تكشف هذه الدراسة عن الترابط الجدلي بين تغير الواقع الاجتماعي المتسارع في المغرب، وتداخل تلك التغيرات بفضاءات العولمة، وتبدلات القيم الاجتماعية والأخلاقية فيه على مختلف الصعد الأسرية والمجتمعية والسياسية. ويسعى للتعرف على آليات ما يدعوه بالتفاوض حول متغيرات القيم في الواقع وتأثير هذا كله عليه.

القيم والتغير الاجتماعي في المغرب

محمد أعراب

تكتسي دراسة القيم حاليا، أهمية كبيرة، وذلك نظرا للنزاعات والتحولات التي تعيشها المجتمعات المعاصرة في إطار عولمة تكشف في الآن ذاته وبكيفية مفارقة، النزوع نحو خصوصيات ثقافية. تنتمي القيم إلى مجال معياري "normatif" وذلك من أجل توجيه السلوك والممارسات. سواء كانت فردية او جماعية ، في مجتمع ما. وليس غريبا، أن نجد اليوم الباحثين وعلماء الاجتماع والفلاسفة، يهتمون بالبحث في القيم، ويتخذونها موضوعا لعدة تساؤلات "questionnements" تتعلق حول تراجعها وانحطاطها أو حول أزمتها، (أزمة القيم).

مقــــــدمة:

 تهدف هذه المساهمة إلى تشخيص ودراسة تطور القيم في سياق المجتمع المغربي، والجدل الذي تمحور حول هذه القيم في التاريخ المعاصرالمغرب خاصة، وفي الدول الإسلامية، التي تتقاسم المناخ الثقافي للإسلام بصفة عامة. إن الحديث حول القيم، يتأسس على الأدبيات والكتابات التي أنتجت حول القيم، والإطار المفاهيمي، و انطلاقا من المعطيات الميدانية للبحوث التي أنجزت حولها، منها مثلا "القيم في العالم "World values Survey" . وهو البحث الذي ينجز كل أربع سنوات في أكثر من ثمانين دولة أو أيضا انطلاقا من بحث أنجز في المغرب حول القيم في إطار "تقرير الخمسينية سنة 2005" rapport (1) إذا كنا في ميدان السوسيولوجيا نجمع أن القيم ليست ثابتة، ،وأنها على العكس من ذلك، تتغير بتغيرات المجتمع، فإن خصوصية تطور القيم ’’تكمن أساسا في كون هذا التطور ليس له نفس الإيقاع ’الذي تعرفه ظواهر اجتماعية أخرى ،باعتبار أن القيم لها علاقة وطيدة بوعي الإنسان، وبالعقليات والدهنيات. إنها تخضع لزمنية خاصة، يمكن أن تتميز يبطئها أو بإمكانية عودتها ورجوعها إلى قيم قديمة في أشكال وصور حديثة.

لقد شهد المجتمع المغربي تغيرات كبيرة وتحولات كثيرة منذ الاستقلال. ونتيجة لذلك، عرف مجال القيم بدوره تغيرا ملحوظا. كيف يمكن إذن تحديد وتشخيص هذا التغيير ما هي معالمه ومظاهره ومستوياته؟

 ننطلق في هده الدراسة من بعض الفرضيات، و هي التي تحدد العلاقة بين البنيات الاجتماعية، والعلاقات الاجتماعية والقيم. عناصر هذه الفرضيات هي الآتية: كان في الماضي يوجد مرجعا تقليديا للقيم ’يحدد العلاقات بين الأشخاص، داخل الجماعة. شهد هذا المرجع ce référentiel نوعا من المواجهة بينه وبين عوامل التغير’ على مستوى أنماط الحياة، وحركية السكان وتنقلهم (قروي/حضري) (البلاد/الخارج) ’وأيضا على مستوى تغيرات في قنوات إنتاج القيم،المدرسة، وسائل الإعلام، الأقران، قنوات وشبكات الاتصال ، وتعقد المجتمع المعاصر. نجد في وقتنا الراهن، منافسة قوية على مستوى القيم.

 نلاحظ في وقتنا الحاضر، العديد من القيم ،تتنافس فيما بينها، والكثير من القنوات المنتجة لها. كما نلاحظ انفتاح سوق القيم le marché du valeurs ’وعملية إعادة تأسيس وبناء نسقها، مع قيم تقليدية لا زالت مؤثرة وفاعلة ’وقيم أخرى جديدة "émergeantes". يمكن لنا أن نفحص ونبحث هذه التغيرات في القيم وما يترتب عنها، انطلاقا من بعض المداخل، كمدخل الأسرة، والدين والسياسة.

الأسرة والقيم

تقليديا ’يعتبر الدين والقبلية والأسرة ’أطرا اجتماعية للانتماء والتنشئة. منها يستمد الفرد بعده الاجتماعي ويحصل على مرجعه فيما يخص الخطاطات الثقافية "des schémas culturel".

الدين يشكل إطارا مرجعيا للقوانين الاجتماعية "codes sociaux" وقواعد السلوكات والقيم وتقدير قاعدة أو أرضية لنسق أو منظومة أخلاقية ومعيارية "axiologique" ترسم الحدود الفاصلة ككل ثقافة. إن المجتمعات كما هو الشأن بالنسبة للمجتمع المغربي، وغيره من المجتمعات العربية الإسلامية الأخرى، قد ورثت بعد حصولها على استقلالها إرث من القيم التقليدية التي تتدخل في العلاقات بين الأفراد والجماعات مع الدولة والجماعة. إن الدين، والعرف والتقاليد والقوانين العرفية، تعد الروافد الأساسية للقيم، والتي توجه وتحديد تصورات الفرد، والعلاقات الاجتماعية، والروابط أو الصلات مع الجماعة.

