بمناسبة الاحتفال بمئوية عدد من أحداث الحرب العالمية الأولى وما تمخضت عنه من اتفاقات مست بنية عالمنا العربي حتى اليوم، تنشر (الكلمة) هنا دراسة الكاتب الأردني عن أسباب تلك الحرب ومساراتها وخريطة تحالفاتها، وما انتهت إليه من وضع دولي جائر سرعان ما أدي لاندلاع الحرب التالية.

الحرب العالمية الأولى

دراسة في أهم مسارات الحرب وأسبابها

عارف عادل مرشد

تمهيد:
الحرب العالمية الأولى هي حرب عالمية نشبت بين القوى الأوروبية في 28 يوليو (تموز) 1914 مروراً بانتهائها في 11 نوفمبر (تشرين 2) من عام 1918. كانت تُسمى بالحرب العالمية، والحرب العُظمى ولكن تغير المسمى بسبب وقوع الحرب العالمية الثانية. جمعت الحرب الدول التي لديها قوى عظمى، والتي تم جمعها في معسكرين من الدول المتعارضة: قوات الحلفاء (دول الوفاق الثلاثي) وهم بريطانيا وفرنسا وروسيا؛ ودول المركز (دول الحلف الثلاثي) وهم ألمانيا والامبراطورية النمساوية-المجرية (1867-1918) وإيطاليا قبل انسحابها من دول الحلف، وانضمامها إلى دول الوفاق في مايو (ايار) 1915 حيث حصلت على مكاسب سياسية كبيرة لدخولها الحرب إلى جانب دول الوفاق بسيادتها على ليبيا، وتوسيع مستعمراتها في حالة انتصار الحلفاء على حساب دول المركز. وقد توسعت هذه التحالفات وكبرت مع ازدياد دخول العديد من الدول المشاركة في هذه الحرب، فقد أنضمت اليابان والولايات المتحدة الامريكية إلى الحلفاء بينما أنظمت الدولة العثمانية ومملكة بلغارية لدول المركز. وقد استخدم مسمى الحرب العالمية الاولى لأول مرة في سبتمبر (ايلول) من عام 1914من قبل الفيلسوف الالماني أرنست هيكل حيث قال: "أنه لا يوجد شك في أن خشية مسار وطابع الحرب الأوروبية سوف يكون الحرب العالمية الاولى بالمعنى الكامل للكلمة".  كما ذكر اسم الحرب العالمية الاولى في عام 1920 من قبل المؤرخ والصحفي الانجليزي تشارلز ريبنغتون.(1)

اندلعت شرارة الحرب حينما قام مواطن من البوسنة والهرسك ينتمي إلى القومية الصربية باغتيال الأرشيدوق.(2) فرانز فرديناند ولي عهد الإمبراطورية النمساوية المجرية في مدينة سراييفو في 28 يونيو (حزيران) عام 1914، وقد ادى اغتيال فرانز فرديناند إلى تعميق شعور إمبراطور النمسا والمجر بحجم التهديد الموجه إلى الإمبراطورية من صربيا، وصمم على انتهاز الفرصة لإنهاء المشكلة الصربية.(3) وقد ساندت ألمانيا حليفتها الامبراطورية النمساوية- المجرية في هذه الازمة. وفي يوم 23 يوليو (تموز) 1914، وجهت النمسا والمجر إنذاراً إلى صربيا احتوى على عشر بنود أهمها حل الجمعيات الوطنية الصربية التي تقوم بالدعاية ضد النمسا والمجر، وأغلاق الصحف، ومراقبة المدارس حتى لا يبث المدرسون كراهية النمسا والمجر بين التلاميذ، ومصادرة الكتب المدرسية التي تتضمن الدعاية ضد الإمبراطورية، وعزل القادة والموظفين الذين عرفوا بكراهية النمسا، والقبض على شخصين جاء ذكرهما في التحقيق في قضية الاغتيال، وأن يسمح للنمسا والمجر بالاشتراك مع السلطات الصربية في التحقيق.

