في هذا الفصل المستل من كتابه المهم عن «امبراطورية البلاغة» يقدم أحد مؤسسي طرائق التحليل البلاغي والحجاج الأسس الفكرية والفلسفية التي تنهض عليها أهمية البلاغة، وكيفية استعمال تقنياتها الحجاجية بما تتضمن عليه وما تتركه من مؤثرات سيكولوجية على إرادة المتلقي بهدف كسب تأييده للقضية موضوع النقاش.

إمبراطورية فلسفة البلاغة

شاييم بيرلمان

ترجمة: أنوار طاهر

نحاول في نص دراستنا هذه،(*) توضيح أبعاد العلاقة الوثيقة بين كل من الفلسفة والبلاغة بالاستناد على التحليل الحجاجي. ففي الوقت الذي تتجه فيه البلاغة نحو دعم وتعزيز آراء معينة على حساب آراء أخرى منافسة لها، تنشغل الفلسفة التي كانت تعد في الأصل أم العلوم، في البحث عن الحقائق الموضوعية المجردة. ومنذ اللحظة التي عقد فيها الفيلسوف اليوناني بارمنيدس -عبر قصائده الشهيرة- تعارضا بين طريق يرعاه العقل الإلهي في الوصول إلى حقيقة مطلقة غير نافدة الصلاحية؛ وطريق يستند إلى الرأي العام ويفتقر بالضرورة لخاصية الثبات ولا يمنح ضمانا كافيا في معرفة الحقيقة المطلقة، دخل الفلاسفة ومعلموا البلاغة في حالة من النزاع والتنافس الشديد. ولم يتوانَ الفيلسوف السفسطائي غورغياس عن المواجهة والرد عبر ثالوث حجاجي سعى فيه إلى توضيح التناقض المتضمن عليه العلاقة نفسها بين المبادئ الأساسية في المنطق الشكلاني وهي: الوجود l’Être والمعرفة connaissance والتواصل communication. وذلك من خلال تأكيده على أن الوجود غير موجود، فلا وجود سوى للكلام parole. وإذا كان الوجود موجودا فيستحيل تمييزه، لأننا لا نستطيع إدراك وتمييز إلا ما يُقال من الكلام فحسب. وإذا استطعنا الوصول إلى معرفة الوجود، فهي معرفة غير قابلة للتواصل التداولي، لأننا لا نتواصل إلا بالكلام. ومن هنا، تأتي أهمية البلاغة واستعمال تقنياتها الحجاجية بما تتضمن عليه وما تتركه من مؤثرات سيكولوجية على إرادة المتلقي بهدف كسب تأييده للقضية موضوع النقاش. وعلى نحو مماثل، أوضح غورغياس على أن كل موضوع يحتمل شكلين متناقضين من الخطاب Διssοί λόγοι [بمعنى أن مفهوم الصلاحية validité لأي كلمة وقابليتها على إنتاج معانٍ جديدة تستند على معرفة المعنى المسبق المحدد لها، وما يتضمنه من قيمة أخلاقية واجتماعية في آن. وهذا ما يمنح أي إنسان -بمعزل عن المنطق التراتبي وتصنيفاته الشكلانية للجنس البشري- ألحقّ في النقاش والحوار ومساءلة الأشياء وإبداء رأيه حول القضايا الجدلية dialectiques التي تحتمل الصواب والخطأ. وهذا ما يستدعي بالطبع التأكيد على ضرورة أن يتعلم كل إنسان التقنيات الحجاجية البلاغية]. بعبارة أخرى، رفض غورغياس فكرة وجود حقيقة أحادية vérité unique ومطلقة، فكل شيء في العالم هو موضوع قابل للجدل والنقاش، طالما كان في الإمكان الدفاع عن أي قضية كانت من خلال بيان النقاط التي تعود لصالحها أو ضدها. من هنا، ينبغي إعادة الاعتبار إلى عالِم البلاغة/ومُعلِم كيفية تشكيل الرأي والتعبير عنه.

في مقابل ذلك، كان الفيلسوف أفلاطون وبمقدار اعتقاده الراسخ بوجود حقيقة أحادية يجب أن ينهمك كل فيلسوف في البحث عنها قبل أي شيء آخر، كان يؤكد في الوقت نفسه على أهمية تقنية الجدل dialectique لكونها تعمل على تطهير وتنقية العقل الإنساني من سيطرة الأهواء والانفعالات والمشاعر التي تعزز من قيمة الرأي العام النسبي وتشكل بالضرورة عائقا يحول بين الإنسان والوصول إلى الحقيقة. وهذا ما جعل الفيلسوف سقراط -حسب رأي أفلاطون- يستعمل تقنية الجدل لغرض تفنيد آراء خصومه من خلال البرهان على موضع التناقض فيها لتصبح مجمل تلك الآراء غير مقبولة البتة، ليجري بعدها الاستغناء عن كل رأي فيها تلو الآخر في سبيل الوصول إلى الحقيقة المجردة. بهذه الطريقة، مهد سقراط الطريق لمفهوم الحدس l’intuition الذي بواسطته يتمكن الفيلسوف من إدراك الحقيقة، مشيرا إلى ضرورة الاستعانة بالتقنيات البلاغية من اجل تحويل تلك الحقيقة المجردة إلى أنظمة من القيّم والأحكام والمعايير المتداولة بين جمهور المخاطَبين المتفقين قبليا على التسليم بصلاحيتها الأبدية. وهذا ما دعا أفلاطون إلى القول أن البلاغة الجديرة بمقام الفيلسوف حقاً هي تلك البلاغة التي تبحث في كيفية التثبت العقلاني المنطقي convaincre لغرض تأييد القضايا الصائبة صواباً مطلقاً يجعلها تليق بمنزلة الآلهة نفسها، وتبتعد في الوقت ذاته عن الانشغال بإقناع persuader عامة الناس حول مجرد أراء عادية ليست ذات أهمية(1).

