قليلة هي الدراسات التي تتناول وضع الكتاب وخريطة نشره وتوزيعه، وهذه واحدة من المقالات التي تتناول وضع الكتاب الإبداعي في منطقة المغرب العربي.

الكتاب الإبداعي بالمنطقة الشرقية

جميل حمداوي

.

تمهيـــد:

يثير الكتاب الإبداعي في المغرب الأقصى والمنطقة الشرقية منه تساؤلات جوهرية تتعلق بمكانة هذا الكتاب ووضعيته على مستوى الطبع والنشر والتوزيع محليا ووطنيا وعربيا ودوليا، ومميزاته الدلالية والفنية والمقصدية، والمعيقات التي تواجههه في زمن انحسرت فيه القراءة وتراجعت بشكل مخيف؛ حيث نجد الشاعر الكبير لايبيع من نسخ ديوانه الشعري إلا مائة نسخة في أحسن الأحوال بعد شهور وشهور طويلة، بينما تبقى النسخ الأخرى في رفوف المكتبات وخارجها فوق الأرض عرضة للتلف والضياع والغبار على الرغم مما يبذله المبدع من مجهودات جبارة في إصدار الكتاب ليصل إلى القارئ المقصود بهدف إفادته وإمتاعه. إذاً، ماهو واقع الكتاب الإبداعي المغربي؟ وما أسباب كساده وركوده؟ وماهي وضعية الكتاب الإبداعي وخصائصه في المنطقة الشرقية؟ 

1. وضعية الكتاب الإبداعي المغربي:
إذا كان الكتاب الإبداعي المغربي في سنوات الستين والسبعين من القرن العشرين يسير بوتيرة بطيئة على مستوى التأليف والطبع والنشر والتوزيع، فإن عدد الذين كانوا يقبلون على القراءة كانوا كثرا على الرغم من انتشار الأمية وقلة المؤسسات التعليمية والجامعية. أما اليوم، فإن الكتاب الإبداعي المغربي قد حقق نسبة كبيرة من الرواج والنشر والتوزيع بسبب كثرة التأليف وانتشار التعليم وإقبال الشباب ذكورا وإناثا على الإبداع لفرض ذواتهم والتعبير عن مشاكلهم وهمومهم وطموحاتهم. وعلى الرغم من هذا الإنتاج الزاخر، فإن نسبة القراءة تراجعت كثيرا بسبب عزوف المغاربة عن اقتناء الكتب الإبداعية بسبب غلائها وضعف القدرة الشرائية وانتشار الفضائيات بشكل كبير واكتساح الوسائل السمعية البصرية المنافسة للكتاب الإبداعي بيوت عامة الناس، وإقبال الشباب على الإنترنيت بدلا من شراء الصحف والإنتاجات الإبداعية، ناهيك عن خلو الكثير من النصوص الإبداعية من الجودة الفنية واجترار ما قيل سابقا كما هو حال الشعر الذي عرف كسادا كبيرا، حتى إن المطبعات لاتريد طبعه ونشره ولا مؤسسات التوزيع تريد توزيعه وتسويقه عبر أرجاء الوطن أو خارج الوطن العربي.

فإذا أخذنا مثلا الرواية المغربية في سنوات الأربعين فسنجد نصين، وفي سنوات الخمسين نلقي أربعة نصوص، وفي سنوات الستين سترتفع الوتيرة بشكل بطيء جدا بنسبة 12 نصا، وفي سنوات السبعين بنسبة 25 نصا روائيا. بيد أن التطور الروائي في سنوات الثمانين سيحقق نسبة كبيرة بنسبة 77 نصا روائيا، وفي سنوات التسعين بنسبة 184 نص روائي، وفي سنوات الألفية الثالثة بنسبة 125 نص روائي إذا توقفنا في سنة 2003م.(1)

ويبلغ مجموع الروايات من خلال البيبليوغرافيا التي أعدها الدكتور محمد قاسمي حوالي 429 نص روائي.(2) وبذلك يكون المغرب في المرتبة الأولى في الإنتاج الروائي، متبوعا بتونس(268 رواية)، والجزائر (149 رواية)، وليبيا (97 رواية)، وموريطانيا (أربع روايات).

أما على مستوى الشعر، فنلاحظ تطورا كبير في إنتاج المجموعات والدواوين الشعرية، فقد انتقل المغرب من أربعة دواوين في سنوات الثلاثين من القرن العشرين إلى ديوانين في سنوات الأربعين، وعرف المغرب أربعة دواوين في سنوات الخمسين، و18 ديوانا في سنوات الستين، و 72 ديوانا شعريا في سنوات السبعين، و184 ديوان شعري في سنوات الثمانين، و362 ديوان شعر في سنوات التسعين، و290 عمل شعري في سنوات الألفية الثالثة. ومن ثم، يبلغ مجموع الدواوين الشعرية المغربية 900 ديوان شعري إبداعي، وبذلك يكون المغرب في الرتبة الأولى متبوعا بتونس (450 ديوان شعر)، والجزائر (323 ديوان شعر)، وليبيا (300 ديوان شعر)، وموريطانيا (10 مجموعات شعرية).

