تقدم الكاتبة أمال عواد رضوان هنا تقريرا مفصلا حول الندوة الاحتفائية، والتي أقامها نادي حيفا الثقافي، بالكاتب سامي عيساوي، وسط حضور وازن للفيف من الأدباء والمهتمّين بالشأن الثقافيّ، وقد تناول المتدخلون بالدرس والتحليل منجز المحتفى به الإبداعي، محاولين القبض على أهم التيمات والموضوعات والأساليب التي اشتغل عليها الى جانب نظرة الكاتب للمجتمع العربيّ من ناحية دينيّة وسياسيّة.

حيفا تحتفي بالكاتب سامي عيساوي

آمال عوّاد رضوان

أقام نادي حيفا الثقافي أمسية احتفائية بالكاتب سامي عيساوي، برعاية المجلس المليّ الأرثوذكسيّ الوطنيّ حيفا، وذلك بتاريخ 23-2-2017 في قاعة كنيسة القدّيس يوحنّا المعمدان الأرثوذكسيّة في حيفا، ووسط حضور من أدباء ومهتمّين بالشأن الثقافيّ، وقد تعذّر حضور سامي عيساوي للأمسية بسبب منعه من عبور الحواجز إلى حيفا. تولت عرافة الأمسية عدلة شدّاد خشيبون، وتحدّث عن منجز المحتفى به كلّ من: د. منير توما تناول رواية اللّوز المُرّ ما بين الإيحاءات والإشارات الدالة على محور الرواية، وآمال أبو فارس تناولت كتاب "زوجي لعبة تفاعليّة" وموضوع الكتابة باللّهجة العاميّة ونظرة الكاتب للمجتمع العربيّ من ناحية دينيّة وسياسيّة، وسلمى جبران تناولت كتاب "عيّوش"، وتخللت المداخلات وصلة زجليّة مع الزجّال حسام برانسي، وفي نهاية اللقاء كانت قراءة لرسالة سامي عيساوي، والتي شكر من خلالها الحضور والقائمين على إحياء هذه الأمسية!

مداخلة عدلة شداد خشيبون: يطيب لي أن القاكم تتوافدون دون كلل أو ملل ومن كلّ حيّ وبلد إلى هذه القاعة الجميلة الدّافئة شتاء والمنعشة صيفًا، ويثلج صدري أن أراكم تملآؤون المكان بعبير الثّقافة والآدب. أحبّتي على رزنامتي لمع التّاريخ، وأشرقت شمس جديدة ليكون لنا لقاء بتنا ننتظره أسبوعيًّا، وبتنا نرفض تسجيل المواعيد في ذات السّاعة وذات اليوم، فالشّكر  لذاك الجندي المعلوم الاستاذ فؤاد نقّارة وزوجته فراشة النّادي سوزي، فلكما باقة شكر لا تذبل أبدًا ما دام القلب ينبض في هذا الجسد، وللجندي المجهول فضل الله مجدلاني الذي يرتب لنا هذه القاعة ويجمّلها بنقاء استقباله. شكرًا من أعمق الأعماق لكم أحبّتي، فلقاؤنا يتجدّد اللّيلة بكم وبنوركم الآسر.   

تعذّر عليه الوصول ليكون بيننا جسدًا، لكنّ حضوره الرّوحي والصّوتي موجود في رسالته، ورسالتنا ستعرف الطّريق إليه بين تنمية بشريّة وإنجازات أدبيّة، وسنطير شوقًا لنتذوق طعمات ثلاث لكتب زيّنت مكتباتنا بجميل حبرها. اللّيلة سيغدو اللّوز المرّ حلوًا، وعيّوش ستلبس لباسًا زاهيًا، أمّا “زوجي لعبة تفاعليّة” سيحلّق عاليًا بين مفردات اللّغة، فكاتبنا سامي عيساوي من مواليد مدينة نابلس 1968،تعلّم في مدارسها، متزوج ولديه اربعة ابناء، حاصل على درجة البكالويوس في الفنون التّطبيقية من جامعة نيودلهي، وعلى درجة الماجستير في الفنون البصرية من جامعة اليرموك، يعمل كمحاضر متفرغ في كلية الفنون الجميلة – جامعة النّجاح الوطنية، وشغل منصب رئيس قسم الفنون التّطبيقية 2014-2016،  صدر له خمسة أعمال هي: اللوز المر (رواية)، و 2008عيوش (رواية) 2013، وزوجي لعبة تفاعليّة (مجموعة قصصية) 2016، ولحياة أكثر إبداعًا (تنمية بشريّة) 2014، وتخرج بكفاءة (تنمية بشريّة 2016).

