بول ريكور من أهم الفلاسفة الفرنسيين الذين اهتموا بالعلاقة المعقدة بين السرد والزمن. هنا يتوقف الباحث المغربي عند هذه العلاقة ليكشف لنا بعض أبعادها وأهميتها لسبر أغوار التجربة الإنسانية، ولكشف العلاقة بين التاريخي والسردي والأيديولوجي من ناحية، وبين الأيديولوجيا واليوتوبيا والهوية من ناحية أخرى.

الزمن والسرد في فلسفة بول ريكور

عبد الله بريمي

السرد والزمن والتجربة الإنسانية
إن السرد في تعريفاته الأكثر بداهة، هو تجربة زمنية مدركة من خلال فعل تمثيل. ذلك أن أننا «لا نستطيع صياغة حدود الزمنية من خلال خطاب ظاهراتي مباشر، فالزمنية تشترط توسط الخطاب غير المباشر الذي يوفره السرد»(1). بمعنى آخر، إن الأصل في الإمساك بالدلالات لا يمكن أن يكون من طبيعة تجريدية فالمجرد عام ويتميز بالكلية الدلالية التي تخرج من حسابها كل التقطيعات والتمفصلات الدلالية التي تولّد الثقافي والرمزي. لذا فإن محاولة التفكير في المجرد لا يمكن أن تتم إلا من خلال أشكال مجسدة مرئية تمنحه تلوينا خاصا؛ لأن التجسيد هو المدخل الرئيسي نحو خلق سلسلة من الأنساق التي تقوم بتنظيم مجموعة من القيم في قوالب محددة. والمعنى بكل تمنّعاته الذي يُسنَد لهذه القيم لا يمكن أن يدرك بصورة فعلية إلا من خلال تحقق هذه القيم وتجسيدها في أدوار، أو وظائف، أو مؤسسات تخرج هذه القيم من تجريديتها وتمنحها وجها مشخصا، وذلك بإعطائها مضمونا وصبّها في وعاء يتم من خلاله تحديد السياق أو التلوينات الثقافية التي تخصص هذه القيم وتخرجها من لا زمنيتها المطلقة إلى زمن ومكان محددين.

إن التحول من النظام القيمي العام والمجرد، إلى التحقق الخاص لا يمكن أن يتم إلاّ باعتماد سلسلة من القواعد والأنساق، التي يتم بها تحيين القيم داخل سياق محدد. ولا يتم هذا التحول عن طريق الصدفة، بل هو تحول محكوم باستراتيجية تنظر إلى الدلالة بوصفها سيرورة تداولية يتحكم فيها محفِلا الإنتاج والتلقي. « والحدث شكل مرئي، لذا وجب النظر إليه باعتباره الممرّ الضروري الذي تفترضه الأفكار لكي تشق طريقها إلى الناس. فهؤلاء لا يلتقطون في التجربة المحسوسة مفاهيم مجردة، بل يتعرفون على وقائع هي سبيلهم الوحيد لتمثل المفهوم على شكل سلوك فعلي أو محتمل. وتلك هي إحدى الوظائف الرئيسة للسرد: التخلص من التفكير المجرد من خلال صبه في وعاء الحدث الزمني. وعبر الحدث يغتني المجرد وتزداد المساحات التي يعطيها اتساعا».(2(

إن الإمساك بالدلالة، لا يكون إلاّ من طبيعة الملموس والمحقق لأنه هو الذي يغني التجربة التأويلية ويعطيها أبعادها وتلويناتها الثقافية. إنه يخصصها ويشخصها في نصوص مكتوبة أو منطوقة أو واقعة أو شكل ثقافي ما؛ لأن التجربة الإنسانية كلية وتحتاج لكي تكشف عن نفسها إلى مواد تعبيرية بالغة الغنى والتنوع. وهذا ما تبدّى لنا من خلال تصور ريكور للسرد باعتباره آلية التوسط؛ إذ من خلاله تستطيع الذات تحويل أحكام وحقائق مجردة إلى كيانات مجسدة أو سلوكات محسوسة،«لأننا لا نفهم ذواتنا إلاّ بخفايا علامات البشرية المبثوثة في الآثار الثقافية. فماذا كنّا سنعرف عن الحبّ والكراهية عن المشاعر الأخلاقية، وبصفة عامة عن كل ما نسميه ذاتا لو لم يتم التعبير عن كل هذا في اللغة ولم تتم مفصلته والإفصاح عنه بواسطة الأدب؟»(3) .

وهو ما يتضح كذلك من خلال تعريف ريكور للزمن، «فالزمن لا يمكن أن يكون إلاّ محكيا، ولا وجود لزمن خارج تجربة إنسانية تعبّر عن نفسها من خلال فعل وردّ فعل، أي يجب أن تكون منظمة في الممارسة الإنسانية لا خارجها. لذلك فالوجود الوحيد الممكن هو الوجود المشخص، أما التجريد فهو يشير إلى حالات افتراضية يتطلبها الإجراء المنهجي، إلا أنها لا تشكل حالة يقاس من خلالها الوجود الإنساني باعتباره بؤرة للتنويعات الثقافية».(4) إن هذا التصور لمفهومي السرد والزمن يضعنا أمام التساؤل الآتي: إلى أيّ حدّ يمكننا أن نُمعن في الافتراض بأن الزمن لا يصير إنسانيا إلاّ عندما يصير محكيا؟ وكيف ندرك أن المرور بالمحكي هو ارتقاء بزمن الكون إلى زمن الإنسان؟

من بين القضايا التي حظيت باهتمام ريكور كثيرا ـ والتي استهلّ بها كتابه "من النص إلى الفعل"ـ اهتمامه بالوظيفة السردية، وصِلتها بأبحاثه السابقة عن الاستعارة، والتحليل النفسي، والرمزية، ثم انطلاقه نحو الافتراضات النظرية والمنهجية التي يرتكز عليها بحثه حتى يصل إلى التقاليد الظاهراتية والتأويلية التي يرتبط بها. حيث توضح أعماله المخصصة للوظيفة السردية القول بوجود وحدة وظيفية بين الصيغ والأجناس السردية المتعددة، على أساس «أن الطابع المشترك للتجربة الإنسانية المميز والمتمفصل والموضح من لدن فعل الحكي في جميع أشكاله، إنما هو الطابع الزمني. فكل ما نحكيه يحدث في الزمن، ويستغرق زمنا ويجري زمنيا. وما يحدث في الزمن يمكن أن يحكى. ويمكن لأيّ سيرورة زمنية ألاّ يُعترف لها بهذه الصفة إلاّ بقدر ما هي قابلة للحكي بطريقة أو بأخرى»(5) .

