عن ماهوية "السامري" وهويته يدور بحث الكاتب في أصل ومعنى الكلمة القاموسي في لغات عدة. لكل ذلك لابد من الجولة بين النصوص التاريخية والدينية وسياقاتها المختلفة في الزمان والمكان، حتى الوصول إلى تداعيات سياسية.

السامري

عـدنـان الظـاهـر

ماذا لو أنّ موسى قد ضاع في جبل حوريب، أو كان قد ابتلعه بركان الطور، أو قضمه تمساح النيل قبل هذا وذاك؟!! هرون وزيره وأخوه شخص ضعيف لم يستطع منع السامري من أن يصوغ عجل الذهب، ولم يستطع منع بني إسرائيل من عبادة هذا العجل الخوّار إلها للقوم في غيبة موسى. باعوا ربهم بعجل من ذهب ((قال فإنّا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري/ سورة طه الآية 85)). ((فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي/ سورة طه الآية 88)).

كل شيء إذن ممكن. ما كان ذلك مستحيلا ولكن من هو هذا السامري؟!!

يقول عبد الله يوسف علي، مترجم القرآن الكريم إلى الانجليزية، إن كلمة السامري قد تكون مأخوذة من كلمة SHEMER المصرية القديمة، والتي تعني (الأجنبي أو الغريب). وعليه فقد يكون السامري هذا عبريا متمصّرا، أو مصريا متهوّدا، وهو في كلا الحالين غريب بالنسبة لبني إسرائيل. وعلى هذا الأساس فإن موسى نفسه سامريٌّ غريب على بني قومه، لأنه كان قد تربى في قصر فرعونَ مصر، وتكلّم لغة المصريين فأضاع لغة قومه. لذا نراه قد تضرع إلى ربه أن يُيَسر أمره وأن يحلَّ عقدة لسانه التي عقّدته، وجعلته يعانى منها على ما يبدو معاناة كبيرة ((قال ربِ اْشرحْ لي صدري. ويسرْ لي أمري. واْحللْ عقدةً من لساني. يفقهوا قولي. واْجعلْ لي وزيراً من أهلي. هرون أخي. أُشددْ به أزري. وَأشرِكهُ في أمري/ سورة طه)). وقد يكون هذا السامري خفيراً ليليا إذا ما أشتق هذا الأسم من كلمةSHOMER  العبرية. أو أن يكون صاحب خفّة وطرب وسمر إذا كان الإشتقاق من كلمة "سمير" العربية. قال الجواهري:

سميَر الأذى والظلامِ الرهيبِ *** خلا الحيُ بعدك من سامرِ

ويا جذوةَ الفكرِ إنَ العراقَ *** حريصٌ على مؤمنٍ فاكرِ

كما قال الشاعر السوري بدويُّ الجبل:

يا سامرَ الحيِّ  هل تعنيك شكوانا *** رقّ الحديدُ وما رقّوا لبلوانا

وقبل هذين الشاعرين كان أبو الطيب المتنبيء قد قال في قصيدة يمدح بها المغيث بن علي بن بشر العجلي:

تحايدهُ كأنّكَ  سامريٌّ *** تصافحُهُ يدٌ فيها جذامُ

في أسفل الصفحة جاء هذا الشرح لكلمة السامري ((والسامري واحد السوامرة وهم قوم يشتركون مع اليهود في بعض العقائد ويخالفونهم في بعضها، وهم عدد قليل يسكنون في نابلس ويتنجسون من غيرهم. /الصفحة 104 من ديوان المتنبيء، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت 1980)).

ولعل من الطريف أن نعلم أن اسم الأميرة أو الملكة "سمير أميس" بالبابلية والآشورية هو "شمير آموش" أو "شامير آميش". والاسم "شمير" أصلا هو الاسم "سمير" بلغتنا العربية كما نعلم. وفي تأريخنا اسم علم مشهور لرجل لعب دورا خطيرا في أحداث مجزرة الطف في كربلاء عام 61 للهجرة، وهو القائد الذي كان مرشحا لإمارة جيش عمر بن سعد بن أبي وقاص، فيما لو تقاعس هذا عن الزج بجيوشه في المعركة الحاسمة مع الحسين ونفر قليل من أنصاره وأهل بيته. الرجل الشهير إياه هو الشمر بن ذي الجوشن!!