ومع أن صربيا قد قبلت معظم مطالب النمسا والمجر مع بعض التحفظات حول إجراءات التنفيذ الا أن الأخيرة اعتبرت رد صربيا بمثابة رفض للإنذار، وفي 28 يوليو (تموز) عام 1914، أعلنت النمسا والمجر الحرب على صربيا. وعندما بدأت روسيا بالتعبئة ضد النمسا والمجر أعلنت ألمانيا الحرب ضد روسيا في 1 أغسطس (آب) عام 1914، كما أنها أعلنت الحرب كذلك على فرنسا في الثالث من نفس الشهر والعام، وبدأت بغزوها عبر لوكسمبورغ وبلجيكا، وسرعان ما أعلنت بريطانيا الحرب على المانيا، كما أعلنت الإمبراطورية النمساوية المجرية الحرب على روسيا.(5) وهكذا خلال أسبوع واحد تطورت الحرب النمساوية-المجرية الصربية إلى حرب أوروبية كبرى بين النمسا والمجر وألمانيا من جانب، روسيا وبريطانيا وفرنسا من جانب آخر.(6) ولقد أدت هذه الحرب إلى تغييرات جذرية في العالم، وإلى توازن غير مستقر أختل من جديد على نطاق واسع بعد (21) عاماً حين نشبت الحرب العالمية الثانية.(7)

الأسباب الكامنة وراء نشوب الحرب العالمية الأولى:
هذه الاسباب كثيرة ومتنوعة، ويمكن إيجاز أبرزها على النحو التالي:

1 - المنافسة الاستعمارية بين الدول الاوروبية لاسيما في مجال طموحها لكسب المزيد من المستعمرات، وشعور بعضها بالغبن بالمقارنة مع بعضها الآخر، والسباق المحموم فيما بينها للاستيلاء على مستعمرات جديدة.(8) فلقد ادى تقدم الثورة الصناعية إلى تطور النزعة الاستعمارية  تطوراً حاداً جعل من تصريف البضائع والحصول على المواد الاولية وتوظيف رؤوس الاموال قضية من القضايا الاوروبية الملحة التي لم يجد رجال السياسة حلاً لها إلا عن طريق امتلاك المستعمرات فكان لابد من التصادم بين القوة المستعمرة ذاتها.(9)

2 - توازن القوى غير المستقر في أوروبا، وسيطرة ألمانيا على الألزاس واللورين.(10) إثر الحرب الفرنسية- البروسية عام 1870، وانقسام أوروبا إلى معسكرين رئيسين هما: دول الوفاق الثلاثي (الحلفاء) ودول الحلف الثلاثي (المركز) كما ذكرنا سابقاً.

3 - سباق التسلح بين القوى الأوروبية، الذي تنامى بفعل الحروب الصغرى التي نشبت في القارة الاوروبية قبيل الحرب العالمية الاولى كحروب البلقان (11) والاحتكاكات في المستعمرات.(12) فقد خلقت الأزمات البلقانية المناخ الدولي المواتي لإشعال قنبلة الحرب العالمية الاولى. وهذه الأزمات زادت من إحساس النمسا والمجر بالتهديد الموجه إلى كيانها السياسي، وجاءت واقعة اغتيال ولي عهد الإمبراطورية النمساوية- المجرية لتفجر كل التوترات القائمة.(13) كما أن ألمانيا كانت قد بدأت عملية التسابق على التسلح منذ بداية عام 1913، بإصدار تشريعات جديدة للتجنيد الإجباري تهدف إلى زيادة عدد قواتها البرية إلى جانب توسعها في خطة تسلحها البحري، وحيث إن فرنسا لا تستطيع منافسة ألمانيا في هذا المجال نظراً لقلة عدد سكانها نسبياً، فقد رفعت مدة التجنيد الإجباري إلى ثلاث سنوات كما أنها حثت روسيا على زيادة عدد قواتها والإسراع في استكمال خطوطها وإجبارها على الحرب على جبهتين.(14)