فهذه الأخيرة –حسب تعبير أفلاطون- لا تشير إلى وظيفة البلاغة التي تُعنى بالبحث عن الحقيقة الفلسفية المجردة، وإنما إلى ضرورة الاشتغال على كيفية استعمال التقنيات الحجاجية وما تنتجه من مؤثرات لغوية بفضل إعادة استنطاق فعل الغواية الناتج عن استعمال المحسِنات اللفظية والمعنوية المتضمنة في البنية المنطقية المتخفية بشكل عام في الكلام اليومي، ومن ثم تحويلها إلى أداة فاعلة في سبيل تحقيق استجابة كافية لدى المخاطَب وإقناعه حول قضايا معينة والتوافق عليها. هذه البلاغة - حسب أفلاطون- هي بلاغة المظهر الخدّاع وليست بلاغة فلسفة الجوهر الواضح بذاته ولذاته؛ وهي أشبه بأولئك الرجال الذين بدل أن يحافظوا على أجسامهم من خلال ممارسة الرياضة وتقديم الرعاية الطبية اللازمة لها، نراهم يخضعون لرغباتهم الجسدية ويسعون إلى إشباعها بما لذّ وطاب من الطعام بنهم وشراهة غير آبهين بالآثار الوخيمة والمضرة بصحتهم(2).

وهذا النوع من البلاغة يبحث عن تحقيق أعلى مستوى من الاستجابة للخطيب من خلال زيادة إثارة الإعجاب والإبهار لدى الجمهور المخاطَب، لذلك ينشغل كثيرا بالمظهر ويسعى نحو تزويق وتجميل الواقع بمختلف الألوان. وهذا ما يدعونا إلى وصفها ببلاغة الدهماء من العامة الذين تتحكم فيهم شتى الأهواء والانفعالات والنوازع السيكولوجية، فهي بلاغة تقع على النقيض من بلاغة فلسفة الجوهر الأحادي أي من بلاغة جميع الفلاسفة المنشغلون في البحث عن الحقيقة المجردة. ومن المعروف أن الخطيب والسفسطائي sophiste هما من المعلمين المهتمين بكيفية تشكيل الرأي الخاص/ والعام أي بالمظهر -وفق تصنيف المنطق الثنائي الافلاطوني الفلسفي-. في مقابل ذلك يهتم الفيلسوف والحكيم بمعرفة مدى مطابقة الصواب/ والحق والخير مع جوهر الحقيقة المطلقة. وحتى عندما يلجأ الفيلسوف لاستعمال تقنية الجدل فذلك لأنها تسمح له بتفنيد ودحض الآراء الخاطئة لخصمه، وليس بالوصول إلى إدراك الحقائق المجردة الذي لا يتحقق إلا بفضل الحدس. من هنا، يجب أن تقتصر وظيفة البلاغة على تحويل تلك الحقائق المجردة إلى أعراف لغوية/ ومسلمات تداولية متفق على صلاحيتها الأبدية. وبهذا المعنى، ستبقى البلاغة تابعة وخاضعة للفلسفة على الدوام، حسب رأي أفلاطون.

على خلاف ذلك، تقع مفاهيم الفيلسوف أرسطو حول البلاغة والفلسفة على جانب كبير من الدقة والتحديد. ويتضح ذلك من خلال الفصل الذي عقده بين العلوم النظرية والحقول التطبيقية، وتأكيده على قضية مهمة للغاية وهي تتلخص في عدم صلاحية استعمال نفس المناهج ووسائل الحجة والبرهان –المختلفة والمتعددة أيضا– في شتى المجالات. وهذا ما أشار إليه في إحدى فقرات كتابه (علم الأخلاق إلى نيقوماخوس)(3) حيث رأى أن ما يَجدُر استعماله في قضية برهانية رياضية لا يَصلُح في خطاب آخر مختلف تماما والعكس صحيح، وإلا سيكون ذلك مدعاة للضحك والسخرية.