إن مصادر النظام الأخلاقي التقليدي هو الدين والمعتقدات والممارسات الاجتماعية. حيث لا تنفصل القيم الأخلاقية عن النظام الديني في المجتمع. فالدين هو الذي يحدد الإطار الأخلاقي ويفرض القيم التي ينبغي إتباعها بالنسبة للفرد والآخرين والجماعة.

الدين التقاليد والأعراف هي المصادر الأساسية التي تؤثر على اهتمام الفرد وفكره وعلاقاته الاجتماعية وروابطه بالجماعة.

يمكن أن نذكر بعض المفاهيم، تم استعمالها بنوع من الحنين من قبل أشخاص مسنين، في وقتنا الحاضر، عند الحديث عن القيم. هذه المفاهيم يمكن اعتبارها معجما للقيم التقليدية. توجد ذاكرة «un répertoire" للقيم ’تنتمي للسجل الثقافي التقليدي Registre culturel traditionnel. على سبيل المثال نذكر، مفهوم العدالة، القناعة – الرضي " la bénédiction– المعقول la droiture الاستقامة، الثقة ( النية))، الالتزام بالوعود والعهود (الكلمة) – الخير، الخ... يتألف هذا المعجم من قيم أخلاقية، تتعلق بالمستوى الفردي، في مجاله الأسري، وفي العلاقة مع الجماعة، وبالمقدس.

تعد الأسرة هي المؤسسة الأولى، التي تنتج وتنقل القيم.. قد تم الحفاظ على التنظيم العائلي التقليدي ونموذج الأسرة الممتدة، ، الذي يحكمه مبدأ الترابية"la hiérarchie"، ومبدأ السلطة L’autorité .

أكيد أنه توجد اختلافات بين الوسط القروي والحضري، فيما يخص أنماط الحياة ومستوياتها. ، وأيضا فيما يتعلق بالسلطة l’autorité والنفوذ.(2) ان القيم المرتبطة بالتنظيم الأسري هي قيم الطاعة لسلطة الأب، والتي تدعمها قيمة "القبول الأبوي" أو ما نسميه ب "الرضي" la bénédiction parentale والتي تحكم علاقة النسب. يعمل جميع أفراد الذرية progéniture ما في وسعهم لتفادي الوقوع ' في "السخط" le bannissement من قبل الوالدين. يشعر الأبوين بنوع من الارتياح عندما يتم احترام سلطتهم ،ويتم التعبير عن الطاعة والانصياع لهم. لقد تم الفصل الحسم فيما يخص الاتجاه نحو الوالدين: إما الأبناء قد اختاروا طريق الرضي أو على العكس من ذلك سلكوا طريق السخط. والقليل من الأبناء لأنه في الوقت ذاته يعتبر حدث غير مقبول من قبل الله وغير محمود من قبل الله، والأسرة والمجتمع. إن قيمة رضي الوالدين هي قيمة أخلاقية، يحاول كل فرد أن ينالها من قبل الأبوين، وأن يتمثلها يستوعبها جيدا، لكي تحدد وتوجه علاقاته تجاه أبويه. وتمنعه من الوقوع في السخط.

إذا كانت قيمة "الرضي" يتقاسمها ويمنحها الأب والأم في الوقت ذاته، فإن على العكس من ذلك، أن قيمة السلطة والنفوذ تبقى في غالب الأحيان حكرا على الأب وحده. هذه المنظومة القيمية، جعلت من موقع الأب هو المالك الفعلي لهذه السلطة بالدرجة الأولى. إنها سلطة تظل مقبولة، وشرعية ومبررة رغم طابعها القوي. كما أن هذه السلطة الأبوية، تم تعويضها سلطة الفقيه" أو المعلم في "المسيد" الكتاب، وأيضا المدرسة هناك مثل مغربي شائع مفاده أن الأب عندما يسجل ابنه في الكتاب أو المدرسة كان يقول للفقيه أو للمعلم "أنت تذبح وأنا أسلخ" وبعبارة أخرى إن سلطتك تعد مكملة لسلطتي". ونجد أيضا أن نفس المبدأ الذي يحكم علاقة الأب بابنه هو الذي يحكم عنده المعلم بتلميذه، بل يحكم أيضا علاقة الرجل والمرأة (علاقة السلطة والطاعة).

هذه السلطة الأبوية، تمتد وتتسع لتشمل سلطة الزوج على زوجته، مبررة بالطاعة، والتي ينظر إليها كقيمة إيجابية، ينبغي لكل زوجة تحظى بالاحترام أن تتصف بها. إن رضا الوالدين، كقيمة، تجد سندها في الدين، والمعتقدات، والتمثلات الجمعية، وتعمل كمبدأ يحافظ على تماسك وانسجام الأسرة عمد الزمن. وهكذا، يصبح واجب مساعدة الأبناء لآبائهم المسنين، هي عمل وتطبيق لمبدأ رضا الوالدين الذي يصاحب الفرد من المهد إلى اللحد. أن يكون لديك ذرية ، وأن تبذل جهدك من أجل تربية الأبناء والسهر على نموهم ونضجهم، تعتبر في نظر الآباء بمثابة استثمار عاطفي وجداني ومادي في الوقت ذاته، وتضع الأبناء يعيشون وضعية دين اتجاه الوالدين une situation de dette.

ترتبط بقيمة طاعة الوالدين، مجموعة من القيم الأخرى، نذكر من بينها: رضا الوالدين، الاحترام، الحشمة اتجاه الوالدين، والتي تنتمي بدورها إلى هذا السجل التقليدي من القيم. حشمة النساء la pudeur تجاه الرجال والتي تدفعهن إلى غض البصر، وخفض الصوت عند ما يقابلونهم وحين يواجهونهم.

في المنظومة التقليدية، مبدأ السلطة، هو الذي يتحكم ، ويوجه العلاقات التراتبية...

