يتناول أحمد محمد سالم في كتابه تأويلات الموروث والنص الحداثي فيما يخص فضاء المرأة الخاص، وأسباب تدني وضعية المرأة، ويرجعها إلى أسباب متشابكة ما بين سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية.

المرأة في الفكر العربي الحديث: المساواة من المسائل الشائكة

رفعت أمين

كتاب "المرأة في الفكر العربي الحديث" هو إطلالة على المعارك الفكرية التي قامت بين الليبراليين والمحافظين حول قضية المرأة خلال الفترة من "1850 – 1950" بوصفها إحدى القضايا المحورية في الفكر العربي الحديث، والتي تقاطعت مع العديد من الموضوعات الفكرية السائدة في تلك الحقبة التاريخية، وذلك من خلال طرح عدد من التساؤلات مثل: هل نهضة المرأة العربية تتحقق باتباع النموذج الغربي أم النموذج الإسلامي؟ ما دور الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في معالجة قضايا المرأة؟ ما أسباب تدني وضعية المرأة في تلك الحقبة التاريخية وما سبل إصلاحها؟

يتناول المؤلف د. أحمد محمد سالم أسباب تدني وضعية المرأة قائلًا: إن تدني وضعية المرأة يرجع إلى مجموعة من الأسباب المتشابكة ما بين أسباب سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وتم تحديد هذه الأسباب في إبراز دور الاستبداد السياسي، واستبداد الرجل في تدني وضعية المرأة، أما عن الاستبداد السياسي: يقول قاسم أمين في تحليله لدور الاستبداد السياسي في تدني وضعية المرأة إلى حدوث تلازم بين الحالة السياسية والحالة العائلية في كل بلد، فحين يتمتع المجتمع بالحرية السياسية ترتقي وضعية المرأة.

ويرى قاسم أمين أن استبداد الرجل هو أحد أسباب تدني وضعية المرأة، فقد مضت الأجيال عندنا والمرأة خاضعة لحكم القوة، مغلوبة لسلطان الاستبداد من الرجل، لم يشأ أن يتخذها إلا إنسانًا صالحًا لخدمته، مسيرًا بإرادته وأغلق في وجهها أبواب المعيشة والكسب بحيث آل أمرها إلى العجز عن تناول وسيلة من وسائل العيش بنفسها، ولم يبقَ أمامها من الطرق إلا أن تعيش ببغصها إما زوجة أو مفحشة".

ويضيف المؤلف: لقد وقفت العادات والتقاليد في سبيل تقدم المرأة حينًا من الدهر، وأفضل ما يصور مدى علاقة العادات والتقاليد بتدني وضعية المرأة هو صورة المرأة في الأمثال الشعبية، فنرى العديد من الأمثال التي تنظر إلى المرأة على أنها مصدر الضعف مثل المثل القائل: "من كثرت بناته صارت الكلاب سعارته"، وكذلك "موت البنات سترة …إلخ"، وعانت المرأة من الانحطاط في ضوء الجمود الديني بسبب تفسير النصوص الدينية إلى أن جاء الإمام محمد عبده وقام بتفسير القرآن الكريم تفسيرًا ينطوي على تيسير اقتباس المبادئ الحرة.

ويقول المؤلف: احتلت قضية حجاب المرأة المسلمة مكانتها المحورية في مناقشة قضايا المرأة، وثار جدل واسع بين مؤيدي الحجاب ورافضيه، والعكس هذا في المعارك الفكرية الضارية التي دارت بين المؤيدين والرافضين لقضية الحجاب، ويمكن بيان هذا الجدل فيما يلي: فنرى الشيخ رفاعة الطهطاوي يؤكد على ضرورة احتجاب المرأة، وبلغة الفقيه الذي يحلل ويحرم نجد الطهطاوي يحرم على النساء التشبه بالرجال، وفي المقابل نرى قاسم أمين اهتم بطرح قضية الحجاب منذ بداية عهده بالكتابة، فيرى أن الحجاب هو دور تاريخي في حياة المرأة بصفة عامة، ولا يقتصر على المرأة المسلمة فقط، ويهاجم قاسم أمين التبرقع والانتقاب، ويرى أن الانتقاب والتبرقع ليس من المشروعات الإسلامية لا للتعبير ولا للأدب، بل هما من العادات القديمة السابقة على الإسلام والباقية بعده.. إنما المشروعات الإسلامية ضرب الخمر على الجيوب كما هو في صريح الآية، وليس في ذلك شيء من التبرقع، وإذا كان قاسم أمين يرفض التبرقع والانتقاب فإنه يرى أن الحجاب يبيح ظهور الوجه، والكفين كما أن ما يتعلق بالحجاب بمعنى قصر المرأة في بيتها والحذر عليها أن تخالط الرجال فالكلام فيه يخص نساء النبي "صلى الله عليه وسلم".