شِمرٌ أو شَمِرٌ:

وهناك في إسرائيل اليوم رجل معاصر لعب هو الآخر أدوارا خطيرة في تأريخ دولة إسرائيل، ألا وهو إسحق شامير!! فشامير هو "شمير" (أي سمير) وهو شَمِر صاحبنا ذو الجوشن. فهل أن إسحق شامير هذا هو من سلالة سامري موسى وهرون في سيناء؟؟

الألمان والأنجيل والسامري:

لقد وجدت في قواميس اللغة الألمانية والأنجليزية تحت كلمة SAMARITER كلمتي SAMARITARIAN HELP  وترجمتها إلى العربية مساعدة طبية أولية، أيFIRST AID بالإنجليزية. وفي ألمانيا جمعيات خيرية تحمل اسم SAMARITER تقدم خدمات طبية وإنسانية.

وفي قامومس ألماني يدعى ((KNAUS LEXICON)) وجدت شرحا آخر لكلمةSAMARITER لا علاقة له بالخدمات الطبية والإنسانية. يفيد هذا القاموس أن هذه الكلمة (وترجمتها إلى العربية هي السامري) تعني أي واحد من سكنة مقاطعة أو مملكة السامرة القديمة في شمال فلسطين التي بناها عام 880 قبل الميلاد الملك "عُمري" ودمّرها الآشوريون عام 722 قبل الميلاد. وأن يهود مملكة يهوذا وعاصمتها أُورو شليم  اعتبروا السامريين -سكنة السامرة- قوما خاطئين. ولفهم موقف يهوذا هذا من السامرة والسامريين نجد التفسير مفصلا في سفري الملوك الأول والملوك الثاني من العهد القديم. في الإصحاح السادس عشر من سفر الملوك الأول نجد ما يلي: ((وأخآب بن عُمري مَلكَ على إسرائيل في السنة الثامنة والثلاثين لآسا ملك يهوذا، وملك أخآب بن عُمري على إسرائيل في السامرة إثنتين وعشرين سنة. وعمل أخآب بن عُمري الشر في عيني الرب أكثر من جميع الذين قبله. وكأنه كان أمرا زهيدا سلوكه في خطايا يربُعام بن نباط، حتّى أخذ إيزابل إبنة أثبَعَل ملك الصيدونيين إمرأةً وسارَ وعبدَ البعل وسجد له. وأقام مذبحا للبعل في بيت البعل الذي بناه في السامرة/ 29-32)).

في هذا الإصحاح السادس عشر نجد أصل تسمية السامرة بالسامرة.

((وإشترى -عُمري- جبل السامرة من شامِر بوزنتين من الفضة، وبنى على الجبل ودعا إسم المدينة التي بناها بإسم شامر صاحب الجبل السامرة/ 24)). العلاقة هنا واضحة جدا بين شامر وسامر ثم سامرة والسامرة.

وفي الإصحاح الثاني والعشرين من سفر الملوك الأول نقرأ ما يلي: ((أخزيا بن أخآب مَلكَ على إسرائيل في السامرة في السنة السابعة عشرة ليهوشافاط ملك يهوذا. ملك على إسرائيل سنتين. وعمل الشر في عينيّ الرب وسار في طريق أبيه وطريق أمه وطريق يَربُعام بن ناباط الذي جعل إسرائيل يخطيء. وعبدَ البعلَ وسجدَ له وأغاظ الرب إله إسرائيل حسب كل ما فعل أبوه/ 51-53)).

كان البعل إله الكنعانيين في فلسطين.

هل أخذت الجمعيات الخيرية الألمانية التي أطلقت على نفسها إسم SAMARITER هذا الإسم من كلمة "سامري"؟؟ أستطيع المغامرة تكهناً بالجواب نعم!! الألمان يقدّرون عاليا "سامريّاً" ورد إسمه في العهد الجديد (الإنجيل) كشخص طيب يحب الفقراء والمساكين ويعالج المرضى. نقرأ في الإصحاح العاشر من إنجيل لوقا بعض ما جاء على لسان المسيح في الأسطر 25-36: ((إنسان كان نازلا من أُورشليم إلى أريحا فوقع بين لصوص فعرّوه وجرّحوه ومضوا وتركوه بين حيّ وميت. فعرض أن كاهنا نزل في تلك الطريق فرآه وجاز مقابله. وكذلك لاويٌّ أيضا إذ صار عند المكان جاء ونظر وجاز مقابله. ولكن سامريا مسافراً جاء إليه ولما رآه تحنن. فتقدم وضمد جراحاته وصب عليها زيتا وخمرا وأركبه على دابته وأتى به إلى فندق وأعتنى به. وفي الغد لما مضى أخرج دينارين وأعطاهما إلى صاحب الفندق وقال له إعتنِ به ومهما أنفقتَ أكثر فعند رجوعي أُوفيك)).