تعد قيمة الطاعة l’obéissance هي التي توجه علاقات الترابية لمن فقط بين الأب والأبناء ولكن أيضا، بين الكبار والصغار les ainée et les cadets، بين المعلمين / الأساتذة والتلاميذ / المتعلمون، والماسكين بزمام السلطة والخاضعون لهم، وبين الحاكمين والمحكومين. في النسق التقليدي، يعد مبدأ السلطة الخط la ligne الموجه الذي يضبط العلاقات الترابية. كما أن القيم السائدة في الأسرة تجد صداها، وتؤثر في الكتاب / المسيد، وفي المدرسة. إن الأسرة والمدرسة تنتجان قيما تجعل من الفرد الذي تمت تنشئته حسب قيم الطاعة والخضوع. تجعل منه فردا خاضعا وخانعا بكل سهولة عندما يلج وينتقل إلى مبادئ أخرى. الطاعة والخضوع هما حجر الزاوية للنظام الأبوي، l’ordre patriarcale الذي يقوم على أساس الأخلاق الدينية المدنية، ويضفى عليه طابع الشرعية.

يملك المجتمع المغربي التقليدي، إلى جانب التعاليم الدينية الكبرى (les grands préceptes)، مجموعة من الأعراف والقوانين العرفية خاصة بالأوساط الحضرية والقروية ،والتي تستعمل كأساس ومصدر لتطبيق العدالة. هذا النمط من المجتمع، يعطي أهمية كبرى للاستقامة la droiture (المعقول) إنها قيمة أخلاقية ضرورية من اجل قيام العلاقات الاجتماعية خاصة في ميدان التفاوض والمعاملات négoce حيث من المقترض، أن تقوم العلاقات على أساس الثقة أو ما يسمى ب "النية" وعلى الوفاء بالعهد أو "الكلمة" la parole donnée وخرقها هذا لا يعني بتاتا ، أن تجاوز هذه القيم يعد أمرا غير معهود في المجتمع التقليدي. على الأقل، يمكن القول، إن ثقافة الثقة (النية) تستعمل كمبدأ للتماسك الاجتماعي la cohésion sociale وضبط العلاقات بين الأفراد.

من ضمن هذه القيم، نجد قيمة العدالة أو ما نسميه بالدارجة المغربية (الحق) التي تعد قيمة مركزية في قيام نظام الجماعة. إن الدولة (المخزن) والماسكون بزمام السلطة والنفوذ، يفترض منهم أن يكونوا هم الضامنون garants للعدالة مع الاستقلال، أصبحنا، نتوجه ونعود إلى الدولة، لنبحث عن العدالة الأمر الذي يجعل من الدولة، هي الساهرة الوحيدة للحفاظ عليها، باعتبارها كقيمة. وهكذا فالمصادر والدعائم الأساسية للنظام التقليدي L4ordre هما الدين والبنية الاجتماعية للمجتمع / la structure socialeوقيمة الطاعة l’obéissance تنتمي إلى إطار بنية المجتمع الأبوي" la société patriarcale.

شهد المجتمع المغربي مند الاستقلال ’ بكيفية تدريجية ’تغيرات عميقة. فالتطور الاجتماعي ، والتغيرات les changements ساعدت سجل القيم Le registre des valeurs على إدماج قيم أخرى جديدة تعتبر قيما كونية universelle في نظر الهيئات الأممية والدولية organisation onusiennes والتي تم الاتفاق عليها اعتمادا على معاهدات دولية، منها حقوق الإنسان، المساواة بين الرجال والنساء، حقوق الأطفال، حرية التعبير، دولة الحق، والديمقراطية.

إن العولمة، ووجود شبكات عبر دولية transnationaux قد ساهمت في فتح الحدود للقيام هذه الوضعية جعلت من القيم موضوعا لرهانات التفاوض، ورهانات في الثقافة وهكذا فباسم القيم الإسلامية نجد جماعات إسلامية عبر دولية transnationaux، ينتفضون ضد القيم التي يسمونها "غربية" de l’occident أو قيم "الغرب". منها أن انتشار وسائل الاتصال عبر الأقمار الاصطناعية قد فتح آفاق وسائطية جديدة médiatiques، وساهمت في دخول أنماط جديدة من الحياة داخل الأسر والبيوت المغربية .

ساعد التطور الاجتماعي على إدماج قيم أخرى جديدة، باعتبارها قيما كونية .

لا يمكن النظر إلى تطور هذه القيم ’وكأنه انتقال من مرحلة إلى أخرى، ولكن يمكن اعتبارها كأركيويلوجيا comme archéologie . مع التغيرات التدريجية، التي عرفتها الهجرة، والاستعمار، ووسائط الإعلام في ظل العولمة والحداثة، شاهدنا صراعات حول القيم. وهذه الظاهرة هي يسمى بصفة عامة "أزمة القيم". فالأفراد اللذين كانوا منصهرين في الوطن، ومرتبطين بالقبلية والأسرة، ومحميين Protégé بأشكال من التضامن التقليدي، ومنتمون إلى نظام من القيم خاص بفضائهم الثقافي، يوجدون اليوم كشاهدين des témoins وكفاعلين لروابط عائلية واجتماعية في مرحلة إعادة التشكل والتكون ’recomposition، وفي قيم اجتماعية تعيش تحولا مجتمعيا.

إن التغيرات التي تشهدها الحضارة العربية-الإسلامية. ، يمكن معرفتها وفهمها انطلاقا من الأسرة. والتي تم مؤسستها من قبل "الفقه" والعرف’ وأصبحت تشكل نسقا للقرابة، وبنية للحماية protection وفضاء فكريا ثقافيا وروحيا". إنها تشكل في المعيش الاجتماعي، مجموعة من القيم تم نقلها وترسيخها عبر التربية والتنشئة الاجتماعية .وهكذا فإن مجتمعات المغرب العربي الكبير، قد ورثت نمطا أسريا أبويا تراتبيا. حيث تحمل الأسرة بدورها إرثا ماديا وثقافيا سيكولوجيا وسسيولوجيا. هذه الأسرة لا يمكن فهمها وتفسيرها حسب "بوهديبة" Bouhdiba إلا اعتمادا على نوع من الأريكولوجيا – الاجتماعية Archéologie-sociologie فالأسرة في وقتنا الراهن، تحكمها استراتيجيات، تمليها الوضعية الحالية والظرفية La conjoncture. لهذا، فمن الضروري أن ننظر إليها ، لا باعتبارها "كيان" تام une entité ونهائي ومغلق، ولكن، أن تنظر إليها باعتبارها فضاء مفتوحا، للتسويات compromis وللتنازلات les concessions.

