يكشف الكاتب العراقي هنا، في تناوله لجدلية العلاقة بين الغرب وعالمنا العربي عن ازدواج المعايير المبني على كراهية تاريخية وغير عقلانية للإسلام يعاني من شرورها العالم العربي من خلال القهر الغربي مرة، ومن خلال إعادة انتاج همجية الغرب العدوانية بأيدي غلاة المتطرفين من المسلمين أنفسهم أخرى.

لماذا يكرهوننا؟ وازدواج المعايير

رمـيـز نظـمي

يعتقد المسلمون عموماً والعرب خصوصاً بأنهم مستهدفون من قبل الغرب* بتشهير متزايد؛ وبذلك فإنهم يعاقبون مرتين: الأولى لمعاناتهم من الاحتلال والحصار والإرهاب والتشرذم والحدود المصطنعة والنهب والاستبداد، وجميعها جرائم ساهم الغرب فى اقترافها، والثانية عندما اصبحوا متهمين بفظاعات ارتكبها إرهابيون ساعدت سياسات الغرب على إيجادهم .. بدلاً من أن يُعاقب الجانى تُعاقب الضحية !يقول المثل العربي: "ليس كلُّ من لوث وجهه بالسخام أصبح حدّاداً". وبالتالي، ليس كلّ من يزعم أنه مسلم يمثّل بالضرورة الإسلامَ؛ والظاهر أنه عندما يكون مقترفو أي عمل إرهابي "مسيحيين "مثل "الجيش الجمهوري الأيرلندي" السرّي، وتيموثي ماكْفي، وأنديرسْ بريفك، وديلان روف، يُدين الغربُ الجناة، لكن عندما يكون الجناة "مسلمين"، يُحمَّل الإسلامُ المسؤولية. فهل المسيحية مثلاً مسؤولة عن جرائم النازيين؟

بلغ الإسفاف في التعدّي على المسلمين حدّاً جعل المرشَّحَ الأول للرئاسة عن الحزب الجمهوري الأمريكى يعرب عن رغبته بمنع أيّ من المسلمين البالغ عددهم 1.6 مليار إنسان من دخول الولايات المتّحدة. وفي فرنسا، يقترح فيلسوف بارز و"ربما يكون أبرز المفكّرين في فرنسا اليوم"، إقامة معسكرات اعتقال كالتي أقيمت بالمملكة المتحدة إبّان الحرب العالمية الثانية للبريطانيين من أصول ألمانية ونمساوية وإيطالية أو كالتي أُقيمت بالولايات المتّحدة للأمريكيين من أصول يابانية.  بل إنّ رموزاً تاريخية في السياسة والثقافة الغربية أفصحوا عن آراء متعصّبة تجاه الإسلام، منهم تشرشل، "أعظم بريطاني في التاريخ"، والذي وصف الإسلام بأنه "دين شهوانيّ منحَطّ يسلب هذه الحياةَ زينتَها ونقاءها"؛ وفولتير، "أعظم فيلسوف فرنسي في عصر التنوير" وصف الإسلام بأنه "عقيدة شيطانية". إن معاداة السامية شرّ، لكنّ الإسلاموفوبيا (كراهية الإسلام) أسوأ منها. فالمعادون للسامية يضطهدون اليهود كأشخاص، لكنّهم لا يعادون الدين اليهودي بالضرورة، فيما يشنّ كارهو الإسلام الهجماتِ على المسلمين وعلى الإسلام على السواء.