وإذا كان الحدس هو الضامن الأساسي الكفيل بإثبات صدق المبادئ العلمية، فأن تبادل الآراء والأفكار والنقاش هي الوسائل التي تمنح بعداً عقلانياً لمجمل الأنشطة/ الفعاليات العملية في الحياة اليومية حيث تمثل مجالا واسعا للتأمل والتفكير في سبيل اتخاذ القرار المناسب لتحديد الاختيار بين ماهو ممكن possible وبين ماهو محتمل الحدوث contingence. وبالطبع، لولا البلاغة ولا سيما القضايا الجدلية لما تمكنا من اكتساب القدرة على التأثير في حكم صادر في قضية معينة وتغييره نحو مسار معقول أفضل بكثير. وذلك لأن أي مخاطَب -حسب رأي أرسطو- يمثل قاضٍ من القضاة في حد ذاته، وهذا ما يتطلب منه أن يتخذ القرار المناسب حول مدى تفوق حجة قضية معينة على بقية حجج القضايا الأخرى المطروحة للجدال (4) والتي من غير الممكن أن تكون في نفس المستوى من الجدارة والفاعلية قصوى. وذلك يعود إلى أن مجال الفعل الإنساني إنما يتحرك ويتفاعل داخل صيرورة ماهو عرضي/ومحتمل الوقوع وليس مع جوهر الحقائق العلمية المجردة. وهذا ما يجعل من وظيفة القضايا الجدلية وخطاب الحجاج البلاغي امراً ضرورياً للغاية يهدف إلى إضفاء طابعا عقلانيا على ممارسات الإرادة الفردية والجماعية.

وفيما سعى عالم المنطق والبلاغة الفيلسوف الفرنسي بيير دي لا راميه (1515-1572) إلى أن ينسب لمفهوم الجدل دراسة جميع أنواع القضايا التحليلية analytiques منها والجدلية، مختزلاً في الوقت نفسه دور البلاغة ضمن حدود دراسة أشكال اللغة المنمَّقة في سبيل الحفاظ على فن فصاحة اللسان l’élocution فحسب، وذلك من خلال بحثها عن أشكال تعبيرية وأسلوبية مزوَّقة ومزخرِفة لواقع الحياة العادية والمألوفة. ذهب الفيلسوف ديكارت (1696-1650) برغبته في إزالة أي اثر للبلاغة من فلسفته إلى ما هو ابعد من ذلك بكثير(5). حيث كانت القاعدة الأساسية في بناء نظام فلسفي يَغلُب عليه الطابع الهندسي الرياضي –والذي عمل على انجازه الفيلسوف سبينوزا– تقوم على تشييد سلسلة لامتناهية ومنغلقة على مجموعة من الأفكار والافتراضات البديهية المسبقة ينتقل فيها العقل الإنساني من الواحدة إلى الأخرى وهكذا دواليك لغرض عدم فسح المجال لدخول أي رأي مثير للجدال.

وقد عبر عن ذلك في بداية كتابه (تأملات ميتافيزيقية في الفلسفة الأولى): »بمقدار ما أوصلني العقل إلى قناعة مفادها انه لا ينبغي عليّ أن امنع نفسي كثيرا عن التسليم بصواب قضايا قد لا تحمل قدرا كافيا من اليقين بل وقابلة للشك أيضا، وعن تلك التي تبدو لنا كاذبة وبوضوح تام. بمقدار ما أصبح أدنى سبب يدعوني للشك في أي مفهوم ضمن سلسلة من قضايا عديدة، كافٍ بالنسبة لي ليجعلني أنكرها جميعاً من الأساس«(6). كان لطموح ديكارت في ابتكار فلسفة تتألف من مجموعة قضايا بديهية مُبرهن على صوابها ومُسلم بصلاحيتها بطريقة قسرية، الأثر الكبير في استبعاد وإزالة أي شكل من أشكال الحجاج عن الفلسفة، وفي تهميش دور البلاغة واختزالها إلى مجرد أداة تستعملها الفلسفة لا أكثر ولا اقل من ذلك. وهنا، علينا أن نتساءل: ما هو نوع الافتراضات المسبقة لمثل تلك الفلسفة التي دعا إلى تأسيسها ديكارت ؟

الافتراض البديهي الأول: أن العقل الإلهي هو المصدر الوحيد الذي يضمُن صواب جميع المعارف »ودون معرفة هاتين الحقيقتين [أن هناك ثمة وجود الهي؛ وانه لا يمكن أن يكون وجودا مضلِلاً]، لا يمكنني أن أكون على يقين من أي شيء أبداً«(7). في الواقع، أن المنهج الديكارتي يتأسس على محاولة اكتشاف »الطريق الذي يقودنا بدوره من مرحلة التأمل في الوجود الآلهي الحق (الذي يحتوي على كنوز العلم والحكمة جميعا) إلى معرفة الأشياء الأخرى في الكون برمته«(8). والافتراض الثاني: أن الحقائق العلمية في غاية الكمال، وليس علينا سوى ألعثور عليها. وهذا ما يدعونا إلى القول بوجوب عدم الوثوق في أي فرضية إنسانية لأنها لا تسوقنا إلا نحو الخطأ لكونها تصدر عن الخيال والأحكام غير الموضوعية المسبقة. وهذا ما أدى بالضرورة إلى إهمال أي دور إنساني خلّاق و مُبتكِر في الحقل العلمي وبصورة تامة.