4 - نمو الروح القومية، وخاصة في الامبراطورية النمساوية المجرية المكونة من عدة قوميات، وعلى أطرافها لاسيما في البلقان.(15)

نستنتج مما سبق انه لا يمكن القول بأن حادث اغتيال ولي عهد الامبراطورية النمساوية المجرية في سراييفو كان هو السبب المباشر في قيام الحرب العالمية الاولى؛ لأن هذا الحادث كان في حقيقته مجرد ذريعة لبدء القتال أكثر من كونه سبباً للقتال. فالحرب العالمية الاولى كانت نتيجة تكاد تكون حتمية لتضارب المصالح الحيوية للدول الكبرى، ولم تكن الازمات العديدة والمتلاحقة التي ثارت بعنف منذ أوائل القرن العشرين سوى تعبيراً عن تضارب هذه المصالح، وأصبح نشوب حرب كبرى أمراً حتمياً لتسوية هذه الازمات الحادة التي لم تعبر فقط عن الصراع حول السلطة السياسية والسيطرة الاقتصادية، ولكنها عبرت أيضاً عن روح العداء التي توطدت بين الشعوب والحكومات التي لم ننتظر سوى الظروف المواتية لبدء المواجهة العسكرية فيما بينها.(16)

انسحاب روسيا من الحرب:
كانت روسيا أول الدول خروجاً من الحرب في عام 1917، إذ تمكن الثوار البلاشفة من النجاح في الاستيلاء على مقاليد الحكم في روسيا في ذلك العام، وعقدوا هدنة مع ألمانيا في ديسمبر (كانون 1) من نفس العام كانت مقدمة لصلح منفرد، ثم وقعت روسيا البلشفية معاهدة صلح مع ألمانيا في 3 مارس (آذار) عام 1918، وهي معاهدة (برست ليتوفسك) التي نصت على تخلي روسيا عن دويلات البلطيق وهي إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وعن بولندا، والجلاء عن أوكرانيا والاعتراف باستقلال فنلندا، كما تنازلت روسيا لتركيا عن القوقاز.(17)

وقد كان الاتجاه الشعبي العام، والذي كانت تمثله لجان العمال والجنود التي سميت (بالسوفييتات) -أي المجالس- ضد الاستمرار في الحرب باعتبارها حرباٌ بين الدول الاستعمارية للدفاع عن المصالح الاستعمارية، وقد شجع ذلك ألمانيا على أن تعرض على الحكومة الجديدة إبرام صلح منفرد، خاصة أن الولايات المتحدة الامريكية قد دخلت الحرب ضدها في أبريل (نيسان) عام 1917- كما سنرى فيما بعد-ومع انتهاء الحرب أعلنت الحكومة السوفياتية بطلان اتفاقية (برست ليتوفسك).(18) وجملة القول أن الثورة الروسية قد ادت إلى انسحاب روسيا من الحرب وقبولها بشروط الصلح الألمانية القاسية. كما نتج عنها أيضاً إيقاف القتال على الجبهة الشرقية وإجبار رومانيا على توقيع معاهدة صلح مع دول المركز، حيث وجدت رومانيا نفسها غير قادرة على مواصلة القتال دون حليفتها روسيا، تخلت بموجب هذه المعاهدة عن استقلالها الاقتصادي لصالح ألمانيا والنمسا، وعلى هذا النحو انتهت الحرب في الجبهة الشرقية في الوقت الذي كانت فيه ألمانيا تعرف أنها قادمة على حرب قاسية في الجبهة الغربية.(19)