فالزمن مبنين على شكل حكاية، والذات ـ عند ريكور ـ لا تدرك نفسها إلا عبر رمز وحكاية؛ أي على نحو غير مباشر، عبر علامات هي رموز ونصوص، أي عبر وسيط لغوي. لهذا يرى أن إعادة التصوير أو التشكيل التي يقوم بها السرد تؤكد هذا الجانب من المعرفة الذاتية؛ ونقصد بذلك أن الذات لا تدرك ولا تعي ذاتها انطلاقا مما توفره الواقعة في أبعادها التعيينية والأولى، بل بطريقة تستطيع معها الذات التخلص من المطلق والعام للتوغل في الخاص والثقافي. أي من خلال انزياح العلامات الثقافية بجميع أنواعها، التي يتم إنتاجها استناداَ إلى سيرورات رمزية توسطية تنتج دائما وأساسا الفعل، ومن ضمنها السرد. فهناك ارتباط دالّ بين الوظيفة السّردية والتجربة الإنسانية؛ ووفق هذه الأطروحة «فإن الزمن يصير إنسانيا في الحدود فقط التي يتمفصل فيها بطريقة سردية».(6) إن السرد من هذا المنظور يمنح الأشياء أبعادا تزيحها عن دوائر النفعية والمباشرية إلى ما يشكّل عمقا دلاليا وأداة حاسمة في تنظيم التجربة الإنسانية؛ « فبفضل بنية الحكايات التي تحكي ما حدث في "ذلك الزمن" يتحدد اتجاه تجربتنا، أي يصبح لها امتدادا زمنيا، له بداية وله نهاية، ويشحن حاضرنا بذاكرة وأمل».(7)

وتعدّ الحبكة القصصية طريقة في إعطاء الذات الإنسانية المفككة باستمرار شكلا محققا وصورة ملائمة لكافة تجاربها. إن الحبكة بمعنى آخر خطاطة تخييلية تساعدنا على التأليف بين مجموعة من الملابسات والقصود والدوافع والخلاصات غير المرغوب فيها واللقاءات والشدائد والانفراجات والنجاح والفشل والسعادة .(8) إنها، وفق هذا التصور، تشكيل وصياغة لتجربتنا في هذه الحياة، كما أن«كل تصوير سردي يتضمّن بالضرورة إعادة تشكيل لتجربتنا الزمنية».(9) فإذا كانت التجربة المعيشة متضاربة في أساسها، فإن السرد والفن عامة يجلب لها التوافق ويمنحها صيغا وأشكال تعبيرية تنظمها في قوالب وتعطيها انسجاما حقيقيا. فالسرد ليس فقط صيغة تصويرية وتمثيلية للحياة يعمل على إعادة إنتاجها، بل هو إنتاج وابتكار وتوليد دلالي. إنه يستعير من الحياة، ولكنه يحوّلها. وهو يقوم بهذا التحويل عن طريق الحبكة لذلك يفضل ريكور استعمال بناء الحبكة mise en intrigue باعتباره مفهوما يسعى إلى تحويل الأحداث والوقائع إلى قصة، ويسعى كذلك إلى التأليف بين عناصر متنافرة في حالاتها وأهدافها وآفاقها غير المتوقعة.

لاشكّ أن الحبكة تهتم بالتركيب والتأليف بين العناصر المتنافرة، لكنها بهذا الفعل ألا تعكس ذلك النشاط الذي تنطوي عليه الحياة؟ ألم تكن الحياة نفسها في واقع الأمر تأليفا بين المتنافرات؟ إن الإنسان لا يصل دائما إلى تحقيق مبتغاه وفي نوع التأليف الذي يرغب أن تكون به حياته، لكن ما هو أساسي هو أن تجربتنا الزمنية ستظل تجربة كلية فاقدة لأشكالها دون سرد يقوم بمفصلتها ويعطيها أبعادها الثقافية والتاريخية، « إن معنى الحياة الإنسانية الواقعية، سواء أكانت للأفراد أم للجماعات، هو معنى الحبكات...و الحياة ذات المعنى هي الحياة التي تتوق إلى تماسك قصة ذات حبكة. ويتصور الفاعلون التاريخيون حياتهم، وهم يتطلعون إلى الأمام، على أنها قصص ذات حبكات».(10) فالسرد، هنا، طريقة في رصد الحياة وتحديد بؤرها ومظانها وحالات تمنُّعها. إنه إنتاج والإنتاج معناه الخروج من الدائرة المحدودة والضيقة للوصف الموضوعي إلى ما يحيل على التأويل باعتباره سلسلة من الإحالات البانية لسياقاتها الخاصة. وهو صيغة لوعينا بالزمن وعدم إدراك هذه الحقيقة «سيفوّت علينا فرصة معرفة أن التفسير التاريخي مرتبط بالفهم السردي».(11) كما أنه هو الذي يعطي للزمن كافة تحققاته « والحبكات التي نبتدعها تسعفنا على أن نشخص تجربتنا الزمنية المضطربة الفاقدة للشكل والبكماء في حدّها الأقصى»،(12) « وإن الوظيفة المرجعية للحبكة تكمن داخل قدرة التخييل على تشخيص التجربة الزمنية شبه الخرساء».(13) من ثمّ فالسرد باعتباره وسيطا موضوعيا يوفر معرفة للذات عبر تأويلها، إنه يوفر لها وجودا رمزيا تتخيل به وجودها.

كما أن وجودنا لا يمكن أن ينفصل عن المعنى الذي نعطيه لأنفسنا. فعبر حكينا لقصصنا الخاصة نعطي لأنفسنا هوية. فأن نفهم الكائن الذي هو نحن على نحو جوهري، أو أن نسعى لفهم الحوادث الإنسانية وتعليلها، كل هذا لا يتم إلا من خلال حكي قصة. فالحياة سلسة من المتواليات السردية أو كما قال ريكور تروى الحياة ويعاش السرد. حيث يمثل السرد لديه منزلة أنطولوجية، ويتحول إلى مصدر أولي من مصادر المعرفة بالذات وبالعالم. إنه فعلا وسيلة استكشاف أنطولوجية لعلاقتنا بالموجودات وبالوجود. والسرد هنا يتجاوز دلالته التقنية التي تحصره في أشكال السرد التخييلي المعهودة كالرواية والقصة والمقامة... ليعبّر عن مفهوم أنطولوجي أوسع بما ينطوي عليه من فعالية تحكم كل ما يحدث في الزمن، ويتعاقب فيه وينتظم داخله وفق صيغة معينة. والسرد، بهذا المعنى، ليس هو قرين الوجود فحسب، بل هو الشرط الضروري لهذا الوجود، وذلك من حيث هو تعبير عن شكل الوجود في العالم، وطريقة التموضع في الزمن. هذا الوجود مشروط باللغة باعتبارها وسيطا للفعل الإدراكي، حيث لا يمكن فهم الوجود الإنساني وإمكانات الفعل الإنساني إلاّ من خلال تحليل الرموز والنصوص التي تشهد على ذلك الوجود. إن هذه الإمكانات لا تستقي مشروعيتها ومعقوليتها إلاّ عبر السرود ومحكيات الحياة. إذ يقوم السرد بإعادة نسج العالم المتخيل وتوزيعه داخل الحبكة، وهو أمر يشبه فهم الواقع، «فللخيال القدرة على "قول" الواقع وفي إطار الخيال السردي على وجه التحديد، على قول الممارسة الواقعية إلى حدّ أن النص يستهدف قصديا أفق واقع جديد يمكن أن نسميه عالما. ويتخلل عالم النص هذا الفعل الواقعي لكي يضفي عليه تصورا جديدا، أو إذا صحّ القول، لكي يحوّل صورته»(14).