والافتراض الآخر يشير إلى أن ما تتسم به الأفكار الإلهية من خاصية عقلانية كلياً، يجعلها تتميز بطبيعة رياضية برهانية تتصف لوحدها فحسب بخصائص البداهة والوضوح بذاته التي تُقسِر كل كائن عاقل وبصورة لاشعورية على الخضوع لها والتسليم بصوابها وصلاحيتها الأبدية. ويبدو أن خيال ديكارت الفلسفي كان سبباً في تعميمه للنتائج التي توصل إليها بواسطة تحليل القضايا الرياضية، وجعله يطالب -خلافاً لرأي أرسطو- بضرورة تطبيق نفس الاشتراطات في الدقة والصرامة والتي حققت نجاحاً باهراً في العلوم الرياضية، على كافة الحقول المعرفية الأخرى. بل وكان السبب أيضا في أن يقوده إلى الشك المنهجي فيما يخص جميع: »الآراء التي كان قد تمّ تلقينها لي إلى حدّ الاعتقاد بها. فلم يكن في مقدرتي سوى الشروع بإزالتها في اللحظة المناسبة لغرض استعادتها جميعا أو جزء منها، سواء كانت الأفكار نفسها أو أخرى غيرها أفضل بكثير، وذلك من اجل أن تتلاءم مع مستوى العقل ومبادئه في التمييز والوضوح بذاته«(9).

لاحظ أنه وقبل ذلك بعدة سنوات، كان الفيلسوف والمنظر في العلوم التجريبية فرانسيس بيكون (1561-1626) في الوقت الذي يحث فيه العلماء على تعزيز روح التواضع المسيحي من خلال دعوته لهم إلى قراءة المؤَلف الضخم لعالم الفلك غاليلو في الطبيعة حيث يتجلى الرب لعباده من البشر. أكدّ على ضرورة استعمال المنهج الاستقرائي لتجنب الوقوع في صياغة فرضية لا يمكن العثور عليها في كتاب الطبيعة. وكأن تدوين صيغ التجارب العلمية يتسم بنفس درجة الوضوح والجلاء المتضمنة في اللغة السماوية المقدسة. وبعد أن اشرنا إلى الخلفية اللاهوتية لمفهوم العلم عند بيكون وديكارت أيضا، والى المظهر المفارق paradoxal للخيال الديكارتي الذي يَصعُب الإقرار معه بفكرة خضوع جميع آرائنا إلى نفس معيار البداهة والوضوح بذاته الذي تخضع له الفرضيات الرياضية. لم يكن أمام ديكارت إلا خيار الوثوق بتلك الآراء المنحدرة عما اصطلح عليه في زهو كبير بعلم الأخلاق الآنية morale provisoire، والذي عرضه لنا في الجزء الثالث من مؤلفه "خطاب المنهج".

لكن، ليس من المعقول أن يتمّ إعادة بناء علم عقلاني متكامل من خلال الانتقال المباشر من رأسمال محدد من المعايير الأخلاقية إلى بضعة حِكَم وقواعد ثابتة تبدأ من »وجوب طاعة قوانين وأعراف بلدي، وان أحفظ على الدوام ديني الذي انعم الرب بها عليّ، لأنهل من تعاليمه منذ طفولتي، وان أتحكم بنفسي جيداً في كل أمر يستلزم مني إتباع الآراء الأكثر اعتدالا وابتعاداً عن التطرف، تلك الآراء التي تلقيناها في مرحلة التنشئة الأولى عموما من الجيل السابق والأكثر حكمة، وتحولت إلى ممارسات اجتماعية يومية«(10).

ونحن نعلم جيداً، أن ديكارت ظلّ -رغم سعيه طوال حياته إلى إقناع نفسه والرضا بجدوى تلك الأخلاق الآنية- مهموماً في البحث عن طريقة تمكنه من تعميم مفهوم البداهة والوضوح بذاته، وذلك ليس من اجل أن يحلّ علم الأخلاق العقلاني الكلي الساري المفعول، محلّ معايير الأخلاق التقليدية المعبرة عن الرأي العام لمحيطه الاجتماعي. وإنما قصد بذلك أن يحضّ الناس على احترام القواعد والآراء العامة السائدة والمسيطِرة؛ وعلى ضرورة التقيد التام بها؛ ورفض أي محاولة لتغييرها لأسباب قد تفتقر لأبسط ملامح البداهة والوضوح بذاته. فليس من الغريب إذن، أن تتلازم مع النزعة العقلانية الرياضية rationalisme mathématique الصارمة حالة من النبذ التام للرأي العام، وبالتالي لأي نقاش وتبادل للآراء بين الناس ولكل محاولة للاستعانة بتقنيات الجدل والبلاغة. وبالطبع، سيؤدي ذلك إلى الانسياق بالواقع المعاش نحو سيطرة نزعات الثبات immobilisme والامتثال الأرثوذكسي للتقليد conformisme سواء كان ذلك في القانون والأخلاق أو في السياسة والدين. وللأسف الشديد، ما زالت عملية تدريس العلوم تستلهم من ذلك النهج الديكارتي. فعلى سبيل المثال، ليس من المعتاد في الحقول العلمية التي تقع خارج منطق التحاور وتبادل الرأي، الإحالة إلى وجهات نظر علمية مختلفة. حيث يتلقى التلميذ الأطروحات العلمية حفظاً وتلقيناً بوصفها فرضيات مسلم بصوابها وصلاحيتها الأبدية، ولا تحتاج أبدا إلى الاستعانة بمناهج الفحص والاختبار بهدف الكشف عن مدى صحتها ودرجة فاعليتها.