د. منير توما: أديب وناقد يكتب الشّعر باللغتين العربيّة والإنجليزيّة، له العديد من المقالات والدّراسات الأدبيّة التي تُنشر في الصّحف والمجلات، وقد حصل على عدّة جوائز في كتابة الشعر في اللغة الإنجليزيّة من الجمعيّة الدّولية للشعراء في الولايات المتحدة الأمريكيّة، كما حصل على جائزة الإبداع الشعريّ من وزارة الثقافة عام 2010. لا يصل كتابٌ إلى  يديه إلّا ويُعانقُ مفرداته ويطويها تحتَ معان أرادها الشّاعر ولم يصرّح بها، وهذا يؤكّد أنّ دور الشّاعر أو الكاتب ينتهى عندما يسلّم ديوانه للقارئ، فكيف إن كان قارؤنا د.منير توما وروايتنا اللّوز المرّ، ما بين الإيحاءات والاشارات الدالة على محور الرواية، فيا تُرى، هل يبقى طعم اللّوز مُرًّا بعد أن ينثر عليه. د.منير توما سكّر نقده، مُبلسِمًا بمفرداته المعهودة جرح المرارة؟

سلمى جبران: من البقيعة الحبيبة إلى حيفا وقصّة عشق للكلمة في رواية عيّوش، متزوّجة ولها ثلاثة أولاد، أنهت دراستها الابتدائيَّة في البقيعة والثانوية في قرية ترشيحا، والجامعيّة في جامعة حيفا على اللقب الأول (B.A ) في الأدب الإنجليزيّ، وعلى اللقب الثاني (M.A) في الاستشارة التربويَّة، وأكملت دراستها في التخصّص في العلاج الأسريّ والزوجيّ،  أثمرت أربعة دواوين شعريّة أسمتها لاجئة في وطن الحداد، ومؤخرًا صدر لها خارج مدار الذّات.

حسام برانسي: يكتب الشعر من عمر عشر سنوات، وبدأ بالظهور على المنابر وفي محافل الأدب فقط قبل ثلاث سنوات، شارك في عدّة مهرجانات وحفلات زجليّة في عدّة دول أوروبيّة، واستطاع تحقيق نجاحات كبيرة في دول أوروبيّة للجاليات العربيّة.

آمال أبو فارس: من مواليد دالية الكرمل، متزوجة في عسفيا، تعمل مدرّسة للّغة العربية، حصلت على اللقب الأوّل من كليّة دار المعلّمين العرب في حيفا، كما أنّها أنهت اللّقب الثّاني في موضوع "تعليم اللّغات اختصاص لغة عربيّة" في كلية "أورانيم"، ودوّنت تاريخ شخصيّات هامّة من القرية. وفي السّنين الأخيرة بدأت تكتب الشّعر. أصدرت مؤخرا كتابين للأطفال: قصة الحلزونة سناء، وكتاب شوكولاته، وكتابا بعنوان "عسفيا قصة وتاريخ". أقامت صفحة تواصل على الفيس بوك تحت عنوان: "المنتدى الثّقافي القطري" يكتب فيه شعراء من كلّ الأقطار العربيّة، وتُحرّر صفحة الثّقافة الأسبوعيّة التّابعة لجريدة الحديث، وتحدّثنا عن كتاب زوجي لعبة تفاعليّة حيث ستتناول موضوع الكتابة باللّهجة العاميّة ونظرة الكاتب للمجتمع العربيّ من ناحية دينيّة وسياسيّة.