فمن خلال القصص والتواريخ نحصل على دليل الممكنات الإنسانية. فماهية الإنسان، حسب ريكور، تتحدد بقراءة القصص والتواريخ التي تبرز كامل نطاق الإمكانات الإنسانية، وبدلا من تصوير الأدب الخيالي كمجرد نتاج للوهم، يصرّ ريكور على إظهار أن الأخيلة لا تشير إلى الواقع فقط، بل "تقوله" فعلا. فالأعمال الخيالية لا تقلّ واقعية عن الأشياء التي تقوم بتمثيلها. فالتخييل تكثيف للواقع باشتراعه عالما ممكنا يستطيع التقاطع مع عالم القارئ. ومن رأي ريكور،« فإن الخطاب السردي لا يعكس فقط، أو يدوِّن تدوينا سلبيا وحسب، عالما مصنوعا سلفا، بل ينشئ المادة المعطاة في الإدراك والتأمل ويطوّعها ويخلق منها شيئا جديدا، تماما مثلما يطوّع الفاعلون الإنسانيون أفعالهم ويحوّلونها إلى صيغ متميزة من الحياة التاريخية خارج العالم الذي يرثونه بوصفه الماضي الذي عاشوه».(15) والنص السردي مهما كان النوع الذي يتمظهر فيه سواء كان أسطورة أو قصة أو رواية ينطوي على أفقين: أفق التجربة وهو أفق يتجه نحو الماضي ولا بدّ أن يكتسب صياغة تصويرية معينة، تنقل تتابع الأحداث إلى نظام زمني فعلي، وأفق التوقع وهو الأفق المستقبلي الذي يعيد به النص السردي، إنتاج أحلامه وتصوراته وخيالاته. ويوكل للمتلقي أو القارئ مهمة تأويلها.

هكذا نتبين أن السردية تسلسل زمني، ماضٍ وحاضر ومستقبل، وأن البنية السردية بنية حركية، أي هي النظام الزمني الفعلي والمحقق. وفعل الحكي في عمل ريكور يعدّ وسيطا بين الوجود والزمن حيث أن كل ما يحكى هو بمثابة هيكل أو خطاطة فنية تخلق وتبدع الأشكال والصور للزمن الإنساني الفاقد لشكله. فالحياة ذات المعنى هي الحياة التي تتوق إلى تماسك قصة ذات حبكة. والحبكة هي الوحدة السردية التي تجعل من الكلّ المتنافر شيئا واضحا ومنسجما ومفهوما بلغة ريكور،(16) «ومفاهيم كالحدث والحبكة والوظيفة السردية والتخييل، السردي مجتمعة لها علاقة بتحويل الزمن من متصل غير دال إلى حالة يمثل فيها الزمن ضمن وعاء القيم المشخصة في وقائع إنسانية ألفها القارئ واطمأن إليها ».(17) هذا الاطمئنان يعني امتلاك الذات القارئة أفق عالم ضمني يحتوي على الأفعال والأحداث والشخصيات. والخلاصة ينتمي القارئ إلى أفق تجربة العمل في الخيال، وإلى فعله أو فعلها الواقعي. إن أفق التوقع وأفق التجربة يواجهان باستمرار أحدهما الآخر، ويندمجان ببعضهما البعض. وبهذه النظرة نستطيع التحدث عن اندماج الآفاق المؤدي إلى فهم النص.

إن المسافة بين السرد والحياة تتلاشى وتختفي لدى بول ريكور، من منطلق أن القراءة تعدّ طريقة للعيش في البنية الخيالية للنص الإبداعي، وبهذا المعنى يذهب بول ريكور إلى أن القصص تروى، ولكنها أيضا تعاش على نحو متخيل. «لقد صار بإمكاننا، في هذه المرحلة من التحليل، أن نمسك بالكيفية التي يصطلح فيها السرد والحياة، لأن القراءة نفسها هي أصلا طريقة للعيش في عالم العمل الخيالي، وبهذا المعنى يمكننا القول إن القصص تروى، ولكنها أيضا تعاش على نحو متخيل».(18) إننا نعيشها لأنها تتضمن إعادة صياغة تجربتنا الزمنية ـ الكلية والبكماء ـ في الوجود بفعل التخييل. والتخييل السردي يحاكي الفعل البشري من خلال مساهمته في إعادة تشكيل وصياغة بنياته وأبعاده بحسب التشخيص المتخيل للحبكة. والتخييل يملك هذه القدرة على إعادة صنع الواقع العملي في الحدود التي يستهدف فيها النص أفقا جديدا للواقع أسميناه عالما».(19) ويمكن تحديد التأويل، ليس بوصفه بحثا في النوايا النفسية المختفية وراء النص، بل بالأحرى بوصفه تفسيرا للوجود في العالم المعروض في النص. ما يجب تأويله في النص هو العالم المقترح الذي يمكن للذات أن تسكنه وفيه تطلق العنان لإمكاناتها الخاصة في إدراك الأشياء والممكنات. يقول ريكور:«كلّما انحرف الخيال عمّا نسميه بالواقع، في اللغة والنظرة العاديين، ازداد اقترابا من قلب الواقع، الذي ليس هو بعالم الموضوعات المتضاربة، بل العالم الذي قُذفنا إليه عند ميلادنا قذفا، ونحاول فيه أن ننظّم أنفسنا باشتراع ممكناتنا الداخلة عليه لكي، نعيش ونسكن فيه».(20)

هنا يكون التأويل عصب الحياة الإنسانية وقطبها الأساسي، لأن الحياة ليست إلا شكلا نفعيا بيولوجيا إذا خلت من التأويل الذي يلعب فيه السرد والخيال دور الوسيط أثناء محاكاة فعل الإنسان ومعاناته التي تشكل لحمة الحياة، ومنه يتم سرد الحياة بطريقة رمزية. لذلك اعتبر أرسطو «السرد محاكاة فعل ما».(21) والمحاكاة لا تعيد نسخ الفعل بل تنتج وتبتكر أفعالا جديدة. لهذا يتميز الفعل الإنساني عن غيره من باقي الكائنات، بامتلاكه القدرة على التعبير والمفهمة المستمدين من اللغة، وهو ما يسميه ريكور بدلالة الفعل. ويتبدّى هذا الفعل في أرقى صوره في العلاقة التي ينسجها السرد مع الحياة « وإذا صحَّ أن الخيال لا يكتمل إلا بالحياة ، وأن الحياة لا تفهم إلا من خلال القصص التي نرويها عنها، إذن فالحياة المبتلاة بالعناء بمعنى الكلمة الذي استعرناه من سقراط، هي حياة "تروى"».(22)

إن الفرضية التي يودّ ريكور، دائما، الدفاع عنها، يمكن صياغتها على النحو الآتي: هناك علاقة جوهرية بين فعالية سرد قصة ما وبين الطبيعة الزمنية للتجربة الإنسانية، هذه العلاقة ليست عرضية بل تمثل شكلا ثقافيا ضروريا، بحيث يصير الزمن إنسانيا، فيصاغ بصيغة سردية، ويكتنز السرد بمعناه الكامل حيث يصبح شرطا أساسيا للوجود الزمني. لذلك اعتبر ريكور فرضية «القصص تروى ولا تعاش، والحياة تعاش ولا تروى»(23) مجرد مغالطة، لأن عملية بناء الحياة في السرد شيء ممكن، من حيث هو «تفاعل بين عالم النص وعالم القارئ. هكذا يصير فعل القراءة اللحظة الحاسمة في التحليل بكامله. فعليها ترتكز قدرة السرد على صياغة تجربة القارئ»(24). وحين يتيح السرد الفرصة لريكور بأن يفكّر بالزمن والخيال معا، فإنه يوفّر له الاستراتيجية اللازمة لوصف "الممكن". لأننا من خلال قراءة القصص والتواريخ نتعلّم ما "الممكن" إنسانيا. هكذا يكون "الممكن" مكوّنا أساسيا في فهم وتأويل الذات. ولن يكون في مقدورنا، حسب ريكور، فهم الوجود الإنساني وإمكاناته الذاتية إلاّ من خلال وسيط دلالي يبرّر هذا الوجود ويشترعه أو يشهد عليه. وتعدّ القصص والتواريخ من بين آليات فهم وإدراك الوجود والذات معا.