هكذا، جرى الإقرار بأن المسلمات axiomes في العلوم الرياضية هي أدلة برهانية/ حقائق صائبة بقدر ما تتوفر عليه من خصائص التمييز والوضوح بذاته évident، وأخذت تُقدم بوصفها "عُرف لغوي" convention de langage يمنع ولادة أي إمكانية تؤدي إلى حدوث أي تغيير جوهري وأساسي في تصوراتنا ورؤيتنا قد يصاحب استعراض أي نظام من الأنظمة الشكلانية. فإن لم تكن تمثل تلك البديهيات الرياضية مجموعة من الأعراف، بل مجرد أدلة برهانية فحسب، فلماذا يتم تفضيل اختيار فرضية معينة على أخرى غيرها؟ هذا السؤال وغيره من الأسئلة المشابهة أيضا، غالبا ما اعتبره معظم العلماء من العناصر الغريبة وغير المألوفة على نظامهم العلمي.

غير انه في ظل سيطرة علماء الرياضيات وعرضهم لعلم المنطق في أنظمة شكلانية systèmes formalisés، ازدادت الانشغالات الفلسفية لعلماء المنطق أنفسهم وأخذت تنصب في السؤال فيما إذا كان من الضروري التسليم والإقرار بوجود أشكال منطقية عديدة ومختلفة؛ أو بوجود منطق طبيعي واحد وسابق على جميع تلك الأنظمة الشكلانية. وإذا كان هناك ثمة منطق طبيعي، فكيف يمكنهم رصده وتحديد نظامه؟ وهل ينحدر فعلا من بنية اللغة الطبيعية نفسها(11)؟ وهل يمكن الاعتراف بمثل هكذا شكل من المنطق وتبرير ذلك بالحاجات الملحة والمتزايدة لمواجهة هذه القضية بصورة أكثر منهجية وضمن إطار من النقاش والحوار المتبادل بين المشتغلين في المنطق والفلسفة والعلوم الإنسانية الأخرى(12)؟ ومنذ ذلك الحين اتجه علماء المنطق إلى البحث في مشكلة الاختيار بين أكثر أشكال المنطق ملائمة في إيجاد حلول لقضايا الإنسان والواقع اليومي ومناقشة مفهوم تبرير justification ذلك المنطق، وتحولت العلوم التجريدية عن مسارها التقليدي وبدأت في الاشتغال على مساءلة أصولها وأسسها الفلسفية والإنسانية حسب المناهج العلمية الجديدة والملائمة بشكل أفضل.

وقل الشيء نفسه، فيما يخص العلوم الطبيعية التي لطالما كانت تتجنب ولعدة قرون الإشارة من قريب أو من بعيد إلى اللغة الإنسانية langage humain ضمن سياقها التاريخي والثقافي الخاص، بالاقتصار على الإحالة إلى مفهوم الإله وتعاليمه الدينية التي يُوحي بها للبشرية جمعاء. وإلى أن مبدأ الاعتقاد بوجود حقائق أبدية متضمنة في الروح المقدس الضامن الوحيد لمصداقيتها وصلاحيتها الأبدية، هو السبب الجوهري الذي يمنح تبريرا في استبعاد وإزالة كل عنصر شخصي غير تجريدي personnel من الفكر العلمي. لان الخطأ يُعزى إلى تدخل العامل الإنساني على الدوام.

فليس من الغرابة إذن، أن يتحول الفكر برمته -إن حصل وجرى التحرر من فكرة الضمان الإلهي لصحة مجمل البديهيات- إلى فكر إنساني غير معصوم من الخطأ وقابل للشك والجدال. وهذه الفكرة هي من أهمّ المفاهيم الحديثة التي دافع عنها الفيلسوف كارل بوبر وببراعة شديدة(13) حيث أصبحت كل نظرية علمية غير بديهية وغير معصومة عن الخطأ، أي مجرد فرضية إنسانية، ويجب علينا أن نتجاوز بالضرورة المعطيات الجاهزة في التجارب العلمية من اجل تحويلها إلى نظرية مثمرة وذات فاعلية وجدوى. وفي حال غياب البديهيات/ الحقائق المطلقة والمفروض على الجميع التسليم بصوابها وصلاحيتها الأبدية، يصبح من الضروري إذن أن تكون الفرضية العلمية مدعومة بعدد من الحجج المعقولة raisonnables والاقناعية المؤثرة في أعضاء المجمع العلمي بهدف الاعتراف بتلك الفرضية والإقرار بصوابها/ وفاعليتها. وهكذا، سيتوقف شرط المعرفة العلمية عن أن يكون تجريدياً، لأنها أصبحت فكراً إنسانياً معرضاً للخطأ والصواب، متموضعاً في الجدال وخاضعاً لتقنياته الحجاجية. وهذا ما يجعل من الضروري للغاية أن تستند كل فكرة جديدة على مجموعة من الحجج المستخلصة من المنهجية الخاصة بكل علم يقوم بمهمة تقييمها على أساس من ذلك.

