لوحات سورية تطلب اللجوء في لندن

“أردنا إنقاذ ما يجب إنقاذه من التحف واللوحات الفنية، وهي عملية أردنا من ورائها الحفاظ على تراثنا الوطني الذي دمرته آلة الحرب” بهذا وصَّف فادي حدّاد، أحد منظمي  المعرض الفنّي السوري المقام حاليا بالعاصمة البريطانية، أهدافَ هذه التظاهرة التي تنصبُّ على كشف محنة السوريين الذين تمزقهم الحرب. والمعرض موجود بقاعة “بي 21 بوسط لندن، ويضمّ مجموعة من الأعمال الفنية المهرّبة من داخل سوريا.

يسعى المعرض الفني المقام حاليا بوسط العاصمة البريطانية إلى تقديم جانب آخر للصراع المستمر في سوريا. وهو معرض يضم أعمالا خلت من التوقيع وأعمالا أخرى أخرجت من سوريا غير مكتملة، وأكملها مبدعوها في الخارج بعد رحيلهم من البلد، منها لوحات مرسومة بالزيت وصور فوتوغرافية ورسوم كاريكاتير وتركيبات فنية.

يُذكر أنه على إثر تدهور الوضع الأمني في سوريا وتصاعد القتال، تكفّلت مجموعة من الرسامين بتهريب أعمالهم إلى الخارج، رغم ما في ذلك من مغامرات خطيرة. ويضم المعرض أعمال رسامين خارج البلاد وآخرين ما زالوا في البلاد، بالرغم من معاناتهم والتهديدات التي يتلقونها من النظام السوري، وقد عانى بعضهم من مقتل عدد من معارفه في خضم الحرب الأهلية، حيث تشير التقارير إلى أن عديد ضحاياها قد بلغ حوالي 93 ألف شخص.

ومن أولئك الفنانين فادي حداد، من مجموعة “موزاييك سوريا” لدعم اللاجئين والذي أعلن أن تهريب الأعمال الفنية إلى معرض لندن الجديد قد كلف حوالي 30 ألف دولار، حيث يقول: “لقد سافرت الى لبنان والأردن مرتين من أجل تهريب اللوحات عبر الحدود. إن الفنانين يخافون من إلقاء القبض عليهم عند نقاط التفتيش، كما أن البعض منهم رفضوا التوقيع على لوحاتهم، بل إن إحدى الرسامات ذهبت إلى لبنان لإتمام لوحتها تفاديا للمشاكل مع السلطات”.

والمعرض ينقل صورة مخيفة وبشعة لحياة السوريين بشكل عام، وتعتبر لوحة طارق توما عن حمزة بكّور إحدى تلك الصور المؤلمة، ذلك أنّ الطفل حمزة قتل في حمص وعمره 13 سنة. والفنان طارق توما يعيش حاليا في لندن، وهو القائم على تنظيم هذا المعرض، وهو يرى أن “الرسم جزء من التعبير عن دواخل النفس، في إشارة إلى  ألمه لتركه البلاد وهي تعاني ويلات الحرب. ويُضيف قائلا: ” إن المنفى هو بمثابة جسد بلا رأس، جسدي هنا وروحي هناك”.

أما الرسامة هزار هينريوت من حلب فتعيش في فرنسا حاليا. وكانت قد ذهبت إلى أنطاكيا في تركيا لتساعد نسوة في ثلاثة مخيمات للاجئين على تسجيل قصصهن عبر النقش على الأقمشة. وإحدى تلك القطع تعرض في لندن والزخرفة فيها تشير إلى امرأه واقفة بين القبور.

ولا تُخفي أغلب لوحات المعرض وحشة الحرب، وخاصة لوحات حامد سليمان من الزبيداني، على الحدود اللبنانية، والذي هرب عام 2011 ، بعد اعتقاله عدة مرات  بسبب مشاركته في المسيرات السلمية. ويعيش سليمان في فرنسا حاليا، ويرى أن الأمل هو الدافع الأساس في حياة السوريين رغم أنه خسر العديد من أصدقائه تحت التعذيب.

مالو هلسا، الذي يشارك في تنظيم المعرض، يقول: “بالنسبة لجيل من الفنانين في سوريا، فإن الانتفاضة قد أعطتهم زخما للعمل بعيدا عن الرقابة الدكتاتورية التي فرضت عليهم منذ 40 سنة، الرسامون يلونون بالأحمر إشارة إلى الدم”. الطبيب الفنان طارق طعمة، صاحب لوحة صور فيها مشهدا حقيقيا في موطنه بمدينة حمص السورية لطفل قتيل وجهه ملطخ بالدماء، تحدّث عن شعوره بقسوة الصراع رغم وجوده في الخارج بعيدا عن سوريا وعن حمص. وقال: “الرسالة هي رسالة عامة لكل الناس وهي أن الذي يدور في سوريا مأساة إنسانية، وعلى الجميع إدراك هذا الأمر الخطير، فكرة المعرض ربما يراها البعض حالمة ورومانسية ولكن هدفها نبيل جدّا. علينا مقاومة أصوات الرصاص بصوت العقل والتروّي، وعدم ترك الأوضاع كما هي عليها الآن، إن الشعب السوري يموت كلّ يوم، تاريخه وحضارته وتراثه، كلّ شيء يدمر هنا”.

ومن المعروضات مجموعة لوحات بعنوان “وجوه من سوريا” لفنان طلب ألا ينشر اسمه تضم وجوها بيضاء بلا أعين أو آذانا تعبيرا عن العالم الذي “يقف متفرجا على الجريمة التي ترتكب في سوريا”. يقول فادي حدّاد، وهو من أهالي دمشق وقد شارك بنفسه في إخراج الأعمال الفنية التي يضمها المعرض من سوريا التي كان يدخلها عن طريق الأردن أو لبنان أو تركيا، حول الغاية من تنظيم هذا المعرض: “نحن في جمعية موزاييك أردنا أن نقدّم الجانب الثاني من المأساة التي يمرّ بها الشعب السوري.”

والجدير بالذكر أنّ معظم الأعمال هربت من سوريا بطريقة صعبة، ويحرص منظمو هذا المعرض، الذي يستمر حتى الأول من سبتمبر-أيلول القادم، وينوي المسؤولون عنه بيع الأعمال المعروضة فيه بالمزاد وتخصيص عائداتها لتقديم مساعدات طبية للسوريين في الداخل، على تأكيد أنهم أنقذوا ما يمكن إنقاذ من التحف واللوحات الفنية السورية، وهي عملية ارادوا من ورائها الحفاظ على تراثهم الوطني الذي دمرته آلة الحرب، وقد استغرق منهم ذلك أكثر من ستة أشهر كي يخرجوا هذه الكنوز الفنية، وتهريبها بفضل أشخاص غيورين على التراث الفني السوري، الذي مازال منه الكثير محتاجا إلى المحافظة عليه لأنه يمثل جزءا من هوية المواطن السوري وتاريخه.