التاريخي والسردي والإيديولوجي
تتمثل المرجعية المشتركة بين التاريخ والسرد في العمق الزمني للتجربة الإنسانية التي تظل فاقدة للشكل وبكماء وخرساء، وما تحدثه الحبكة السردية هو أنها تسعفنا على توضيح تلك التجربة الحية، وعلى تشخيص تجربتنا الزمنية المضطربة، من خلال السرد التخييلي أو التاريخي. ويربط ريكور بين الحبكة التخييلية والحبكة التاريخية، فهو يرى أن التاريخ هو شكل متطور عن الفن الحكائي وكلاهما يشبعان إدراكنا للزمن في انقسامه إلى ماضٍ وحاضر ومستقبل. ولكن السرد التاريخي يختلف عن السرد التخييلي، فالحدث الماضي الذي يحكيه التاريخ لا يخضع للمعايشة والملاحظة وإنما للتذكر، ومع ذلك فالتاريخ يدعي أن ما يؤرخه الآن هو استحضار مطابق للحدث المعيش في الماضي، ويسم خطابه في هذا السبيل بطابع الجزم والصدق، وعلى هذا تقوم علاقة المؤرخ بالقارئ على أساس استراتيجية الإقناع والتدليل بالحجة ومن ثم فالتاريخ هو مادة حكائية قابلة للنقد والمراجعة. أمّا السرد التخييلي، فهو استحضار خيالي لحدث ماض، وخياله هو محض زعم.

فالقارئ منذ البداية، يدرك أن ما يقوم بقراءته هو محض خيال، وبذلك تقوم علاقة الروائي بالقارئ لا على أساس الحجاج والإقناع، وإنما على أساس المواءمة بين عالم النص الخيالي وعالم القارئ الواقعي. بعبارة أخرى إن الارتباط الذي يفرضه السرد بين العالم الخيالي للنص والعالم الواقعي للقارئ يقوم بالدور نفسه الذي يؤديه الدليل الوثائقي بالنسبة للسرد التاريخي. لأن الروائي لا يملك الدليل المادي المرتبط بإرغامات الوثيقة، وهو لا يطالب القارئ بالتأكد من صحة ما يحكيه، وإنما يتعلّق الأمر بإعطاء تأويل خاص للأحداث والشخصيات. فالسرد التخييلي لا يكتمل معناه إلا بالقراءة كما لا يكتمل معنى السرد التاريخي إلا بالدليل والوثيقة. ويبدو حسب ريكور أن «لا تناسقا قويا ما يعارض بين الواقع التاريخي وبين لا واقع التخييل. ولا يتعلّق الأمر بنكران هذا اللاتناسق، على العكس، يحب الاعتماد عليه لإدراك التقاطع أو القلب الموجود في الصيغتين المرجعيتين لكلّ من التخييل والتاريخ. فمن جهة، لا ينبغي القول إن التخييل لا مرجعية له، ومن جهة ثانية، لا يجب القول إن التاريخ يرجع إلى الماضي التاريخي بالطريقة نفسها التي ترجع بها الأوصاف التجريبية للواقع الحاضر».(25)

إذا كان السرد التخييلي يملك مرجعا، فإن المرجع الخاص بالتاريخ يملك صلة وثيقة بالمرجع المنتج للمحكي التخييلي، وهذا لا يعود إلى كون الماضي شيئا لا واقعيا؛ بل لأن الواقع الماضي غير قابل للتأكّد، وبما أنه لم يعد موجودا، فإن خطاب التاريخ لا يستهدفه إلاّ على نحو غير مباشر، أي رمزي وهنا تفرض القرابة بين السرد والتاريخ نفسها. فالسرد التخييلي هو المكمّل للسرد التاريخي وحليفه في المجهود الإنساني الكلّي قصد التأمّل في التجربة الزمنية وما تنطوي عليه من أسرار« فالقصص التاريخية والقصص الخيالية متشابهة. ومهما كانت الفروق بين مضامينها المباشرة (وهما الأحداث الواقعية والأحداث المتخيلة) يظلّ مضمونهما الأخير واحدا: ألا وهو بنية الزمن الإنساني. فصيغتهما المشتركة، أي السرد، هو وظيفة هذا المضمون المشترك».(26) كما أن خطاب التاريخ أو السرد التاريخي لا يمكن التعامل معه إلا بطريقة غير مباشرة، «لأن اللغة التاريخية هي، بالضرورة، لغة غامضة»،(27) ومن هنا تفرض القرابة بين التاريخ والسرد التخييلي نفسها، «فإعادة تشييد الماضي، كما أكد على ذلك كولنگوود، هو من عمل المخيلة. والمؤرخ أيضا، بحكم العلائق المشار إليها آنفا بين التاريخ والحكي، يشخص حبكات تسمح لها بالوثائق أو تمنعها إلا أنها لا تشتمل عليها قط، بهذا المعنى، فإن التاريخ يلائم بين التماسك السردي والتطابق مع الوثائق. وهذه الصلة المعقدة تطبع الوضع الاعتباري للتاريخ بوصفه تأويلا».(28)

فهناك علاقة بين التخييلي والتاريخي، وبفضل هذه العلاقة المركّبة بين المرجع غير المباشر للماضي وبين المرجع المنتج للتخييل، لا تكفّ التجربة الإنسانية عن تشخيص نفسها وتمثُل من جديد في بعدها الزمني العميق، وهي العلاقة نفسها التي أشار إليها هايدن وايت في قوله:« إن الأحداث التاريخية تمتلك البنية نفسها التي يمتلكها الخطاب السردي. وطبيعتها السردية هي التي تميّز الأحداث التاريخية عن الأحداث الطبيعية. ولأن الأحداث التاريخية تمتلك بنية سردية، فللمؤرّخين الحق في اعتبار القصص تمثيلات صادقة على هذه الأحداث، ومعاملة هذه التمثيلات بوصفها تفسيرات لها».(29) ولا يمحو ريكور التمييز بين الكتابة السردية ونظيرتها في التاريخ، بل يمحو الخط الفاصل بينهما، ويتبدّى هذا من خلال تأكيده على أن كليهما ينتمي إلى الخطاب الرمزي. وفي حين يسلّم، بحرية، بأن التاريخ والأدب يختلفان عن بعضهما باختلاف مراجعهما المباشرة، وهما الأحداث "الواقعية" و"الخيالية"، فإنه يؤكّد بأنهما ماداما ينتجان قصصا ذات حبكة، فإن مرجعهما الأخير هو التجربة الإنسانية في الزمن، أو "بنى الزمنية"

بناء على ذلك، لا يمكننا أن نتحدّث من خلال الأدب والتاريخ بصورة تعيينية ومباشرة، لأن ما يتحدثان عنه هو انفلات الزمن، ولا يمكن الإمساك بهذا الإنفلات والحديث عنه مباشرة ودون تناقض. «لابدّ أن يجري الحديث عن "انفلات" الزمنية في إطار من خطاب رمزي، أكثر منه في إطار من الخطاب المنطقي والتقني. غير أن التاريخ والأدب يتحدثان بطريقة غير مباشرة عن التجارب المنفلتة للزمنية من خلال وبواسطة دوال تنتمي إلى أنظمة وجود مختلفة، وتكشف عن أحداث واقعية من جهة، وأحداث متخيلة من جهة أخرى».(30)