وحسب اعتقادي ان خروج روسيا من الحرب لم يؤدِ الى تغير كبير في ميزان القوى لصالح المانيا، وذلك يرجع الى ان الدول المركزية لم تسحب قواتها من الجبهة الروسية بشكل كبير، نظراً لعدم ثقة الدول المركزية في نوايا روسيا السوفياتية، واحتفاظها بقوات كبيرة في الشرق لكي تمنع انتشار الحركات الثورية إلى داخل تلك الدول، وعندما شرعت الدول المركزية في التركيز على الجبهة الغربية بعد أن سوت كافة مشكلاتها مع روسيا السوفياتية كان الوقت متأخراً.(20(

دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب:
عند نشوب الحرب العالمية الأولى، اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية منها موقف الحياد، وظل موقفها الرسمي على هذه الحال حتى ابريل (نيسان)1917  حيث قررت التدخل مباشرة في الحرب ضد المانيا. والعوامل التي دفعت بالرئيس الأمريكي إلى اتخاذ موقف الحياد تعود بالإضافة الى تأثير (مبدأ مونرو) (21( إلى الأسباب التالية
1 - تكوين الشعب الأمريكي: فالشعب الأمريكي مزيج من شعوب أوروبا بشكل خاص وشعوب العالم بشكل عام. يتكون من فئات منحدرة من أصول أوروبية أو غير أوروبية، أي أنه يضم مجموعات من أصول جرمانية أو انجليزية أو فرنسية أو ايطالية الخ، وهذا ما كان يدفع بالبعض إلى الاعتقاد بأن الولايات المتحدة الأمريكية مفروض عليها اتخاد موقف الحياد من الحرب الدائرة في أوروبا، لأنها إذا تدخلت في الحرب، فأن الشعب الأمريكي قد ينقسم على نفسه إلى فئات تشايع هذا الفريق أو ذاك.

2 - المصالح الاقتصادية الأمريكية: كانت الادارة الأمريكية ترى في الحرب الدائرة في أوروبا فرصة ذهبية للنهوض باقتصاديات الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك عن طريق الحفاظ على الصناعة الأمريكية وتطويرها أو عن طريق جعل الدول المتحاربة جميعها بعد أن تشل الحرب قدراتها الإنتاجية، أسواقاً للمنتوجات الأمريكية.

3 - رغبة الولايات المتحدة في الإبقاء على نظام التوازن الأوروبي ولعب دور الوسيط في إنهاء الحرب، كانت الادارة الأمريكية ترغب في الابقاء على نظام التوازن في أوروبا وتسعى إلى الحؤول دون إحراز أحد المعسكرين انتصاراً حاسماً على الفريق الآخر؛ لأن انتصار أحدهما على الآخر كان يعني إن الفريق المنتصر لن يكتفي بالسيطرة على أوروبا، وإنما سيسعى إلى السيطرة على العالم، وهذا ما لا يمكن أن يتوافق مع المصالح الأمريكية، ولذلك كانت هناك رغبة أمريكية بأن تنتهي الحرب دون غالب ومغلوب.(22) وقد وصل الأمر بالرئيس الأمريكي ويدرو ويلسون المٌنتخب للمرة الثانية رئيساً للولايات المتحدة ان اعلن في يناير (كانون 2) 1917ان الاشتراك بالحرب الأوروبية جريمة على الحضارة ".