وإذا كان المثال الديكارتي l’idéal cartésien في المعرفة البديهية والواضحة بذاتها والقابلة للتطبيق بشكل كلي universellement، لم يترك -كما رأينا سابقا- مجالاً لكل من البلاغة والجدل. فأن أهمية هذا الأخير آخذة بالازدياد في كل مرة يتحرر فيها حقل من الحقول المعرفية من مبدأ البداهة الديكارتي. ومن خلال نقد فكرة البداهة نفسها(14)، سوف نكتشف إمكانية دحضها وتفنيدها ببساطة حالما نتجاوز مبدأ الحدس الذاتي، ونسعى لاختبار قدرتها في التحول إلى فكرة متداولة عبر التواصل بواسطة اللغة الحجاجية اليومية التي تقع خارج المنطق البرهاني القسري. وسنصل بعد ذلك إلى أن اختيار طريقة التعبير اللغوي التي إن لم تكن تعسفية arbitraire –ونادرا ما تكون غير ذلك– فعلينا الاعتراف بأنه اختيار ناتج في أكثر الأحيان تحت تأثير أسباب ترتبط ارتباطا وثيقا بتقنيات الجدل والبلاغة. لان كل فعل عملي يدخل ضمن مجال القيّم والأحكام والمعايير الأخلاقية لابد وان يتراوح ما بين مبدأ الضرورة ومبدأ التعسف والاعتباطية في الحكم والاختيار، ولا يمكن أن يكون فعلا معقولا إلا بشرط أن يكون مدعوما بمجموعة من الحجج التي ربما تأخذ أبعادا جديدة من حيث الفهم والإدراك لمعانيها ودلالاتها بواسطة الجدال والحوار وتبادل الرأي والذي عادة لا يؤدي بالضرورة إلى الإجماع ألقسري كما هو الحال عليه في القضايا التحليلية البرهانية.

بالطبع، قد يحدث في بعض الأحيان أن يصل العلماء في حقب معينة إلى إجماع في الرأي حول فرضية محددة وذلك في حال وصولهم إلى اتفاق حول المنهجية المستعملة في بعض المجالات العلمية، دون أن يستلزم حصول نفس الشيء في اختصاصات أخرى غيرها. لكن هذا لا يغير من حقيقة مؤداها أن ليس هناك ضامنا أبديا يكفل صواب وصلاحية تلك الفرضية. فحتى الصيغة الرياضية لعالم الفيزياء نيوتن حول الجاذبية الكونية والتي جرت العادة على اعتبارها قانوناً ثابتاً لا يتزعزع، تمّ تقويضها على نحو شديد، حينما توفرت الأسباب الكافية التي تؤدي إلى تغييرها وتطويرها في آن واحد.

وهذا ما يدعونا إلى القول -وعلى العكس من ديكارت الذي كان يريد تشييد معرفة على أسس تقوم على مجموعة من الأدلة البرهانية البديهية الراسخة وغير القابلة للتقويض- أنه من الضروري التأكيد دوما على أهمية حضور عنصر استثنائي وخارج عن المتوقع من إجماع العلماء لا سيما عندما تكون هناك أسباب محددة وخاصة بذلك العلم تستلزم الانفكاك من ذلك الإجماع. ففي جميع الحقول المعرفية سواء في الدين والفلسفة؛ أو في علم الأخلاق والقانون، يشكل مبدأ التعددية pluralisme فيها القاعدة الأساسية. لان جميع تلك العلوم لا يمكن أن تتسم بالخاصية العقلانية إلا من خلال التقنيات الحجاجية التي تتضمن على الأسباب الملائمة سواء تلك التي تقع لصالح أو ضد القضية المطروحة للنقاش.

ومع الفيلسوف هيغل، أصبح من الصعب للغاية إنكار أن كل فلسفة هي متعيِّنة ومثيرة للجدال على حد سواء. وهذه الفرضية هي ما يجب تطبيقها على النظام الفلسفي الهيغلي نفسه، حينما نفصله عن خلفيته اللاهوتية. وهذا ما يستلزم منا إعادة مساءلة الأنظمة الابستمولوجية والميتافيزيقية الكلاسيكية. فبدلا من البحث عن الحقيقة الأولى والضرورية والبديهية/والواضحة بذاتها والتي تتوقف عند حدودها جميع معارفنا وخبراتنا. ينبغي علينا العمل على تطوير فلسفاتنا وبما يتلاءم مع رؤية يتفاعل فيها الأفراد والمجتمعات الإنسانية التي هي وحدها المسؤولة عن تشكيل ثقافتها ومؤسساتها وبناء حاضرها، بل والسعي الجاد نحو تأسيس نظام معقول ومتوافق، ليس كاملا بالطبع لكنه قابل للإصلاح والتطوير.

