيرها من التيمات الثابتة). التي يسهل تناولها ورصدها ودراستها اعتمادًا على المنهج البنيوى وما أسسه "جيرار جينت" من منهج شبه متكامل «لدراسة النصوص السردية ظهرت في كتابيه: (خطاب الحكاية) و (عودة إلى خطاب الحكاية). حيث وضع لبنات علم السرديات وحدد قوالب مُعدّة لدراسة أي نص سردي»(2). فالمنهج البنيوي يتعامل مع النص بتقنيات وقوالب معدة سلفًا، ويسعى إلى تطبيقها على النص، ومن ثم يتجمد النص ويتحول إلى شواهد تدلل على صحة المنهج، وإمكانية تطبيقه على النص. وبحسب "ميشيل بوتور": «إن العالم الذى نعيشه يتغير بسرعة كبيرة، وتقنيات السرد الروائي التقليدية لم تعد قادرةً على استيعاب كل العلاقات الجديدة الناشئة عن هذا التغير ... لذا فإن البحث عن أشكال روائية جديدة ذات قوة استيعابية كبيرة يلعب دورًا ثلاثيًا في علاقته بوعينا وبالواقع حولنا من ناحية تعريته وتوضيحه، ثم اكتشافه ومن ثم تطويعه»(3).

ولما كان الأمر كذلك فقد رأيت أن التأويل الثقافي للنصوص السردية من الممكن أن يُعيد إليها حيويتها، ويبعث الحراك النقدي فيها، لأن النقد الثقافي هو «فرعٌ من فروع النقد النصوصى العام، ومن ثم فهو أحد علوم اللغة وحقول "الألسنية" معنىٌ بنقد الأنساق المضمرة التي ينطوي عليها الخطاب الثقافي بكل تجلياته وأنماطه وصيغه»(4). خاصة أن النصوص الروائية تتميز بالمرونة، كما تجمع في داخلها الأنساق الثقافية، وتعكس في طياتها الأوضاع الاجتماعية، كما تطرح قضايا الإنسان وتعالج آلامه وهمومه اليومية. وتريد النظرية الثقافية أن تتعامل مع النصوص الأدبية بنوع من الشمولية، يتلخص في «تقليص دور النظرية واستبدالها بحركة الحياة اليومية، والتركيز على ديناميات التفاعل في المجتمعات المحلية، تلافيًا لعملية التعميمات الجارفة التي تلجأ إليها النظريات، مما يؤدى ـ عمليًا ـ إلى تغييب الفروق النوعية، وإلغاء كل صور التعددية الثقافية والاجتماعية والسياسية»(5).

وعلى هذا الأساس النظري ستحاول هذه الورقة البحثية أن تُحلل القهر المضمر والألم المتجسد ضمنيًا في مجموعة من النصوص الروائية المعاصرة، باعتبار القهر ـ وما يترتب عليه من حدوث ألم ـ بنية نصية مضمرة تميز الكتابات السردية المعاصرة ولا سيما الجديدة. وفى هذا السياق يؤكد "صبري حافظ" على أن «العفوية الطالعة من قلب المعاناة والألم هي أولى سمات تلك الكتابة الحديثة الجديدة»(6). ورغم ذلك لم يتم الالتفات إليها من قِبل الباحثين، الذين ركزوا جهودهم حول معالجة النصوص السردية بمناهج شكلية تقنية، وفى خضم انشغالهم برصد التقنيات الشكلية نسوا ـ أو تناسوا ـ أن الذى بين أيديهم هو نص سردي عربي، له هويته ومرجعيته وأنساقه الثقافية التي يتأثر بها ويمتاح منها، ومن ثم تجمدت النصوص بين أيدي الباحثين، وتحولت إلى شواهد مطواعة تدلل على صحة النظرية وصلاحية تطبيقها على النص الأسير.

(2) النماذج المختارة:
ثمة نصوص روائية مشهورة، تطرح القهر والألم، بل يتأسس السرد فيها على شخصيات مقهورة: تعانى وتتألم، مثل: رواية "أيام وردية" لـ "علاء الديب" " و"غرفة ترى النيل" لـ "عزت القمحاوى" و"يوميات امرأة مشعة" لـ "نعمات البحيرى" و"نقرات الظباء" لـ "ميرال الطحاوى". ولكن لم تشغلني هذه النصوص لشهرتها وكثرة ما كُتب عنها، وشغلني شاغلٌ آخر، هو رغبة البحث عن نصوص أخرى مضمرة، ولا سيما إن كان أصحابها من سكان الأقاليم المصرية التي تبعد عن العاصمة ـ القاهرة ـ وما تتيحه الإقامة في العاصمة من فرصٍ للنشر، أو عقد ورش وندوات لمناقشة العمل، وربما طغى على هذه المناقشات النقدية أنواعًا من المجاملات، أو الكتابات الصحفية التي تعرض العمل وتجامل صاحبه أكثر مما تفحصه وتقيمه
.

وعلى هذا الأساس اخترت نماذج روائية لم تدرس بشكلٍ أو بآخر، وبعد القراءة الأولى لها، وجدت أنها تُشكل خطابها السردي حول ظاهرة الاستبداد، وما يتبعه من قهر وألم، وفى هذه الورقة البحثية سنحاول رصد وتحليل أشكال الاستبداد المضمر في الروايات الآتية:
1. إبراهيم خطاب: نبوية الماشطة ــ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة ـ سلسلة كتابات جديدة ـ 2008
.
2. عزت أبو رية: الأرض 53 ـ دار المعارف ـ القاهرة ـ 1980
.
3. ميرفت على العزونى: حبو الظلال ـ دار العالم الثالث ـ القاهرة ـ روايات الثقافة الجديدة ـ 2005
.
4. هانم الفضالى: إشراقات البوح ـ دار العالم الثالث ـ القاهرة ـ روايات الثقافة الجديدة ـ 2005
.

سنسعى في معالجتنا النقدية ـ للأعمال الروائية السابقة ـ نحو رصد الأنساق الثقافية المختلفة التي يدور في فلكها الكاتب/الكاتبة عند صياغة أبرز الملامح الواقعية للاستبداد والقهر والألم، وذلك مع مراعاة خصوصية الخطاب الروائي وما يميزه من فنية سردية تتبلور في الرمزية الجمالية، والبلاغة الصياغية، والشعرية اللغوية. ومن اللافت للنظر أن النماذج المختارة لكاتبين وكاتبتين، فهذا التنوع مقصودٌ لذاته، وذلك لمحاولة رصد إذا كان ثمة اختلافات في تشكلات القهر وتحولاته بين السرد الذكوري والسرد النسوي، خاصة وأن الكاتبة/ الأنثى تركز على سرد الاستبداد والقهر الواقع على جسدها الأنثوي، «فثمة اختلافات أساسية في القيم والمواقف وأساليب الحياة، وثمة تفسير واحد لكل هذه الاختلافات هو اختلاف الجسد بين النساء والرجال»(7). وفى هذا الشأن أيضًا يشير "نبيل سليمان" قائلاً: «ثمة خصوصية أنثوية ما، شأنها شأن الخصوصية الذكورية: علامة اختلاف، وليس معيارًا أو قيمة أو امتيازًا أو نقصانًا. والاعتراف بهذه الخصوصية هو اعترافٌ بالاختلاف يقتضى التحليل والتأويل، ويشتغل على المعرفة وليس على المفاضلة»(8). ومن ثم سنعمل على تحليل كيفية تصوير أو تشكيل أو تجلى القهر والألم بطريقة سردية فنية، ربما يختلف فيها الكاتب عن الكاتبة أو العكس. فالسرد النسوى له خصوصيته، فالكاتبة/ الأنثى تجد في السرد فسحة، ومجالاً للبوح، كما أن الكتابة تسمح لها بممارسة حريتها، والتعبير عن ذاتها، ولذا نلاحظ أن النص الروائي النسوي يهتم بالقهر الواقع علي المرأة، وكيف يستبد الرجل بها، ويمارس قهره لها بأشكال مختلفة، سوف يتم الكشف عنها لاحقًا.

وفيما يلي ـ مبحث النقد التطبيقي ـ سوف نبدأ برصد أبرز الصور الفنية لتشكلات السرد بين القهر والألم، وذلك بالتطبيق على النصوص المختارة وتحليل الشواهد النصية الدالة، والاجتهاد في تأويلها تأويلاً نقديًا موضوعيًا، يتماشى مع الأطر الجمالية والفكرية والثقافية لهذه النصوص.

(3)  النقد التطبيقي:
من اللافت للنظر أن النماذج المختارة للدراسة قد ارتكزت على بؤرة رئيسية تنبع من التركيز على الاستبداد الواقع على الإنسان، ويظهر هذا الاستبداد من خلال تشكيل القهر والألم في الخطاب الروائي، والذي يبدأ من بنية الاستهلال:

الاستهلال السردي .. مفتتح القهر والألم

يتبلور القهر داخل السرد منذ البدء حيث يتم تأسيس البنية الاستهلالية علي القهر، ويجد المتلقي نفسه أمام شخصيات مقهورة، هي شخصيات واقعية متخيلة لها أجساد حية من لحم ودم تتبدل وتتغير وتهرم وتمرض وتتألم وتموت، فمثلاً: فى رواية "نبوية الماشطة" لـ "إبراهيم خطاب" جاء الفصل الأول بعنوان: (الوقفة)، ويوحى العنوان بوجود وقفة، وما إن يترك القارىء الصفحة التي حملت العنوان، يجد نفسه أمام حدث قاهر للذات الإنسانية، إنه الموت، ويبدأ الراوي في سرد "وقفة جنائزية"، ويتم افتتاح أولى المقاطع السردية بهذه الوقفة الدعائية المطولة:

«اللهم إن هذه صاحبتنا قد استضافتك ونزلت بك، وأنت خير منزول بها ـ حقًا ـ فقيرة إلى رحمتك، وأنت غنى عن عذابها ـ حقًا ـ اللهم ثبت عند المسألة منطقها ـ آمين ـ اللهم غسلها بالماء والثلج والبرد ـ آمين ـ ونقها من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس ـ آمين ـ اللهم.»(9).