مثل هذه الآراء التي تقال في الإسلام مضلِّلة ولا تستحقّ التقدير، فلم يكن للعلوم والثقافة العربية التي انتشرت بين بغداد وقرطبة نظير طوال أربعمائة وخمسين سنة. وإنجازات العرب العلمية والثقافية هي التي أنقذت الغربَ من البربرية في العصور الوسطى، وهيّأت المناخ لبزوغ عصر النهضة. وبحسب ما كتب البروفسور فيليب حِتّي، "بقيت الشعوبُ الناطقة بالعربية مناراتِ الهدى في ميادين الثقافة والحضارة في شتّى ربوع العالم بين أواسط القرن الثامن ومستهلّ القرن الثالث عشر، والوسطَ الذي انتعشت فيه العلوم القديمة والفلسفة، وأُثريت ونُقلت، وهو ما أفسح المجال أمام نهضة أوروبا الغربية".

ووصف السير أنتوني نوتينغ، الدبلوماسي والمؤلّف البريطاني، قرطبةَ، عاصمة الخلافة العربية في الأندلس، إنّ "عدد مساجدها بلغ 700 وعدد الحمّامات العامّة 300 فيما كانت الشعوب الأوروبية لا تزال تعتبر الاستحمامَ عادةً وثنية. كانت الشوارع معبَّدة ومضاءَة، بطول 15 كلم، وهو تطوّر لم تتمتّع به لندن وباريس إلاّ بعد 700 سنة حيث كان ساكنوها يتحسّسون طريقهم ليلاً في الظلام الدامس وأقدامهم تغوص في الوحل غالباً. وضمّت قرطبة 70 مكتبة، وتشكيلة من 400000 مجلَّد جُمعت من مكتبات ومتاجر بيع الكتب في الإسكندرية ودمشق وبغداد، فيما لم يزد عدد المجلّدات المكتوبة باللغة الإنكليزية عن عشرة آلاف مجلّد في مختلف أنحاء العالم".

ورغم كل ذلك، وكما ذكر "روبرت بريفولت"، الأنثروبولوجي والمؤلّف أن "تاريخ انبعاث أوروبا من البربرية يُكتَب باستمرار من دون أيّ إشارة، مهما كان شكلها إلى تأثير الحضارة العربية". إنّ تجاهل إسهام الحضارة الإسلامية والعربية، الذي لا جدال فيه في إحياء النهضة الأوروبية، يؤكّد تحامل الغرب الأعمى، وعداءه المستمر منذ الحروب الصليبية. الإسلام، بنظر المتخوّفين منه وأصحاب العقول الضحلة، هو دين عقيم في أحسن الأحوال، والعرب منحطّون ولا يمكنهم بحال أن يُسهموا بأيّ أمر ينفع الغرب الراقى.

أكد البروفسور "ريوفين فايرسْتون" على "أنّ النجاح المُذهل الذي حقّقته الفتوحات الإسلامية التي بدأت في القرن السابع، والحضارة العظيمة التي نشأت معها مثّلت طوال ألف عام أعظم تحدّ لأوروبا على الصعيديَن السياسي والفكري ... أحدث ذلك ردَّ فعل عكسى في الغرب يصف الإسلام باختصار بأنه دين متوحِّش وشرّير ومتخلّف. ظهر هذا التصنيف السلبي حين كان الإسلامُ قوياً والمسيحية ضعيفة، لكنّه استمرّ إلى يومنا الحاضرٍ".

لا ريب أن هذا التعصب الغربي اللا موضوعى يُظهر ضعفاً لا قوة، وجبناً لا شجاعة، وكما ذكر البروفسور إدوارد سعيد "أن الاهتمام الأوروبي فى الإسلام لم يكن نابعاً من حب الاستطلاع إنما خوفاً من دين توحيدي ومنافسٍ منيعٍ للمسيحية ثقافياً وعسكرياً. وكما بين مؤرِّخون كثر أن الأوروبيين الأوائل الباحثين فى الإسلام فى العصور الوسطى، كانوا مجادلين أرادوا من كتاباتهم درء تهديد المسلمين ودينهم المغاير. ولا تزال هذه التركيبة من الخوف والعداء مستمرّة بشكل أو بآخر إلى يومنا الحاضر". يدعى البعضُ في الغرب أنّ تنظيم داعش "إسلاميّ للغاية" على أساس أنه وقعت في صدر الإسلام حوادثُ معيّنة كرّرها التنظيم. هذا الزعم خاطئ كون الأفعال المروِّعة التي قام ويقوم بها داعش ممقوتة ودخيلة في نظر الغالبية العظمى من المسلمين. إنّ إلمام هؤلاء المسلمين المباشر بدينهم، وممارستهم شعائره أكثر صدقية من أيّ رأي يتشدّق به أحد المنظِّرين.