الهوية السردية بين جدل الإيديولوجيا واليوطوبيا

لقد أبان ريكور على أهمية السرد في تحديد علاقة التاريخ بالوجود ودوره في بناء الهوية الشخصية لفرد أو جماعة ما، وهو ما سماه بمفهوم الهوية السردية أو الصيغة التي يجليها حضور الذات في الوجود والتاريخ .إن بناء الهوية السردية لشخص ما أو جماعة تاريخية معينة يتأتى انطلاقا من العلاقة القائمة بين السرد والخيال والاندماج بينهما. وبتعبير ريكور فإن مفهوم الهوية السردية هو ذاك النوع الذي يكتسبه الناس انطلاقا من الوظيفة السردية باعتبارها وسيطا. «أفلا تصير حياة الناس أكثر معقولية بكثير حين يتم تأويلها في ضوء القصص التي يرويها الناس عنها؟ ألا تصبح قصص الحياة نفسها أكثر معقولية حين يطبق عليها الإنسان النماذج السردية، (أو الحبكات) المستمدة من التاريخ والخيال (مثل مسرحية أو رواية)؟ يبدو أن الوضع المعرفي (الابستمولوجي) للسيرة الذاتية يؤكد هذا الحدث ويثبته».(31) من هنا يكون ما يشكل الذات تأويل يتم بواسطة السرد الذي يستند إلى التاريخ والخيال، حيث تتألف الحياة في شكل قصص خيالية أو تاريخية، يمكن مقارنتها بسِيَر الشخصيات العظام التي يحدثنا عنها السرد في التاريخ. وبما أن إشكالية الهوية تتمثل في مسألة التماسك والبقاء في الزمن، فإن السرد يقدم الخاصية الدائمة للشخصية من أجل بناء هوية بواسطة السرد، تماما مثل ما هي الهوية الحيوية المتحركة التي تعطي هوية الشخصية في الحبكة المستندة إلى التوافق المتنافر الذي يشكل الهوية السردية للشخصية. ويدعم هذا قول ريكور «استنادا إلى أطروحتي يؤلف السرد الخواص الدائمة لشخصية ما، هي ما يمكن أن يسميها المرء هويته السردية، ببناء نوع من الهوية الدينامية المتحركة الموجودة في الحبكة التي تخلق هوية الشخصية. وجدوى هذا الالتفاف من خلال الحبكة، هي كونه يقدّم نموذج التوافق المتضارب الذي يمكن فيه بناء الهوية السردية للشخصية. ولا تتقابل الهوية السردية للشخصية إلاّ مع التوافق المتضارب في القصة نفسها».(32) ويوضح بول ريكور أيضا بواسطة مفهوم السرد تاريخية الفرد. فهو يرى أن الهوية السردية تتجاوز( الماهو) لتصبح ذات الكائن في تغيراته وتحولاته داخل تماسك الحياة نفسها. فالفرد يبني هويته بواسطة سرده للأحداث وسيصبح هذا السرد بالنسبة للفرد أو الجماعة تاريخاً مجدياً يعطي للحياة تماسكها.

ففي أغلب الحالات يتم بناء الهوية على مستوى المتخيل لا على مستوى الواقع، فالمتخيل وحده قادر على التحايل على الزمن الفيزيقي وتحويله إلى كتل وكميات يقوم السارد ببنائها وفق ما تمليه عليه أهواؤه ورغباته. فالهوية إذن، من هذه الزاوية تأخذ مشروعيتها التاريخية وأبعادها المرجعية ضمن عوالم المتخيل حيث تكتسب أبعادها الرمزية، وهي الأبعاد التي بها تعيش ومن خلالها تتخلص من الزمن، وبها تقاوم وتحمي الذات من الذوبان أيضا.

فالقصص حسب ريكور تروى، ولكنها أيضا تعاش على نحو متخيل، أكثر من ذلك، فالهوية ليست عبارة عن سلسلة أحداث مفككة، كما أنها ليست عبارة عن جوهر ثابت عصي عن التطور، بل هي أصلا ما يتحقق بالزمن، أي هوية البقاء والدوام التي يحفظها الزمن من التبدّد والتّبعثر. على هذا الأساس تكون الهوية السردية هي صورة الذات المتحرّكة والفاعلة التي لا تتجسّد وتجد كافة تحققاتها إلاّ في السرد. فهي تستمد وجودها أساسا من التأليف السردي في حركيته. وهو ما يفضى إلى تحديد جديد للهوية التي لا تعد بالضرورة وخلافا لما نعتقد دائما، رهينة الماضي وإنما بإمكانها أن تتشكل بواسطة المستقبل باعتباره تحولا. فهي ليست ذكرى بشكل حصري، فالقصص أو الروايات، والآثار ، ليس لها من معنى إلا في علاقتها بالحاضر. لذلك يجب القول إن إنتاج تأويل للزمن التاريخي ينفتح حتما نحو فعل إنساني ونحو حوار بين الأجيال والتأثير في الحاضر .

وبما أن الهوية السردية ليست جوهرا قائما بذاته، بل إشكالية مفهومية قائمة على البقاء في الزمن، ومن خلال التقاليد اللغوية التي ينقلها السرد، فإن قوام هذه الذاتية، ليست الوجود للذات، بل الوجود للآخرين ومعهم وبينهم في حركة لا انقطاع لها من الأفعال الحاضرة والماضية والمستقبلية التي ينقلها تراث سردي حاضر، وتقاليد جاهزة تسبق وجود الذات الفعلي. وفي مثل هذه الأنطولوجيا التي تحيل فيها الذات إلى الآخر، والآخر إلى الذات، لا بدّ أن يحرص ريكور على التذكير بأن الآخرية والمطابقة مفهومان متلازمان للوجود في العالم.(33) في هذه اللحظة، يكون الوجود الحقيقي والأصيل هو الوجود مع الآخر الذي ينقل لنا كافة تجاربه عبر السرد باعتباره وسيطا. ولذلك ألحّ ريكور على السرد بواسطة الآخر، بدلا من سرد ذاتي التكوين. وكأنّ الآخر هنا هو العنصر المؤسس للأنا. وهنا بالتحديد يتبدّى أن السرد ساهم في إرساء هوية تعددية ومنفتحة على الإنسان من منطلق أن هوية الإنسان لا يجب أن تخضع لأية أحادية ميتافيزيقية أو دينية أو سياسية أو أخلاقية وإنما على التعدد والاختلاف والانفتاح. فالهوية على المستوى التاريخي ترتكز على ثلاثة أمور أساسية هي: امتداد الإنسان بين الحياة والموت ، الوفاء للذات، والآخرية أو التحولية . وهذا هو الفهم الذي استنبطه ريكور من أطروحة هايدغر عن التاريخانية.