اذاً كيف حصل، في خلال ثلاثة اشهر، بين يناير (كانون2) وبداية ابريل (نيسان) 1917 أن تبدلت الحالة تماماً؟ وتحت تأثير أي الحوادث اعلنت الولايات المتحدة الامريكية الحرب على المانيا؟ يجمع أغلب المؤرخين ان الولايات المتحدة قد دخلت الحرب لان طبيعة نظامها الاقتصادي اجبرها على ذلك، وتتمثل تلك الطبيعة في الانتعاش المؤقت الذي يخشى الازمة، والقروض التي توجب ضمان سدادها هي وارباحها العالية، وقد فصلوا ذلك في صورة مفادها ان الاتجار الواسع خلال حوالي ثلاث سنوات من الحياد، مع القروض الضخمة للغاية، قد ربط مصالح الولايات المتحدة اكثر فأكثر بجبهة الحلفاء، الى درجة أصبح معها انهيارها يهدد مجمل الحياة الاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية في الصميم. لذا أصبح لزاماً عليها التمسك بالاتجاه الذي يحول دون انتصار دول المركز، وبالفعل ظهرت في الأفق بعض المؤشرات لمثل ذلك الانتصار بعد بعض النجاحات الكبيرة التي حققتها القوات الالمانية في جبهات القتال العربية التي ادخلت الرعب في نفوس الحلفاء.

فقد أصبح الرخاء الأمريكي الداخلي يعتمد أساساً على حجم التجارة مع دول الوفاق (الحلفاء). وهكذا فأن استجابة الاقتصاد الأمريكي إلى الفرصة الذهبية للتجارة مع تلك الدول كانت العامل الاساسي للاصطدام مع المانيا. فعندما أعلنت هذه الأخيرة  قرارها في يناير (كانون 2) 1917، بشن حرب الغواصات الى ابعد الحدود، أي حتى ضد البواخر التجارية المحايدة، احجم أصحاب السفن الأمريكية عن نقل البضائع الى بريطانيا وفرنسا وايطاليا، كما احجم التجار الامريكيون عن شحن سلعهم حتى على بواخر محايدة اخرى، وترتب على ذلك تكدس السلع الامريكية في الموانئ، وهدد هذا الوضع بكساد كبير في الحياة الاقتصادية، وهكذا أصبحت الولايات المتحدة مهتمة بصورة مباشرة بكيان بريطانيا الاقتصادي، وبالتالي مهتمة بعزم بريطانيا على سحق ألمانيا.

ولكن الأسباب الاقتصادية لتدخل الولايات المتحدة في الحرب ضد المانيا لا تقتصر على الارتباط التجاري بين امريكا ودول الوفاق، فقد تجاوزتها إلى ميدان التعاون المالي. فقد تجاوزت القروض التي قدمتها المصارف الأمريكية إلى دول الوفاق مبلغ بليونين من الدولارات، وخشيت المصارف الأمريكية هزيمة الدول المدينة لها، فحثت الحكومة الأمريكية على التدخل في الحرب ضد ألمانيا، والعمل على انتصار دول الوفاق والا اضطرت المصارف الأمريكية الى إشهار افلاسها. وهناك عامل سياسي بالإضافة الى العامل الاقتصادي السابق الذكر شجع الولايات المتحدة للدخول في هذه الحرب، ففي الوقت الذي أعلنت فيه ألمانيا شن حرب الغواصات غير المحدودة، تمكنت المخابرات البريطانية من اعتراض برقية مُرسلة من مستشار وزارة الخارجية الألمانية (زمرمان) إلى سفير ألمانيا لدى الحكومة الأمريكية، وطلبت هذه البرقية من السفير الاتصال بحكومة المكسيك لحثها على التحالف مع المانيا ضد الولايات المتحدة، مقابل استعادة الأقاليم المكسيكية التي سبق أن استولت عليها أمريكا في عام 1848 وهي تكساس ونيو مكسيكو وجنوب كاليفورنيا والاريزونا. ولقد أثارت هذه البرقية سخطاً شديداً في الدوائر الحاكمة الأمريكية التي خشيت أن تستجيب المكسيك إلى هذه الدعوة خصوصاً وأن العلاقات الأمريكية المكسيكية كانت متوترة للغاية في تلك الفترة.(23)