ينبغي تحليل الحوادث التي ربّما وقعت في القرن السابع في سياقها التاريخي لأنّ القيم تتطوّر. فالإسلام دين دينامي، وهي حقيقة تفسِّر سرعة انتشاره التي ليس لها مثيل على مستوى العالم. فليس كل عمل كان مقبولا حسب القيم السائدة قبل مئات السنين، يحافظ على شرعيته في القرن الحادي والعشرين. وهنالك قاعدة فقهية في الإسلام تقول: "تتغير الفتوى بتغير المكان والزمان"، وكما ذكر الإمام على كرم الله وجهه "القرآن حمال أوجه". وحسب مقولة الشيخ محمد عبده عام 1881: "ذهبت للغرب فوجدت إسلاماً ولم أجد مسلمين، ولما عدت للشرق وجدت مسلمين ولم أجد إسلاماً." وهذا يعنى أن الإسلام لا يقتصر على أداء الفرائض وإنما يتطلب القيام بالعمل الصالح. فكما تقول الآية الكريمة "وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ". فأين الصالحات من ذبح كادحين أقباط، أو القصف الجوي لمستشفيات باليمن بنسائها وأطفالها، أو حرق الأبرياء ببراميل نارية فى سوريا، أو استباحه دماء مصلين فى جامع فى ديالى، أو قتل مدنيين فى عواصم أوروبية؟

ويتهم المسلمين بعدائهم الأزلي لليهود والمسيحيين، وهو اتهام باطل، فقد حقق اليهود "عصرهم الذهبي" اثناء وبرعاية الدولة الإسلامية العربية فى الأندلس (756 - 1031 ميلادية). وتوفر البروفسورة ماريا روسا مُنوكال تفاصيل هذه العصر الذهبى فى كتابها الموثق "الزخرفة" .. إن العداء العربى للكيان الاستيطانى الصهيونى كان نتيجة التأسيس الدموى لإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني وسياساتها العدوانية والإجرامية والتوسعية .

أما العلاقات الإسلامية المسيحية فإنها مبنية على الاحترام المتبادل منذ صدر الإسلام. فقد التجأ بعض المسلمين الأوائل إلى الحبشة المسيحية هرباً من اضطهاد كفار قريش. وذكر أن من بين المهاجرين كانت رقية بنت الرسول الكريم، وزوجها عثمان بن عفان، وكذلك جعفر بن أبى طالب. وقد حماهم النجاشي ملك الحبشة المسيحي، رغم محاولة قريش رشوته بالهدايا الثمينة.

وعندما انتشر الإسلام واشتد ساعده، أصدر الرسول عام 620 ميلادية "العهد المحمدى" الذى وعد فيه بحماية المسيحيين ورعايتهم، ومنع عنهم كل ما لا يرضيهم وذكر فيه "وهم (المسيحيون) فى ذمتي وميثاقي وأماني من كل مكروه. ولا يجادلون إلا بالتي هي أحسن ويخفض لهم جناح الذل من الرحمة، ويكف عنهم أذى المكروه حيث ما كانوا وحيث ما حلوا."

ومما لا شك فيه أنه كان ولا يزال للعرب المسيحيين دور اساسي وقيادي فى بناء الفكر العروبي وتنمية حركة التحرر العربي، ومن هؤلاء الرواد بطرس البستاني، جورج أنطونيوس، وفارس خورى، وقسطنطين زريق، وكمال ناصر، وجورج حبش، وإدورد سعيد، وطارق عزيز، والمطران كابوتشى وهم غيض من فيض.