وفيما يخص مجال القصة القصيرة، فقد خضع الإنتاج المغربي لنفس الوتيرة الإبداعية، ففي سنوات الأربعين لم نجد سوى مجموعة قصصية واحدة، بينما وجدنا خمس مجموعات قصصية في سنوات الخمسين، و13 مجموعة قصصية في سنوات الستين، و47 مجموعة في سنوات السبعين، و59 في سنوات الثمانين، و155 في سنوات التسعين، و100 مجموعة قصصية في الألفية الثالثة، وبذلك يبلغ مجموع الإنتاج المغربي في مجال القصة القصيرة 380 مجموعة قصصية. ومن ثم، يحتل المغرب الرتبة الأولى، وبعده الجزائر (163 مجموعة قصصية)، وتونس ( 157 مجموعة قصصية)، وليبيا (186 مجموعة قصصية)، وموريطانيا.

وفيما يتعلق بالمسرح، فقد اتصف الإبداع المسرحي بنفس الخاصية التطورية التي اتصفت بها الأجناس الأدبية الأخرى، فقد أنتج المغاربة في سنوات الثلاثين نصين مسرحيين، وست نصوص في الأربعينيات، وأربع نصوص في سنوات الخمسين، وثلاث نصوص في سنوات الستين، و15 نصا في سنوات السبعين، و34 نصا في سنوات الثمانين، و64 نصا في سنوات التسعين، و30 نصا في سنوات الألفية الثالثة، بينما تبقى ثلاث مسرحيات غبر مؤرخة، ومجموع الإنتاج المسرحي المغربي هو 161 نص مسرحي، وبذلك يكون المغرب في الرتبة الأولى، وبعده تونس وليبيا( 53 نصا مسرحيا)، والجزائر(14 نصا مسرحيا)، وموريطانيا.

وإذا انتقلنا إلى الدراسات الأدبية والنقدية، فقد حقق المغرب إنتاجا تراكميا كبيرا يعقبه في ذلك تونس وبعده الجزائر وليبيا وأخيرا موريطانيا، وإن كان هذا الكم الكبير من الدراسات لايواكب جميع الإنتاجات الإبداعية الصادرة في الساحة الثقافية المغربية أو المغاربية على حد سواء ولاسيما في السنوات الأخيرة التي تكاثر فيها الإنتاج الإبداعي بشكل لافت للانتباه.

بيد أننا نلاحظ تراجعا على مستوى المجلات التي تواكب الإبداع المغربي، فقد توقفت مجموعة من المجلات الثقافية والإبداعية لأسباب سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وذاتية، وأيضا لأسباب مادية تتمثل في عزوف المغاربة عن القراءة منذ منتصف الثمانينيات عندما شرع المغرب في تطبيق سياسة التقويم الهيكلي التي أثرت سلبا على القدرة الشرائية المغربية.

ونذكر من الأسباب الأخرى نظرة المجتمع السلبية إلى الثقافة بعد انتشار البطالة بين خريجي الجامعة وعطالة أصحاب الشهادات العليا وحاملي شهادة الدكتوراه، فنتج عن ذلك أن تراجع إقبال الناس على الثقافة كيفما كان نوعها في المجتمع المغربي فالتجأوا إلى مجالات استثمارية أخرى مدرة للربح المادي السريع.

وهكذا توقفت مجموعة من المجلات الإبداعية عن الصدور كمجلة أقلام، ومجلة الثقافة الجديدة، ومجلة الأساس، ومجلة الزمان المغربي، ومجلة البديل، ومجلة الصاحب، ومجلة بيت الحكمة، ومجلة عيون المقالات، ومجلة دراسات أدبية ولسانية وسيميائية، ومجلة ضفاف، ومجلة فضاءات مغربية، ومجلات أخرى لاداعي لذكرها. ولم يبق من هذه المجلات سوى مجلة المشكاة التي يتولى إدارتها الأستاذ الشاعر حسن الأمراني، ومجلة فكر ونقد التي يشرف عليها عابد الجابري وإبراهيم بوعلو، ومجلة الفكر التي يشرف عليها محمد الدرويش، ومجلة الملتقى التي يترأسها عبد الصمد بلكبير، ومجلة بيت الشعر التي يترأسها عبد الرحمن طنكول، ومجلة آفاق الصادرة عن اتحاد كتاب المغرب، ومجلة ثقافية ومجلة المناهل الصادرتين عن وزارة الشؤون الثقافية. ويعني هذا أن أغلب المجلات التي مازالت تصدر هي مجلات رسمية وشبه رسمية أو تلقى دعما ماديا سواء من الداخل أم من الخارج. وإذا لم تكن بهذه المواصفات التي أشرنا إليها الآن، فإنها ستتوقف بلا ريب بعد العدد الأول أو العدد الثاني على الأكثر.