وبعد "الوقفة" السابقة أخذ الراوي يفسر للمتلقي فجيعة موت "نبوية" ووأد جسدها. والمهم هنا أن القهر أو ألم الفقد يتبلور منذ البدء، فمشهد الدعاء، يليه العزاء، ثم وصف الوجوه الحزينة، والعيون الممتلئة بالدموع، والملابس السوداء القاتمة الدالة على الحداد ... كلها متواليات سردية مكثفة تجسد قهر الذات، وما حل بها من موت وحزن وألم وجرح. وتتجلى نزعة الراوي نحو تجسيد قهر الذات أثناء تشييع جنازة "نبوية"، عندما أخذ في وصف المشاهد الطبيعية بطريقة مغايرة للمألوف، فيربط بين الفرع الأخضر المائل وحظه الذي مال، ويتلاقى نسيم الصباح البارد مع سخونة ألمه الداخلية، وتتحول الأقدام السائرة إلى أفواه متكالبة تنهش النجيل الأخضر الممتد، ويصير صوت ماكينة الطحين أشبه بصوت العواء.

ولم تقتصر تشكلات القهر وما يعكسه من آلام على الفصل الأول ـ فصل الاستهلال ـ وحسب، فيكاد الفصل الواحد من فصول الرواية(10) لا يخلو من ذكر فجيعة الموت بوصفها قهرًا مزلزلاً للذات، فالراوي يُلح على الموت وما يترتب علي وقوعه من قهر، ففي "الفصل الثاني" الذي جاء بعنوان: (الغيبة) حكى الراوي عن "عبد الفتاح" إلى أن ينتهي حكيه بحدث موته وعودته إلى بلاده محمولاً على الأكتاف داخل تابوت خشبي. كما سرد الراوي أيضًا مقتل "زوج سعادات" وقد وجدوه ثلاث قطع متناثرة، معبأة بأكياس البلاستيك. وفى "الفصل الثالث" والذي جاء بعنوان: (الترقب) انتهي بقهر الأستاذ "جميل المراغى" عندما تم تعذيبه بالجلد، وبعد عودته إلى بلاده يموت. ويبدأ "الفصل الخامس" ـ الإشارة ـ بحديث الراوي عن "الشيخ إسماعيل"، مؤذن المسجد، وقد وجدوه «ممددًا، وفاقد الروح، وبظهره آثار لسبعة كفوف»(11). وينتهي الفصل بمعاودة استرجاع الراوي لحدث وفاة أخته "نبوية". وفى "الفصل السادس" ـ التأهب ـ تحدث الراوي عن "شيخ الخفراء" الذى لزم داره حتى مات، وفى "الفصل السابع" ـ النظر ـ «مات "النحراوى" وعياله سقطت جدران بيته عليهم وهم نيام».(12)

وفى رواية "الأرض 53" لـ "عزت أبو رية" استهل الكاتب روايته بكابوس قاهر ومؤلم، يجثم على صدر "أم عرفة"، وسيتكرر هذا الكابوس ليلعب دورًا مهمًا باعتباره نبأ غيبي لمصير "عرفة" يقول الراوي:
«يتمثل لها "عرفة" وحيدها راقدًا على مصطبة طينية، شبح يتقدم منه، يبعث فيها رعبًا محمومًا، الشبح له وجه الثعلب، في يده سكين، الشبح له وجه الغراب، يقترب من عرفة، الشبح له وجه "العميرى" يغرس السكين في الصدر يشقه، يُخرج القلب.»(13) ومن الواضح أن الكابوس يكتنز بأشياء مخيفة فثمة كائن شبحي يأخذ وجهه أبعادًا ثلاثية لـ (حيوان وطائر وإنسان) إنهم: (الثعلب ـ الغراب ـ العميرى)، ويمسك هذا الشبح بسكين حادة، يغرسها في صدر "عرفة" ... إلخ. ولا يمثل هذا التوظيف شيئًا عابرًا في الرواية، لأن «العقل الإنساني يبنى عوالم محتملة كبدائل حقيقية مثل: الأحلام، الهلوسات، التخيلات»(14). والشخصية/ "أم عرفة" تدرك أن هذا الكابوس يُنبئ بحدوث مكروه لابنها فقد «تمطى في أعماقها هاجس مقلق، نبضات القلق تقوى وتشتد. لم تصبر على الجلوس، قامت تسعى بحثًا عن عرفة».(15)

والمهم هنا أن الراوي منذ البدء يستهل حكيه بكابوس مفزع، وهذا يجعل المتلقي يفطن إلى أن الجو العام للسرد سيكون جوًا مليئًا بالقهر والمعاناة والألم، لأن المفتتح جاء في صورة كابوس سيتم تفسيره مع تقدم الأحداث بأنه نذير الموت، وترتب عليه فقد "أم عرفة" لابنها الوحيد.

وفى رواية "حبو الظلال" لـ "ميرفت العزونى" تم افتتاح "الفصل الأول" مفتتحًا يمتلئ بالقهر، يبدأ الراوي بسرد مأساة "عيد"، والتي جاءت أشبه بمأساة "أوديب" ولكن بطريقة مغايرة، لأن عيد لم يقتل أباه ويتزوج أمه ولكن:
«أثناء عودتكم من العمل في الحقول، قطع عليكم الطريق رجال لعب الحشيش برؤوسهم، فجعل منهم قياصرة وملوكًا تدين لهم الأرض، يقتلون الرجال ويستحيون النساء. اثنان قيدا أباك بعد أن انهالا عليه بالضرب، الثالث شل حركتك. حط الرابع على أمك، توسلت إليه أن يتركها، استغاثت، تساقطت الصرخات في جوفها كأوراق جافة»(16)
.
من الواضح أن المفتتح السردي بُنى على القهر، إنه قهر الأقوياء/ الرجال للضعفاء/ الأسرة، وفى هذا النص السردي الاستهلالي تتوافر معظم عناصر الاستبداد والقهر، فالأسرة متعبة من العمل الشاق في الحقول، والرجال يتفوقون في العدد والقوة، وكان للمخدر/ الحشيش تأثيره الإجرامي فيهم، فقد أفقدهم رجاحة العقل، وخيل لهم أنهم ملوك وقياصرة، كما زين لهم انتهاك جسد الزوجة، بعد ضرب زوجها وتقييده، وشل حركة الابن ... وينتهي الأمر بقهر الأسرة، حيث وفاة الأم لإعيائها الشديد ـ بعد اغتصابها بعنف ـ ومقتل الأب خوفًا من تعقبهم والانتقام منهم ـ فيما بعد ـ وترك الابن لأنه طفل ضعيف، فقد أنقذه صغر سنه وضعفه من القهر والموت
.

وأخيرًا في رواية "إشراقات البوح" لـ "هانم الفضالى"، تبدأ الراوية حكيها بالارتداد إلى الماضي فتحكى عن موت "الجد" وما خيم على وجه "الجدة" من ملامح تعكس الحزن، تقول:
«رحيل جدي المفاجئ كان لطمة كبيرة على صفحة قلوبنا الملتاعة ... وأشد ما يدهشني هو ذلك البؤس الذى أراه على ملامح جدتي من جراء فراق جدي لنا، فقد خيم على وجهها الحزن والانكسار رغم وقوفها بصلابة واقتدار أمام المعزيات».(17)
ومن خلال النص السابق يتضح أن موت "الجد" يمثل قهرًا لذات "الجدة"، لما أحدثه الموت من فقد، وما نتج عنه من وحدة وحزن وانكسار
.

ومجمل القول: يتأسس المفتتح السردي داخل النصوص المختارة على الاستبداد والقهر وما يتبعه من ألم، عندما يبدأ بالقهر الذاتي لوجود الإنسان، فيأتي الموت كبداية للسرد ونهاية لحياة الإنسان، فتصبح البداية موتًا والموت فقدٌ وألم.

تشكلات الملابس .. تجسيد القهر والألم

تعد الملابس من أبرز الأشياء التي تُجلى بشكل واضح عن القهر، الذى يتمثل في الملبس، وما يعكسه من فقر وجوع وعرى، فمن خلال الملابس يستطيع الكاتب/ الكاتبة تجسيد معاناة الشخصية بطريقة فنية، فمثلاً:

فى رواية "نبوية الماشطة" تأتى الملابس على النحو الآتي: ("الحرام المرصع محيطه بالثقوب والرقع" ص19 ـ "كانت ملابسه كتلة من الطين والوسخ" ص24 ـ "يغالبون النعاس بسراويلهم المتسخة أثر الطين الجاف على أيديهم وأرجلهم" ص50 ـ "لباسي الطويل المهترىء" ص64 ـ "لباسه الطويل المهترىء" ص67 ـ "ملابسه الرثة، ووجهه المتفحم" ص72 ـ "يجر أسماله البالية، بالكاد تستر عورته" ص88 ـ "شمرت جلبابي الممزق" ص96 ـ "دائرة من الجلابيب المتربة والخرق القديمة" ص115 ـ "تسير النساء وقد طفقن يخصفن من أثوابهن المهترئة" ص119 ـ "جلبابه الأزرق الباهت" ص125).

