يشكل رحيل المؤرخ والأديب المغربي خسارة كبيرة للوسط الثقافي في المغرب، أحد رواد البحث والتأريخ والترجمة وأحد الذين طبعوا المسار الأدبي والدبلوماسي والثقافي السنوات الأخيرة، هو شاهد على مراحل تاريخية مهمة في العصر الحديث وقد وثق جزء مهما منها ضمن إصداراته وبحوثه الكثيرة والمتعددة، كما يعتبر أحد رواد الترجمة الذين خلقوا جسورا بين الكثير من التواريخ المنسية الى جانب تحقيقه لكثير من المخطوطات.

رحيل المؤرخ والأديب عبد الهادي التازي

انتقل إلى عفو الله ورحمته الكاتب والمؤرخ عبد الهادي التازي يوم الخميس ثاني أبريل 2015 عن عمر يناهز 94 سنة (من موالدي مدينة فاس 15 يونيو 1921).
وقد حاز على إجازة من جامعة القرويين  سنة 1947 ، ومن جامعة محمد الخامس وحصل على دبلوم الدراسات العليا. في سنة 1972 حصل على دكتوراه الدولة من جامعة الإسكندرية حيث كان موضوع الأطروحة جامعة القرويين.
تقلد عدة مناصب حيث شغل سفيرا للمغرب بالعراق ثم سفيرا للمغرب بليبيا،ثم مديرا للمعهد الجامعي للبحث العلمي.
كما اشتغل مديرا للمعهد الجامعي للبحث العلمي بالرباط، وساهم في تأسيس اتحاد كتاب المغرب وأكاديمية المملكة المغربية.
يعتبر الدكتور عبد الهادي التازي، من الشخصيات التي تنضوي في مجموعة من الهيئات الثقافية: كالمجمع العلمي بالعراق (1966)، مجمع اللغة العربية بالقاهرة (1976)، المعهد العربي الأرجنتيني (1978)، مجمع اللغة العربية الأردني(1980)  مجمع اللغة العربية بدمشق (1986)، والأكاديمية الهاشمية بالأردن.
كما كانت له تجربة في النضال الوطني ضد الاستعمار وسجن عام 1936 وهو ابن 14 سنة مع بعض أقرانه كالشاعر إدريس الجاي والمؤرخ عبد اللطيف بن منصور، بسبب مظاهرة في شوارع فاس.واعتقل للمرة الثانية عام 1938 بتهمة امتلاكه كتاب الأمير شكيب أرسلان "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم"، وكتاب "حاضر العالم الإسلامي"، بينما اعتقل للمرة الثالثة عام 1944 عند تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، حيث تعرض للضرب وسجن عامين.حول السجن إلى مدرسة تعلم فيها اللغة الفرنسية من سجين فرنسي أديب اسمه موريس، وبقي مرتبطا بالعلم والمعرفة وابتعد عن العمل السياسي.
وللفقيد  نشاط كثير في التاليف والكتابة الأدبية والتاريخية والديبلوماسية والرحلات خصوصا تحقيقه الفريد لرحلة ابن بطوطة .
من أعماله نذكر على سبيل المثال، تفسير سورة النور، آداب لامية العرب، أعراس فاس، جولة في تاريخ المغرب الدبلوماسي، تاريخ العلاقات المغربية الأمريكية، جامع لقرويين المسجد الجامعة بمدينة فاس، قصر البديع بمراكش من عجائب الدنيا، في ظلال العقيدة، صقلية في مذكرات السفير ابن عثمان، التعليم في الدول العربية، رسائل مخزنية، العلاقات المغربية الإيرانية، القنص بالصقر بين المشرق والمغرب، أوقاف المغاربة في القدس، دفاعا عن الوحدة الترابية، الرموز السرية في المراسلات المغربية عبر التاريخ، إيران بين الأمس واليوم، الموجز في تاريخ العلاقات الدولية للمملكة المغربية، التاريخ الدبلوماسي للمغرب، الكويت قبل ربع قرن، الإمام إدريس مؤسس الدولة المغربية، المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي.
كما للدكتور التازي أعمال في مجال التحقيق منها، تاريخ المن بالإمامة: لابن صاحب الصلاة، لفريد في تقييد الشريد: لأبي القاسم الفجيجي. ومن  ترجماته، حقائق عن الشمال الإفريقي/ الجنرال دولاتور، ساعات من القرن الرابع عشر في فاس/ ديريك. دي صولا برايس، لو أبصرت ثلاثة أيام/ للكاتبة الأمريكية "كيلير هيلين أدامس" والحماية الفرنسية، بدؤها، نهايتها/ مجموعة من الدبلوماسيين والساسة.