مداخلة د. منير توما: "اللوز المرّ " كمفتاح من مفاتيح النصّ عنوان رواية سامي عيساوي: يُمثِّل العنوان في رواية سامي عيساوي " اللوز المرّ " عنصرًا هامًّا من عناصر تشكيل الدلالة في القصّة الروائيّة، حيث تتنوّعُ العناوين وفقًا لوظيفتها في القصّة، فعنوان الرواية يُحيلنا إلى مضمون القصّة، فهذا العنوان له طبيعة رمزيّة إيحائيّة استعاريّة، بحيث تُشكِّل رمزيّة "اللوز المُرّ" مَدخلًا أساسيًّا شاملًا، لإيضاح المعاني والمفاهيم وراء أحداث الرواية وشخصيّاتها وأسلوبها.

إنَّ الكاتب يستخدم "اللوز المرّ" في عنوان الرواية كرمز لمعاناة بطل القصّة الذي تمَّ له اجتياز هذه المعاناة بتطهير النفس من خلال عودتهِ للمخيّم، رغم ما مرَّ به من مراحل حياتيّة مُوجعة، ليعيش ذكريات تجربته العاطفية المؤلمة والمخيّبة للآمال في المخيّم، مع محبوبته زوجته الأولى التي تركت له ومعه ابنتها التي تشبهها والتي لم تكن من صلبه، وإنّما كانت ثمرة علاقة غير شرعيّة مع آخر غيره، قبل عقد قرانهِ بها ونسبتها اليهِ موافقًا أو مُرغمًا على ذلك، لغرامهِ وولعه بهذه الزوجة المحبوبة التي كان قد وقع في غرامها أثناء دراستهما الجامعيّة معًا. وحول اجتيازه لهذه المعاناة بعد فراقهما وهجران كلّ منهما للآخر، والعودة أخيرًا إلى المخيّم، مُستذكِرًا ما عبر عليه في تلك الأيّام، باعتبار ذلك تطهيرًا للنفس من مرارة ما مرَّ به ِ من انعدام وفقدان السعادة الزوجيّة.

 (loss of conjugal happiness) مع هذه الزوجة المتيّم بها بكلَّ جوارحه، والذي يوحيهِ ويرمز إليه العنوان "اللوز المرّ"، وهو يُعبَّر عن هذه المعاني والأفكار قائلًا في نهاية الرواية: "لن أعيد إنتاج التاريخ بنفس الخيبة القديمة، لأضفي عليها أسماء جديدة. سأمضي للمخيّم ولن أغادره بعد كُرهي له، كي أتوحّد مع وجعي وأصبّ على الأيام القادمة نارًا تحرقها. سأعيد تأثيث البيت والمخيّم الذي عاش فيه جدي من جديدي. أضيء شوارعه المعتمة. أجدّد أبوابه المهترئة، وأعيد تصفيح الجدران الداخليّة للقلوب التي أدماها طول انتظار، أُزوّج من لم يتزوَّج من أبنائهِ وبناتهِ. أملأ حجرات ساكنة بصور جديدة عن العودة والمقاومة والبقاء، وأعيد تصنيف الأولويّات القديمة لنسائهِ، فالنصرُ والهزيمة يأتيان من أرحامهنّ وحليب صدورهنّ، وهذه التي تُشبهك، ولها اسمك ولون عينيك وعدد شعرك وطول قامتك، وعجرفتك المسموح بها لامرأة تملك ما تملكين، هذه التي تقتلني في صباحاتها البرّيّة البريئة، وأرى غدها مرسومًا في صفحة وجهك، هي وجعي الأزليّ الباقي منك، أردّدُ على مسامعها قولَ شاعر تركيّا الكبير "ناظم حكمت": "أجملُ الأيّام تلك التي لم نعشها بعد.."، لأستنهض فيها المعاني الباقية كلها، أمّا أنا فأجمل أولادي لم أنجبهم منكِ أنتِ" (ص300). وهنا نرى أنَّ الراوي بطلَ القصّة يعتمل في صدرهِ الأمل بأيّام جميلة قادمة يُرَمِّم فيها الماضي، حيث أنَّ هذا المعنى يُذكِّرنا باللوز المُرّ رمزًا للأمل، لكنّه اللوز المُرّ أي الأمل المصحوب بالألم والذكرى المُتجهّمة.