ويتناول المؤلف في هذا الجزء من الكتاب تربية المرأة وتعليمها، قائلًا: بدأ الاهتمام بالتربية على يد الشيخ رفاعة الطهطاوي، والذي رأى أن الأمة التي تتقدم فيها التربية بحسب مقتضيات أحوالها، يرتقي فيها التقدم، والتمدن على وجه تكون به أهلًا للحصول على حريتها بخلاف الأمة القاصرة التربية فإن تمدنها يتأخر بقدر تربيتها، فالتربية هي أساس الانتفاع بأبناء الوطن، ويضيف: وإذا كان شيوخ القرن التاسع عشر قد ربطوا بين التربية والدين، من منطق جعل التربية ذات أساس ديني، فإن قاسم أمين انطلق عكسيًا فيرى، أن انحطاط الدين يرجع إلى سوء التربية.

وينتقد الشيخ محمد أحمد البولاقي قاسم أمين فيرى، "أن التربية التي يريدها تربية نساء الأوروبيات والأميركيات كما يرمز إليه اندفاعه وإسهابه، فذلك خلاف ما بنيت عليه شريعة الإسلام، فإن شأن التربية للنساء في تلك الجهات مبني على التساهل في أمر النساء ولا مبالاة في اختلاطهن بالرجال، ولذلك لم يحصل احتياط في الأنساب، وكثرت البغايا. وهنا نلاحظ مدى حرص دعاة الفضيلة على نقد قاسم أمين من منطلق أخلاقي، وكأن الرجل كان ينادي بالإباحية.

ويرى المؤلف: إن أقطاب الحركة النسائية أعطى أهمية قصوى لمسألة تعليم المرأة، فقد رأت زينب فواز أن عدم تعليم النساء علامة على تأخر الأمة، وعلامة على قصر التعليم على الرجل، فتقول: "إن كل أمة لم يتم نموها وارتقاؤها إلا بعد أن تتقدم نساؤها وتدرس العلوم كما يدرس الرجال"، وتطلب زينب فواز من المرأة أن تجاهد في تعلم العلم بكل جهد، وتطالب في زيادة تعلم العلوم التي أسهمت في تقدم أوروبا مثل الكيمياء، والطبيعة، والميكانيكا، "فتعلمهن اهتدينا إلى كرامة العلم"، ورغم مطالبة في زيادة بضرورة تعلم علوم الغرب فإنها تطالب بجانب ذلك أن تدرس المرأة تاريخنا فتقول: "إن تعليم المرأة ينبغي أن يكون مبنيًا على دراسة علوم الأجانب من جهة، وتدرس تاريخنا من جهة أخرى، حتى نكون جامعين بين المعرفتين أقوياء بالقوتين، ومن لم يكن مهتمًا بشئونه فكيف يتوقع من الغير بأحواله اهتمامًا".

ويرى المؤلف: إن تعليم المرأة في زيادة يؤدي إلى ترقيتها وهذا ما اتضح في حفلة لتأبين باحثة البادية، فنجدها توجه كلماتها لمحمد فريد وجدي فتقول: لو حضر محمد فريد وجدي تأبين باحثة البادية، ولما صرخ صرخاته بعدم تحرير المرأة، وبمنع التعليم عنا إلا ما كان ضروريًا لحياتها الأنثوية خوفًا عليها أن تسترجل، لو حضر لرأي أنها هي التي تنظم الشعر وتنمق الألفاظ، وتحسن الإلقاء إذ بها امرأة صرفة أي أن يظل بيانها مملوءًا قلبًا وعواطف.

ويذكر المؤلف أن مسألة مساواة المرأة بالرجل من المسائل الشائكة التي دار حولها نقاش كبير بين توجهات الفكر العربي الحديث، فيتطرق إلى آراء شيوخ القرن التاسع عشر، فيقول: على الرغم من التوجه الليبرالي للشيخ رفاعة الطهطاوي إلا أنه لم يتخلص من النظرة السلفية الدينية للمرأة، التي ترى في المرأة متاعًا للرجل، رغم قوله بأن المرأة مساوية للرجل من ناحية الطبيعة البيولوجية، وعلى الرغم من تأكيد الطهطاوي على مدى اقتراب المرأة من الرجل في التهيئة باستثناء مواضع الذكورة والأنوثة، إلا أن الطهطاوي يعود فيظهر الخلاف البيولوجي فيقول: "إن للمرأة صفات أخرى تتميز بها عن الرجل فإن قامتها في الغالب دون قامة الرجل، وخاصرتها أنحف من خاصرته، وأرشق منها.. إلخ". وبعد بيان الطهطاوي للاختلاف البيولوجي بين الجنسين فإنه يرفض أن تعمل المرأة بالسياسة فالغالب عليهن ملازمة البيوت لحفظ المسكن.

ويشير المؤلف إلى رأي ليبرالي وعلماني، فيقول: دافع الطاهر الحداد عن حق المرأة في المساواة، ويتساءل الطاهر الحداد كيف نتهم المرأة بنقص العقل والدين، في حين أعطاها الإسلام حقوقها مثل أهلية التصرف، وحرية الحياة، وحق اختيار الزوج، وحق الميراث، فليس من المعقول أن يعطيها الإسلام كل هذه الحقوق وهو جازم بنقصها الذاتي، فالطاهر يدافع عن المرأة ضد اتهام المحافظين لها بأنها ناقصة عقل ودين.

كتاب" المرأة في الفكر العربي الحديث " لمؤلفه د. أحمد محمد سالم صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2012.