هو أقرب الى ورش مفتوح للإبداع تتقاطع فيه الكتابة باللون والمادة والكلمات والصورة في تمازج خلاق، وأكثر من معرض تشكيلي يحاول أن يستعيد أعمال فان كوخ ويعيد تشكيلها من جديد، ليس عبر الرسم فقط بل وإعادة استلهام لوحات خالدة في الفن العالمي، هنا تقرير عن عشرة مشاركين تواطئوا من أجل أن يحولوا فرصة المشاركة في المعرض الى ورش إبداعي مفتوح.

عشر مشاركين بالمعرض السابع للمدرسة للفنون يستلهمون فان جوخ

ويقارنون بحر المحرقي وتيرنر

توزع الدارسون بمعرض المدرسة للفنون كعادتهم في معرضهم السنوي بحسب مجال اهتماماتهم ودوراتهم التي انخرطوا فيها وصفوفهم التي حضروها.

اختارت الصينية شنجنان لو أن تقارن بين أعمال الفنان عبدالله المحرقي والفنان الإنجليزي الشهير جوزيف تيرنر (1775-1851) في تناولهما لموضوع البحر ورسمهما إياه. ولاحظت بنحو خاص أن البحر لدى المحرقي يحدد معناه وحضوره البشر والمخلوقات التي تعيش بداخله. ولذلك رسم هذا الفنان البحريني مياه الخليج بترابطها مع الغوص وصيد اللؤلؤ والمآسي التي رافقته. وتستشهد بلوحة لهذا الفنان أعادت رسمها، حيث يبدو الغواص محاطا بجماجم بشرية لضحايا الغوص السابقين.  

وترتبط أعمال المحرقي بكون البحرين تشكل أرخبيلا، ترابط تاريخها والبحر منذ بروزها في الجغرافيا والتاريخ. ولذلك شكل عنصر البحر موضوعا دائما للفنانين المعاصرين. وتكشف زيارة للمتحف الوطني  كيف كان البحر متغلغلا في كافة النسيج الحياتي البحريني، وفاعلا في كافة مراحل تطور الفرد منذ الولادة وحتى نهاية العمر.

وبغير ذلك تنتصب لوحات جوزيف تيرنر وهو أحد أعظم فناني بريطانيا وعاش في القرن الثامن عشر وجعل من البحر موضوعا مألوفا في أعماله، بمكانتها العالمية. ولقد برع تيرنر بشكل عام في تصويره لتفاعل عنصري الضوء والماء حتى لقب بفنان الضوء. ويبرع كل من المحرقي وتيرنر كل في إبداعه مختلفاً عن الآخر في الألوان المنتقاة وعناصر اللوحة ودور البشر في التكوين الفني. ويلتقي الإثنان في نجاحهما في إنتاج أعمال فنية أخاذة.

واشترك 10 دارسين في محاولة دراسة وإعادة رسم للوحة فنسنت فان جوخ (1853-1890) ”ليلة ذات نجوم“ والتي يصنفها البعض بأنها الأثر الفني العالمي الأبرز على الإطلاق. واستشعرت ثلاث منهن نجاحا وتفاعلا قادهن لعرض تجربتهن في المعرض السنوي السابع. واستعاد بعض المشاركين ما يخلب اللب في عمل فان جوخ التفرد الشخصي، والألوان الآسرة والبساطة التي تغلف ثراء العمل الفني وتعقيده الثقافي.

وتوزعت أعمال الدارسين الأخرى لتظهر المهارات التي اكتسبوها عبر أسابيع وأحياناً سنين من مواظبتهم على التعلم ضمن المجالات الفنية. ويبرز بنحو جلي اهتمام المدرسة للفنون لإعادة الاعتبار إلى الدراسات الأكاديمية الأساس والتي تكاد أن تختفي من كثير من الدراسات الفنية والمناسبات الثقافية لتجنح بالنشاط الإبداعي بعيدا عن مقومات نجاحه وعوامل ارتباطه بمجرى الفن العالمي المعاصر واتجاهات ما بعد الحداثة.

وتفردت نسرين فروغي التي تنهي عامها الخامس من مشاركتها الفنية في المعرض بتجربة فريدة، حيث استلهمت قصة قصيرة للكاتبة نورة الشيراوي وعنوانها باب أم صالح. والقصة سرد واقعي لشخصية حقيقية عاشت بمحرق بدايات القرن العشرين، حيث ما زال حينها مجتمع الغوص قائما، ومآسي الإنسان المرتبطة به.

ومن بينها فقدان أم صالح لزوجها في إعصار حدث في البحرين في عشرينيات القرن المنصرم، وأزهق أرواح المئات من الغاصة والصيادين والبحارة. ولم يفقد من بقي من أهل البحرين وسط مأساتهم المريرة حس الخلق والإبداع وحب العيش والحياة. ومن ذلك إصرار أم صالح على أن تجعل من باب بيتها ملتقى فنيا لإبداعات أطفال الحي، بفرشاياتهم البدائية، وألوانهم العشوائية.

فروغي التقطت هذا الحس وصورت في ثلاثة أعمال صراع البحرينيين الأزلي مع البحر.

وبرزت هدية الجامع في تكريسها لعملها لفن البورتريه، والذي شكل عاملا متصلا في جهودها في المدرسة في السنوات الثلاثة الماضية. وقد اختصت الجامع الشاعر البحريني الكبير عبدالرحمن رفيع والذي رحل عنا مؤخراً تاركا ألما عميقا، وفراغا كبيرا، بإحدى أعمالها تكريما لحياته الإبداعية. كما برزت جميلة عبدالله في مشاركتها الثانية بالمعرض باهتمامها بقلعة الرفاع ومحاولة الدمج بين التبسيط في التشكيل وثراء الألوان دون تجاهل العمق التاريخي للموضوع المستحضر.