في حركتها الدءوبة للانفتاح، شهدت الأسرة التقليدية تغيرا، دفع أفرادها وأعضائها إلى إيحال استراتيجيات جديدة. فالتعذيب رغم الإبقاء عليه، ووجوده في القانون، باستثناء تونس، مدونة الأسرة في المغرب، حيث تمت إحاطته وتحديده بعدة شروط، أصبح على الأقل غير ملاحظ وقائم شكل مستمر في الواقع.

فالنساء يلجئن عالم التربية والشغل أكثر فأكثر، حيث أصبح مفهوم le couple والزوجين الأكثر حضورا وتداولا وغير الرهانات والاستراتجيات. وحول القيم نحو فضاءات أخرى. لم يعد الآباء يملكون الرسائل للإبقاء والحفاظ على سلطتهم ونفوذهم. إن إعادة توزيع الوضعيات les statuts قد أثرت على الصورة السلطوية للأب .

وسائط الاتصال les média قد أحدثت انقلابا في المنظومة المرجعية le système de référence كنا كتب "بوهديبة" Bouhdiba إن الاستراتجيات التقليدية للسيطرة أو التفاهم، للتقاسم أو التسوية، قد تم تعويضها باستراتيجيات القطيعة أو الصراع". والتحرر التدريجي للأسرة، قد تحقق، ولكن لكي يصبح تابعا أكثر تجاه الدولة"(4) التي انتقلت إليها، نتيجة لذلك، المهام ا التقليدية للأسرة. وهكذا تجري عملية انتقال مسؤولية الأسرة نحو مسؤولية الدولة.

التحولات التي تشهدها الأسرة، تلخص كل التغيرات التي تعرفها الحضارة العربية الإسلامية

تمارس قيم العفة والشرف، التي تعد من بقايا ومخلفات المجتمع البدوي الأبوي، تمارس رقابة اجتماعية على أفراد المجتمع. هذه العفة تلعب دور المحافظ والحامي للحياة الجنسية، التي أصبحت يزاحمها الآن نوعا من التعبير أكثر فأكثر انفتاحا حول الحياة الجنسية la sexualité. لقد أصبح الحديث الآن ممكنا حول الحياة الجنسية، وبوجود خطاب حولها، والذي كان مكبوتا ومحصورا أو محدودا في الدوائر المغلقة بين النساء، أو بين الرجال أنفسهم، و شهد في وقتنا الراهن نفسا من التحرر بفعل تحرر التعبير والخطاب والأفكار.

إن الاستعمال المتبادل للفضائيين العام والخاص، من قبل النساء، واندماجهن في سوق الشغل ، قد ساهما في تغير دور المرأة، وبالتالي، حركت النظام L’ordre التقليدي وبعض القيم التي تؤسسه، مهما كانت المقاومات، لقد عرف النساء، كيف يبلغن، وسمعن صوتهن، بكيفية تدريجية. إن مطالب النساء حول حرمانهن وتهميشهن بل تشييئهن la chosification، أصبحت مسموعة وتشوش على النظام الاجتماعي التقليدي.

أصبحت الأسرة جد مرنة، وتتكون من نماذج عديدة ومتنوعة. إذا كان بالأمس، نموذج الأسرة الممتدة هو السائد، فالآن قد تغير الواقع. في المجتمع المغربي، 63% من الأسر الآن هي أسر نووية، ونجد في النسبة الباقية، نماذج أخرى من الأسر، كالأسرة المكونة من الأمهات العازيات ، و(4) أسر مكونة من إخوان وأخوات ’يعيشون تحت سقف واحد . ونماذج من الأسر، تقاوم أحيانا كل تفريق. تحاول الأسرة أن تجد و تبتكر ’وأن تتكيف باستمرار.

مطالب النساء ضد الحرمان والتهميش والتشييئ la chosification أصبحت تزداد أكثر فأكثر ، وتؤثر على النظام الاجتماعي التقليدي l’ordre social traditionnel

نجد العديد من العوامل التي ساهمت وتساهم في تغير النظام القيمي التقليدي والانفتاح على العالم، مذكر بصفة خاصة نظام التربية والتكوين الذي أصبح يستقطب أعدادا متزايدة من المتعلمين والمتعلمات، ونظام الأجرة le salariat والتشغيل، والتخطيط العائلي وتحديد النسل الذي ساهم في تفعيل دور النساء، والتوارث الوسائطية "médiatique" والقنوات التي تعبر الحدود الوطنية، والسياسات التنموية التي تمليها الدول أو الهيئات العالمية.

إن معطيات البحث الوطني حول قيمة "الطاعة " L’obéissance بين الآباء والأبناء تكشف تراجعها لصالح مبدأ الحوار: 73،8% يؤكدون على أهمية الحوار بالنسبة للتربية 72% أكدوا أن القرارات داخل الأسرة، ينبغي أن تأخذ من قبل الزوج والزوجة بصفة مشتركة و 56،7% يؤيدون الاستقلال في مجال الممكن عند الزواج (pour le couple).

هذه التغيرات، رافقتها مجموعة من القيم، أنتجها التغير الاجتماعي الذي حدث في المجتمع، حيث يعيش السكان تغيرات اقتصادية وأنماط عيش جديدة، وأحيانا أخرى تغيرات في القيم تفرضها الأجندة العالمية، على سبيل المثال، نذكر مسألة حقوق النساء والأطفال.