ومن المهمّ أن نشير في هذا السياق أنَّ اللوز يرمز أيضًا إلى اليقظة (wakefulness)، وهي اليقظة المشوبة بأرق الأيّام الخوالي، وبالضيقات التي ما زالت تُراوده جاعلًا منها حافزًا محفوفًا بالذكريات، ليُشكّل اللوز المُرّ رمزًا للإيحاء والانبعاث لأملٍ متجدِّد، قد يأتي بالفرج المبتغى نحو الأحسن على الصعيدين الشخصيّ والعامّ،  لا سيّما وأنّ اللّوز المُرّ يُستخرج منه في المجال الطّبّيّ بعض الأدوية الشّافية من جهة، ونوع من المادة القاتلة السيانيد من الجهة الأخرى، فاجتمعت هنا في رمزيّة اللوز المُرّ الناحيتان الإيجابيّة والسلبيّة، بكون رجوعه للمخيّم يُعدّ وفقا للنصّ الروائيّ المقتبس السابق شفاء له، ممّا مرّ به من بؤس وضيق وإحباط، ليُعايش بهذه العودة أملًا بولادة جديدة (rebirth) يتمّ من خلالها التخلّص والشفاء من مرارة تجربته السابقة، لتُشكّل مرارة اللوز رمزًا لمرارة الدواء الشّافي، وممّا يسترعي الانتباه أنّ الكاتب قد أحسن وأجاد بإتيانه بعنوان "اللوز المُرّ"، جاعلًا من اللوز رمزًا لعدّة تيمات أيّ موضوعات مركزيّة في الرواية.

ومن حيث أنَّ اللوز عمومًا يعتبر رمزًا يُمثِّل الحلاوة والسحر الفاتن والأناقة  (sweetness, charm , delicacy)  فإنَّ نصّ الرواية (ص115) يقرن رمزيّة اللوز الممثّلة للجمال الأنثويّ بمرارة الموت والثبات والتحمُّل في حالات الأسى، وفي ذلك وردت السطور التالية: "القهوة المُعَدّة للمساء لها لون الكرز ورائحة التفاح المحترق، ولها عذاب عينيكِ المتّقد بالشهوة والنشوة والرغبة في الحكم والصيد والقتل، أمّا قهوة اليوم فلها طعم العزاء والجُبن المحترق على موائد الغربة، لها لون الشيب وقسوتهِ، وقد تسلّل إلى حلكة شعرها الغادر".
ومن الأوصاف التي يُطلقها الكاتب على لسان بطل القصّة الراوي، مُتحدّثًا عن الزوجة الأولى المحبوبة الأثيرة على نفسهِ وروحه قوله بأنّها "كانت تتقن فنّ العزف على كلّ الأوتار، وتتقن فن الرقص على الجراح وبين حبّات المطر، وتعزف كلّ اللغات، وتتقن رسم الكلمات وتعلم أوقات السعادة كلّها، وتُهمل أوقات الصلاة بلا تقريع أو عذاب ضمير، كانت تعلم متى تُعزَف الألحان الجنائزيّة، وتلك التي يتلوها الفرح ومتى يبدأ المطر وفي أيّ اتّجاه تهبّ الريح، ومن أين تُطلّ الشمس، عند قدميها يتفتّح الزهر، ولطلتها يبدأ هدر الرعد ونزول المطر". (ص117)، ففي هذه السطور أنَّ الكاتب باستعاراته الجميلة يريد أن يوحي ويؤكد أنَّ هذه المحبوبة هي كاللوز بحلاوتهِ ومرارته، باعتباره رمزًا للمنتج الخِصب الذاتيّ (self – productive) وكذلك رمزًا للإثمار (fruitfulness) من حيث التقلّب العاطفيّ الرومانسيّ بإيجابيّاته وسلبيّاته بكافّة أشكالهِ وصورهِ.

يتحدّث الراوي بطل القصّة عن صباح اليوم التالي لزواجهِ من هذه المحبوبة، مُستذكرًا الموقف المتّسم بوجوم الإيحاءات التي يطرحها (ص139): "في صباح اليوم التالي للفرح الأخرس بيننا، لم نتبادل تحيّة الصباح كعادة الأزواج في صباحاتهم الأولى، ولا حتى القُبَل. كان لها تاريخ قديم قرأته في سواد عينيها وظلمة قلبها، عندما تعرّت فجأة أمام نفسها، وتعرّى معها تاريخها. قرأت تفاصيل الزوايا كلها بعد أن غسلت وجهها، وأزالت اقنعتها وكحل عينيها. قرأت التاريخ كله، وقرأت أهمّ فصوله السوداء عندما لم أجد عذريّتها. كان لها تاريخ قديم ممتلئ عن آخرهِ بأنصاف الرجال".