إذا كان مفهوم الوفاء للذات بالنظر إلى عدم ثباته، يجعل الكائن، بكيفية معينة مرتبطا بماضيه وحاضره فإن مفهوم التغيرية يربطه بالمستقبل. فالهوية بهذا المعنى ليست ما يسمح فقط ببعض الحيوية المرجعية للماضي مادام بإمكانها أن تتشكل كذلك عبر المشروع بوصفه تصميما عمليا لحالة مستقبلية، لأن من أهم سمات المشروع تتمثّل دون شكّ في إحالته إلى مستقبل، ويمكنها أن تتشكل أيضا عبر المستقبل باعتباره تحولا. ويستبطن التحول في نفس الوقت كل من القطيعة والاستمرارية والتفتح والتغيير مع الاحتفاظ بنفس الطبيعة. إذن ففي كل هوية يجب أخذ بعين الاعتبار هذا الفارق بالنظر إلى النموذج أو المثال، وبالنظر إلى مرجعية الماضي والوحدة الأصلية للكائن.

يقودنا هذا للتأكيد على الطبيعة الحركية للهوية، هذه الحركية تجعل الإنسان في وضعية متجددة دوما بين جزع من مآل الموت والعدم من جهة وبين الفرح والاستمتاع بالحياة من جهة أخرى. هذا التعريف الجديد للهوية بكونها، امتداداً، ووفاء للذات، وتغير وتحول يعطى للاختلاف والآخرية وظائفهما التكوينية في الأنا. إن الهوية بهذا المعنى ليست منغلقة ولا منطوية على ذاتها، إنها بالأحرى انفتاح وفهم وتواصل وفاعلية... فحينما نعود إلى الماضي فإنما نعود إليه من أجل الوقوف على ممكناته واحتمالاته الدلالية، «إننا نجرّب بإسقاطنا أفقا تاريخيا، في توتّر مع أفق الحاضر، أثر الماضي فينا. وأثر التاريخ فينا شيء يؤتي أكله بدوننا. وانصهار الآفاق هو ما نسعى إليه. وهنا يتضافر سعي المؤرخ وسعي التاريخ ويتعاونان».(34) وفي هذه الحالة، فإن كل شيء يقاس بالعلاقة الموجودة بين النص والمؤول؛ إنها علاقة توتّر بين أفقين: أفق المؤول وأفق النص. هذه العلاقة هي التي توجّه وتحدد غايات النص وتجاربه الدلالية والجمالية وتمنح المؤول كذلك فرصة تأمل ذاته من خلال ما تمّ تشييده وتجسيده من معانٍ مختلفة ومتعددة . إن هذه العلاقة ما كانت لتولّد هذه المعاني لولا ارتباطها بجدلية تغير الآفاق وانفتاحها ووجهة نظر القارئ المتحركة، وضمنها كذلك تتحدّد القراءات وتتناسل التأويلات.

بناء على ذلك يجب أن نفهم الهوية وفق منظور تاريخي حركي لتأثّرنا بالماضي، بوصفه فضاء تجربة، والذي يرتبط في نهاية الأمر بأفق التوقّع المستقبلي واليوطوبي. وبهذا الجدل القائم والتفاعل بين التقليد واليوطوبيا تتم إعادة اكتشاف الممكنات الدلالية المكبوتة في المعنى الماضي. وفي إطار هذا الجدل القائم بين التقليد واليوطوبيا نجد أنفسنا أمام أفقين: أفق التجربة التاريخية التي عاشها المجتمع وأفق التوقع الذي سيعيشه المجتمع نفسه، وبالتالي فإن وظيفة السرد ستكون مزدوجة أو هي وظيفة يمكن تأطيرها ضمن بعدين: بعد إيديولوجي يفسّر كيف جاءت جماعة تاريخية أو ثقافة ما إلى الوجود، فلأكثر الشعوب والحضارات قصص وأساطير تُظهر نشأتها، وكيف يمكن لهذا البعد الإيديولوجي كذلك أن يشكّل مصدر حماية لواقع هذه الجماعة وهذه الحضارات ويصونه. وبعد يوطوبي يستبق المستقبل ويبشّر به، وكيف يمكن لهذا البعد أن يضع واقع تلك الجماعة التاريخية أو الثقافة موضع تساؤل. فالسرد من هذه الزاوية يرتبط، من جهة، بالماضي ارتباطا جوهريا بوصفه استذكارا وتحويلا لأحداثه، ويرتبط، من جهة أخرى، بالمستقبل بوصفه استشرافا لممكناته واحتمالاته، ارتباطا لا يقلّ وثاقة وصلة عن الأول بوصفه تعبيرا عن طموح لم يتحقق بعد، «والإيديولوجيا واليوطوبيا وجهان للخيال الذي يعيد إنتاج شيء ما والخيال المنتَج. وكل شيء يمرّ كما لو أن المتخيل الاجتماعي لا يستطيع ممارسة وظيفته الغريبة الأطوار إلاّ من خلال اليوطوبيا ووظيفته في تكرار الواقع ومضاعفته إلاّ من خلال الإيديولوجيا».(35)

فهناك تقاطع كبير بين الإيديولوجيا واليوطوبيا ويعدّ ضروريا داخل المتخيل الاجتماعي. فكل شيء يجري كما لو أن هذا المتخيل يستند على التوتّر القائم بين وظيفة إدماجية تقوم بها الإيديولوجيا ووظيفة انتهاكية يُسند ويوكل أمر تحقيقها إلى اليوطوبيا. وفي هذه النقطة، لا يختلف المتخيل الاجتماعي اختلافا أساسيا عمّا نعرفه عن المتخيل الفردي. حيث «يمكن للهوية السردية أن تنطبق على الجماعة كما تنطبق على الفرد. ونحن نستطيع أن نتحدث عن بقاء ذات جماعية، تماما كما تحدثنا عنها مطبقة على ذات فردية. إذ يتشكل الفرد والجماعة معا في هويتهما من خلال الاستغراق في السرود والحكايات التي تصير بالنسبة لهما تاريخهما الفعلي».(36)

وقد أظهر ريكور أن الفعل الإنساني مختلط في عمقه وجوهره بالتخيّل، بمعنى أنه لا يمكننا أن نفهم كيف يمكن للحياة الواقعية أن تنتج عن ذاتها صورة ما إذا لم نفترض في بنية الفعل ذاته وسيطا رمزيا يتحدد من خلاله وعينا بوجودنا الاجتماعي. بمعنى آخر إن كل جماعة تاريخية تكون في حاجة ماسّة إلى تشييد صورة عن نفسها بما يحفظ لها وجودها وهويتها وتاريخها، وفي تشييدها لهذه الصورة تكون قد دخلت في علاقة غير مباشرة بوجودها وذلك عبر الرموز والحكايات باعتبارها سيرورات توسطية تمنحها هوية ووجها مشخّصا. وعملية إنتاج وتداول واستهلاك هذه الرموز والحكايات والتمثلات، هي ما يشكّل الوظيفة الجوهرية للمتخيل الاجتماعي. فهذا المتخيل ليس بسيطا بل مركبا ومزدوجا فهو أحيانا يشتغل في صورة إيديولوجيا وأحيانا أخرى في صورة يوطوبيا. وانطلاقا من هذه الطبيعة المركّبة والمزدوجة تكمن البنية الصراعية للمتخيل الاجتماعي. ويحدّد ريكور لكلّ من الإيديولوجيا واليوطوبيا ثلاث وظائف تشتغل كلّ واحدة وفق مستوى محدد.(37)

في المستوى الأول تشتغل الإيديولوجيا بوصفها تحريفا أو قلبا لحقائق الواقع (هذا هو الفهم الماركسي للإيديولوجيا). وفي المستوى الثاني تشتغل الإيديولوجيا باعتبارها إضفاء للشرعية على نظام قائم (الإيديولوجيا لدى ماكس فيبر) والإيديولوجيا هنا ليست تحريفا ولا تزييفا لحقائق الواقع، بل إن لها وظيفة تبريرية؛ أي تبرير ظاهرة الهيمنة وإضفاء المشروعية على السلطة القائمة. أما المستوى الثالث فهو الأكثر أهمية وخطورة في اعتقاد ريكور، ويتبدّى حينما تمارس الإيديولوجيا وظيفة الدمج أو الإدماج؛ أي إدماج الفرد ضمن هوية الجماعة. يتعلّق الأمر بمسألة تخليد جماعة بشرية ما احتفالاتها، من خلال عاداتها وطقوسها، وذكرياتها الرسمية. بحيث يتمكّن أفراد الجماعة من إعادة إحياء الأحداث التاريخية بوصفها أحداث أولية وبانية للهوية الخاصة بالجماعة.