جاءت الملابس في الدوال السابقة (مثقبة ـ مرقعة ـ ممزقة ـ مهترئة ـ متسخة ـ متربة ـ باهتة اللون). ولعل ترديد الراوي لكل هذه الصفات ليمثل من خلالها آلام طبقة الفلاحين ويلفت النظر إلى الكادحين في الأرض وقد هزلت أجسادهم وضعفت بنيتهم واتسخت وتآكلت ملابسهم.

وأيضًا في رواية "الأرض 53" يصف الراوي ملابس "مسعد"/ الفلاح الأجير وفى وصفها تتجلى معاناته وفقره: «"ربط جلبابه الوحيد على قليل من الخبز الجاف، ووقف حافيًا"».(18)

وأيضًا في رواية "حبو الظلال" جاءت ملابس "عيد"/ الفلاح «"قميصًا قصيرًا مفتوح الصدر بدون أكمام ... لصد برد الشتاء فصلت صديريًا من فرو الخراف"».(19) فملابسه شبيهة بملابس إنسان بدائي يحيا في عصر حجري، فيرتدى قميصًا قصيرًا صيفًا، ويفصل فرو الحيوان شتاءً .

تشكلات اللون .. تلوين القهر والألم
يتجلى القهر عبر اللون، فيأتي اللون الأحمر مرتبطًا بالجراح، والنزف، وسيلان الدم ـ في أحوال مختلفة ـ من الجسد الأنثوي بخاصة(20)، ولا يقف الأمر عند اللون الأحمر فالمبدع لا يكف عن توليد المفارقة الفنية عبر اللون الذى يجسد من خلاله القهر، وبحسب "د.يحيى خاطر": «الإنسان لا يمكن أن يتمثل مفردة أيًا كانت إلا ومعها لونها الخاص، أو لونها الذى يتخيله لها، أو لونها الذى تضفيه روحه ونفسيته (حزنًا أو سعادة) عليها، فنحن نلون الأشياء والمفردات، حتى إن كانت بلا لون.. فللحياة ـ مثلاً ـ لون، وللحزن لون»(21).

إن المبدع يلون القهر أو يشكله عبر اللون، وذلك عندما يعمد إلى تلوين الجسد وتشكليه، ومعروفٌ أن الجسد البشرى يتفاعل مع الألوان الطبيعية، فالألوان تصف الجسد، وكل لون يعكس ملمحًا مهمًا، وما يهمنا هنا هو رصد تشكيل القهر عبر اللون، حيث يتجلى ارتباط القهر باللون من خلال الجسد، والملابس، فإذا جاءت الملابس سوداء، فهذا سيعكس ـ بعامة ـ الحزن والحداد والموت، وإذا وُصف الوجه بالشحوب وتلون بالأصفر، فهنا سيتجلى الضعف والهزال وبوادر المرض، وربما طغى اللون الأصفر وتردد بكثرة ـ كما سنرى لاحقًا في التحليل ـ لينفتح على الموت بوصفه المآل الأخير للأجساد المقهورة، ولذلك فعلاقة القهر باللون الأصفر تعكس نهاية الحياة للجسد المقهور واقترابه من مثواه الأخير.

وحتى لا يطول بنا المقام، سوف نركز على تشكيل القهر من خلال لونين رئيسيين هما: الأسود والأصفر. وقد أكثر الراوي من توظيفهما في رواية "نبوية الماشطة". أما عن الأسود فهو لون الموت. يأخذ مساحة سردية كبيرة، وبخاصة في وصف الملابس السوداء القاتمة باعتبارها دلالة رمزية واضحة تُبرز الفقد والحداد. «فاللون الأسود رمز الحزن، ورمز الموت، ويدل على الفشل، ويدل على العسر والضيق»(22). وتزداد العبارات الدالة على الحداد المتجسد في ارتداء الملابس السوداء، كما ينعكس اللون الأسود ضمنيًا في ذكر الطين والوسخ حتى صار السواد دلالة لونية على تجسد قهر الفقد ومذلة الفقر. وعلى سبيل المثال يمكن أن تقرأ في رواية "نبوية الماشطة":
(
"امرأة متلفعة بالسواد" ص11 ـ "اللون الأسود .. يأخذ ولا يعطى" ص16 ـ "يا نهار أسود" ص20 وأيضًا: "يا نهار أسود" ص37 ـ "تُهيلين التراب فوق ردائك الأسود" ص24 ـ "اللون الأسود في عيني" ص24 ـ "السماء السوداء" ص34 ـ "طائر أسود" ص59 ـ "ثوبها الأسود" ص66 ـ "السماء في لون الرماد" ص75 ـ "كانت ملابسه كتلة من الطين والوسخ" ص24 ـ "يغالبون النعاس بسراويلهم المتسخة أثر الطين الجاف على أيديهم وأرجلهم" ص50 ـ "ملابسه الرثة، ووجهه المتفحم" ص72). فكل الترددات الدلالية السابقة تكشف عن باطن السارد المكلوم، حتى يصير السواد تيمة ثابتة يُكثر الراوي من تكرارها أو الإلحاح عليها، بحيث يمكن تسميتها بالرؤية السوداء للأشياء.

وفى رواية "إشراقات البوح" لـ "هانم الفضالى"، يشكل الأسود لون السهد والألم والحزن، عندما تعكس الهالات السوداء حول العينين ما تعانى منه الشخصية، فتقرأ:
«انتفضت بجسدها المرتعد الذى طفح على ملامحها حزنًا شكل هالات سوداء حول عينيها»(23)
.

أما عن اللون الأصفر فهو لون المرض، ومعروفٌ أن وجه الإنسان يوصف بالقوة والحيوية إذا تورد وجهه باللون الأحمر، في حين يرتبط شحوب وجهه بالصفرة التي تعكس العلة والمرض والضعف والهزال وبعامة اللون الأصفر يعكس المعاناة. ولذلك فثمة علاقة بين الجسد المقهور واللون الأصفر، إذ تتجلى في رؤيته المرض وما يترتب عليه من موت ووأد للجسد. وتكثر داخل الرواية الشواهد الدالة على ذلك، ومنها على سبيل المثال:
فى رواية "نبوية الماشطة" لـ "إبراهيم خطاب
":
(
"وجوه شاحبة" ص27 ـ "وجهه ذابلاً" ص67 ـ "شحب وجه سليمان الجمالي" ص68 ـ "اعتلت صفرة الموت حمرة التفاح بخدود نساء العزبة" ص72 ـ "الوجوه الصفراء مازالت" ص119 ـ "تنتابهم صفرة الموت" ص128).

وأيضًا في رواية "الأرض 53" لـ "عزت أبو رية": «تصفح مسعد الوجوه، فوجدها ـ لأول مرة ـ باهتة قلقة»(24)، وفى موضع آخر من الرواية: «كان وجهه أصفر ضعيفًا»(25). إذن، يتجلى ارتباط اللون بالقهر والألم في علاقة حميمة تعكس البنية الفنية التي توحي بالتحول أو التغير؛ فالأسود المعتم يجسد الحزن والموت والهم والفقر، والأصفر الشاحب يلون الضعف والهزال والخوف والمرض.

تحولات اللذة إلى قهر وألم
تُعدُّ اللذة الجنسية أبرز اللذات الجسدية الواردة في النصوص السردية، ومن اللافت للانتباه أن هذه اللذة تتحول إلى قهر نفسي تارة، وجسدي تارة أخرى. ويظهر ذلك بوضوح في رواية "الأرض 53" وذلك في رسم الراوي لشخصية "لواحظ" ـ زوجة "العميرى" ـ وقد جاءت زوجة ماجنة، يسيطر عليها شبقها، فتجمح نحو الخيانة، ولا تنتقى من يُشبع غريزتها يستوي لديها مسعد/ الفلاح الأجير ـ لدى زوجها ـ بـالمهندس الزراعي/ صديق زوجها. ورغم أن "مسعد" قد وقع في شباكها وسقط إلا أنه عند عودته إلى منزله وبمجرد رؤية زوجته أخذ يسيطر عليه الشعور بالندم، ويجلس قلقًا، يقول الراوي: «لعن لواحظ في سره، وكل ما تنفثه حولها من سحر وشباب ومجون»(26). وإن كانت لذة "مسعد" قد تحولت إلى قهرٍ وألمٍ نفسي، فإن لذة "المهندس"/ العشيق مع "لواحظ"/ الزوجة الخائنة تنتهي بالفضيحة والألم الجسدي، وذلك عندما شبت فيهما النار وصارا «يتخبطان في غبشة الدخان ... جحظت العيون وهى تشاهدهما»(27). إذن، فمن الواضح أن اللقاء الحميم القائم على اللذة الجنسية ينتهي إلى نهاية قهرية، فقد راحت «الزوجة الخائنة ضحية شهوتها الجامحة وخيانتها لزوجها، لتصبح الخيانة معتمة النهاية، عندما تنتهي بالعذاب الجسدي لينال الخائن ـ العشيق والزوجة ـ جزاء ما اقترفه، ويذوق وبال أمره»(28).