إنَّ الكاتب قد أصاب الهدف جيّدًا في أخبار الراوي بطل القصّة لنا، عن أنّه قد وجد عروسه فاقدة لعذريّتها في ليلة الزواج، مُتّخذًا بكلّ مهارة وبراعة ترميزًا موفّقًا في كون اللوز يرمز إلى العذريّة والبكارة (virginity)، فمرارة هذا اللوز هي رمز لإحباطهِ وخيبة أمله في طهارة ونقاء زوجته محبوبته، التي يدلّ تصرفها وسلوكها قبل الزواج وعدم الاحتفاظ بعذريّتها على طيشها واستهتارها (giddiness) وغبائها، حيث أنَّ كلّ هذه المعاني هي ما يرمز اليها اللوز، وبالتحديد اللوز المرّ الذي يشير رمزيّا إلى اللاتفكير العقلاني (thoughtlessness)، والمذكور آنفًا هو أحد المؤشرات على ذلك. ومن اللافت في الرواية أنَّ الكاتب قد أوغل إيغالاً كبيرًا، وأسرفَ في الإتيان باستعارات وكنايات جنسيّة وظّفها في أوصافه اللغويّة، كإكثارهِ من ذِكر كلمة الحيض والعادة الشهريّة، وكلمات آخرى تتعلق بالحياة الجنسيّة للمرأة، وهذا يستحضر لدينا كون اللوز رمزًا لفرج المرأة (vulva)، بكلّ إيحاءات وتداعيات ما سبق وأشرنا اليه بشأن الزوجة المحبوبة المثيرة للراوي بطل القصّة، والتي عكّرت صفو حياته كما يصفها (ص138): "في الواقع كنتِ أنتِ الحاجز الماثل أمامي. كنتِ أنتِ مانع الحمل الأبديّ الذي أصابني بالعقم".
ومن الطريف أنَّ ذِكر العقم هنا مرتبط عند الرجل بالسائل المنويّ (semen)، الذي هو أحد الأشياء التي كان يرمز اليها اللوز في قديم الزمان، فالعقم المذكور في هذا السياق قد يكون بسبب خلل معيّن في السائل المنويّ للرجل الذي من الممكن أن يكون اللوز المرّ رمزًا له، وممّا يجدر ذكره في هذا المقام أنّ اللوز يرمز الى النبوءة (prophecy)، وهذا الرمز قد تمثّل في باب من أبواب الرواية الذي يحمل اسم "جدّتي سيرة ذاتيّة"، حيث ورد في نهاية هذا الباب إشارات كنائيّة عن حالةٍ مستقبليّة، قد تحمل تفاؤلاً معيّنًا للخروج من مرارة اللوز بوصفهِ رمزًا للمعاناة والضيق والتشرّد، الى غدٍ مشرقٍ عزيز يُبشّر بجعل الحلم حقيقة، وبتحقيق الآمال المنشودة في حياةٍ كريمة هانئة بالاستقلال والسيادة والكرامة. وقد جاء في هذا الباب أنّ (جدّته) قد "بقيت وحدها تدير المملكة بحنكة الرجال، حتى يعود الرشد الى ملوكها وحكّامها ووزرائها وقادة ألويتها، ويصحو من غفوتهم الأزليّة . وقتها ستتنازل جدّتي صاحبة العينيْن المعدنيّتين عن الإمارة لأصحاب السيادة، فهي أكثر الناس زهدًا في الإمارة، وأكثرهم إخلاصًا وحُبًّا للوطن، أمّا جدّتي التي تعيش معنا، فلها منّا النزر اليسير من الصفات، تجاهد للبقاء، وتمتصّ البقايا القليلة الباقية من أيّامها في الدنيا، كي تزرع بيتًا للزعتر، أو تقطف حبّة ليمون من حاكورة البيت القديمة". (ص179).
وأخيرًا، فإنّه يمكن القول أنّ رواية الأخ سامي عيساوي "اللوز المُرّ" هي عبارة عن فسيفساء إنسانيّة، تشكّلت من نسيج توليفة المرأة والرجل، وإطاره المخيّم بكلّ مكوّناته وأجوائه وخلفيّاته، ومحورُهُ الحبّ الضائع الموجع بحُزنهِ وزيفه وشقائه وإحباطاته، والذي يحفِّز وينبئ بإيحاءاته بحُلمٍ مفعم بالإشراقات المتوخّاة، كي يكون الوطن المنشود كاللوز الحلو الخالي من مرارة عالم المخيّم على سبيل التوصيف الرمزيّ، بحيث يكون لوز الوطن حلوًا خاليًا من مرارة عالم المخيّم، بحيث يبدو غريبًا أن نقترح ما جال في مخيّلتنا، من أن يكون عنوان هذه الرّواية "امرأة بطعم اللوز المُرّ"
(woman of bitter almond taste a)