ترتبط هذه الوظيفة بتكوين وإنتاج بنية رمزية للذاكرة الجماعية، ووظيفة الإيديولوجيا في هذه اللحظة هي «نشر الاقتناع بأن تلك الأحداث المؤسسة هي عناصر مكونة للذاكرة الاجتماعية، ومن خلالها للهوية نفسها. ولهذا على كل فرد أن يتماهى مع هذه الذاكرة الجماعية والمؤسسة للهوية، في حين أن هذه الأحداث ليست سوى ذكرى لدائرة محدودة من الآباء المؤسسين الذين قاموا بالثورة أو حققوا الاستقلال. ومن هنا يُناط بالإيديولوجيا مهمة القيام بدور إدماج الفرد ضمن هذه الذاكرة الجماعية، من خلال إقناعه بأن لهذه الأحداث قيمة كبيرة هي تأسيس هويتنا، ولهذا يجب أن تكون هذه الأحداث التأسيسية هي موضوع الاعتقاد للجماعة برمتها».(38) وما أشار إليه بول ريكور، على سبيل المقارنة، يجعلنا نقترب من تصور هايدن وايت لعملية تكوين التواريخ أو تشكيلها. فحين نقرن الهويات بالتواريخ من منظور هايدن وايت سنعي كم تخضع الهويات إلى عملية تسريد لمكوناتها وعناصرها، هذه العملية يسميها هايدن وايت باستراتيجية التحبيك، أي الرغبة الدفينة لدى الإنسان في عرض تاريخه وهويته في حبكة سردية متماسكة ونقية بحيث يعطي لوجوده معنى ولتاريخه قيمة. وهو ما يجعل الهويات والأمم عبارة عن إطار متخيّل أو حدود متخيّلة تتشكل بواسطة أدوات السرد والتخييل.(39)

ذلك أن كل الكتابات التاريخية تعتمد، مثلها في ذلك مثل السرد، على أمر غير قابل للإنكار وهو شكل السرد ذاته. فالتاريخ يدرك أو يتشكّل بوصفه قصة تتألف من أحداث وشخصيات ومواقف. وهذه القصة، أو هذا الشكل القصصي ليس موجودا في الأحداث الواقعية، بل على المؤرخ أن يبتكر هذه القصة، عليه أن يقوم بتسريد تاريخه، عليه أن يضع حدثا ما بوصفه سببا وآخر بوصفه أثرا، وعليه أن يبرز حدثا ما، ويغيب آخر، وهذه العملية هي ما يسميها هايدن وايت، كما سلف، بـالتحبيك. فعلى المؤرخ أن يحبك تاريخه وهويته. وانطلاقا من هذا فإن التواريخ قد تظهر، بحسب طريقة تحبيكها، في صيغة مأساوية (تراجيدية)، أو فكاهية (كوميدية)، أو رومانسية بطولية، أو هجائية ساخرة، أو ملحمية.(40) والحقيقة أن إضافة ريكور الجوهرية في مناقشة الإيديولوجيا واليوطوبيا لا تتبدّى في تعداد مظاهر ومستويات اشتغال الإيديولوجيا، بل في الربط بينهما، أو محاولة التفكير فيهما سوية، وفهم إحداهما من خلال الأخرى. ومن منظور ريكور تمثل الإيديولوجيا واليوطوبيا تعبيران عن المتخيل الاجتماعي.

إذا كانت الإيديولوجيا تشتغل وفق ثلاثة مستويات: التحريف والتبرير والإدماج، فإن هذا يستلزم رؤية موازية لمستويات اشتغال اليوطوبيا وذلك قصد إظهار أن اليوطوبيا ما هي في نهاية المطاف إلاّ الإضافة والتكملة الضرورية للإيديولوجيا بلغة ريكور. فإذا كان دمج الفرد في هوية الجماعة مثلا يمثل وظيفة الإيديولوجيا في مستواها الثالث، فإن وظيفة اليوطوبيا تتمثل في اقتراح مجتمع وهوية بديلين ردّا على الهوية الإدماجية. وإذا كانت الإيديولوجيا تشتغل في مستواها الثاني كتبرير وإضفاء المشروعية على السلطة القائمة، فإن وظيفة اليوطوبيا في مستواها الثاني تعمد إلى التشكيك في هذه المشروعية وتضع السلطة بشتى أنواعها موضع تساؤل ونقد. وإذا كان التحريف وقلب حقائق الواقع من أجل صيانته يشْغَل الإيديولوجيا في مستواها الأول، فإن وظيفة اليوطوبيا في هذا المستوى هي وظيفة تحريرية تعمل على نقض هذا الواقع بكل أشكاله وممارساته.

وهكذا فإن الإيديولوجيا في مستوياتها الثلاثة تقوم على دعم الواقع وصيانة أنظمة السلطة وهويات الجماعة، فيما تعمد اليوطوبيا إلى قذف المتخيل إلى مكان خارج الواقع حيث لا مكان ولا زمان. إن الإفراط في الإيديولوجيا يمكن أن يحوّلها إلى وظيفة تبريرية سلبية للدفاع عن الوضع القائم بدلا من مواجهته ونقده، كما أن الإفراط في اليوطوبيا قد يحوّلها إلى وعي زائف يموّه به المجتمع على نفسه بدلا من التطلّع إلى الأمام واستكشاف العوالم التي لم تتحقق بعدُ. والمحصلة النهائية التي وصل إليها ريكور تقرر تكامل الإيديولوجيا واليوطوبيا، لا بسبب توازيهما من حيث الوظائف، بل لتبادلاتهما المشتركة. فما تصونه الإيديولوجيا تنسفه وتنتهكه اليوطوبيا، وفي المقابل فإننا بحاجة ماسة إلى الإيديولوجيا من أجل علاج اليوطوبيا من الجنون الذي يتهددها باستمرار. يقول ريكور: «إذا فهمنا السرد على أنه المسعى الإنساني لإضفاء معنى على التاريخ برواية قصة، فإنه يرتبط بالتراث على طريقتين. فبالتأويل الإبداعي الجديد لأساطير الماضي، يطلق السرد ممكنات جديدة كانت خفية في ممكنات التاريخ. وبفحصه النقدي للماضي، يبعد التراث عن الامتثالية والمطابقة التي تهدّد دائما بإخضاعه. ولذلك فإن مراعاة هذه القدرة المزدوجة في السرد، تعني مقاومة الانقياد لعادة إقامة مقابلة وثوقية بين "الحقائق الخالدة" في التراث، من ناحية، والابتكار الحرّ في الخيال النقدي من ناحية أخرى».(41)