الحيوانات والطيور والحشرات وسائط تنقل القهر وتسبب الألم
ليس من قبيل المصادفة أن يتشكل القهر ويتجلى الألم عبر وسائط غير بشرية، فيقوم الكاتب بتوظيف الحشرات والطيور والحيوانات لتسهم في نقل القهر، عندما تنقل المرض، أو استعمالها مجازيًا بوصفها رموزًا لها دلاتها ومعناها المرتبط بالقهر والألم، لأن توظيفها الدلالي «يُعَدُّ علامة أو بؤرة علامات ذات وظيفة قصصية ما، سواء كانت رئيسية أو ثانوية ... فكلُّ ما يُعلن عنه الراوي يُصبح دالاً روائيًا مُحيلاً علي بُعدين اثنين: أحَدُهُما وظيفي والآخر مَعْنَويّ غرضي»(29). وعلى سبيل المثال:

في رواية "نبوية الماشطة" أجاد الكاتب توظيف كائنات غير بشرية(30) توظيفًا فنيًا، فهو يأتي بحيوانات ترمز إلى شدة التحمل مثل: "الحمار" وما يوصم به من غباء وعناد في آنٍ واحد، كما يجسد من خلال "الأرانب" الجبن والخنوع. وقد «يحدث التشاؤم من بعض الحيوانات إذا ما صدرت عنها أصوات أو أتت أفعالاً غير معتادة»(31). ففي حكيه عن "القط الأسود" رسم صورة من الهلع والفزع، هلعٌ من رؤية قط بفرو أسود، وفزعٌ من صوت موائه الممتد، وما صاحب ذلك من تطير وقهر وألم داخلي انتاب الراوي. بالإضافة إلى إتيانه بطيور مثل: "الغراب" ولا يخفى ما يرتبط به الغراب من نحس وشؤم وسوء طالع، ونذير الموت والخراب. وقد اختتم الفصل الخامس ـ الإشارة ـ بجلوس الراوي «بجوار تقفيصة الفراخ حتى هبطت بنات النعاس»(32). ولعل هذه الصورة تعكس الانهزامية ومدى ما وصل إليه الراوي من قهرٍ وتدجين وخور واستكانة، أقعدته بجوار الفراخ في انتظار النوم.

لم يقتصر القهر على الإنسان ولكنه يلحق أيضًا بالحيوان، ولا سيما إن كان هذا الحيوان هو الحمار، وما يُعرف عنه من تحمل المشقة والعمل مع الفلاح في الحقل، وفى رواية "الأرض 53" دارت الأحداث في فضاء القرية/الريف، وجاء الحمار مرتبطًا بالفلاح والأرض، فالحمار يتقاسم مع الفلاح العمل والمشقة، ومن ثم فلا عجب أن يقع عليه القهر والألم، ففي مفتتح الفصل الذى حمل رقم (9) يُطالع المتلقي الصورة الآتية:
«تحرك الحمار الأسود بخطوات واهنة فوق كومة التراب يتشمم ما حوله لعله يجد بعضًا من أعواد القش يبتلعها، تناثرت الجروح المتقيحة على ظهره، تجمع الذباب حول حدقتي عينيه، سار بخطوات فصار ينظر إلى الدنيا المتغيرة حوله. بعد أن بيعت كل مواشى البرنس ولم يتقدم أحدٌ لشرائه، فأضيف في دفاتر العهدة مع دوار قديم متهالك، وكومة تراب»(33)
.
وعلى مدار الرواية بأكملها سيلاحظ المتلقي أن ثمة قواسم مشتركة للقهر يشترك فيها الإنسان/الفلاح، والحيوان/الحمار، حيث يقع عليهما: الجوع والمرض والألم والموت، ولا شك أنها عوامل قهرية تشكل السرد منذ الاستهلال وحتى النهاية
.

ولا يقف الأمر عند حد توظيف الحيوانات، فقد كان للحشرات دورًا وظيفيًا قهريًا ـ إذا جاز القول ـ فمن المعروف أن وجود حشرات "كالناموس" يُعد أمرًا طبيعيًا، خاصة إذا كان فضاء السرد هو عالم القرية، والبرك هي أبرز ما يشكل جغرافية هذا الفضاء، فالبرك «تحيط بالقرية، يتربى فيها الناموس، يمص دم الناس ويترك في عروقهم بذور مرض الرعاشة»(34). ومن اللافت للانتباه أن الكاتب جعل "الناموس" محورًا رئيسيًا في الرواية، ويظهر ذلك من واقع "التكرار"، ليصل عدد تردده داخل الرواية إلى (إحدى عشرة مرة)(35). وفى كل مرة يركز الراوي على رصد: «أسراب الناموس التي بدأت هجومها الليلي، وخاطر كالح ينداح في الأعماق، ويجثم على الأنفاس في ثقل: من الذى سيسقط في المرة القادمة فريسة لمرض الرعاشة؟!»(36). إذن فالناموس سبب القهر والألم والمعاناة لما يجلبه من مرض، ولا سيما حمى الملاريا أو ـ بحسب تسمية أهل القرية ـ مرض الرعاشة.

وفى مشهد "حريق بيت العميرى" أخذ الراوي يجسد الخطر عبر الحيوانات فيقول:
«الحيوانات تتشمم رائحة الدخان والخطر، فتظل واجفة مرعوبة، تُحرك آذانها لتلتقط الصفير والتوتر. تقعي الكلاب تتشمم رائحة الخوف، ويندفع الحمام مذعورًا»(37)
.
يصف الراوي في النص السابق أفعال الحيوانات وبخاصة الكلاب، ومن المعروف أن الكلب يميز بين «الأشخاص تمييزًا عجيبًا يعجزُ عنه الإنسان فيعرف صاحبهُ مثلاً مهما اختلف في شكل لباسه وهيئته وينسب بعضهم ذلك لحاسة الشم»(38). وإلى جانب ذلك يمكن الخروج من النص السردي بمؤشرات دالة على استشعار الحيوانات بالخطر والتأثر به، وبخاصة الكلاب، فثمة اعتقاد رائج يثير التطير والتشاؤم «من عواء الكلب وكذلك من جلوسه على ذيله بعد أن يلفه أسفله»(39)
.

وفى رواية "حبو الظلال" يعقد الراوي مشهدًا هزليًا مطولاً بين الإنسان/ عيد والحيوان/ الجاموسة(40)، عندما يحاول "عيد" سحب الجاموسة والسير إلى الحقل، فتتوقف، فيربت علي ظهرها ويخاطبها، ولكنها لا تتحرك وتطوح برأسها ويطول المشهد السردي ويجتمع الناس ولكنه ينتهي نهاية قاهرة، عندما تتراجع الجاموسة للخلف وتقهر "عيد" بوقوعه على الأرض. وفى موضع آخر من الرواية يقع "عيد" فريسة سهلة لذئب هاجمه فجأة، وحاول أن يفتك به: «قريبًا من حقل الغاب، كاد يفتك بك، على صرختك خرج الرجل من مخبئه، وقتله برصاص بندقيته»(41). ومن خلال هذه التوظيفات السردية يتبين أن «كل ما يلج النص من أشياء وإنسان وحيوان وأفكار يفقد خصائصه الأولي ويحصل علي أخري سياقية داخلية»(42).

أما في رواية "إشراقات البوح"(43) ـ وهى رواية نسوية ـ فلم تتسبب الحشرات أو الحيوانات في إنتاج القهر والألم، بل انفردت الرواية بتصوير القهر الذكورى، فالزوج ينهال على زوجته ركلاً وضربًا، وتحكى الراوية عن مشهد ضرب جدها لجدتها:
«يا له من مشهد؛ تلك جدتي قد تشابكت ذراعاها فوق وجهها لتخفيه عن ناظري جدي الثائر، وأناتها الخافتة وهى تلكم هنا وهناك!! وقد أنقذها خالي في إحدى المرات حين وقف معترضًا بينهما ليتلقى الصفعات وكأنه ـ بصدره العريض ـ سد منيع يحافظ على ما تبقى لجدتي من كرامة، ولا يتركها حتى تهدأ وتستكين في فراشها، فيدثرها ويناولها المرطبات وبعض المسكنات»(44)
.
يتجلى في النص السابق قهر الأنثى وآلام وآثار الضرب المبرح الواقع على جسدها من قِبل الزوج، كما يؤكد النص على تكرار مرات الضرب الواقع عليها، ولعل هذا يُظهر بوضوح تجلى الفروق النوعية في الكتابة الروائية، فالكاتبة/الأنثى تصور القهر من منظورها الأنثوي، عن طريق تمثيل قمع الزوج أو قهره لزوجته بالضرب العنيف
.

إفرازات الجسد .. إفرازات القهر والألم
يتبلور القهر والألم عبر الإفرازات الجسدية، ولقد «اقترحت "جوليا كريستيفا" الاهتمام بالسوائل الجسمية واستكشاف ما يتعلق بها من أفكار وما تحيل عليه داخل النظام الاجتماعي»(45). ومن اللافت للانتباه في النصوص المدروسة أن الإفرازات في الرواية الذكورية اختلفت عنها في الرواية النسوية، ففي الروايات المكتوبة بقلم كاتب/ذكر جاءت إفرازات الجسد ماثلة في (الدموع والعرق) في حين ركزت الكاتبة/الأنثى على جعل الدم إفرازًا محوريًا دالاً على ألمها الجسدي(46)، فمثلاً:
فى رواية "نبوية الماشطة" يحرص الراوي على ذكر: (الدموع والعرق). وتتوازى هذه الإفرازات مع الألم، بمعنى أن: الدموع = الحزن والبكاء. والعرق = الكد والتعب. كما ذكر الراوي (البول) بوصفه إفرازًا خرج منه لاإراديًا لشدة خوفه وفزعه فيقول: «ارتعشت أطرافي، يقترب الظل ،تمامًا، أحاول أن أصرخ .. أو ..؟؟ واضعًا رأسي بين ذراعي، شعرت ببلل دافئ يصيب ما بين فخذي»(47)، ويرد ذكره في موضع آخر: «ارتميت في جيوب ارتعاشتى، وقد أصاب البلل سروالي»(48)
.

وفى رواية "الأرض 53" يتردد ذكر العرق (ست مرات)(49)، باعتباره دالاً على المرض، وأيضًا يعكس العناء والتعب ومشقة العمل في الأرض.