، دون أن يكون هناك أيّ تحفّظ وملاحظة على الاختيار الموفق الهادف للمؤلف في وضع عنوان الرواية، ولكنّ مشروع اقتراحنا آنفًا كان من منطلق أنّ المرأة  في هذه الرواية كانت المعادل الموضوعيّ (objective correlative) الذي استندت اليه الأحداث، حيث تمَّ من خلال المرأة قراءة واستكناه الإيحاءات والإشارات، والتضمينات  (connotations) وراء الكلمات والسطور التي رسمت لوحات ذهنيّة، تشمل مشاهد إنسانيّة أصليّة مأخوذة من الحياة بواقعها المتباين بألوانهِ وناسه، كلّ ذلك بلغة سرديّة قصصيّة شعريّة كما لو كانت قصيدة نثريّة. هكذا كان المخيم عالمًا صغيرًا (microcosm) لعالمٍ كبيرٍ (macrocosm)، هو الحياة بتنوّعاتها الإنسانيّة والعاطفيّة والتأمّليّة التي تضمّ المخيّم كجزء منها يعكس قضيّة الإنسان، الذي تعايش فيها الحنين والعشق وتحدّي الصّعاب  والمشاق، وما الى ذلك من معان ٍ كونية شاملة لمشاعر الحزن والفرح والعذاب .
نهنئ الأخ سامي عيساوي ونشدّ على يديه تقديرًا له على هذا الإبداع الروائيّ المتميّز، الذي يستحقّ كلّ ثناء وإطراء مع ملاحظاتنا الأخويّة البنّاءة، ولو أنّ المؤلف قد أولى اهتمامًا أكثر للمراجعة والتدقيق اللغويّ للرواية إملائيّا ونَحويّا، نظرًا لوقوع الكثير من الأخطاء اللغويّة والإملائيّة، التي كان بالإمكان تداركها لو تمّت المراجعة بالدِّقة المرجوّة، آملين أن يتمّ تصحيحها في طبعات قادمة، نظرًا للأهمّيّة في اكتمال تغطية الجوانب التحريريّة للرواية (editing aspects).
مداخلة سلمى جبران: رواية عيّوش – سامي عيساوي: "عيّوش" رواية يتعثّرُ فيها الموت بين الحبّ والحياة، وترفع فلسفةَ الطفولة إلى مرتبةٍ إنسانيّة لا يمكن أن يصلَها الظّالم، بل يقف القاتلُ أمامَها عاجزًا فاقِدًا لإنسانيّتِهِ، مُحوِّلًا الحياةَ إلى موت، وعبثيّةَ الموت إلى حياة وإلى صرخة إنسانيّة تنضحُ بالمعاناةِ المُطْلقة من الموت، فتتقدّسُ الحياة رغمَ الموت. قرأت الفصلَ الأوّل لأنَّ الرّوائي سمَحَ بتجاوُز قراءته، وبعدَ أن أنهيْتُ الرّواية فهمتُ ملاحظتَهُ، وأحسَسْتُ أنّ هذا الفصلَ دخيلٌ على الرّواية ويحِدُّ من دراميَّتِها، وهذا ما شعرْتُ به حينَ قرأتُ الوقفات! تذكِّرُني هذه الرّواية برواية "اسمي آدم" للروائيّ الياس خوري، الذي نجح في إقناع القارئ أنّها مجرّد نشْر لدفاتر آدم دنّون، وكأنّها ليست من تأليفِهِ! اقتباس: " يحدُّ غزّة من الشّرق الحرب، ومن الغرب بحرٌ ظالم، ومن الشمال الجنون، ومن الجنوب هرم خوفو الأكبر، والسؤال: ماذا يحدُّ المُعتدي من الأعلى؟" الجواب: غزّة، لأن الحياة قيمةٌ عليا، وقصّة طائر الفينيق، التي ورَدَتْ مرَّتَيْن، توحي بهذه الإجابة.
عيّوش طفلة أُنجِبَتْ بالمعاناة وعاشتْ في المعاناة فصَهَرَتْها وجَعَلَتْ أبسطَ كلماتِها أكثرَها عُمقًا وفلسفةً: قالت: "كنتُ أتأرجَحُ بينَ ما أُريد وما يُريدُ منْ همْ حَوْلي" (ص32). "الكبار يقتلونَ جرأةَ السؤال عندَ الصِّغار" (ص36). "كانت أوّلُ لحظة صَحْو تشكِّلُ صدمةَ الحياة بعْدَ تَوَقُّعِ الموت"! (ص40). أمّا "طيورُ الحديد" وما تبِعَها من صُوَرٍ لوصْفِ الحرب، فكانت سُخْرِيَةً مريرة تفوقُ أيَّ شعار أو منشور أو خطاب، حيثُ أبرَزَت التناقُضَ الصّارخ الإيروني بيْنَ مَنْ يعيشُ الحرب وبينَ مَنْ يَحكي عنْها في الخارج: شَجْب-استنكار-تغطية- سبْق صَحَفي وشِعارات أخرى!!! لذلك، فإنَّ إقحامَ الأب في المذكّرات وتحليلاته السياسيّة حَدَّتْ من دراميَّةِ المشاعر التي تصاعدت مع أحلام عيّوش ومجازاتِ خيالِها الفتيّ