إن الشهادة فى سبيل الوطن هى أسمى أنواع التضحية، ومن الأوائل الذين حظوا بهذا الشرف فى العصر الحديث كان الملازم البحرى جول يوسف جمال العربى المسيحى من سوريا. كان جول جمال يواصل تدريبه البحرى فى مصر أثناء وقوع العدوان البريطانى/ الفرنسى/ الإسرائيلى على مصر أثر تأميم القائد عبد الناصر لقناة السويس عام 1956. قام جول جمال بعملية خارقة البطولة حيث تمكن من ردم وتفجير زورقه ببارجة فرنسية أدت إلى استشهاده وتعطيل البارجة ومنعها من التعدي على جزء غالٍ من وطنه العربى الكبير. بدمه الطاهر ساهم جول جمال بإرواء البذور التي أينعت واثمرت بعد سنتين بوحدة مصر وسوريا، وقيام الجمهورية العربية المتحدة. وحدة اربكت واغضبت الغرب وعملائه المحلين فاستماتوا فى التآمر على وئدها.

لعل أكبر إنجاز عسكرى عربى تم خلال القرن الماضى هو عبور القوات المصرية المجيد لقناة السويس فى تشرين الأول/ اكتوبر 1973 وتحطيمها سد بارليف الأسطوري الذى أقامه العدو الإسرائيلى على الضفة الشرقية من القناة لحماية جيشه فى سيناء المحتلة. من أهم منجزى هذا العبور بطلين عربيين مسيحيين من أرض الكنانة، مصر: فؤاد عزيز غالى وباقي زكى يوسف . تمكن اللواء غالى القائد المغوار لفرقه 18 مشاة (ثم قائد الجيش الثانى) من عبور القناة متحدياً كل ما ألقى على قواته الباسلة من قنابل وصواريخ ونيران من أحدث الأسلحة التى زُود بها العدو من مصانع الدمار الأمريكية، وحررت قواته مدينة القنطرة وتأمين كامل القطاع الممتد حتى مدينة بورسعيد. أما الضابط باقى يوسف فهو الذى اخترع فكرة استعمال الخراطيم كمدافع مياه تؤدى إلى انهيار رمال السد، وفتح ثغرات يتم عبور المدرعات المصرية من خلالها إلى عمق سيناء.

يبدو أن العداء الغربى موجه للإسلام الحضارى المتنور لا غير. إذ إن الغرب قد عقد تحالفات استراتيجية مع أنظمة ذات توجهات دينية ظلامية وطائفية. وكما ذكر البروفسور تشومسكى "لطالما ساندت الولايات المتحدة الحركات الإسلامية الأصولية المتطرفة ولا تزال كذلك. وأقدم حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي وأكثرهم قيمة هي المملكة العربية السعودية الدولة الأصولية الأكثر تطرفاً أيضاً". أما روبرت فيسك فكتب أن النظام الملكى السعودى أعار "قتلة داعش عقيدته الوهابية" وأما توماس فريدمان الصحافي في نيويورك تايمز والمقرب من النظام السعودي  فقد كتب "العربية السعودية هى حليف أمريكى فى قضايا عدة ... إن تصديرها للإسلام الوهابى المتزمت هو أسوأ ما حصل للتنوع الحضاري الإسلامي العربي" واستطرد "لا شىء كان أشد تدميراً لاستقرار وتطور العالمين العربي والإسلامي من مليارات الدولارات التى أنفقها السعوديون لمحق التنوع الحضارى للإسلام".