هذه القيم الجديدة، تضاف إلى سجل القيم التقليدية المحافظة، لكي تكون مخزونا مركبا" من القيم، وذلك حسب الوصف والتعبير الذي استعمله كل من بول "باسكون "Pascon "وأندريه أدام "André Adam في وصف المجتمع المغربي (5).

على الأقل، هذا التطور، نحو "المركب" le composite لا يعد تجاوزا بسيطا لقيم متنوعة ومختلفة، ولكن، في الواقع هو إعادة هيكلة اعتمادا على التفاعل وعلى التفاوض المستمر حول هذه القيم والتي تحدث في وضعيات الأزمات – توترات داخل الأسر، بل أحيانا، تمس المجتمع أيضا.

الدين والقيم: La religion et les valeurs

أغلبية المجتمع المغربي يدينون بالإسلام، هذه الديانة السمحة، التي طبعت النظرة والتطور إلى الكون، ولهذه الحياة، والتقاليد، يمكن لنا أن نخمن بين الإسلام كعقيدةune dogme، والإسلام، ا الذي تم إدماجه في سياق بيئة ثقافية لمجتمع معين.

ولهذا، نجد بعض الأنتروبولوجيين يتحدثون عن إسلام علماء الدين (الفقهاء) والإسلام الشعبي L’Islam populaire الذي يتجلى في الممارسات الثقافية المحكمة. لهذا يظل الدين هو المصدر الأسمى للقيم. الإسلام، كغيره من الديانات السماوية الأخرى يجهل قيما، يمكن وصفها في يومنا هذا، بكونها كونية "universelles".

إن الارتباط والتعلق بالدين يتجلى بكيفية خاصة في تطبيق أركان الإسلام، خاصة ممارسة وأداء الصلاة. لا حظنا من خلال البحث الوطني حول القيم، أن 72،9% من المبحوثين يؤدون صلاتهم بكيفية منتظمة. من بين هذه التغيرات، نلاحظ ونسجل تراجع الإسلام الشعبي لصالح "الإسلام العالم" «.حيث نجد فئة «الإسلام العالم" 53.4 لا تقوم بزيارة الأضرحة والأولياء، إن التدين يشكل جزءا من الثقافة نسقا قيما في حد ذاته. إن القيم الدينية تعتبر ثابتة des valeurs sûres ومطمئنة Qui rassurent . وهذا ما يفسر لنا كون الدين له سلطة على الأفراد والجماعات، ويصبح في بعض حالات الصراع، أداة لإضفاء الشرعية على الأفكار، والأعمال والممارسات. كما أن الارتباط بالدين، قد تأثر بعامل الأجيال: 64% من المبحوثين يعتقدون أن الارتباط بالدين كان أكثر قوة عند جيل الآباء أكثر من جيل الأبناء. إن النسبة تنخفض وتنقص عندما يتعلق الأمر بالمعرفة الدينية حيث يقر 49% من المبحوثين أ، الجيل السابق له معرفة بالدين أحسن من الجيل الراهن. إن الفرق بين الأجيال، هو فرق على مستوى المعرفة بالدين وليس على مستوى الممارسة. فالتربية والتعليم ساهما وساعدا الجيل الحاضر على معرفة دينه أفضل من الجيل السابق.

نلاحظ أن هناك تغيرا في النظام المعياري "L’ordre normatif" لقد شهدت مصادر إنتاج القيم تغيرا ملحوظا. إذا كان في الماضي، النظام المعياري يستمد قيمته فقط من الدين، فإن اليوم، في وقتنا الراهن، نجد أن العديد من القيم الأخلاقية، قد اندمجت في النسق ألقيمي المؤسساتي "Le système normatif morale" وأصبحت بمثابة قوانين. يمكن أن نقدم مثالا، من خلال الجدال الذي أثاره الشيخ الواعظ (رجل الدين) المغراوي في شتنبر 2008 حول زواج القاصر Le mariage précoce والذي كان مدافعا عنه ويبرره بمبررات دينية، وبتقاليد وممارسات دينية، وكان يطالب بإصدار فتوى تمنع إمكانية زواج القاصرات ،البالغات سن التاسعة من العمر. في حين، نجد مدونة الأسرة في المغرب، قد حددت سن الزواج القانوني في 18 سنة، بالنسبة للذكور والإناث معا، وردود الفعل اتجاه هذا الشيخ، ذكرته بهذا القانون، هذا يدل على أن بعض القيم التقليدية، التي تنتمي إلى النظام الاجتماعي، كالزواج المبكر أو زواج القاصر، قد تراجع، ولم يعد مقبولا. بفعل تطور المجتمع، وأيضا بفعل تقنينه من طرف القانون La codification par la loi.

يصبح الدين في وضعيات الصراع أداة لإضفاء الشرعية على الأفكار والممارسات والأفعال ….

 يظلالدين دائما هو مصدر القيم الأخلاقية، باعتباره الضامن للنظام الأخلاقي للمجتمع. L'ordre moral de la société. وهدا هو الموقف الذي تؤكده الأغلبية  الساحقة من الأشخاص اللذين شملهم البحث الدولي حول القيم سنة 2000 في المغرب، حيث نجد أن 96،4% يؤكدون أن الإسلام يقدم أجوبة كافية بالنسبة للمشاكل الأخلاقية في حين 3،6% من المبحوثين أكدوا أن الإسلام يعطي أجوبة شافية بالنسبة للحاجات الروحية للناس، و 99،8% ترى أن الإسلام وحده هو الذي يحقق الشعور بالارتياح un sentiment de confort. كما نجد أن 97،2% يضعون يقينهم في الدين، مما يفسر أن المغاربة متشبعون ومتمسكون بالإسلام كديانة ويمثل بالنسبة لهم المصدر الأسمى والآمن للقيم الأخلاقية ويترتب عن هذا أن مواقف وآراء المستجوبين واضحة ومحددة فيما يخص القيم الدينية باعتبارها توجه وترشد مختلف مظاهر ومناحي الحياة. لكن، الآراء والمواقف تصبح غامضة ومختلفة، عندما يتعلق الأمر، بتدخل الزعماء الدينيين des leaders religieux في الممارسة والعمل السياسي، مثل التصويت والانتخابات،والتدخل في شؤون الحكومة. حيث نجد أن 80% من المبحوثين يؤكدون أن الزعماء الدينيين لا ينبغي عليهم أن يؤثروا في عملية التصويت أو الانتخابات بالنسبة للناس.