قصّة "سباق الضّفادع" تنطبِقُ على كلّ مَرافِقِ الحياة وبضِمْنِها "الغزّاوي/الأب" الذي يدوِّنُ ويراسِل ويفضَح ما يجري ممارسًا مسؤوليَّتَهُ الوطنيّة، و"الإسكندرانيّة/الأمّ" التي تريدُ الحياة وتريدُ الابتعاد عنِ المَوْت لكنَّها لاقتِ المّوْتْ قبلَ "الغزّاوي". القصص الرمزيّة التي وَرَدَتْ: "الجزَرة والبيضة"، "عُثمان الأمين"، "الذئب والنَّمِر"، انتهَتْ بأسئلة تبدو طفوليّة بريئة ولكنَّها عميقة وتعبِّر ببساطة عن قوّة وقداسة حياة الإنسان. لا أدري إن كانت الأخطاء المطبعيّة والنَّحَويَّة مقصودة لتوحي بعُمْرِ عيّوش! وأخيرًا، أُنهي بقصّة الثعلب والأسد والحِمار ص (79-80) لأنَّها أخطرُها ويطيبُ لي أُن أُجيبَ عن السؤال الذي تلاها: الحمار لا يزالُ خيالًا واقفًا لأنَّ كلّ أعضائهِ أُكِلَتْ ولم يمُتْ بل نُصِّبَ ملكَ الغابة! بورِكْتَ الكاتب سامي عيساوي، وبورِكَ هذا الكِتاب فهوَ يُعطي مساحة كبيرة للتفكير وليسَ فقط يوثّق!
مداخلة أبو فارس: عنوان رواية "زوجي لعبةٌ تفاعلية" للأديبِ الفلسطينيِّ السيد سامي عيساوي، أُخِذ من عنوانِ القصّةِ الأولى فيه، وأتطرقُ في هذه المداخلةِ لموضوعَين: الأوّلُ الكتابةُ باللهجةِ المحكيّةِ، والثاني، إلقاءُ الضوءِ على نظرةِ الكاتبِ للمجتمعِ الفلسطينيِّ من ناحيةٍ دينيةٍ وسياسيّة. استوقفني هذا الكتابُ منذُ الصفحةِ الأولى، حين فاحت منه رائحةُ حروفِ اللهجةِ المحكيّةِ، وما تسمّى عندنا أيضًا بالعاميّة. لنْ اقولَ عنها كلمةَ عامّيّةٍ، لأنَّ كلمةَ عامّيّةٍ مشتقةٌ من العوامِ وهم عامّةُ الشعبِ، وفي ذلك حصرٌ للغةِ في طبقةٍ أقلّ قدرًا من غيرِها وهذا لا يجوزُ! وقد نبّهنا من ذلك البروفيسور سليمان جبران في مقالةٍ له بعنوان على "هامشِ التجديدِ والتقييدِ في اللغةِ العربيّة". فأطلقَ عليها اسمَ "اللهجةَ المحكيةَ" بدلّا من العاميّةِ، حفاظًا على أهمّيّتِها في حياتنا