وهذا بالضبط ما يشير إلى أن المجال العملي الذي يشتمل على نظام القيّم هو النطاق الأكثر فاعلية لعلوم الحجاج والجدل والبلاغة. ومن المعروف أن أفلاطون عندما جاء على مفهوم الشفقة في إحدى محاوراته، اكدّ بوضوح تام أن المجال المتفرد لعلم الجدل هو ذلك الذي يخرج عن منطق الحساب والوزن والقياس، ويدخل في نطاق معالجتنا لقيم الخير والشر؛ العدل والظلم؛ الجمال والقبح(15)، أي بكل ما يتعلق بالبحث عن أكثر الأحكام والقيم الأخلاقية تفضيلا وملائمة بصفة عامة. نتيجة لذلك، أصبح منهج الفلسفة -وفق المفهوم الحديث- هو الحجاج l’argumentation بكافة أشكاله وهو ما تتميز به عن العلوم الأخرى. لأنها في واقع الأمر لا يمكن أن تقتصر على ماهو مُدرَك حيث يجب عليها الفصل فيه بين: الأساسي من الثانوي؛ الجوهري من العرضي؛ المؤَسَس من المعطى. إلا مع وجود رؤية تؤكد على عدم ضرورة أن يكون الاتساق والتفوق في قضية معينة شرطا لفرضها على الجميع والتسليم بصلاحيتها الأبدية. وهنا، تبدو أهمية دعم هذه الرؤية استناداً إلى مجال التقنيات الحجاجية، بدء من المماثلة analogie حتى الاستعارة métaphore حيث يمكننا توضيح مدى ملائمة وجدارة قضية معينة أكثر بكثير من واحدة أخرى منافسة لها.

ولهذا السبب لا يمكن تحديد الأشكال المنطقية للاستدلال عند الفيلسوف في حدود مناهج الاستنباط déduction والاستقراء l’induction. وذلك لأنه يتجه بخطابه الفلسفي نحو العقل الإنساني ويسعى لاقناعه بواسطة استعمال ثقافة الحس المشترك التي تتضمن على مستودع هائل من الحجج المقبولة والمتفق عليها من قبل الجميع. وهذا ما يتطلب منه العمل على توسيع دائرة معارفه ومفهومه حول الجدال وكيفية تشكيل الاستجابة عند المتلقي لا سيما فيما يتعلق بمستوى الفهم الإنساني وإنتاج الحكم بخصوص القضايا المطروحة من خلال توضيح الخاصية العقلانية التي تتميز بها التقنيات الحجاجية البلاغية بوصفها نظرية في الخطاب الاقناعي discours persuasif.

ولا يمكن أن يتحقق هذا المسعى المعرفي الضروري في عصرنا، دون العودة إلى تاريخ أدبيات التشريع القانوني القديمة والتي استطاعت تشكيل خبرة لا بأس بها في فلسفات القانون والحجاج والبلاغة لا سيما أثناء الحقب السياسية التي كان فيها القانون تحت سلطة الكنيسة؛ والمؤسسات المدنية تحت سلطة قانون طبيعي يسير بإلهام سماوي مقدس سواء ما كان متمثلاً في العناية الإلهية عند الرواقيين Stoïciens؛ أو الرب الخالق لكل شيء عند الأديان المنزَّلة؛ أو الإله العقلاني عند الفلاسفة. حتى وصلنا إلى المرحلة التي تمكنا فيها من انجاز نظرية في قانون يتسم بدرجة من المعقولية التي تساهم في العثور على شروط التوافق consensus بين الجماعات البشرية ليساعدها على الانتظام وفق تشريعات قانونية محددة ومتغيرة وليست حتمية(16).

ليس من قبيل المصادفة إذن، أن تكون مصنفات البلاغة لدى القدماء هي أعمال معدة خصيصاً لخدمة رجال القانون. وهنا علينا إعادة النظر في مسألة الاختلاف الشاسع بين فلسفة القانون وفلسفة البلاغة. فعلى الرغم من أن الغاية المرجوة من القانون تتمثل في ضرورة العثور على تسوية ملائمة بين أطراف الخلاف وفضّ الجدال الذي لا يمكنه الاستمرار إلى ما لانهاية، من خلال التوصل إلى قرار أو حكم قانوني بخصوص القضية موضوع النزاع. غير أن الأهمية تكمن بالمقام الأول فيما سيتضمن عليه هذا الحكم من إمكانيات حجاجية مقبلة تسمح لأعضاء الهيئة القضائية بإنجاز تحولات كبيرة على صعيد المحتوى القانوني للفقرة الخاصة بتلك القضية من جهة؛ وبالأطر التشريعية التي تشمل مجمل الفقرات القانونية المرتبطة معها ارتباطا وثيقا من جهة أخرى(17).

بعبارة أخرى، أن الحجاج الفلسفي l’argumentation philosophique والحجاج القانوني l’argumentation juridique يجتمعان في خاصية إنتاج تطبيقات عملية في مجال الواقع الإنساني تتعلق في مجملها بالنظرية العامة للحجاج والتي تمثل نظرية البلاغة الجديدة. وحينما نماثل بين هذه الأخيرة وبين النظرية العامة في الخطاب الإقناعي التي تسعى إلى أن تحقق تأييد الجمهور المخاطَب اياً كان نوعه، والتأثير فيه على الجانبين الذهني والعاطفي في آن واحد، فإنما نريد التأكيد على أن كل خطاب ينفي مبدأ الصلاحية التجريدية validité impersonnelle، هو خطاب يتصل اتصالا وثيقا بالبلاغة. وأنه في كل مرة تتجه فيها عملية التواصل نحو التأثير في مخاطَب واحد أو جمهور من المخاطَبين بهدف إعادة تشكيل أفكارهم وإذكاء عواطفهم أو إخمادها ولتوجيه أفعالهم أيضا، فهي عملية تدخل ضمن نطاق علم البلاغة الذي يتضمن بصفة متميزة على الجدل والتقنيات الحجاجية المستعملة في الحوار والنقاش.