إن تعقد المجتمع la complexité ، وصعود الحركات الإسلامية، يؤديان أحيانا، إلى انزياح على مستوى تأويلات الدين. ونظرا لكون الدين، هو قاسم مشترك وقيمة مشتركة، تعد سلطة بالنسبة للمسلم، فهو يصبح أداة إيديولوجية استخدمها لأغراض معينة elle se prête à l’idéologisation et l’instrumentalisation. ومن أجل الحفاظ على قيمة الدين ومكانته، فإن الدولة المغربية، تسهر على تنظيم الحقل الديني. وذلك بفضل التأطير النظري le cadrage théorique، والتذكير بالمذهب السني والمالكي الذي يتميز بطابع الاعتدال، وتنظيم جديد وهيكلة جديدة للمجالس العلمية، وانخراط العنصر النسوي في عملية الإرشاد والتوجيه الديني’ ومراقبة المساجد، وبتشجيع الإسلام الصوفي، وتكوين وتأطير الأئمة إنها إجراءات من أجل إعادة هيكلة الحقل الديني وعقلتنه.

السياسة والقيم الناشئة أو الجديدة La politique et les valeurs émergentes

نجد في سجل القيم التقليدية للجماعة، قيمة العدالة (الحق) التي تعد مركزية وأساسية لسير «fonctionnement»الجماعة. فالجماعة تعطي أهمية كبيرة لقيمة الاستقامة (المعقول) la droiture، وهي قيمة أخلاقية، ضرورية في العلاقات الاجتماعية خاصة في ميدان التجارة والسياسة. تفترض العلاقات آن تقوم على أساس الثقة، تستعمل باعتبارها مبدءا للانسجام الاجتماعي الذي ينظم ويضبط العلاقات بين الأفراد في المجتمع التقليدي. وهذا لا يعني أبدا أن مخالفة هذه القيم، لم تكن تحدث في المجتمع التقليدي. ولكن النظام الأخلاقي المعياري كان يتصدى لكل مخالفة أو نفي لهذه القيم الأساسية.

ما هي التغيرات التي طرأت على القيم في الحقل السياسي في وقتنا الراهن؟

اكتست وحضت القيم السياسية في سياق المجتمع المعاصر باهتمام ملحوظ. في استجواب لمجموعة من المبحوثين حول القيمة الأخلاقية السياسية التي ينبغي أن تتوفر في "المنتخب" L’élu، أكد 51،8% من المبحوثين على أهمية قيمة الجدية والاستقامة la droiture كأهم صفة .

الجدول رقم 1

صفات المنتخب

النسبة %

الدفاع عن الصالح العام

3،5 %

أن يكون غنيا

2،5%

أن يكون متعلما ذا مستوى جيد

23،9%

أن يتوفر على تجربة وخبرة جيدة

7،6 %

أن يكون مستقيما وجادا

51،8%

أن يكون معروفا

3،5 %

أن يكون له صلة قرابة

2،1 %

صفات أخرى

3،6 %

غير مهتم

1،7 %

المصدر: Source : Enquête nationale sur les valeurs (2005)

الجدول رقم 2

المؤسسات العمومية والسياسية

المؤسسات

حسن جيد

متوسط

دون المستوى رذيئ

عاجز عن التقييم

البرلمان

21،2

21،2

21،2

36،3

الأحزاب السياسية

12،6

17،9

22،4

47،2

النقابات

19،1

12،2

20،3

48،4

المدارس والجامعات

54،5

18،4

11،1

16،0

الجمعيات

37،7

13،9

6،6

41،8

المصدر : Source : Enquête nationale sur les valeurs

إن نسبة الذين أجابوا أنهم عاجزين عن التقويم، جد مرتفعة، وهذه ظاهرة تحمل دلالة. إن عدم القدرة على التقويم جد مرتفعة عندما يتعلق الأمر بالنظام السياسي الوطني، وينخفض أو ينقص عندما يتعلق الأمر بالنظام المحلي. لهذا إذن فالأحزاب السياسية والنقابات والبرلمان هم الذين لهم الأثر أو الوقع الأكثر ضعفا على المستوى المحلي. فالعجز عن التقويم يرجع أساسا إلى النقص في المعرفة والمعلومات المرتبطة بتقدم الديمقراطية. بل إنها إيجابية، إذا ما أخدنا بعين الاعتبار أن 54% من المبحوثين يرون أن العملية الديمقراطية le processus تتقدم بسرعة أو أنها تتطور بسرعة متوسطة.

ضمن البديهي، أن انفتاح المجال السياسي، خلال السنوات الأخيرة، وإجراء العملية الديمقراطية عن طريق انتخابات شفافة وبدون تدخلات من قبل الإدارة، كل هذا، ساهم في أن تميل الانطباعات والتقييمات نحو الإيجابي، وأن تكون إيجابية، على الأقل، نجد 25% لم يتمكنوا من التصريح بتقويمهم، وأن 6% فقط يرون أن البلاد لا تعرف الديمقراطية، و15% يعتقدون أن العملية الديمقراطية بطيئة.