الدكتور عبدالهادي التازي، السياسي والكاتب والمترجم والمحقّق والمؤرخ المغربي، تشهد أعماله بتنوّع ثقافته واتساع مجالاتها وعمق معالجته لها، بل ويسمه البعض بشيخ المؤرخين وعميد الرحالين العرب المعاصرين عضو أكاديمية المملكة المغربية وعضو المجامع اللغوية العربية. وعن دعم اللغة العربية في المغرب، سبق أن أشار الراحل في أحد الحوارات: يعاني المغرب من أزمة تعدّد اللهجات والثقافات، ونأمل بأن تتطوّر الترجمة فيه ويكون لها تأثير قوي في إثراء اللغة العربية. لكن كل لهجة في المغرب تأخذ حظّها ونصيبها في الإعلام والمشهد الثقافي، ومن جهتها تحرص أكاديمية المملكة المغربية، للحفاظ على اللغة العربية، على عقد ندواتها بشكل مستمر وتصدر نشرات دورية أسبوعية وشهرية بهدف إثراء هذه اللغة وإعطائها حظّها في الإعلام والحركة الثقافية.
وهذا التعدّد اللغوي يمثل شكلاً حضارياً، لأن اللغات تتكامل في ما بينها . شخصياً، أتقن العربية والفرنسية والإنكليزية. واللغة العربية لا تتراجع بسبب وجود لغات أخرى بل تنشط وتزدهر معها إذا حافظنا عليها، لأنها لا تعادي أي لغة ولا تقوم ضد أي لغة بل العكس فهي تتعاون مع اللغات الأخرى. أتقنت الفرنسية والإنكليزية خلال عملي الرسمي كسفير لبلدي ولو طال العمر بي سأتعلّم لغة أخرى، لأن اللغة الواحدة في هذه الحياة لا تمكّن الإنسان من التواصل الحضاري، وأنا أؤمن بمقولة للفيلسوف الألماني غوته «من لم يعرف من اللغات إلا لغته فقد جهل حتى لغته»، لأن لغتك لا يمكن أن تنمو وتتّسع، إلا إذا كنت قادراً على مقارنتها باللغات الأخرى وتنفتح على الثقافات العالمية، فالعرب لم يبنوا حضارتهم عالمياً إلا بالانفتاح على الثقافات الأخرى.
وعلى عكس المتشائمين من مستقبل العربية، أنا متفائل جداً، فهي ستظل الطريق الوحيد لتحضّرنا وثقافتنا ولا يمكن أن ننفصل عنها، علماً أنه لا بد أيضاً من تعزيز تعلّم اللغات الأجنبية وإتقانها، ويجب ألا تتوقف أجراس الإنذار أبداً حتى ننهض باللغة العربية، فمتى توقّفت هذه الأجراس ستتراجع مكانة هذه اللغة وقوّتها داخل مجتمعاتنا. وعلى عكس من يعتقد بالتأثير السلبي لتعلّم اللغات الأجنبية على اللغة العربية، أرى أن ذلك يثري لغتنا العربية ويضيف إليها مصطلحات وألفاظاً كثيرة تفرضها تطورات الحياة، وأحثّ الشباب المغربي دائماً على تعلّم اللغات الأجنبية والاطلاع على ثقافات مختلفة، سعياً إلى إغناء رصيدهم الثقافي واللغوي، والتعرّف إلى الآخر وتعريفه بنا.
وعن علاقة السياسي والثقافي، أكد الراحل لا تعارض بين السياسي والمثقّف فكل منهما مكمّل للآخر ومقوٍّ له خصوصاً أن السياسي الناجح هو الذي يكون على قدر كبير من الثقافة والمثقف لا يكون مثقفاً بمعنى الكلمة إلا إذا كان خبيراً بدروب السياسة ودهاليزها ومن يفقد جانباً منهما لا يستطيع تكوين رؤية صائبة لمجريات الأمور من حوله وهذا ليس أمراً جديداً على حضارتنا العربية، فابن خلدون كان وزيراً وعالماً، وابن عربي كان سفيراً وعالماً، وابن زهر كان طبيباً وسياسياً، وابن التلميذ أبرز أطباء بغداد كان رجل سياسة.
ومن خلال تجربتي الشخصية أرى أن الرحلة عنصر قوي في تكوين الإنسان، والسفر يعد إحدى وسائل الاتصال والمعرفة، لأنه يعرّف المرء بالآخرين ويجعله دائماً على صلة بواقعهم، وقد أنتجت هذه الأسفار والمشاهدات والكشف عن عوالم جديدة ما يُعرف بأدب الرحلات الذي احتلّ مكانة رفيعة بين الأشكال الأدبية الأخرى. ويحظى باهتمام كبير من المهتمين، لكنه يحتاج إلى دعم أكثر لجمع مشاهدات الرحالة المعاصرين ونشرها، إذ إن كل رحلة من الرحلات المغربية تجر وراءها أكواماً من الروايات والحكايات المكتوبة وإذا أضفنا إلى هذا المكتوب ما يردّده المغاربة في رواياتهم الشفوية مما لا ينتهي ولن ينتهي فإننا نصل إلى كم من المعلومات والمشاهدات التي تحتاج إلى الجمع قبل رحيل أصحابها، ويكفي أن أذكر لك مقولة للمستشرق الروسي كراتشكوفسكي مفادها "أن المغاربة أحرزوا درجة السبق في أدب الرحلات وتفوقوا فيه".