إن إفرازات الجسد المسرود من منظور ذكوري تنطلق من قوانين عالم الرجال، حيث يُبنى الألم بمنطق خاص، وفى المقابل يتحكم المخيال النسوى في تشكيل الإفراز الجسدي المنتج للألم. فالكاتبة/ الأنثى تركز على "الدم" فتستحضره باعتباره إفرازًا جسديًا يجسد إرهاصاتها الخاصة. وهنا نؤكد على الاختلاف النوعي الذي يتدخل بشكلٍ ملحوظ في تشكيل الخطاب الروائي، فـ «ثمة خصوصية أنثوية ما، شأنها شأن الخصوصية الذكورية: علامة اختلاف، وليس معيارًا أو قيمة أو امتيازًا أو نقصانًا. والاعتراف بهذه الخصوصية هو اعترافٌ بالاختلاف يقتضى التحليل والتأويل، ويشتغل على المعرفة وليس على المفاضلة»(50).

ففي رواية "حبو الظلال" تأتى الإفرازات الجسدية في شكل قطرات دموية دالة على بلوغ فاطمة/ الأنثى حيث يكتسب «الدم أهمية من علاقته الكبيرة بالمرأة، التي لا يمكن أن تكون امرأة إلا بالدم»(51). وما يصاحبه من ألم فتقول الراوية:
«شعور مؤلم أن تعيش بنت وحيدة وسط خمسة رجال، تخاف بقع الدم، وتظن أن تضاريسها لعنة تحاصرها»(52)
.
وفى موضع آخر من السرد يتجلى ألم الدم بشكل واضح ولغة مباشرة، وذلك عند زواج "فاطمة" ومشهد فض غشاء البكارة، ونزول الدم وما ترتب عليه من آلام نفسية وقهر جسدي
:
«فى حجرة النوم ثلاث نساء دخلن معك، امرأة باعدت بين فخذيك، ثم ضغطت بقوة على الساق اليمنى، الثانية أمسكت اليسرى، الثالثة شلت حركة ذراعيك. بإصبعه الملفوف بالشاش خرق منصور خزان الدم»(53)
.
من الواضح أن الكتابة النسوية تعطى الدم نوعًا من الخصوصية، عندما تجعل منه إفرازًا دالاً على البلوغ، وعلامة دالة على العذرية، وفى كلتا الحالتين يتجلى القهر ويتبلور الألم، مما يدفع إلى القول بأن الكاتبة لا تحكى عن المسكوت عنه بقدر ما تجسد تغيرات بيولوجية تنتقل بها من طفولة إلى بلوغ لتصبح أنثى، كما تصور ممارسات انتهاكية لأنها «تصبر على ألم الافتضاض مقابل الحصول على شهادة الشرف التي يقدمها لها المجتمع ليلة الزفاف لتصبح زوجة»(54). وهى في كل هذه الأحوال يقع على جسدها آلام نفسية ومعنوية وبدنية.

ولم تقتصر الكاتبة على هذا الملمح القهري للأنثى، بل فتحت مساحة سردية كبيرة للبوح عن المسكوت عنه، وما تلاقيه الأنثى من قهرٍ وزجرٍ يقع عليها من جانب "الأم" بشكل خاص، فالأم تخشى على عذرية البنت من الخدش، لأن خدشها وما يطفر عنه من قطرات الدم، سيترتب عليه خدش شرف الأسرة وما سينتج عنه من فضيحة، وفى النص الآتي تتبلور هذه القضية بوضوح، فتقرأ:
«أشياء كثيرة تنكشف لكِ.. ألهذا السبب ظلت أمك تحذرك كلما قفزتِ: "حسبي عذريتك أنتِ هتفضحينا
".
عندما طفرت الأنوثة، وبرزت على السطح، كنتِ تهربين من نظرات أبيك وأخوتك، وتعاقبين على أشياء لم تقترفيها
.
ـ أموتك لو شفت دم الحيض على هدومك
.
شعورٌ مؤلم أن تعيش بنت وحيدة وسط خمسة رجال، تخاف بقع الدم، وتظن أن تضاريسها لعنة تحاصرها
.
إصبع منصور أحق بسكب الدم
.
الدم الذى كان محبوسًا في كلمة واحدة "عذريتك" الآن لا تريد أمك رؤيته، وتتجاهل النظر إليكِ
.
كنتِ ترغبين في أن ترى أمك عذريتك التي حافظتِ عليها، تنامين وتستيقظين بها، لكنها لم تفعل، لا لشيء أكثر من إيمانها العميق بأن الخوف الذى نقعتك فيه كان وحده كفيلاً بصيانتها»(55)
.

من المعروف أن "ضمير المتكلم" يتمتع بدرجة طغيان عالية في النصوص السردية بشكل عام، «أي أن الراوي فيها هو البطل الذى يروى الحكاية من وجهة نظره ويقدم بالتالي الشخصيات الأخرى المحيطة به في الرواية كما يراها هو وليس كما هم في الحقيقة والواقع»(56). ولكن الكاتبة في النص السابق لم ترتكز في خطابها على "ضمير المتكلم" بل بنت خطابها على "ضمير المخاطب"، ربما لتُظهر مدى قربها من الشخصية، أو من القضية المطروحة، كما أن ضمير المخاطب يجعل المتلقي أيضًا قريبًا من الشخصية، حتى وإن كانت شخصية ورقية إلا أنها تحمل سمات واقعية، والكاتبة هنا تخاطب الشخصية لتروى لها ما وقع في حياتها، خاصة وإن كان حدثًا له خصوصيته النسوية كما نلاحظ، ومن المثير للجدل أن الأم تتبنى نظرية القهر في تربية البنت، عندما تستبد بابنتها وتقهرها، فتبدأ بالتحذير ثم التهديد بالموت، فـ «"الأم" تُكرس نفسها لرعاية القيم الذكورية وتطبيقها على البنت، وبذلك تعمل "الأم"/الأنثى على حماية قلعة الرجال بتهيئة أنثاها/ابنتها للرضوخ والامتثال»(57).

وأيضًا من اللافت للانتباه أن النص السردي يرتكز على إفراز جسدي قاهر لذات الأنثى، وإن ظهر في النص على نحو موجز، إلا أنه يختزل في طياته حدثين مختلفين زمنيًا، هما: (البلوغ/ دم الحيض) و (الزواج/ دم العذرية)، ويتجسد في النص ما يقع على البطلة/ الأنثى من آلام نفسية في الحدث الأول، وما تتعرض له من آلام جسدية قهرية في الحدث الثاني(58).

وفى رواية "إشراقات البوح" لـ "هانم الفضالى" تطرقت الراوية إلى الدم النازف عند الختان وفض البكارة، فتسرد بطلة الرواية مشهد ختانها بطريقة تفصيلية منذ البدء وحتى النهاية، تقول:
«ارتديت الفستان الأبيض مرتين .. مرة في الثامنة من العمر، كنت مزهوة بضفائري المسدلة أمامي والملفوفة بشرائط حمراء .. تنطلق الزغاريد مدوية تخرسها أمي بحجة أن الوقت لم يحن بعد .. تكتفني اثنتان من صديقات أمي ويجلساني على الأرض ملتصقة بالحائط تقبل على سيدة سوداء الوجه ممسكة بسلاح أبيض تقطع به جزء من لحمى .. أصرخ .. أولول .. أستغيث بأمي ويطيش عقلي لرؤية دمائي النازفة وقطعة اللحم الملفوفة بالقماش الدامي والمعلقة على صدري .. تسكب ذات الوجه الأسود السبرتو الأحمر على جرحى فتزداد النيران تأججًا تحتي، ويعبأ الجو برائحة السبرتو النفاذ التي تخنقني, ويزداد صراخي علوًا ويستمر حتى الإغماء.»(59)

في النص السابق تُجلى الراوية المختونة عن أثر الختان عليها، كاشفة في سرد تفصيلي مباشر عن قهرها وجرحها وآلام نزفها والعنف الممارس ضدها. لأن ختانها «تبديد لشخصيتها، وطعن في هويتها، عندما يُعتقد أنها تفيض شهوة، ويكون ختانها ترويضًا لجسدها»(60). ومن المثير للانتباه في هذا المشهد السردي أن الأنثى: (الراوية/المختونة) هي الضحية وأيضًا الأنثى: (الأم ـ اثنتان من صديقات الأم ـ سيدة سوداء الوجه) هي الجلاد، بمعنى أن الأنثى هي الضحية المختتنة والأنثى هي الجلاد الذي يختن، فالأم تدبر لعملية الختان، والصديقتان تشاركان في التنفيذ، والسيدة ذات الوجه الأسود تقوم بعملية الختان. ولعل هذا يدفع إلى القول (إن الأنثى تستمد قهرها وألمها من أنثى مثلها).

وفى موضع آخر تحكى الراوية عن ليلة عرسها ودماء عذريتها المبقعة لبياض فستانها لتمثل من خلالها القهر الواقع على جسدها، تقول:
«أصرخ منددة بألفاظ نابية .. يغلق فتاي فمي بأصابعه الملتحمة ويصرعنى ألم حاد بعد أن اختل التوازن بين رجاحة العقل والنهم الغريزي.. أستسلم لإغماءة طويلة وأفيق ليصطدم بصري بتلك البقع الحمراء المنتشرة على فستاني الأبيض والطبيب أمامي باسمًا يحاول خفض حرارتي والأهل من حولي يتمتمون بالشكر والحمد لله على سلامة اليقظة»(61)
.
وفى النص السابق يتجلى العنف والألم الحاد الذى وصل إلى حد الإنهاك الجسدي وفقدان الوعي، فالنص يعكس ممارسة جسدية قهرية، تخرج عن حد الانفعال العاطفي ـ في الأوقات الحميمية ـ لتدخل في إطار عنف الفض ورغبة قهر الجسد وانتهاكه، حيث تصور (الراوية/ البطلة/ الأنثى) ليلة زفافها بصراع شرس، عندما تخلى فتاها/ زوجها/ الرجل عن رجاحة العقل الذى اختل أمام سطوة الغريزة، ورغبة إثبات الفحولة الذكورية المفجرة للدم، وهنا تحولت عاطفة الحب الطهرانية إلى افتراس حيواني دموي، لا يتماشى مع المودة والرحمة البشرية بقدر ما يراعى تطبيق الأنساق الثقافية
.