إضافة إلى التحالف مع النظام الوهابى الطائفى فإن الإدارة الأمريكية أقترفت جريمة كبرى باتباعها سياسات خرقاء عند احتلالها للعراق أدت إلى التشرذم وتفجر الفتنة بين مكونات الوطن وتحالفت مع زمر متخلفة، همها الوحيد نشر الطائفية والفساد. يتباكى الغرب الآن على مسيحيي العراق علماً أن سياسات المحتل الرعناء هى التى أدت إلى هجرة ثلثى الطائفة من وطنهم.

الحرب التي شُنَّت على العراق بدأت في سنة 1990 وليس في سنة 2003. وبحسب الأُستاذة الجامعية جوي غوردون، "اضطلعت الولايات المتحدة بدور فاعل منذ آب/ أغسطس 1990 في فرض أشدّ العقوبات قسوة في تاريخ المحكمة الدولية". واستخدم دنيس هاليداي، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ومنسّق الشؤون الإنسانية لدى الأمم المتحدة في بغداد، عبارة "إبادة جماعية" في وصف تلك العقوبات.

بتاريخ 14/2/2003 قدم رئيس لجنة الأمم المتحدة المسئولة عن نزع العراق من أسلحة الدمار الشامل المزعومة تقريراً إلى مجلس الأمن يبلغه بأن المئات من المفتشين لم يجدوا أى دليل على أنه لا تزال فى حوزة العراق أى أسلحة من هذا النوع، وطلب أن يمنح أسابيع إضافية لغرض التأكد بشكل قاطع من خلو العراق من هذه الأسلحة. إلا أن الولايات المتحدة وبريطانيا رفضتا طلبه، وبدأ غزوهم للعراق بتاريخ 20/3/2003 . شكلت الحكومة البريطانية فى عام 2009 لجنة للتحقيق بشأن الحرب على العراق لمعرفة ظروفها وعواملها واستقاء دروس للاستفادة منها فى المستقبل .. مرت 7 سنوات واللجنة لا تزال تواصل عملها، وعندما سئل رئيسها (جون تشيلكوت) عن سبب هذا التأخير فى إصدار تقريرها أجاب بأنه من الضرورى أن تكون استنتاجات اللجنة دقيقة جداً، لضمان عدم المس الخاطىء بسمعة أى من المسؤولين عن هذه الحرب.

تعطى سنوات طوال من أجل البحث والتمحيص لتأمين عدم الإساءة غير المبررة لسمعة أشخاص أثبت الواقع بأنهم مجرمو حرب، ولا تمنح أسابيع معدودة للتأكد من وجوب شن حرب هوجاء أفنت مئات الألوف من الأبرياء العرب والمسلمين، وحطمت بلداً عربياً عزيزاً خالياً من أى أسلحة للدمار الشامل. أى قيم إنسانية تبرر هذا المعيار المزدوج الشنيع؟ أليس عهراً أن يعتبر الغرب سمعة حفنة من ساسته اهم بكثير من مصير بلد عربي وشعبه؟

هل من الغريب أن يتساءل العرب والمسلمون باستمرار: كيف يمكن للغرب أن يبلغ هذا المستوى الواطىء من النفاق السافر؟ يشنّ الغرب في سياق الانتقام من الفظاعات التي ارتُكبت في 11 أيلول/ سبتمبر، حرباً عالمية على الإرهاب ولكنه يسمح لمقترفي حرب عدوانية غير شرعية وعقوبات إبادة جماعية فُرضت بذرائع مضلِّلة بالإفلات من أي عدالة؟ راح 3000 شخص بريء ضحيّة جريمة 11 أيلول/ سبتمبر، في حين حصدت الحروبُ التي شُنّت على العراق والعقوبات التي فُرضت عليه ملايين الأرواح.