آشور والتوراة والسامرة: وإذا ما إنتقلنا إلى العهد القديم (التوراة) فسنقرأ عن السامرة والسامريين في الإصحاح الخامس عشر من سفر "الملوك الثاني" ما يلي:

1- إنَّ ملك السامرة المدعو منحيم بن جاداي  أعطى ملك آشور المدعو فول - ((ألف وزنة من الفضة لتكون يداه معه ليثّبت المملكة في يده/ 19)). إذن كان هناك حلف ما بين مملكة آشور ومملكة السامرة.

2- في أيام ملك السامرة المدعو - فَقَحْ - ((جاء تَغلَث فلاسر ملك آشور وأخذ عيون وآبل بيت معكة ويانوح وقادش وحاصور وجلعاد والجليل وكل أرض نفتالي وسباهم الى آشور/ 29)).

3- وفي الإصحاح السادس عشر من نفس السفر، الملوك الثاني، نرى أن ملك يهوذا في أورشليم المدعو آحاز بن يوثام يستنجد بملك آشور -تغلَث فلاسر- أن يقف معه ضد -فقح بن رمليا- ملك السامرة وضد ملك آرام في دمشق المدعو -رصين- الذي أرجع "أَيلَة" إلى الآراميين وطرد اليهود منها. فلنقرأ ما جاء في هذا الأصحاح:

((وأرسل آحاز رُسُلاً إلى تغلث فلاسر ملك آشور قائلا. أنا عبدك وإبنك. إصعد وخلصني من يد ملك آرام ومن يد ملك إسرائيل القائمين عليّ/ 7. فأخذ آحاز الفضة والذهب الموجودة في بيت الرب وفي خزائن بيت الملك وأرسلها الى ملك آشور هدية/ 8)).

مملكة آشور تتعاون مع مملكة يهوذا لقاء هدايا ثمينة من ذهب وفضة.

4- نقرأ في الإصحاح السابع عشر من سفر الملوك الثاني (1-6) ما يلي: ((في السنة الثانية عشرة لآحاز ملك يهوذا مَلَكَ هوشع بن أَيْلَةْ في السامرة على إسرائيل تسع سنين. وعمل الشر في عيني الرب ولكن ليس كملوك إسرائيل الذين كانوا قبله. وصعد عليه شَلَمنأسر ملك آشور فصار له هوشع عبدا ودفع له جزية. ووجد ملك آشور في هوشع خيانة. لإنه أرسل رسلا إلى -سوا- ملك مصر ولم يؤد جزية الى ملك آشور حسب كل سنة فقبض عليه ملك آشور وأوثقه في السجن. وصعد ملك آشور على كل الأرض وصعد الى السامرة وحاصرها ثلاث سنين. في السنة التاسعة لهوشع أخذ ملك آشور السامرة وسبى إسرائيل الى آشور وأسكنهم في حَلَح وخابور نهر جُوزان وفي مدن مادي)).

بعد سيطرة الآشوريين على مملكة السامرة حاول الملك الآشوري سنحاريب إخضاع مملكة يهوذا في الجنوب، لكنه لم ينجح لأسباب كثيرة منها إنشغاله في حروب مع أقوام أخرى. ثم إن إثنين من أولاده قتلاه غيلة ساعة تعبده في بيت إلهه المسمى "نسروخ". وحكم مملكة آشور بعده ولده الثالث "أسرحدّون".

أغلب الظن أن سامري هرون وموسى حسب القرآن ما كان سوى رئيس فرقة الطرب ومجموعة السمر والأبواق والطبول، أي مدير سركس صحراء سيناء، رأس فرقة السمر والطرب. وكان صائغا ماهرا إذ أنطق عجلا جبله مما حمله القوم من حليّ الذهب حملوها معهم إذ غادروا مصر. ((هذا إلهكم وإله موسى)). ربهم معهم إذن أينما حلوا وكيفما إرتحلوا. السحاب يظللهم ويقيهم حر صحراء سيناء وغذاؤهم المن وطائر السلوى.

ليس في التوراة ذكر للسامري صانع عجل الذهب. تقول التوراة إن هرون أخا موسى هو من صنع هذا العجل، بناء على طلب بني إسرائيل، إذ إستبطأوا نزول موسى من جبل سيناء وطال غيابه عنهم. نقرأ في الإصحاح الثاني والثلاثين من سفر "خروج" ما يلي:

((ولما رأى الشعب أن موسى أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هرون وقالوا له قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا. لأن هذا موسى الرجل الذي أصعدنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه. فقال لهم هرون انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها. فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم وأتوا بها الى هرون. فأخذ ذلك من أيديهم وصوّره بالإزميل وصنعه عجلا مسبوكا. فقالوا هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر)).