ومن هذا المنطلق، أصبحت البلاغة تشتمل على مجالات واسعة لطالما كانت خارج منطق اهتمام واشتغال أنظمة الفكر غير الشكلاني non-formalisée. وصار في الإمكان الحديث عن إمبراطورية بلاغية l’empire rhétorique(18) في الفلسفة والقانون ومختلف العلوم الأخرى، بنفس تلك الروح التي جاء على وصفها فيها بروفسور البلاغة في جامعة توبنغن، العالم الفيلولوجي الألماني والتر يينس W. Jens (1923-2013) بـكونها: » الملكة القديمة والجديدة للعلوم الإنسانية جميعا«(19).

وفي الوقت الذي أثارت البلاغة بوصفها نظرية في التواصل الإقناعي communication persuasive اهتماماً متنامياً بين العلماء والفلاسفة. نجد أنها تعرضت لحالة من الإهمال الكبير، فلا يوجد من أقسام البلاغة في أوروبا إلا عدداً قليلاً، وحتى أقسام الكلام« speech-départements » الشائعة في الجامعات الأمريكية لم تحظَ بذلك الاهتمام والتقييم العلمي العالي من النخبة الأكاديمية. غير أنه يبدو أن الكثير من الأمور قد أخذت بالتبدل على مدى السنوات العشرين الماضية، ولم تعد المسألة تتصل بمجرد عملية تتعلق بإعادة الاعتبار للبلاغة (20) والتي وصفها المؤرخ السويسري المعروف ياكوب بوركهارت J. Burckhart (1818-1897) منذ أمَد قصير بـكونها: »ممارسة قصدية للانحراف« عن أسلوبيات الأدبيات الكلاسيكية الاغريقو-رومانية القديمة. وإنما تجاوزت ذلك المستوى إلى حد بعيد، وتكفي مطالعة بسيطة لمختارات ببليوغرافية تشمل العديد من الكتب والدراسات حول البلاغة والتي جرى نشرها وإعادة طباعتها لمرات عديدة منذ عام 1950، لتشهد على مدى اتساع ظاهرة البحث في علوم البلاغة والحجاج وازدياد أهميتها وعلو مكانتها في الثقافة المعاصرة.

 

باحثة ومترجمة من العراق- مختصة في الدراسات الفلسفية والحجاجية

 

الهوامش:

(*) عنوان احد الفصول المستلة من كتاب مؤسس البلاغة الجديدة الفيلسوف البلجيكي شاييم بيرلمان Chaïm Perelman (1912- 1984)، والموسوم:

L’empire Rhétorique, Rhétorique et Argumentation, Chap. L’empire Rhétorique, Librairie Philosophique J. Vrin, France, 1977, pp. 169-178.

  1. Platon, Phèdre, 273
  2. Platon, Gorgias, 518
  3.  Aristote, Éthique à Nicomaque, I, 1094 b, 23-25
  4.  Aristote, Rhétorique, II, 1391 b, 7-21
  5.  H. Gouhier, La résistance au vrai et le problème cartésien d’une philosophie sans rhétorique, in Retorica e Barocco, a cura di Castelli, Roma, 1955, pp. 85-97
  6.  Descartes, Œuvres et Lettres, Pléiade, p. 268
  7.  Descartes, Méditations troisième, ibid., p. 286
  8.  Descartes, Méditations quatrième, ibid., p. 301
  9.  Descartes, Discours de la Méthode, ibid., p. 134
  10. Ibid., p. 141
  11. Cf. G. Frey, Die Logik als Empirische Wissenschaft, in La Théorie de l’argumentation, Louvain, Nauwelaerts, 1963, pp. 240-262
  12. Cf. P. Lorenzen, Methodisches Denken, ibid., pp. 219-232. Du même auteur Einführung in die operative Logik, 1955, Formale Logik, 1967
  13. Karl R. Popper, La logique de la découverte scientifique, trad. de l’anglais par N. Thyssen, Rutten et Ph. Devaux, Paris, Payot, 1937
  14. Cf. Ch. Perelman, Évidence et preuve, in Justice et Raison, pp. 140-154 et De l’évidence en métaphysique, in Le champ de l’argumentation, pp. 236-248
  15. Platon, Euthyphron, 7
  16. Cf. Ch. Perelman, Logique juridique, Paris, Dalloz, 1976, §§ 37, 40, 48, 97
  17. Cf. mes cinq leçons sur la justice, in Droit, morale et philosophie, p. 56 et Ce que la philosophie peut apprendre par l’étude du droit, ibid., p. 147
  18. Cf. G. Genette, La rhétorique restreinte, in Communications 16 ; 1970, p. 158
  19. W. Jens, Von deutscher Rede, München, Pieper, 1969, p. 45
  20. Cf. V. Florescu, Retorica si reabilitarea ei in filozofia contemporana, Bucuresti, Ed. Academiei R. S. Roumania, 1969, trad. italienne: La retorica nel suo sviluppo storico, II Mulino, Bologne, 1971 et Ch. Perelman, The New Rhetoric, a theory of practical Reasoning, Great Ideas To-day, 1970, Encyclopaedia Britannica Press, Chicago, pp. 272-312