ترددات الصوت والصمت .. تحولات القهر والألم
لا تقف تجليات القهر والألم عند اللون بوصفه تجسيدًا مرئيًا؛ بل تنفتح ـ أيضًا ـ على الصوت المسموع، الذي يصبح عنصرًا حيويًا ومفيدًا ودالاً إلى حد كبير على القهر والألم، عندما ينطلق الصراخ ليعبر عن قهر الفقد، وفجيعة الموت، وقد يسود الصمت ليعكس قهر النفوس المستكينة التي لا تجرؤ على التصريح والإفصاح فتستكين للقهر وتقابله بالصمت.
ففي رواية "نبوية الماشطة" يوظف الراوي الصوت ليمثل إطارًا ضروريًا يحقق نوعًا من التوازن الجوهري بين شدة القهر وعلو نبرة الصوت، وقد عدد الراوي من ذكر الأصوات الدالة على شدة الوجع، فجاءت: (شهيق، نعيق، صراخ، عواء، نحيب، عويل)(62)
.
وإذا كان الصراخ والعويل أصوات عالية تعبر عن القهر والتألم المسموع خارجيًا؛ فإن الصمت يعبر عن الألم المكتوم داخليًا، وذلك عندما يدفع الخوف إلى الصمت، فهنا يصبح الصمت تجسيدًا لألم الخوف والعجز عن النطق
.

ففي رواية "نبوية الماشطة" لم يمتلك الراوي الجرأة ليُفصح عن وجع القهر السياسي(63)، فدفعه خوفه من الكلام إلى الصمت، ويتبلور ذلك بوضوح في الأمثلة الآتية، فتقرأ:
ـ «الخوف بنطالى الفضفاض، ملتحفًا عباءة صمتي»(64)
.
ـ «الصمت واحة المرجفين»(65)
.
ـ «لحظات من الصمت والموت الذى يهز كل المفاصل»(66)
.
ـ «لم أستطع صبرًا، تحزمت بخوفي ... اعتصمت بسكوني، تجمدت النظرات في عيني، اللسان يرتعش»(67)
.
ـ «الرعب كل الرعب ينتابني، سحابة الدخان غطت كل شبر، عصفت بي رياح الخوف»(68)
.
ـ «نخلة الفزع أطلقت جريدها في فضاء جسدي»(69)
.
ـ «تحزمت بهلعي والصمت واحة المرجفين»(70)
.

ـ «شعرت بقشعريرة تسرى في بدني، هسهسات الوهم تناوشني ... طقطق شعر رأسي شيبًا»(71).
ورغم أن الصمت قد مثل نجاة للراوي فإن صمته يمثل قهرًا، لأن صمته جاء مبطنًا بالألم، فقد ربط بين الخوف والصمت وما صحبهما من آلام نفسية وقهرية مثل: (الرهبة، الرعشة، الرجفة، القشعريرة، الرعب، الفزع، الهلع ... وغيرها). ولعل هذه المفردات من الممكن أن تشكل معجمًا دالاً على الخوف وآثاره على الجسد، والمهم أنها مرتبطة بالمعاناة والألم
.

وفى رواية "حبو الظلال" لـ "ميرفت العزونى" يتجسد القهر في صوت "الأم" المغتصبة، فتقرأ:
«حط الرابع على أمك، توسلت إليه أن يتركها، استغاثت، تساقطت الصرخات في جوفها كأوراق جافة»(72)
.
إن تدرج الصوت هو أبرز ما يلفت انتباهنا في هذا النص الموجز، يبدأ الصوت بالتوسل فالاستغاثة فالصراخ، "فالأم" تُغتصب، فتعبر عن قهرها واغتصاب جسدها، بدرجات صوتية مختلفة النبرات، تبدأ بنبرة صوت منخفضة لأنها تتوسل إلى المغتصب ليتركها، فلا يستجيب لتوسلاتها، وهنا تعلو نبرة الصوت لأنها تستغيث ولا مغيث لها، ومن ثم تزداد نبرة الصوت علوًا وحدةً، لأنها تصرخ لتُسمع صوتها، فيأتي ـ مثلاً ـ من ينقذها، ولكن ذهبت صرخاتها العالية أدراج الرياح
.

شعرية اللغة .. جماليات القهر والألم
تقوم المفردات والقوالب اللغوية بوظائف تعبيرية جمالية، وسنحاول ـ فيما يلي ـ إبراز جماليات اللغة وشعريتها التصويرية، عندما يصطبغ القهر والألم بصبغة دلالية ترتكز على شعرية تصويرية تتوازى مع البنية الواقعية الماثلة في النص السردي الذى يعكس في طياته القهر المعيش.
إذن سنسعى إلى تحليل النماذج المختارة انطلاقًا من البنية التصويرية، ومحاولة استكشاف دورها الدلالي والوظيفي داخل النص، فمثلاً إذا نظرنا إلى رواية "نبوية الماشطة" سنجدها تتميز بتوظيف مقاطع سردية لها نهايات سجعية، فمثلاً يمكن أن تقرأ هذه الدفقة السردية وما فيها من نداء ومناجاة نفسية للراوي/البطل
:
(يا من يحقق للفتى المطلوب، وصبرت يا أيوب
.
يا من بُليت بالظلم والمكتوب
.
كاس الهنا كلما أدرته، جاءني بالمقلوب)(73)
.
هكذا يركز الكاتب على شعرية اللغة المفعمة بالقهر والألم، ففي ثنايا السرد يُوظف مثل هذه المقطوعة ـ وغيرها كثير(74) ـ ليجعل قهر البطل النفسي ممتزجًا بالمناجاة الشعرية، فالمقطوعة أشبه ما تكون بشعرٍ عامي أو موال شعبي يمتلئ بمشاعر الأسى والحسرة والندامة(75)
.

وفي رواية "الأرض 53" تتسم لغة الراوي الوصفية بالشعرية المتسقة مع ذاته الداخلية المتألمة، عندما يرى الراوي مظاهر الطبيعة ـ بعناصرها المختلفة ـ رؤية شعرية تجسد ألمه فمثلاً:
(
"اصطبغت السماء بلون أحمر قانٍ وظل أم عرفة الطويل يسعى لاهثًا خلفها" ص20 ـ "كان الجو رماديًا قاتمًا" ص30 ـ "لفحات الشمس الحارة" ص76). وأيضًا في رواية "نبوية الماشطة" ("تمور السماء مخلفة شررها الأحمر القاني" ص74 ـ "انفلتت عصافير النهار عبر نافذة السماء فارتدت الأرض حلة الفزع" ص83).
ولعل هذا المناخ يُشعر المتلقي بمحنة الراوي الداخلية، والبارزة في رؤيته التشاؤمية حيث تتبدل أمام عينيه مناظر الطبيعة لتظهر بصورة تتواكب مع ذاته المقهورة
.

وفى رواية "حبو الظلال" تم تصوير قهر الموت وآلامه الواقعة على هنية/ الأم التي فقدت ولدها/ صقر، فتقرأ:
«كنتِ تظنين أن سماءك ربيعية، تخلو من غيوم الموت الداكنة. الموت .. تسحب وانقض على فرخٍ من فراخك وأسكنه دهاليزه المظلمة»(76)
.
يكتنز هذا النص بشعرية تصويرية، فالحياة المستقرة أشبه ما تكون بالسماء الصافية في فصل الربيع، التي تخلو من الغيوم، ولكن لا تخلو هذه السماء/الحياة من ظهور مفاجئ لغيوم سوداء قاتمة، إنها الموت الذى يُعكر صفو الحياة ويقهر الإنسان، بتفريقه بين الأم وأحد أبنائها، وكأنه انقضاض وافتراس لفرخٍ من فراخها
.

وأيضًا في رواية "إشراقات البوح" تظهر جماليات اللغة التصويرية في وصف فقدان الأب، فتقرأ:
«وجود أبى في حياتي كان مصدرًا للأمان والاطمئنان والسكينة .. إنني كمن يقف على جبلٍ عالٍ يعصمني من الغرق في دوامات الحياة، وفجأة انهار بي فردمنى بأتربته وأحجاره فأصبحت الضعيفة الواهنة»(77)
.
في المقطع السردي السابق وظفت الكاتبة صورة استعارية تبلور فيها القهر والألم بوضوح، فـ "الأب" أشبه ما يكون بالجبل، فهو يمثل للراوية مصدر القوة، ونقطة الارتكاز، وطوق العصمة والنجاة من الغرق في متاهات الحياة، وذلك لأن الجامع بين (الأب) و(الجبل) صفات ممتزجة، فالأب هو: (الرجل/ الذكر/ القوى)، والجبل هو: (الجماد/ الصلب/ الراسخ)، ومن ثم فموت الأب يشبه انهيار الجبل، وما ترتب على ذلك من فقدان السند بالنسبة للراوية/الأنثى التي أصبحت مقهورة، ضعيفة، وهى الأنثى التي تحتاج إلى أب/ رجل ترتكز على وجوده الذكوري في حياتها، الذى يمثل نقطة ارتكاز، ومصدر قوة مضادة تلجأ إليه، وتلوذ بجانبه في أوقات الشدة، وما تلاقيه من قهر الزوج لها. وما يهمنا هنا بروز شعرية اللغة التصويرية، وما تعكسه من جماليات
.
كما تربط الراوية بين القمر المخنوق وحدث سياسي مؤلم وقاهر للعالم العربي، ألا وهو الغزو الأمريكي للعراق تقول
:
«كان القمر مخنوقًا في كبد السماء المكفهرة بسحب دكناء تمتمت النسوة بالدعاء لانفراجه من أزمته حتى ينشر فضيته على قلوبنا الساكنة حزنًا من جراء ما شاهدناه على شاشة التلفاز من أحداث مريعة!»(78)
.
إن هذه الرؤية الشعرية الحزينة للقمر المخنوق لا تتشكل بعيدًا عن القهر السياسي العالمي وما ينتج عنه من وجع كامن في نفس الراوية ـ وفى نفس أي عربي ـ مما يدفعها إلى تشكيل صورة شعرية كئيبة. وبذلك يتسع خيال الكاتبة لتُكسب لغتها السردية النثرية لونًا من الشعرية التصويرية، عندما تجمع تراكيب فنية لها قيمتها الجمالية في رسم هذه الصورة المتخيلة داخل نص سردي ينحو في مواضع كثيرة منحى الواقعية، ومن ثم فالكاتبة تعمد إلى تطعيمه من حين لآخر بإضافات تصويرية تربط فيها بين الخيال والواقع في آنٍ واحد
.