احتلّ العراقُ الكويت متهوّرا سنة 1990، وواجه بعد خمسة شهور حرباً ضارية شكّل 700000 جندي أمريكي رأس الحربة فيها. بينما تحتل إسرائيل ما تبقّى من الأراضي الفلسطينية منذ 49 سنة وكان جزاؤها الحصول على أكبر حصّة من المساعدات الخارجية الأمريكية بقيمة مليارات الدولارات. ويرى كثيرون أن حربى 1991 و2003 اللتين شُنّتا على العراق إنما كانتا لمصلحة إسرائيل، علماً بأن تكلفة الحرب الأخيرة قُدّرت بستة آلاف مليار دولار.

مورست الوحشية الغربية بلا رحمة في شمال أفريقيا أيضاً. فإلى جانب قصف ليبيا في سنة 2011 وتحوّيلها إلى دولة فاشلة، قتلت فرنسا 1.5 مليون جزائري بين عامي 1954 و1962 لمقاومتهم الاحتلال الفرنسي. كما سُجن مئات الآلاف وعُذّبوا. ولم ينج المغرب من هذه الوحشية أيضاً. والواضح أن فرنسا كانت شديدة الافتخار بوحشيتها إلى حدّ الاحتفاء بها بإصدار طابع بريدي يصوّر جماجم  مغاربة قُطعت رؤوسهم . هكذا ردت فرنسا الجميل للشعبين الجزائري والمغربي اللذين ضحى الكثير من شبابهم من أجل تحريرها من الاحتلال النازى خلال الحرب العالمية الثانية. كتب البروفسور روبرت باكستون "ما بين %50 إلى %60 من القوات التى تشكلت فى شمال أفريقيا فى عام 1943 لتقاتل (الألمان) فى فرنسا أتوا من المستعمرات الفرنسية في المغرب العربي والمناطق الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى". هل إن مبادىء فرنسا التى تتشدق فيها "المساواة والحرية والأخوة" تطبق على الجميع أم على أصحاب البشرة البيضاء فقط؟

يقول المثل الغربى "التقليد أسمى صور الإطراء". هل يشعر الغرب بالفخر لأن داعش يقلد ممارساته بارتكاب جرائم مروعة يتم تصويرها؟ إن المشاهد البشعة للتعذيب في سجن أبو غريب، وعمليات الإذلال في سجن غوانتنامو، وإصدار طابع بريدي مقرف لجماجم بشرية هى أمثلة معبرة عن ذلك .

كتب السير "أنتوني نوتينغ" واصفاً ما جرى حين احتلّ الصليبيون مدينة القدس في سنة 1099، "ذُبح النساء والأطفال، والمسنّون والشباب، والجنود والمدنيون، من العرب واليهود في مذبحة ليس لوحشيتها مثيل". ووصف "رايموند"، أحد قسس هؤلاء الصليبيين، تلك الفظاعات بأنها "مشهد رائع" وبعد 88 سنة، حرّر العرب القدس بقيادة صلاح الدّين الأيوبي، وهو كردي مسلم، بمساعدة عيسى العوّام، وهو عربي مسيحي. وأضاف نوتينغ، عندما حُرّرت المدينة، "لم يتأذّ مسيحي واحد بسبب دينه". هذا هو الإسلام الحضاري، وهذه هي العروبة الحقة.

إن الغرب في حالة نُكران مخزية إذا كان فعلا يعتقد أنّ الوضع البائس الحالي ليس من ثمرة أفعاله. لمعالجة هذه الحالة المزرية لا بد للغرب ان يقر بأخطائه الجسيمة، والعمل على التكفير عنها. إن العلاقات الدولية يجب بناؤها على الاحترام المتبادل وعلى ألاّ تُلحق دولة، مهما بلغت قوتها، بأمم اخرى ما لا ترضاه لنفسها ... علمنا التاريخ أنّ القوة مؤقّتة، لكنّ الفضيلة دائمة.

 

* يشير مصطلح "الغرب" بصورة خاصة إلى دعاة الحرب الغربيين سواء صناع القرار السياسى أو صناع الرأى. علماً أن هنالك ملايين من الغربيين من المتنورين ومحبى السلام.