جزء من مشاهدات حميمية يجعلها الشاعر الفلسطيني ترياقا للذاكرة في تفاصيل وطن أنهكه الاحتلال ويصارع بالصمود من خلال التشبث بتقاليده والتي تتحول بدورها الى جدار صمود مضاعف ضدا على إرادة المحو والتي كلما ازدادت نارها كلها أمست هذه التفاصيل لحيوات الناس صك أمان للمستقبل.

فَطائِرُ بَقْلٍ وفَرَح

حسين مهنّــا

ما أَشْجى نَقْرَ أَنامِلِها فَوقَ الطَّبْلِيَّةِ

وهْيَ تُعِدُّ فَطائِرَ بَقْلٍ شَرِبَ صَفاءَ المُزْنِ

وغَذَّتْهُ الشَّمْسُ..

وأَرْضٌ تَعْرِفُنا من وَقْعِ خُطانا .

لَكَأَنَّ النَّقْرَ أَذانٌ يَدْعونا لِصَلاةٍ

يَتَجَدَّدُ فيها العَهْدُ لِأَرْضٍ حَضَنَتْ جَدَّاً عن جَدٍّ ...

أَوصَتْهُ بِأَنْ يَبْقى مَاْسورَاً بِالعَهدِ ....

فَأَوصانا.

رَفَعَتْ نَحْوي عَينَينِ غَرِقْتُ بِدِفْئِهما

قالَتْ : أَينَ الأَحْفادُ ؟

وعادَتْ تَدْحو بِمَهارَةِ خَبّازِ ابنِ الرُّمِيِّ رُقاقَتَها

قُلْتُ : سَيَأْتونَ ..

ورُحْتُ أَلُتُّ اللُّقْمَةَ بَعْدَ اللُّقْمَةِ بِالزَّيتِ البَلَدِيِّ

وآكُلُ .. آكُلُ .. واحِدَةً .. ثِنْتَينِ .. ثَلاثَاً !

ولْتَسْقُطْ أَحكامُ ( الرّيجيمِ ) العُرْفِيَّةُ

ولْيَسْقُطْ ضَغْطُ الدَّمِ

والسُّكَّرُ ..

والدُّهْنِيّاتُ ..

ومَرْحى لِفَطائِر بَقْلٍ

ولِأَرْضٍ تُعْطينا البَقْلَ

فَلا خَوفَ عَلَينا من جوعٍ أَو حَرْبٍ تَجْتاحُ قُرانا .

حَضَرُوا

فَأَضاءَتْ غُرَفُ البَيتِ بِهَمْهَمَةِ الأَحفادِ

وصارَ البَيتُ خَلِيَّةَ نَحْلٍ ناشِطَةً

ما أَجْمَلَها .... !

دُنْيا تَتَشَكَّلُ أَلْوانَاً أَلْوانا .

ما أَجْمَلَها .... !

أَحْفادٌ فَوقَ الرّابِعَةِ ودونَ الرّابِعَةِ ،

فَ (مَجْدٌ) يَقْفِزُ كالقِطَّةِ خَلْفَ القِطَّةِ

وَ (حُسَينٌ) يَتَعارَكُ مَعَ (يوسُفَ) في خِفَّةِ ديكَينِ ظَريفَينِ

وذاكَ (مُبَّدّى) يَتَحَدَّى (سَلْمانَ) بِلُعْبَةِ (آي بادَ)

ويَنْتَظِرانِ وُصولَ (بَهاءٍ) مَعَ (أَلْما) الحَسْناءِ

و(سَلْمان) أَخيها كَي يَلْتَئِمَ الشَّمْلُ بِمَنْ جاءِ ويَزْدانا .

وهُنا (زَهْرَةُ ) تَجْلِسُ وادِعَةً

تَرْقُبُ في شَغَفٍ ما تَصْنَعُ جَدَّتُها .

و ( رَزانُ ) تَمُدُّ يَدَيها لِلْخُبْزِ السّاخِنِ

يَحْرُقُها الخُبْزُ السّاخِنُ..

تَبْكي ..

تَلْحَسُ أَطْرافَ أَصابِعِها

نَضْحَكُ ..

لكنْ نَحْضُنُها حُبَّاً وحَنانا .

والجَدَّةُ ما زالَتْ تَدْحو بِمَهارَةِ خَبّازِ ابنِ الرُّومِيِّ رُقاقَتَها

وتُوَزِّعُ بَينَ الأَحْفادِ مَحَبَّتَها .

وأَنا – الجَدَّ – أَنُشُّ البَرْدَ بِدِفْءِ عَباءَتِيَ الصّوفِيَّةِ

يَغْمُرُني الفَرَحُ

أُتَمْتِمُ : حَمْدَاً للَّهِ بِما آتانا !

سَنَةٌ أُخْرى تَنْضافُ الى سَنَواتِ العُمْرِ ،

وما زالَتْ تَجْمَعُنا نَقَراتُ أَصابِعِها  حَولَ الطَّبْلِيَّةِ

وَهْيَ تُعِدُّ فَطائِرَ بَقْلٍ شَرِبَ صَفاءَ المُزْنِ

وغَذَّتْهُ الشَّمْسُ

وأَرْضٌ تَعْرِفُنا من وَقْعِ خُطانا.

 

 ( البُقَيعَة / الجَليل )