سر من رأى -سامراء- والسامرة:

هل هنالك ثمة من علاقة بين اسم مدينة سامراء دجلةَ والمعتصم وسامرة فلسطين القديمة؟؟

ممكن. فسامرّاء يجوز أن تكتب سامرا بحذف الهمزة وتخفيف حرف الراء. كما يجوز قلب حرف الألف إلى هاء مخففة مدوّرة لتصبح سامرّهْ. أكثر العراقيين يلفظون إسم هذه المدينة "سامرّة". كما قد لا يثير الدهشة أنَّ في مصر مدينة تسمى "فالوجا" وفي العراق على الفرات مدينة شهيرة منها الشاعر العراقي الخالد معروف عبد الغني الرصافي تدعى "فلّوجة".

هل نتطرف أكثر فنرفع السؤال عن أيما علاقة بين أسماء سامرة فلسطين وسامرّة (سامراء) العراق وسومر عشتار وجلجامش؟ أولئك سامريون وهؤلاء سومريون، وما بينهما سامرليون. سامري - سومري - سامرلي أو سامرائي. إذا شدّدنا حرف الراء في كلمة سامري (لتصبح سامرّي) فسيقترب لفظ هذا الأسم كثيرا من سامرلي. وإذا ما كتبنا سامراء على هيئة (سامرّة) مُشدَّد فيها حرف الراء سيكون النسب إليها على (سامرّي) وهذه قريبة جدا من (سامري) بتخفيف حرف الراء.

ولعل من الطريف أن نعرف أنَّ في جزيرة كريت اليونانية محمية طبيعية فيها مستوطنة تُسمى "ساماريا"، وفيها جبل وواد كذلك يُسميان ساماريا SAMARIA. وادي ساماريا وجبل ساماريا.

(هنا لا بد لي من أن أشكر الصديق الدكتور حسن الجباوي إذ أرسل لي بالفاكس المطبوع السياحي الخاص بهذه المعلومة).

كما أن هناك في الجدول الدوري للعناصر عنصر يُسمى "سماريوم SAMARIUM" ورمزه الكيمياوي هو Sm يشغل في هذا الجدول المكان 62، الذي يشير إلى عدده الذري، أي إلى عدد إلكتروناته وعدد ما في نواته من نيوترونات. إنه واحد من العناصر الترابية النادرة Rare Earth Elements، ويوجد في بعض أنحاء النرويج في خامات تُعرف بإسم SAMARSKET. واضح أن اسم هذا العنصر المعدني الثمين مُشتق من اسم خاماته. إذن لا علاقة لهذا المعدن بعجل السامري ولا بالسامرة ولا بسامراء المعتصم ولا بالمنتجع الإغريقي في جزيرة كريت.

القاهرة والسامرة:

ماذا لو فضّل القوم البقاء في سيناء على الرحيل إلى أرض كنعان التي تفيض لبنا وعسلا؟؟

هل كنا سنرى رابين في قاهرة المعتز بدين الله يصافح ياسر عرفات الذي قرأ ((ونريدُ أن َنمنَّ على الذين أُستضعِفوا في الأرض ونجعلهم أئمة" ونجعلهم الوارثين)). أكنا نرى  حسني مبارك وهو يقرأ ((إذا الشعب يوما أراد الحياة *** فلا بد أن يستجيب القدر))؟؟ الرحمة إذن على روح الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي، كأنما كتب هذا البيت وهذه القصيدة خصيصا لهذا اليوم!! هل صحيح أن القدر يستجيب دائما لإرادة الحياة ؟؟ ثم ما هو القدر؟؟

لقد أخطأ أبو عمار خطأ "تاكتيكيا" خطيراً إذ اختار تلكم الآية الكريمة آنفة الذكر ليقرأها في تلكم المناسبة، التي جمعته وإسحق رابين والرئيس المصري في القاهرة، وأذيعت على الهواء مباشرة في الفضائية المصرية. لقد فات السيد عرفات أن هذه الآية والتي تليها قيد قيلتا في بني إسرائيل قبل نجاحهم في الهروب من مصر الفرعونية. نقرأ في سورة "القصص" الآيتين الرابعة والخامسة ((ونُريدُ أن َنُمنَّ على الذين أُ ستضعِفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلُهم الوارثين. ونُمكّنَ لهم في الأرض ونُري فرعونَ وهامانَ وجنودَهما منهم ما كانوا يحذَرون)).