يشكل السرد سيرورة توسطية ـ بانية للثقافي والإيديولوجي والتاريخي بين الذّات وبين العالم من خلال رمزية لغته، لأن الرمزي هو الوسيط الكلّي والشامل للفكر بيننا وبين الواقع، إنه يعبّر قبل كل شيء عن لا مباشرية فهمنا للواقع، لذلك فقابلية العالم لأن يتحول إلى سرد، لا يعد فعليا مرحلة نهائية للاقتراب من الحقيقة، بل يصبح للحقيقية دور مكثف ورمزي داخل السرد لأنها تتحول إلى علامات ورموز يلزم تفكيك سننها، وفي السرد تعبر عن تعددها واحتمالاتها. ولهذا فإن تعميق معرفتنا بالسردية في مظاهرها المتعددة، هو في الواقع تعميق لمعرفتنا بالأشكال الخاصة بالتقطيع والتمفصل الدلالي. إن التأويل عند ريكور، هو بناء رمزي للذات والوجود، وهو بناء يحاول الإمساك بالمرجع الخارجي انطلاقا ممّا توفّره اللغة من آليات تعتمد التقطيع والتمثيل والمفهمة،« ومهمة الهرمينوسيا هي إثبات أنّ الوجود لا يصل إلى الكلام وإلى المعنى وإلى التفكير إلاّ بالصدور عن تأويل متواصل لجميع الدلالات التي تحصل في عالم الثقافة، ثم إن الوجود لا يصبح ذاتا إنسانية (...) إلا بامتلاك هذا المعنى الذي يسكن "خارجا" في المؤلّفات والمؤسسات وآثار الثقافة حيث تُموضع حياة الفكر».(42)

 

جامعة مولاي إسماعيل مكناس / الكلية المتعددة التخصصات الرشيدية / المغرب

 

هوامش الدراسة
 (1)ـPaul Ricoeur : Temps et récit ،III le temps raconté، éd Seuil،Paris (Col L’ordre Philosophique) 1985، P: 435.

(2) ـ سعيد بنگراد : "التأويل، التعيين والتعدد ولانهائية الدلالات". جريدة العلم الثقافي السبت 24 يونيو 2004.

(3) ـ ;Page :116. Paul Ricoeur: Du Texte à L’action; d’herméneutique ; II. Collection Esprit Seuil ; 1986

(4) ـ سعيد بنگراد : "مات ريكور عاشت التأويلية"، ملحق فكر وإبداع جريدة الاتحاد الاشتراكي الجمعة3 يونيو2005، العدد: 7952..

(5) ـPaul Ricoeur: Du Texte à L’action; op.cit ;Page :12.

(6) ـ Paul Ricoeur :Temps et récit I ;L’intrigue et le récit historique، Seuil ;Paris1983 ; (Col L’ordre Philosophique); Page : 7.

(7) ـPaul Ricoeur :De l’interprétation ;Essai Sur Freud; Seuil 1965 ;Page :49.

(8) ـPaul Ricoeur : Entretien avec le Monde ;ED. La Découverte1984 ;Page :168.

(9) ـPaul Ricoeur :Temps et Récit I; L’intrigue et le récit historique ; Coll L’ordre Philosophique Seuil;

 Paris1983 ; Page :7.

(10) ـ هايدن وايت " ميتافيزيقا السردية" ضمن الوجود والزمان والسرد فلسفة بول ريكور، ترجمة: سعيد الغانمي، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى 1999،الدار البيضاء. ، ص: 192/193.

(11) ـ Paul Ricoeur: Du Texte à L’action; op.cit ;Page :15

(12) ـ Ibid; Page :17.

(13) ـ Ibid; Page :17.

(14) ـ بول ريكور : ورد في كتاب: الوجود والزمان والسرد، مرجع مذكور ص : 81.

(15) ـ هايدن وايت " ميتافيزيقا السردية" ضمن الوجود والزمان والسرد مرجع مذكور، ص: 200.

(16) ـ Paul Ricoeur: Du Texte à L’action; op.cit ;Page:15.

(17) ـ سعيد بنگراد : "مات ريكور عاشت التأويلية" مرجع مذكور.

(18) ـ بول ريكور : "الحياة بحثا عن السرد" ضمن الوجود والزمان والسرد مرجع مذكور ص : 48/49.

(19) ـ Paul Ricoeur: Du Texte à L’action; op.cit ;Page :23.

(20) ـ بول ريكور : ورد في كتاب: الوجود والزمان والسرد مرجع مذكور،ص:83.

(21) ـ Paul Ricoeur :Temps et Récit I ; op.cit ;Page :70.

(22) ـ بول ريكور : "الحياة بحثا عن السرد"، ضمن الوجود والزمان والسرد مرجع مذكور ص : 52/53.

(23) ـ المرجع نفسه، ص: 39. أنظر كذلك : Paul Ricoeur: Du Texte à L’action; op.cit ;Page : 15.

(24) ـ بول ريكور : "الحياة بحثا عن السرد" مرجع مذكور ص : 46.

(25) ـ Paul Ricoeur: Du Texte à L’action; op.cit ;Page:17.

(26) ـ هايدن وايت " ميتافيزيقا السردية"، مرجع مذكور، ص: 203.

(27) ـ Paul Ricoeur : Histoire et Vérité، Paris، Seuil، 1955 (Col ;Esprit) ;، Page:30.                  

(28) ـ Paul Ricoeur : Du Texte à L’action ;op.cit; Page :18.

(29) ـ هايدن وايت " ميتافيزيقا السردية"، مرجع مذكور، ص: 189.

(30) ـ هايدن وايت " ميتافيزيقا السردية"، مرجع مذكور، ص:196.

(31) ـ بول ريكور : "الهوية السردية" ضمن الوجود والزمان والسرد مرجع مذكور،ص: 251.

(32) ـ المرجع نفسه، ص: 260.

(33) ـ سعيد الغانمي : "الفلسفة التأويلية عند بول ريكور" ضمن الوجود والزمان والسرد مرجع مذكور، ص:29.

(34) ـ بول ريكور : ورد في كتاب: الوجود والزمان والسرد مرجع مذكور،ص:94/95.

(35) ـ Paul Ricoeur : Du Texte à L’action ;op.cit; Page :391.

(36) ـ بول ريكور : "رحلة ختامية في الزمان والسرد" ترجمة سعيد الغانمي مجلة أوان كلية الآداب جامعة البحرين العدد9، 2005،ص:83

(37) ـPaul Ricoeur : Du Texte à L’action ;op.cit; P.P : 379 / 392.

(38) ـ Ibid; Page :385.

(39) ـ نادر كاظم : "الهويات بين التحبيك السردي والتنظيم الأيديولوجي" مجلة نزوى العدد 33، السنة،2003، مؤسسة عمّان للصحافة والنشر، ص:103.

(40) ـ المرجع نفسه ص:103.

(41) ـ ريتشارد كيرني : "بين التراث واليوطوبيا" ضمن الوجود والزمان والسرد مرجع مذكور،ص:104.

(42) ـ Paul Ricoeur : Le Conflit des interprétations ; Ed ; Seuil ;Paris ;1969 (Col ‘ L’ordre Philosophique’) Page:26.