(4) الخاتمة وأهم النتائج:
كانت هذه الورقة البحثية محاولة نقدية، راعينا فيها الإيجاز، وقد ظهر ذلك في التنظير والتحليل النقديين، ومن ثم سنوجز أبرز ما توصلنا إليه في النقاط الآتية:
إن القهر والألم يمثلان البؤرة المركزية التي تتدخل بشكل كبير في تشكيل النص الروائي، فلم يغب القهر عن السرد ولم يتشكل الخطاب الروائي بعيدًا عن ترددات الاستبداد والقهر والألم، وقد ظهر ذلك في الاستهلال أو المفتتح السردي، وأيضًا انعكس القهر عبر وصف الملابس، والألوان وإفرازات الجسد والكائنات غير البشرية من طيور وحيوانات وحشرات، وكيف تتحول هذه الكائنات إلى وسائط تنقل القهر، بل وتسبب الألم الجسدي الذى يلحق بالإنسان، كما تجسد القهر في الصوت والصمت واللغة.

إن اختيار نموذجين ذكوريين، ونموذجين نسويين، لرصد تشكلات القهر والألم، كان محاولة للإجابة على السؤال الآتي: هل تتأثر تشكلات القهر والألم بالفوارق النوعية أو تخضع لجنس المبدع؟! ومن خلال البحث والتحليل لاحظنا وجود تشابهات بين جميع الروايات المختارة وذلك في تشكيل كثير من عناصر الاستبداد والقهر، في حين تظهر اختلافات في تشكلات القهر والألم تبعًا للنوع، لأن تشكيل القهر في النصوص السردية لا يتم وفق المؤثرات الثقافية والاجتماعية والسياسية فحسب، ولكن أيضًا وفق الاختلافات النوعية واختيارات (الكُتَّاب/ الكاتبات)، ومن خلال التحليل النقدي للنصوص تجلت خصوصية السرد النسوى، حيث كشفت الكاتبة/ الأنثى عن القهر الواقع عليها بشكلٍ خاص.

إمعانًا في تشكيل الاستبداد والقهر في النص السردي، قام الكاتب ـ وكذا الكاتبة ـ بعملية تلوين، بمعنى أن مشاعر الاستبداد والقهر والألم المعنوية المحسوسة داخليًا في نفس الإنسان المقهور، تتحول إلى ماديات ملونة ومرئية خارجيًا في خيال القارىء والمتلقي للنص السردي، وقد ظهر ذلك في ألوان بارزة مثل: (اللون الأحمر) وما يعكسه من قهر ماثل في الجراح والنزف، وأيضًا (اللون الأصفر) وما يعبر عنه من قهر يتجسد في الهزال والضعف والشحوب والمرض، وأخيرًا (اللون الأسود) وما يجسده من قهر الموت والحداد والحزن.

ارتبطت تشكلات القهر بالإفرازات الجسدية من: (دموع ـ عرق ـ بول ـ دم). وقد عكست هذه الإفرازات صورًا مختلفة للاستبداد والقهر والألم، فلم تقف هذه الإفرازات عند حدودها البيولوجية المادية، ولكن عكست الدموع تشكلات متنوعة للقهر من: (حزن ـ خوف ـ ندم)، كما عكس العرق دلالات: (العمل الشاق ـ المرض)، وجاء التبول اللاإرادي ليعكس: (الخوف والفزع) الشديدين، ومن المثير للجدل تكثيف الكاتبة من التركيز على الدم بوصف إفرازًا جسديًا يعكس القهر ويحمل أنساقًا ثقافية مختلفة، تُعدُّ من المسكوت عنه، وهى: (الحيض ـ الختان ـ العذرية) وجميعها ترتبط بالأنثى المقهورة.

الصوت والصمت، عنصران مفيدان ـ إلى حد كبير ـ في تجسيد القهر والألم، فالأصوات العالية تعبر عن القهر أو الألم المسموع خارجيًا؛ وكذا يعكس الصمت القهر أو الألم المكتوم داخليًا.

ظهر في تحليل تشكلات القهر والألم داخل النصوص المختارة تميز كاتبيها/ كاتباتها بقدرتهم/ بقدرتهن على بلورة الواقع المأزوم وما به من قهرٍ سياسي واجتماعي واقتصادي، وذلك بشكل فني غير مباشر يضمن للنص الأدبي جمالياته الخطابية، فقد حرص الكاتب/ الكاتبة على رسم صور شعرية للاستبداد والقهر والألم، فقامت المفردات والقوالب اللغوية بوظائف تعبيرية جمالية، حيث يصطبغ القهر والألم بصبغة دلالية ترتكز على شعرية تصويرية تتوازى مع البنية الواقعية الماثلة في النص السردي الذى يعكس في طياته القهر المعيش.

 إن (تشكلات القهر والألم) بلا حدود، بلا قيود، فلا يقف القهر والألم عند حد أو وصف بعينه، بل يتشكل ويتنوع بتحولات فنية في المواقف والأحداث والشخصيات والغايات، بل ويتدخل جنس الروائي/الروائية في بناء القهر وتشكيله فنيًا، ولا ننسى الأنساق الثقافية المهيمنة على تشكيل الخطاب الروائي، والتي يتبناها الكاتب/الكاتبة، بل ويخضعان لها.

 

أكاديمي مصري ــ يعمل في جامعة بنها ــ كلية الآداب ــ قسم اللغة العربية

 

(5) هوامش البحث:
(1) Tom Kindt and Hans-Harald Müller (ed) :What Is Narratology? Questions and Answers Regarding the Status of a Theory, Walter de Gruyter, Berlin, New York, 2003, p240.

(2) أحمد علوانى: خطاب الجسد في الرواية العربية في مصر "دراسة في نماذج مختارة" ـ مخطوط دكتوراه ـ بكلية الآداب ـ بنها ـ ص7.

(3) ميشيل بوتور: الرواية كبحث ـ ضمن كتاب الرواية اليوم ـ إعداد وتقديم: مالكوم براد برى ـ ترجمة: أحمد عمر شاهين ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ سلسلة الألف كتاب الثاني ـ العدد (198) ـ 1996 ـ ص45.

(4) د. عبدالله الغذامى: النقد الثقافي (قراءة في الأنساق الثقافية) ـ المركز الثقافي العربي ـ الدار البيضاء ـ المغرب ـ ط3 ـ 2005 ـ ص ص82 ـ 83.

(5) فريدريك جيمسون: التحول الثقافي (كتابات مختارة في ما بعد الحداثة 1983 ـ 1998) ـ ترجمة: محمد الجندي ـ مراجعة: د. فاطمة موسى ـ تصدير: د. السيد يسين ـ أكاديمية الفنون ـ وحدة الإصدارات ـ دراسات نقدية (2) ـ 2000 ـ ص15.

(6) صبري حافظ: البنية النصبة لسيرة التحرر من القهر ـ فصول مجلة النقد الأدبي ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ المجلد الحادي عشر ـ العدد الثاني ـ الأدب والحرية (الجزء الثاني) ـ صيف 1992 ـ ص104.

(7) Mike Featherstone and others: The Body : Social Process and Cultural Theory Theory, Culture & Society, Sage Publications Ltd, London , First published 1991, p20.

(8) نبيل سليمان: بمثابة البيان الروائي ـ دار الحوار ـ سورية ـ اللاذقية ـ ط1 ـ 1998 ــ ص39.

(9) إبراهيم خطاب: نبوية الماشطة ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ سلسلة كتابات جديدة ـ 2008 ـ ص10.

(10) راجع فصول الرواية: (الفصل الثاني وعنوانه: "الغيبة" ص ص17 ـ 27 ، الفصل الثالث وعنوانه: "الترقب" ص ص30 ـ 39 ، الفصل الخامس وعنوانه: "الإشارة" ص ص50 ـ 64 ، الفصل السادس وعنوانه: "التأهب" ص ص66 ـ 80 ، الفصل السابع وعنوانه: "النظر" ص ص82 ـ 92).

(11) إبراهيم خطاب: نبوية الماشطة ــ ص55.

(12) السابق نفسه: ص91.

(13) عزت أبو رية: الأرض 53 ـ دار المعارف ـ القاهرة ـ 1980ـ ص19.

(14) Daniel Punday: Narrative Bodies: (toward a corporeal narratology), Palgrave Macmillan, New York, First published 2003,p126.

(15) عزت أبو رية: الأرض 53 ـ ص20.

