تظل تجربة الكتابة الشذرية، أحد التجارب الصعبة التي تحتاج مراسا قويا ورؤية شعرية نافذة ولافتة، هنا يخصنا الشاعر المصري ببعض المقاطع من تجربة طويلة يشكلها بتروي، تعي فواصل التقاط هذا التكثيف البليغ للحظة إنسانية و إحساس بالمفارقة و محاولة تشكيل لحظة متشظية من صور.

بيتي هو أنكِ تسكنينني (مقاطع)

شريف الشافعي

ليست سحابة بيضاء

هي ضحكة طائرة

تبحث في الوجوه

عن مدرجٍ آمنٍ للهبوط

*          *          *

وسادتي المحشوَّة بالريش

شأنها شأني

لم تعدْ تحلمُ بأن تطيرَ

 

نحن ذبحناكَ يا طائر السماء

لكنكَ كنتَ أشدَّ قسوة

من ظنوننا

*          *          *

كان تمثالاً طيبًا

يضحكُ معي في الصباح

يبكي معي في الليل

 

وحينما صرتُ تمثالاً

تصدَّع هو كإنسان

*          *          *

قولوا ما تتمنون

عن البردِ

 

سأصفه بكلمة واحدة

ترتجف

*          *          *

وبعد رَفْعِ الستار

صَفَّقَ الممثلون لي

وأنا على مقعد المتفرِّج

 

وَلَمْ أصفِّقْ لأحد منهم،

.. كانوا يُمَثِّلون بتكلُّفٍ

*          *          *

لا أصدِّقُ قمرًا ناقصًا،

ولا نهرًا لَمْ تستحمِّي فيه

*          *          *

الأقبحُ من العوراتِ المفضوحةِ

إصرارُ البعضِ

على أن يكونوا

"أوراقَ توتٍ"

*          *          *

يا لها من رسالةٍ

قرأتني،

قبل أن أقرأها

 

ثم مزقتني،

قبل انكشاف سطري الأخير

*          *          *

على حافة البئر،

أستمعُ لندائي العميق

 

وحين تخطر لي فكرةُ النزول،

تخطفني سماءٌ إلى أعلى،

وتصير الفكرةُ سحابةً هشّة

*          *          *

حبيبتي،

أنا لستُ مثلهم

 

وليستْ موسيقايَ هي التي،

تسيلُ مني على الطريق

 

انظري جيدًا..

موسيقايَ هي التي،

تخطو إليكِ،

وأنا الذي أسيل منها

*          *          *

ساعتي الحمقاءُ تدورُ،

رغم أن الوقتَ معكِ

 

ساعتي التي كانت معطلةً،

أصْلَحَهَا دَوَرَاني المنتظمُ،

حول المتاعبِ نفسِها

*          *          *

وفي طقسٍ باردٍ أحيانًا

أجدُ روحي تتبخَّرُ،

 

فأعلم عن النارِ

ما لَمْ أكنْ أعلمُ،

 

وأحبّكِ

*          *          *

ستتحدثين كثيرًا

عن غيابي

مع النجوم الصاخبة

 

وسأنساكِ وحدي

مثل قمرٍ شاحبٍ

*          *          *

أصدِّقُ كل جديدٍ يَحْدُثُ هنا

إلا ما يقوله البشر

 

وحين رأيتُ سمكةً تعبر الطريقَ

سَمَّيْتُ الحياةَ غرقًا

*          *          *

هذا دوركَ،

فسر أنتَ أيها الطريقُ

 

نحن مزدحمون جدًّا،

وخالون جدًّا

 

وأنت حينما تعبرنا،

لن تصل إلى شيء،

ولن تعود

*          *          *

أطلقي سراحه..

غاب فيكِ ولم يعدْ،

 

ذلك القلب الذي،

لم يرض بقفصي الصدري،

ولا بفضاء جنوني

*          *          *

يا خيالَ النهد،

كم أنت أخفّ وأشهى من النهدِ

 

يا طيفَ الحياة،

أنت الحياةِ

*          *          *

بيتي لا يتهدَّمُ أبدًا
بيتي هو أنكِ تسكنينني

*          *          *

الحسناءُ العمياءُ
أخطأتْ وهي تسقي الزرعَ
فسَقَتْ قدميَّ ليلة أمس
وأنا عائدٌ من الحقلِ

فلما وصلتُ إلى البيتِ
وجدتُ الحقلَ

*          *          *

هي تهزم الحدود في رحلتها

وأنا أسافر دون قيد في ذاتي

لذلك حين احتضنتها ليلة أمس

تعانقت خريطتي وخريطة العالم

*          *          *

ليست مهنتي صناعة اللعب

ولا صدري يتسع لرهانٍ

 

هو حصانٌ وحيدٌ اخترعْتُهُ

يمرح كي يحيا

ولا تربكه عثراتُ الطريق

*          *          *

أجد ظلي أحيانا

يتعطر بماء الورد

فأعلم أن في صدري حديقة

وأراه أحيانا

قد صار هو ذاته ماء ورد

فأدرك أنك تسبحين في دمائي

*          *          *

لأن الشمسَ جارحتي

ينزف الجُرْحُ نورًا

*          *          *

سيغيبُ عن سمائكِ المصباحُ

وستدركين أنكِ بدونه معتمة

 

وسيدركُ أنه بدونكِ

زجاجة فارغة من الهواءِ

*          *          *

لأنكِ ترتدين الأزرق ثائرًا

تيقنتُ أن السماء أنثى مثيرة

*          *          *

استظللتُ بها

فداهمتني شمسٌ

من نور

ونار

وعطر

وحليب

وسكر

*          *          *

الريشة التي في غرفتي

ليست إشارة صدّقيني

إلى طائر كان هنا

 

هي إشارةٌ حبيبتي

إلى طائرين في صدركِ

أنا بينهما سوف أكون

*          *          *

تُؤكلين بالعيون
وتُشربين بالقلوب

قَدَرُكِ أن القلوب لا ترتوي
والعيون لا تشبع

*          *          *

التمرة الصغيرة

التي أخرَجَتْها أمّي من فمها
بعدما مَضَغَتْها
كانت كافيةً جدًّا لإشباعي
أنا الوليد المحتاج إلى السّكّرِ الأحاديِّ

حديقةُ النخيلِ كلّها
غيرُ كافيةٍ لإزالةِ الملحِ بداخلي
أنا الكبير المحتاج إلى أمّي المركّبةِ 

 

شاعر من مصر