توالت الدعوات والمبادرات التي تحاول الاحتفاء باللغة العربية ضمن التحديات المطروحة في العالم اليوم، هنا مبادرة احتضنتها الدوحة القطرية ضمن ندوة الصالون الثقافي والتي انتظمت ضمن محور "اللغة العربية بين لغات العالم" بموازاة الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية، وقد شهدت الندوة تقديم أوراق ومداخلات ركزت على الدور الريادي للغة العربية والتحديات المطروحة عليها اليوم.

ندوة الدوحة: أمسية اللغة العربية بين لغات العالم

دعا سعادة الدكتور حمد بن عبدالعزيز الكواري وزير الثقافة والفنون والتراث إلى ضرورة حماية اللغة العربية وصيانتها وتطويرها في شتى مجالات الحياة، حتى تظل لغة التواصل المعاصر ولا يكون المتكلمون بها غرباء عن عصرهم بل مندمجين في حركته ومساهمين فيه. وقال في كلمته التي ألقاها في مستهل ندوة الصالون الثقافي تحت عنوان «اللغة العربية بين لغات العالم»، بمناسبة احتفال وزارة الثقافة باليوم العالمي للغة العربية: «لقد كرم الله اللغة العربية بأن جعلها لغة القرآن الكريم، وهذا التكريم يلقي علينا مسؤولية رعايتها وحفظها والسهر على نموها واتساع مداها بين الناطقين بها وسائر الشعوب، لأنها تحمل آمالنا في تحقيق الخير للإنسانية، وهو ما عبرت عنه لغتنا في مختلف العصور حين حملت للبشرية قيم الإسلام السمحة ووهبتها العلوم والفكر والإبداع في شتى مجالات الحياة، فهي لم تكن لغة دين أو معاملات فحسب، وإنما كانت لغة العلوم التي اهتدى بها العالم فحقق التقدم»

أشار الدكتور الكواري إلى أن اللغة العربية هي لغة حياة فهي تنمو وتحيا بفعل إصرار أبنائها على تطويرها في كل عصر، مع قدرتها الذاتية على النمو نظرا لكونها لغة اشتقاقية، موضحا أنه قد يمر عليها طور من الجمود لأسباب عديدة ولكنها تحمل في داخلها بذرة التحول فهي لغة منفتحة تقبل الحوار مع الآخر تستفيد منه وتغنيه كذلك، ولذلك فإن كل المؤشرات الدولية تؤكد استمراريتها وبقاءها ضمن اللغات المستقبلية التي ستظل حية إزاء اختفاء لغات أخرى. وشدد وزير الثقافة على أن احترام لغتنا العربية والمحافظة عليها يكسبنا احترام الآخرين، وكلما تشبثنا بلغتنا استطعنا المحافظة على هويتنا التي لا تتعارض مع انفتاحنا على القيم المشتركة بحيث يصبح الإنسان العربي مواطنا كونيا باستخدامه لغته، لا بهجرها، مشيرا إلى أن كل شعوب العالم تحتفي بلغتها لأنها علامة فارقة على تمسكها بخصوصيتها دون إنكار اندماجها في ما هو مشترك في الثقافة الإنسانية، داعيا إلى الاهتمام بالتعليم لأنه جوهر اللغة وأن تطويره يدعم مكانة اللغة العربية بين الأجيال ويجعلها الأداة المناسبة للمساهمة في الحضارة الإنسانية، منوها سعادته في هذا الصدد بجهود دولة قطر ومبادراتها في مجال التعليم حيث تكتسب اللغة مكانتها المحورية وتجعلها أداة بناء مستقبل الإنسان.

وحذر سعادة الدكتور حمد بن عبدالعزيز الكواري من مضامين وسائل التكنولوجيا الحديثة ودراسة الظواهر الجديدة التي جعلت من الشباب العربي يستخدم لغة هجينة «فايسبوكية» لا علاقة لها باللغة العربية إلا من حيث النطق، منوها بدورها في ذات الوقت في تعزيز مكانة اللغة، فينبغي الانتباه دائما إلى مضامين هذه الوسائل، ودراسة ومع ذلك فإن اللغة العربية قادرة على كسب رهان التقدم التكنولوجي، كما يمكننا تطويع مختلف الوسائل الحديثة لتطوير اللغة واستخدامها في جميع المجالات.

وقال سعادة الدكتور حمد بن عبدالعزيز الكواري وزير الثقافة والفنون والتراث خلال كلمته في أمسية اللغة العربية بين لغات العالم، إن اللغة هي الوطن الأول للإنسان ومن حقه أن يتمتع بخيراتها ويشارك في بنائها ولذلك فإن دولة قطر تساهم في مشروع العقد العربي للحق الثقافي الذي سيرى النور خلال السنة القادمة والذي ينص على أن اللغة العربية عنصر موحد للثقافة العربية ويهدف إلى استخدام اللغة العربية في كافة مناحي الحياة والمحافظة عليها والإسهام في بناء الأسس اللازمة للنهوض بها.

واختتم وزير الثقافة كلمته قائلا إن «اختيار اليونسكو ليوم 18 ديسمبر يوما عالميا للغة العربية أمر جيد، وقد سبق هذا الاختيار قرار الأمم المتحدة بإدراج اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية، ولغات العمل في الأمم المتحدة، ويدل هذا الاحتفاء باللغة العربية على المكانة الدولية التي تتمتع بها بين لغات العالم، كما يدل على الدور البناء الذي يمكن أن تقوم به اللغة العربية في الحوار والتلاقي وتعزيز قيم التسامح والتفاعل بين الحضارات».