(16) ميرفت العزونى: حبو الظلال ـ دار العالم الثالث ـ القاهرة ـ روايات الثقافة الجديدة ـ 2005 ـ ص9.

(17) هانم الفضالى: إشراقات البوح ـ دار العالم الثالث ـ القاهرة ـ روايات الثقافة الجديدة ـ 2005ـ ص14ـ 15.

(18) عزت أبو رية: الأرض 53 ـ ص27.

(19) ميرفت العزونى: حبو الظلال ـ ص14.

(20) حرصًا على الإيجاز، والبعد عن التكرار سوف نعالج هذه الظاهرة في عنصر: (إفرازات الجسد .. إفرازات القهر والألم) لما اتسمت به من خصوصية في النموذجين النسويين، وسيتم الكشف عن ذلك في موضعه من هذه الورقة البحثية.

(21)  د. يحيى خاطر: اللون في شعر ابن المعتز (دلالات ووظائف) ـ توزيع منشأة المعارف جلال حزي وشركاه ـ الإسكندرية ـ 2001 ـ ص275.

(22) د. أكرم قانصو: التصوير الشعبي العربي ـ عالم المعرفة ـ الكويت ـ العدد (203) ـ نوفمبر1995 ـ ص111.

(23) هانم الفضالى: إشراقات البوح ــ ص39.

(24) عزت أبو رية: الأرض 53 ـ ص34.

(25) السابق نفسه: ص50.

(26) راجع: عزت أبو رية ـ الأرض 53 وأيضًا: ص47.

(27) السابق نفسه: ص53 وأيضًا: ص98.

(28) أحمد علوانى: السرد في فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء (آلياته ودلالاته) ـ المجلس الأعلى للثقافة ـ ط1 ـ 2009 ـ ص257.

(29) صلاح الدين بوجاه: في الواقعية الروائية  (الشيء بين الوظيفة والرمز) ـ المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ـ بيروت ـ ط1 ـ 1993 ـ ص 91.

(30) راجع الرواية: الصفحات (20 ـ 26 ـ 52 ـ 53 ـ 63).

(31) فارس خضر: ميراث الأسى (تصورات الموت في الوعي الشعبي) ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ 2009 ـ ص70.

(32) إبراهيم خطاب: نبوية الماشطة ـ ص64.

(33) عزت أبو رية: الأرض 53 ــ ص54.

(34) السابق نفسه: ص21.

(35) راجع الرواية: الصفحات (21 ـ 22 ـ 23 ـ 24 ـ 30 ـ 33 ـ 43 ـ 53 ـ 57).

(36) عزت أبو رية: الأرض 53 ـ ص23.

(37) السابق نفسه: ص97 ـ 98.

(38) إثبات وجود الله ـ مجلة الهلال ـ الجزء الرابع من السنة الأولى أول ديسمبر 1892ـ ص116.

 (39) فارس خضر: ميراث الأسى (تصورات الموت في الوعي الشعبي) ـ مرجع سابق ـ ص71.

(40) راجع: ميرفت العزونى: حبو الظلال ـ ص ص98 ـ 100.

(41) السابق نفسه: ص33.

(42)  صلاح الدين بوجاه: في الواقعية الروائية "الشيء بين الوظيفة والرمز" ـ مرجع سابق ـ ص127.

(43) تميزت هذه الرواية بوجود فصلين كاملين عن القهر، يأخذ أحدهما عنوان: (قهر جدتي) ــ ص ص45 / 51 والآخر بعنوان: (أوجاع جدتي) ــ ص ص53 / 65. وفى الفصلين تم طرح قضية القهر، والقوة القهرية الاستعمارية الغاشمة، وما فعلته أمريكا بالعراق، وما ترتب على ذلك من آلالام قهرية، فالراوية تحكى عن "جدتها"، وما شعرت به بعد رؤية مشاهد ضرب العراق على شاشة التلفاز، فقد: (توقفت جدتي لحظة لتمسح دمعة سقطت سهوًا من عين حمأة من القهر ... وهمست وكأنها تحدث نفسها: ربما تباع الكرامة في سوق النخاسة.. وربما تغتصب الأرض بقوة قهرية ولكنهما في النهاية ستردان بإصرار الشعب وصموده وقدرته على المقاومة وتغيير المصير ... لأول مرة أسمع نحيبًا عالياً لجدتي الصامدة دائمًا زلزل كياني كله، فاتكأت على كتفي ودخلت سريرها ملتحفة بقهرها). الرواية: ص50. وما يهمنا في هذا النص أن الكاتبة في روايتها تطرح قضية القهر وتركز عليها، عندما تُكثر من ترديد دال القهر، فيرد ثلاث مرات، واللافت أن القهر يأتي مرتبطًا بحدث خارجي، وهذا يؤكد أن الكتابة الأقليمية لا تقتصر على القضايا الداخلية، بل تهتم بالأحداث الخارجية أيضًا.

(44) هانم الفضالى: إشراقات البوح ـ ص30. وراجع أيضًا ص43.

(45) Lyn Marven (ed): Body and Narrative in Contemporary Literatures in German (Herta Muller, Libuˇs Moniková, and Kerstin Hensel), Oxford University Press, New York, First published 2005, pp 34 -35.

(46) ومن اللافت أن الكاتب في النماذج المختارة عندما يوظف الدم يجعله مرتبطًا بالأنثى فيقول: «لما حاول زوج (سعادات) منعها بالزجر والهجر، تخلصت منه ببعض من دماء حيضها، أذابته له في كوب الشاي» راجع رواية: نبوية الماشطة ـ ص21.

(47) راجع الرواية ـ نبوية الماشطة ـ صفحة الإهداء/بدون ترقيم.

(48) السابق نفسه: ص80.

(49) راجع: عزت أبو رية ـ الأرض 53 ـ الصفحات: (21 ـ 24 ـ 27ـ 55 ـ 76 ـ 78).

(50) نبيل سليمان: بمثابة البيان الروائي ـ مرجع سابق ــ ص39.

(51) صوفية السحيري بن حتيرة: الجسد والمجتمع (دراسة أنتروبولوجية لبعض الاعتقادات والتصورات حول الجسد) ـ مؤسسة الانتشار العربي ـ بيروت ـ لبنان ـ ط1 ـ 2008 ـ ص166.

(52) ميرفت العزونى: حبو الظلال ـ ص93.

(53) السابق نفسه: ص92.

(54) صوفية السحيري بن حتيرة: الجسد والمجتمع ـ مرجع سابق ـ ص240.

(55) ميرفت العزونى: حبو الظلال ــ ص93.

(56) فوزية العشماوى: المرأة في أدب نجيب محفوظ "مظاهر تطور المرأة في مصر المعاصرة من خلال روايات نجيب محفوظ (1945 ــ 1967)" ـ المجلس الأعلى للثقافة ـ المشروع القومي للترجمة ـ ع (369) ـ ط1 ـ 2002 ـ ص117.

(57) أحمد علوانى: خطاب الجسد في الرواية ـ مرجع سابق ـ ص93.

(58) لمزيد من التفاصيل حول هذه الجزئية يمكن مراجعة: السابق نفسه ـ ص ص160 ـ 175.

(59) هانم الفضالى: إشراقات البوح ـ ص ص72 ـ 73.

(60) إبراهيم محمود: أقنعة المجتمع الدمائية ـ دار الحوار للنشر والتوزيع ـ سوريا ـ د.ت ـ ص206.

(61) هانم الفضالى: إشراقات البوح ـ ص ص73ـ 74.

(62) راجع الرواية: نبوية الماشطة ـ ص (10ـ 11 ـ 24 ـ 25 ـ 42 ـ 45 ـ 57 ـ 58 ـ 61 ـ 76).

(63) يمكن القول بأن الخوف دفع الكاتب إلى الصمت والسكوت، فلم يُعرب عن مقاصده السياسية بطريقة مباشرة، والتحف بالرموز والأسماء والمصطلحات، وأوكل إلى الهوامش الختامية مهمة الإفصاح، فإذا كان المتن الروائي قد صمت عن التصريح بـ (العزب، وأسماء شيوخها)، إلا أن الهوامش، وأحداث الواقع يمكن أن تُفصح عن المراد وتوضح المقصود، بل ويكشف الكاتب في (الإهداء) عن رمزية خطابه الروائي المحتشد برموز سياسية تتوازى مع شخصيات واقعية، عندما جعل الإهداء: (إلى الشعوب العربية المهيضة الجناح أمام ما يسمى بالنظام العالمي الجديد .. عسى أن نفيق .. ربما). راجع: صفحة الإهداء، وأيضاً راجع: الهوامش الختامية ص174 وما بعدها.

(64) إبراهيم خطاب: نبوية الماشطة ـ ص51.

(65) السابق نفسه: ص52.

(66) نفسه: ص55.

(67) نفسه: ص70.

(68) نفسه: ص75.

(69)  نفسه: ص76.

(70) نفسه: ص ص78 ـ 79.

(71) نفسه: ص ص79 ـ 80.

(72) ميرفت العزونى: حبو الظلال ــ ص9.

(73) إبراهيم خطاب: نبوية الماشطة ـ ص23. راجع أيضًا ص27.

(74) راجع الرواية: ص27، وأيضًا: ص47.

(75) ربما تأثر الكاتب بموهبته الشعرية، فمن الجدير بالذكر أنه يكتب الشعر أيضًا، وقد صدر له مجموعة من الدواوين الشعرية المنشورة، ويمكن مراجعة ما كُتب عنه من سيرة ذاتية موجزة في نهاية الرواية، ص ص181 ــ 182.

(76) ميرفت على العزونى: حبو الظلال ـ ص50.

(77) هانم الفضالى: إشراقات البوح ــ ص16.

(78) السابق نفسه: ص47.