نهاية الحرب:
كان التدخل الأمريكي في الحرب هو العامل الحاسم في هزيمة دول المركز من خلال أبطال مفعول حرب الغواصات التي كانت المانيا تعول عليها كثيراً، واحكام الحصار البحري المفروض على المانيا من قبل الحلفاء، وزيادة المعونة الاقتصادية الأمريكية للحلفاء، كما دفعت الولايات المتحدة أعداد كبيرة من جنودها الى ساحة المعركة بلغ عددهم مليون وسبعمائة وخمسين الف جندي، هذا العدد الضخم هو الذي جعل الوضع يتغير لصالح الحلفاء، وقادت القوات الأمريكية الى جانب القوات الفرنسية والبريطانية سلسلة من الهجمات العسكرية الناجحة انتهت بجعل الحكومة الألمانية تدرك صعوبة الانتصار بل واستحالته، واجتاحت المانيا أزمة سياسية عنيفة، تصاعدت مع توالي الهزائم العسكرية في ساحات القتال، فطلبت المانيا إبرام هدنة دون قيد او شرط. ووقعت معاهدة كومبيين- مدينة في شمال فرنسا- التي انهت الحرب في 11 نوفمبر (تشرين2)1918  بعد اربع سنوات وثلاثة اشهر من القتال الذي راح ضحيته ما يقارب عشرة ملايين من العسكريين، وجرح (21) مليون آخرين، و(7) مليون ما بين اسير ومفقود.

وبالإضافة الى هذه الخسائر البشرية الجسيمة، فلقد أدت الحرب إلى تغييرات جذرية في العالم، إذا اختفت أربع إمبراطوريات كبرى هي الألمانية، والنمساوية-المجرية، والروسية، والعثمانية؛ وظهرت عدة دول جديدة وكيانات مستحدثة مكانها مثل فنلندا واستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولونيا، وسُلخت عن الامبراطورية العثمانية مناطق واسعة مثل أرمنيا والبلاد العربية وتراقيا وأزمير(24) وفق معاهدة سيفر. كما شهدت نهاية تلك الحرب إنشاء أول تنظيم دولي عالمي وهو عصبة الأمم، ولم يستمر التوازن الذي نجم عن الحرب العالمية الأولى لفترة طويلة بعد انتهائها، إذا انهار في العام 1939 مع اندلاع الحرب العالمية الثانية.

 

*مدرس/ كلية الآداب/ جامعة الزرقاء/ الأردن.

 

قائمة الهوامش

 (1)موسوعة الويكيبيديا  www.wekipedie.com

 (2)ارشيدوق: لقب نبيل لأمراء البيت المالك في النمسا.(Archuduke)

 (3)المشكلة الصربية: اعترفت الدولة العثمانية في اتفاقية برلين عام 1878 باستقلال صربيا عنها بشكل نهائي ، وقد اعطى ذلك الاستقلال دفعة قوية لدولة صربيا بأن تلعب دور الموحد للشعوب السلافية الجنوبية في الجبل الاسود والبوسنة والهرسك وسلوفينيا وكرواتيا التابعة للنمسا والمجر ومع نمو حركة القومية الصربية، كان من الضروري أن يؤدي ذلك الى صدام بين صربيا والامبراطورية النمساوية - المجرية ووفقاً لهذه الاتفاقية تم وضع البوسنة والهرسك تحت اشراف الامبراطورية النمساوية- المجرية التي قامت بضم هذين الإقليمين رسمياً الى أراضيها في عام 1908، وقد أثار هذا الأجراء درجة كبيرة من الاستياء في الصرب فقد كان الصربيون يأملون في ضم البوسنة والهرسك الى صربيا لإقامة الوحدة اليوغسلافية المنشودة، وبعد هذا الضم ازدادت الروح القومية شدة ونشأت الجمعيات السرية للعمل على تحقيق مشروع صربيا الكبرى، لقد كانت عملية ضم البوسنة والهرسك للإمبراطورية النمساوية- المجرية تعني بالنسبة للصرب ان هاتين الولايتين لن تنضما الى مملكة الصرب في المستقبل، وما من شك ان

 هذا الضم كان له اثر كبير في تصاعد الازمات بين الصرب والامبراطورية النمساوية المجرية والتي كانت مقدمة لقيام الحرب العالمية الأولى.