وخلال الندوة قدم الدكتور محمد عبدالرحيم كافود وزير التعليم الأسبق ورقة بحثية بعنوان «التعريب: ضرورة لغوية أم حاجة قومية ؟» تحدث خلالها عن كون التعريب ضرورة لغوية في ظل تهميش اللغة العربية ومزاحمة اللغات الأخرى، مؤكدا أن اللغة العربية سياج للثقافة والتراث، وحافظة للهوية القومية للأمة.
وأشار إلى أن قضية التعريب تراوح مكانها على أرض الواقع رغم التحديات التي تواجه المجتمع العربي، أمنياً، وثقافياً، وعلمياً، وتقنياً؛ تحديات تتمثل بصورة مباشرة في تهميش اللغة العربية، ومزاحمة اللغات الأجنبية لها في الكثير من مظاهر الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والإعلامية، والثقافية، حتى وصل الأمر إلى تغريب التعليم في مراحله المختلفة في بعض الأحيان.

وأوضح الدكتور كافود أن محاولات التعريب موجودة بالفعل وأن اللغة العربية قادرة على الوفاء بمتطلبات العلوم والمعارف الحديثة، ومواكبة العصر والتحديات التي تواجهها أمام اللغات الأخرى، ومن يتتبع الدراسات والأبحاث والتقارير وقضية المصطلحات العلمية والفنية يجد أنه قد عقد أحد عشر مؤتمراً للتعريب، واعتمد حوالي مائتي ألف مصطلح باللغات (العربية، والإنجليزية، والفرنسية)، ومع ذلك فهذا الإنجاز لا يتماشى مع سرعة تدفق الإنجازات العلمية والتقنية المعاصرة. ومن المعروف أن المصطلحات لابد أن تقر من قِبل مؤتمرات التعريب، بعد أن تقوم اللجان المختصة بمراجعتها من خلال مكتب تنسيق التعريب ومقره مدينة الرباط بالمغرب، مؤكدا أن التعريب يصبح واجباً وطنياً وقومياً في ظل التحديات التي تواجه الأمة.

من جانبه، تناول الباحث الدكتور وليد خالص عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، في أمسية الصالون الثقافي، محور واقع اللغة العربية بين أهلها.. متسائلا: أيّة عربية نريد؟ فهناك عربية للتراث، وأخرى للمثقفين، وثالثة للإعلام، ورابعة للناس، كما أنّ هناك (عربيات) بقدر عصور التاريخ السياسي العربي، منذ العصر الجاهلي، وحتى العصر الحديث حيث اجترح هذا العصر (عربية) أخرى هي نتاج هذه الثورة الاتصالية بوجوهها المتنوعة، وهي تعتمد كلّها بصورة أو بأخرى على (اللغة)، ولا أقول (العربية)؛ ذلك لأنّها تتخذ أشكالاً شتى، منها ما هو قريب من الفصاحة، ومنها ما هو بعيد عنها، ومنها ما هو خليط بين عربية، ولغات أجنبية، ومنها ما هو مسخ لغوي.

وأجاب «إننا نريد بالعربية هنا لسان هذه الأمة العربية، باعتبار هذا اللسان رمزاً، وقيمة معنوية، وانشغال العرب بها، وسهرهم على بقائها حيّة، متداولة، وفوق ذلك كلّه، وعيهم بخطورة المسألة اللغوية في زمن تتصارع فيه هذه الهويات تصارعاً غير معهود». وسرد الباحث أسبابا عديدة لتراجع اللغة العربية بين أهلها الآن أهمها افتقاد العرب للتقدم، وعدم مشاركتهم في صنع العالم الحديث، ممّا أفرز واقعاً تابعاً يحاول تقليد (الغالب) في أموره كلّها، ممّا استدعى إقصاء العربية، وإحلال اللغات الأجنبية محلّها.

إلى ذلك قدم الباحث المصري الدكتور عقيل المرعي ورقة بحثية بعنوان: «جهود المستعمرين في خدمة اللغة وإثراء البحوث الفكرية»، متخذا من إيطاليا نموذجا حيث اتصلت بالشرق الأدنى ونالت الثقافة العربية واللغات الشرقية من الترجمة والحفظ والتعليم والنشر هناك. وأشار إلى أن الدراسات الاستشراقية في أوروبا عموما وفي إيطاليا تحديدا تعود إلى تاريخ بعيد وكانت طباعة أول نص عربي مسيحي في البندقية سنة 1499م، وبعد ذلك بزهاء أربعين سنة ظهرت للنور في مدينة البندقية أول طبعة للقرآن الكريم في العالم سنة 1538.

وسرد الباحث مجموعة من الكتب المعتمدة في المحاضرات في تدريس العربية في إيطاليا ومنها: النحو العربي للغة الأدبية، مع ملحق حول عامية طرابلس الغرب وفيه ملحق عروضي تأليف جوليو فارينا 1912، وغيره من الكتب التي تتناول قواعد العربية والأدب العربي.

وتناول المرعي نظام التعليم في الجامعات الإيطالية: من خلال المرحلة الأولى ويتم فيها تدريس اللغة والدراسات الإسلامية بالإيطالية وفي مرحلة الماجستير يتم تدريس الأدب والدراسات الإسلامية والأنتروبولوجية، مستعرضا جهود أهم المستشرقين الإيطاليين في العصر الحديث ومنهم كارلو ألفونسو نالينو، ميكيل أماري ليون كايتاني، إغناطيوس غويدي، جورجو ليفي ديلا فيدا، تيودور نولدكه، كونتي روسيني، ميكيآنجيلو غويدي.