إن عدم القدرة على التقويم تعد جد مرتفعة عندما يتعلق الأمر بالشأن السياسي الوطني ، ولكنها تنقص وتنخفض كلما اقتربنا من ا لشان المحلي. فالأحزاب السياسية والنقابات والبرلمان هي التي لها أضعف أثر ووقع على المستوى المحلي.

نلاحظ إحدى المفارقات: 22% من الحضريين و 35% من القرويين يصرحون أنهم لا يهتمون بالسياسة. لكن عندما نأخذ التسجيل في اللوائح الانتخابية، وعملية التصويت، كمؤشرات، نلاحظ أن القرويين أكثر انخراطا في السياسة من الحضريين. 86% من القرويين و 80% من الحضريين مسجلون في اللوائح الانتخابية، 77% و 66% منهم قد أدلوا بأصواتهم في الانتخابات الأخيرة. يبدي الشباب أكثر من الفئات العمرية الأخرى اهتماما أقل بالسياسة. حيث تبلغ نسبة تسجيل الشباب في اللوائح 50% ، ونسبة مشاركتهم في التصويت 38% بالنسبة لفئة الشباب.

ويتجلى التطور التدريجي لوضعية النساء ودورهم داخل الحياة العامة la vie publique، من خلال 11% من النساء برلمانيات، وتقلد النساء مناصب عليا واتخاذ القرارات، كل هذا يتجلى من خلال آراء المغاربة. إن الاتجاه العام من مشاركة المرأة في العمل السياسي يعد إيجابيا حيث نجد أن 82% من المبحوثين مستعدين للتصويت لفائدة امرأة إذا تقدمت للانتخابات في دوائرهم. على الأقل ينبغي تسجيل بعض الاختلافات nuances فيما يخص وظائف النساء. بالنسبة لوظيفة الوزارة، نجد أن 40% يختارون الرجال ، و 12% يختارون النساء و 48% يروون أنه يمكن للوزارة أن يتحملها الرجال والنساء معا.

فيما يخص وظيفة النائب البرلماني، نجد 37% يختارون الرجال، 13% يفضلون النساء، و 51% يرون أن هذه الوظيفة يمكن أن يتحملها الرجال والنساء معا.

إذا كانت الأغلبية لها الثقة في المرأة لكي تتحمل المسؤوليات وتتقلد المناصب السياسية ، فإننا نجد أن أكثر من الثلث لا يضع هذه الثقة في النساء. ونسب مشابهة ومماثلة نسجلها بالنسبة لمهنة القاضية (او القاضي) ، حيث نجد 42% يختارون الرجال لهذه المهنة، و 14% بالنسبة للنساء، و 44 يرى أنه يمكن للرجال والنساء أن يتقلدوا مهنة القضاء.

وعندما نقارن هذه الأعداد مع نسب تخص ميادين أخرى كالصحة والتعليم، فإننا نجد نسب الاتجاهات السلبية تنخفض وتنقص بكيفية واضحة، نظرا لكون هذه المهن (الصحة والتعليم) تعتبر ميادين تقليدية للنساء، كما ان النساء أقل تسجيلا في القوائم الانتخابية بالمقارنة مع الرجال 78% من النساء مقابل 87% من الرجال. كما انهم (أي النساء) أقل عددا (62%) في المشاركة في التصويت بالمقارنة مع الرجال 79%.

ما هي الخلاصات التي يمكن استخلاصها ؟

نلاحظ نوعا من التداخل articulation بين تطور الواقع الاجتماعي وبين تغير القيم. إن تطور الواقع الاجتماعي يؤثر أحيانا على القيم .إلى جانب القيم التي كانت تعد خاصة بالمجتمع المغربي : الزواج – التضامن الأسري ، الدين (الصلاة)، نجد الآن قيما جديدة : التحرر والحوار في تربية الأطفال، استقلالية الأزواج les couples ، الأسرة النووية الضيقة، مشاركة المرأة في الحياة السياسية. تشكل القيم الناشئة أو الجديدة، كالتكافؤ la parité بين الرجال والنساء، والديمقراطية، مجالا أو موضوعا للمفاوضات والنزاعات داخل المجتمع، وداخل سياق contexte مجتمع الاستقبال بالنسبة لحالة الهجرة société daccueil وذلك يرجع لعدة أسباب :

*إن نظام القيم البين علائقي interrelationnel يتدخل لكي يوجه اختيار هذه القيم. في بعض الحالات، تصبح القيم التقليدية وسيلة للدفاع الذاتي auto-défense من أجل مواجهة الآخر، على مستوى القيم.

* نشاهد في إطار العولمة، انتقال القيم circulation des valeurs مما يقدم للأفراد والجماعات إمكانيات عديدة للاختيار فيما يخص القيم التي يرغبون فيها.

*يمكن للنزاعات والاختلافات حول القيم، أن تأخذ منحى أو صبغة سياسية

*إن القيم تنتمي إلى عالم المثل l’ordre de l’idéal، وأحيانا يكون هناك فرق بين الواقع والمثال L’idéal.

*إن ولوج ميدان التربية والتعليم والمعرفة ينمي القدرة على تقييم بعض القيم. كلما كان الإنسان أقل معرفة، كان أقل قدرة على التقييم. مثلا إذا كان الإنسان قليل المعرفة بالإسلام أو الغرب فهو سيكون لا محالة، عاجزا عن تقييمهما وإبداء الرأي اتجاههما.