اليوميّة. هذه اللغةُ ليست مجردَ كلامٍ عابرٍ، بل هي اللغةُ التي نترعرعُ ونشبُّ ونشيخُ عليها. نتحدثُ بها في البيتِ والشارعِ خائضين بها كلَّ مجالاتِ الحياةِ، وبها نعبّرُ عن غضبِنا ويأسِنا، عن سعادتِنا وفرحِنا واستيائِنا! هي اللغةُ التي تحاكي المشاعرَ والأحاسيسَ، وحين نكتبُ بها تكونُ متعةُ القراءة أجملَ، فهناكَ الكثيرون الذين كتبوا باللهجةِ المحكيّةِ أمثال الكاتبِ والناقد اللبنانيِّ مارون عبود وغيرُه كثيرون. لكنَّ البعضَ نبذَ هذه اللغةَ مُعتبرًا إيّاها لغوًا ليس له أهمّيّةٌ أو قيمةٌ، كالدكتورِ طه حسين فقد قال عنها "لا أؤمن قط ولن استطيعَ أن أؤمنَ بأن للغةِ العاميةِ من الخصائصِ والمميّزاتِ ما يجعلها خليقةً بأن تسمّى لغةً، وإنّما رأيتُها وسأراها دائمًا لهجةً من اللهجاتِ، قد أدركها الفسادُ في كثيرٍ من أوضاعِها وأشكالِها". ومما لا شكّ فيه أنّ اللهجةَ المحكيّةَ لا تحكمُها قوانينُ وقواعدُ ثابتةٌ من ناحيةِ الإعرابِ والإنشاء، نظرًا لتعدّدِ اللهجاتِ فيها، فالأمرُ يتعلّقُ ويتأثّرُ بالمنطقةِ الجغرافيّةِ المقصودة. كما يستطيعُ الكاتبُ إدخالَ كلماتٍ اعجميةٍ دونَ أن يثورَ عليه مجمعُ اللغةِ العربيّةِ، طالبًا منه إيجادَ بديلٍ لها، وقد وجدت في نصوص الكتابِ كلماتٍ: سمارت، كومنتاته، على الوول، وغيرها. في كتاب اللوز المُرّ أرى أنَّ الأمرَ مغايرٌ تمامًا، فإنّ اللهجةَ الفلسطينيّةَ المَحكيّةَ زادت الكتابَ رونقًا وتشويقًا، وكان لها من الحسنِ ما يجعلُ القارئَ يدخلُ عالمًا من السحرِ الذي تُغلّفُه الحقيقةُ التي تعيشها النفسُ في بيئتِها الطبيعيّة، ولا ضيرَ لو تركنا اللغةَ الفصيحة بعضَ الوقتِ؛ لأنّها ستبقى محفوظةً في القران الكريم، ولن يخبوَ نجمُها ابدًا مهما ابتعدنا عنها لأنّها لغةُ الله، وستبقى ذلك الإعجازَ الذي جاءَ به الرسولُ صلى الله عليه وسلّم.
الكتابُ عبارةٌ عن قصصٍ قصيرةٍ ومداخلاتٍ%D