هذا البورتريه، الذي يخطه الشاعر السوداني، هو أقرب الى تشكيل مجسم هلامي منه الى تلك الحبات الصفراء التي تملأ الصحراء. مجسمات متناثرة تشع بوشائج من اعتبرهن الشاعر أيقونات صغرى يبزغن أمامه..هذا البورتريه هو توصيف مصغر للذة النابعة من ثنايا الجسد.

الرَّملُ .. بِكِ ترتجفُ سنابلُ لذاتها

عادل سعد يوسف

كرائحةِ الجزرِ البعيدةِ يضئُ الرَّملُ

يضئُ حينَ اجتياحي برغبةِ الخلقِ غيرِ المحسوسةِ ، والمُكتنزةِ بمخاطرِ طوفانِه العرفانيَّ

أصطفُ باكتفاءِ ينامُ في عطشٍ مثابرِ الكوابيسِ

هُنا

في اكتواءِ اللَّيلِ بحناءِ أناملِها

أصطادُ عشقي بصنارتين من تراتيلٍ بوذيةٍ أكثر رسوخاً من انهيارِ الشرودِ بِها

بكِ

أيتها الشريدةُ كقدمين مشلولتين من خوفِ افتضاحِ نوايا البُّهارِ  أذهبُ في الخدرِ الليليِّ عميقاً بأسرارِكِ المنهوبةِ من كنوزِ استوائيةٍ متشحةٍ برغباتِ المحافلِ في شريعةِ الرَّملِ

الرَّملُ

بتلاتٌ ينتفضْنَ عن ثمارِهنَّ البسيطةِ الرَّبيعِ ، ويتهْنَ في رضا الملامحِ لوردٍ لا يرى الفتنةَ إلا قديسةً تركتْ صلواتِها في جدارِ انعطاف دِعْصٍ[i] منكِ

متأملاً

تخرجُ في حبيسِ صوتِها

قلتُ :

الحبيبةُ المطمئنةُ القادمةُ من بهاءِ النَّارِ في الدَّمِ

اسمُكَ

لا تشبِّهك في الرَّغائبِ

يا راغائبَ الواحدةِ

لا تثنِّيك أورادُها .

٭٭٭

تحدِّقُ بي

أيُّها الرَّملُ المسافرُ في عينيِها

كمْ من شهوةٍ فيكَ لا تعاقرُ خمرَها الخَيَّاميَّ المشردَ في حاناتِ جسدِها المطعونِ بفرطِ أشواقِها العارية؟

كمْ من أقدامٍ سبتكَ خلاخيلُ أطفالِها ؟

وبكَ

ترتجفُ سنابلُ لذاتِها برتقاليةِ الوسائدِ

كظهيرةٍ معلقةٍ بشهقةِ القصائدِ

كزمردةٍ في تجليِّ الحجابِ العميمِ

كأنَّكَ

يا حجابي الأخصَّ

ويا تجلي الفناءِ القريبِ

لكَ التجلي البعيد .

٭٭٭

أصيحُ بكِ

منتبهاً لقدميكِ في نداوتِهنَّ ، بفخاخهنَّ وهُنَّ يبتلعْنَكَ، ويغسلْنَكَ بلياليِهنَّ القَمريةِ ، ويهزمْنَكَ بموسيقى أجفانِهنَّ المُسكرةِ ، يخبئْنكَ في حنطةِ الضحكاتِ ، ويشكِّلْنكَ في أفخاذِهنَّ الطَّرائدِ

يا شقيَّ الطرائدِ

يتنفسْنكَ

حتَّى انعتاقِ الصباح .

٭٭٭

الرَّملُ ماءُ المرايا في ظهيرةِ الدراويش

 توبةُ العاشقِ وأجنحةُ الميلادِ على شعرِها

نجمٌ يخرقُ القلبَ بالنَّمِ الأنثويِّ ، يخرِّبُ الأبجديةَ المتروكةَ على فضةِ التاريخِ ، يحرقُ ظمأ العارفينَ في عرفانِهمْ

كلُّ شيءٍ يستوي خلْفه

لا خلفَ

إلاَّكَ

يا مزاميرَ الحقيقة .

٭٭٭

لكِ

يا عذريةَ الرَّملِ في لذاذةِ اللذائذِ

يا قواديسَ عذوبتي

يا مقدساتُ

يا مراقاتُ على لذةِ التذاذِ الطُّهرِ بالرَّملِ

على حداءِ القوافلِ التي أضاعتْ مسيرتِها في رمليةِ الأزلِ ظاعناتٍ

ظاعناتٍ

ظاعناتْ

صوبكَ أيُّها الرَّملُ المُرْملِ على مسِّ الحبيبةِ ، في ممكناتِ مدحِها بالنساءِ جميعهنَّ ، والإلهاتِ بخلودِهنَّ في سمائِهنَّ اللازورديِّ يحرثْنَ بالنوارجِ مزرعةَ اشتهائِها إليَّ ، وينبتْنَ البيادرَ ثمارَ رملِها ، ويثمرْنَ رَملاً كما تحبنُّي ، كما تشتهي أسماؤُها

٭٭٭

الرَّملُ  مصابيحُ الحبيبةِ

الحبيبةُ فراديسُ المباهجِ

صولجانُ الجهاتِ

أناشيدُ الكواكبِ على شُرفاتِ المياهِ حين احتفالِها بنهرين من نعاسِ الملكوتِ ، إدخالُك في شرائعِ شهواتِها جوهرةُ المرايا، يا قرينةَ المجازاتِ أسكنُكِ واحداً في التعددِ متعددَ الخليقةِ في النهارِ الملائكيِّ ، أشتمُ حسنَكِ أبعدَ فراسخِ الطبيعةِ ، وأبكي مثلَ زغبِ رعشتكِ في اكتمالِ البكاء .

 

شاعر من السودان



[i]- قِطْعَة من الرمْلِ مُستديرة .