(4)محمد السيد سليم، تطور السياسة الدولية في القرنين التاسع عسر والعشرين، ط1، القاهرة:

المؤلف، 2002 ص ص 251-252.

(5)عبد الوهاب الكيالي، موسوعة السياسة، ج2، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر،1994،ص198.

(6) محمد السيد سليم، مرجع سابق، ص252.

(7) عبد الوهاب الكيالي، مرجع سابق، ص198.

(8) المرجع السابق، ص198.

(9)موسوعة الويكيبيديا 

(10)الألزاس واللورين : مقاطعتان غنيتان بالحديد في شمال شرقي فرنسا ضمتهما المانيا اليها في عام 1871 بعد ان كانتا جزء من فرنسا، تم اعادتهما إلى فرنسا بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى وفقاً لمعاهدة الصلح في فرساي عام 1919، وفي عام 1940 أعاد هتلر ضمها الى المانيا ولكن فرنسا حررتهما عام 1945.

(11) حروب البلقان :اسم يُطلق على حربين حدثتا في منطقه البلقان في جنوب شرق أوروبا بين عامي 1912-1913 للسيطرة على أراضي الدولة العثمانية في أوروبا ، وقد تشكل على اثر ذلك اتحاد البلقان والذي ضم كل من بلغاريا وصربيا واليونان والجبل الأسود، خلال حرب البلقان الاولى تمكن اتحاد البلقان من هزيمه الدولة العثمانية والاستيلاء على كافه أراضيها في أوروبا لتندلع بعدها حرب حدودية بين بلغاريا من جهة وصربيا واليونان من جهة ثانيه ولتدخل الدولة العثمانية طرفاً ثالثاً ضد بلغاريا خلال الحرب البلقانية الثانية.

(12)عبدالوهاب الكيالي، مرجع سابق، ص198

(13) محمد السيد سليم، مرجع سابق، ص 264.

(14) سمعان بطرس فرج الله، العلاقات السياسة الدولية في القرن العشرين،ج1، القاهرة: مكتبة الإنجلو المصرية، 1974، ص321.

(15) عبد الوهاب الكيالي، مرجع سابق، ص189.

(16) سمعان بطرس فرج الله، مرجع سابق، ص ص 326-327.

(17) ميلاد القرحي، تاريخ أوروبا الحديث والمعاصر من عصر النهضة الى الحرب العالمية الثانية، ط2، ليبيا: منشورات الجامعة المفتوحة، 1995 ،ص287

(18) محمد السيد سليم، مرجع سابق، ص ص274-276.

(19) ميلاد القرحي، مرجع سابق، ص288.

(20) محمد السيد سليم، مرجع سابق، ص ص278-279.

: صاحب هذا المبدأ هو الرئيس الأمريكي الخامس جيمس مونرو Monroe Doctrine (21)مبدأ مونرو الذي تم الاعلان فيه عام 1823 عن عدم تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية الأوروبية، ومعارضة الولايات المتحدة لأي تدخل أوروبي في شؤون الأمريكيتين، وقد اتخذت الولايات المتحدة من هذا المبدأ أحياناً حجة لها لتبرير سياستها الانعزالية.

(22) رياض الصمد، تطور الأحداث الدولية في القرن العشرين، ط، بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، 1999،ص ص44-45.

(23) سمعان بطرس فرج الله، مرجع سابق،ص ص 391-393.

(24) تراقيا: منطقة قديمة في جنوب شرقي أوروبا، هي اليوم قسمان: غربي يتبع اليونان، وشرقي يكون القطاع الأوروبي من تركيا بين المضائق وبحر مرمرة، أهم مدنه اسطنبول على البوسفور، أزمير: مدينة تركية على بحر إيجة.