التفاوض حول القيم négociation autour du valeurs

هذه السمة المركبة للقيم، تعرف نوعا من التطور' الأمر الذي يجعل بعض القيم التقليدية تتراجع، قيم أخرى جديدة تظهر، كحقوق الإنسان وحقوق النساء، والمساواة وغيرها. لقد اتجه الطابع المركب للقيم إلى فتح باب التفاوض حول القيم التقليدية المستمدة من التقاليد والدين، وقيم الحداثة. وهذا لا يقع، دون أن يثير أحيانا نزاعات وتوترات خلال بعض النقاشات والممارسات السياسية التي تتخذ طابع الصراع حول القيم. إن القيم تصبح موضوعا لقضية enjeu، ويترتب عنها ظهور عدة اتجاهات داخل المجتمع./

-                     اتجاه يوجد على مستوى الممارسات الاجتماعية الجماعية، والتي تمس المستوى العميق للمجتمع. حيث القيم تصبح هجينة، عندما يندمج التقليد مع الحداثة كنوع من التماسك دون نزاع أو توتر. في هذا الاتجاه، يبدو المستوى الخلاق للمجتمع، والذي بواسطة تفاعله مع التغير الاجتماعي، ستعمل قدرته الإبداعية الخلاقة لكي يدمج إرث الماضي في الحاضر بتناسق وانسجام، هذا الاتجاه يوحد على مستوى الممارسات الاجتماعية: في أنماط العيش، في نمط اللباس، في الهندسة المعمارية وغيرها.

حيث يتم إعادة تثمين وإضفاء قيمة جديدة للتقليد tradition لكي يصبح شيئا جديدا وحديثا Moderne (مثلا الصالون المغربي) الذي يجاور الصالون الأوروبي واللباس العصري الممزوج باللباس التقليدي (الجلابة) الخ ... وهذا ممكن أيضا على مستوى المؤسسات les institutions

*اتجاه التذبذب d’oscillation الذي يدفع الأفراد إلى تبني علاقة إستراتيجية مع التقليد tradition والحداثة la modernité إن خزان le réservoir القيم التقليدية وخزان القيم الحداثية يمكن استعمالها من قبل الأفراد حيث الوضعيات والحالات التي يوجدون عليها.

كل وضعية، تستدعي اللجوء إلى نوع من القيم، دون أن يبدو ذلك متناقضا. أمام وضعية خيبة أمل déception يمكن اللجوء إلى القدر fatalité (المكتوب) من أجل التبرير والتخفيف من وطأة الخيبة، وأمام انتهاك حق من الحقوق droits نثير وندعو إلى ضرورة التمسك واحترام حقوق الإنسان والعدالة بمفهومها المؤسساتي. وهكذا، فبالنسبة للفرد، إن علاقة الفرد بها تأخذ طابعا استراتيجيا.

*اتجاه يتجلى على المستوى السياسي، ويتم دعمه بواسطة وسائل الإعلام في بعض المناقشات débats السياسية. نلاحظ نوعا من الاستقطاب polarisation بين المدافعين عن التقليد الذي يكتسب شرعيته من الدين وبين المدافعين عن الحداثة. هذا الاستقطاب يصبح صراعا أو تفاوض حول القيم. هذا الاتجاه يوظف بصفة خاصة في الحقل السياسي. أمام كثرة وتعدد الخطابات السياسية والتي تروج نفس المفاهيم والأفكار، ينتقل الجدل والمجال من الديانة إلى حقل القيم الذي يفصل بين أنصار التقليد والمدافعين عن الحداثة والقيم الكونية.

ونجد بصفة عامة اتجاهين مختلفين يسودان الجدل السياسي. الاتجاه الأول يتجلى في الرفض الصريح للقيم التقليدية المحافظة والمطالبة أو الدعوة إلى تبني القيم الكونية universelles / والاتجاه الثاني يدعو ويطالب بالعودة إلى القيم الدينية. هذا الاتجاه يظهر في لحظة التوترات السياسية.

هذا التفاوض حول القيم، ليس محدودا ومحصورا في المجتمع المغربي وحده. بل نجده في كل المجتمعات الإسلامية. حيث نلاحظ الفوارق على مستويين ، مستوى التنمية الاقتصادية بين الدول الغربية والعالم الإسلامي ،والوضعية الجديدة للثقافات، وبين العولمة وصعود مطالب الهويات المحلية، والثورة الإعلامية .كل هذه الأحداث ليست بعيدة أو غريبة عن النزاعات والتوترات حول القيم.

 

باحث في علم الاجتماع– المدرسة العليا للتكنولوجيا – جامعة مولاي إسماعيل – مكناس

 

المراجع اعتمدت في أعداد هده الدراسة على المصدر والمرجع الاساسي

 1/Rahma Bourqia. Sociologue، présidente de l’université Hassan II – Mohammedia، Casablanca

 الهوامش

1.       On se basera pour la période actuelle surtout sur les données de l’Enquête mondiale sur les valeurs (2000) et sur l’Enquête nationale menée au Maroc sur les valeurs en 2005. Voir 50 ans de Développement humain. Perspectives 2025، rapport de synthèse de l’Enquête nationale sur les valeurs، rapporteur Hassan Rachik، Comité scientifique : Rahma Bourqia، Abdellatif Bencherifa et Mohamed Tozy، 2005. Voir aussi 50 ans de Développement humain. Perspectives 2025. Famille، femmes et jeunes، 2005

2.       Paul Bourgeois، L’univers de l’écolier marocain، Rabat، Faculté des lettres et des sciences sociales، fascicule 3، SD (1950 ?). Cet auteur décrit l’environnement culturel dans lequel baignait l’enfant marocain au début du siècle dernier durant la colonisation

3. Abdelwahab Bouhdiba، Quêtes sociologiques. Continuités et ruptures au Maghreb، Tunis، Cérés Éditions، 1995.

3.       4. Ibid.، pp. 137-146

4.       5. André Adam dans son livre Casablanca، a utilisé la notion de « composite » pour décrire les changements que connais­sait la société casablancaise des années 60. Voir André Adam، Casablanca، Paris، Éditions du CNRS، 1968، t. 2، p. 706.

5.       . La tension créée par les « pro » et les « contre » autour du plan d’intégration des femmes dans le développement. est un exemple de conflit politique masqué par un conflit de valeurs.