ومن الجرائد الثقافية التي بدأت تحظى بسمعة كبيرة في المغرب جريدة "روافد ثقافية" التي تصدرها فاطمة الميموني، وجريدة "ملامح ثقافية" التي تشرف عليها سعاد الناصر، وجريدة "طنجة الأدبية " التي توقفت مؤخرا وتحولت إلى جريدة رقمية إلكترونية، ناهيك عن ملاحق الجرائد والصحف الوطنية ذات الطبيعة الثقافية التي تواكب الإبداع الوطني وتشجعه من قريب أو من بعيد كالملحق الثقافي لجريدة العلم والاتحاد الاشتراكي ورسالة الأمة والمنعطف فضلا عن الجرائد المحلية و الجهوية.

ويتبين لنا كذلك من خلال نبشنا في البيبليوغرافيات أن الكتابة النسائية المغربية أصبح لها حضور كبير في مجال الإبداع والوصف النقدي بعد أن وصلت الكثير من المبدعات المغربيات إلى مستوى ناضج من التعليم الجامعي العالي. وقد أحصى الأستاذ إسماعيل زويريق أكثر من مائة شاعرة في المغرب، (3) بينما أحصى كل من محمد قاسمي وزهور كرام 123 شاعرة و54 قاصة و33 روائية.(4)

وعليه، فالإبداع الذي ركزنا عليه هو إبداع ورقي، فهناك إنتاج إبداعي آخر حقق تراكما كبيرا وهائلا على المستوى الرقمي والشبكات العنقودية في مختلف الأجناس الأدبية، بل أصبح المغاربة لهم فضل كبير في تنشيط المواقع والمنتديات والمدونات الرقمية، وقد فرضوا أنفسهم كما وكيفا في مجال القصة القصيرة جدا والشعر الرقمي والنقد الرقمي والمسرح الرقمي...

وقد عوضت الكثير من المجلات الرقمية المغربية المجلات الورقية المكلفة ماديا، وحققت، بالتالي، إشعاعا وطنيا وعربيا ودوليا كبيرا.

زد على ذلك أن الكتاب المغربي لايعرف في إصداره سوى طبعة واحدة في أغلب الأحيان، ولا يجد النشر اللائق به، ولا يتم تسويقه جيدا داخل الوطن وخارجه. كما أن هذا الإبداع لا يقتصر على الإنتاج العربي فحسب، بل يتعدى ذلك إلى إنتاجات إبداعية أخرى باللغة الأمازيغية واللغة الصحراوية الحسانية، حيث سنخصص لهذه الإبداعات الأدبية والنقدية مقالات مستقلة في مناسبات أخرى إن شاء الله. 

2. وضعية الكتاب الإبداعي في المنطقة الشرقية:
من المعروف أن المنطقة الشرقية من المغرب الأقصى تضم مجموعة من العمالات والأقاليم كوجدة وبركان والناظور وتاوريرت وجرادة وفي، ويمكن أن نضيف إليها في المستقبل القريب مدينة الحسيمة لوجودها في نفس المنظومة اللغوية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تنتمي إليها باقي مدن وأقاليم الجهة الشرقية. وقد عرفت المنطقة الشرقية نهضة ثقافية وفكرية وعلمية منذ السبعينيات والثمانينيات مع انتشار التعليم والإقبال على طلب العلم في المؤسسات الجامعية المغربية كجامعة محمد بن عبد الله بفاس، وجامعة محمد الخامس بالرباط، وقد ساهم بناء جامعة محمد الأول بوجدة في سنوات السبعين في تحريك عجلة الإبداع والمساهمة في تنشيط الساحة الثقافية.  وقد ترتب عن هذا ظهور مجموعة من المطابع في المنطقة الشرقية كالمطبعة المركزية، ومؤسسة النخلة، ومطبعة الجسور، ومطبعة بن ميمون إخوان، ومؤسسة جليلي بوجدة، ومطبعة تريفة ببركان، ومطبعة بن عزوز ومطبعة لمقدم ومطبعة اقرأ ومطبعة أعكي بالناظور. وعليه، فقد أبدعت المنطقة الشرقية 52 رواية لأكثر من 25 روائيا، كما أبدعت 35 مجموعة قصصية، و22 نصا مسرحيا، و166 مجموعة شعرية بله عن الكثير من الكتب والدراسات الأدبية النقدية والأكاديمية التي أعدت في شكل بحوث أو رسائل أو أطروحات جامعية.

ومن أشهر المبدعين في مجال الشعر نذكر: حسن الأمراني ومحمد علي الرباوي وعبد الرحمن بوعلي ومحمد بنعمارة وعبد الرحمن عبد الوافي ومحمد منيب البوريمي ومحمد لقاح وعبد السلام بوحجر إلى جانب شعراء شباب كجمال أزراغيد ويحيى عمارة وميلود لقاح وناصر لقاح وفاطمة عبد الحق وعلي العلوي وحليمة الإسماعيلي وبن يونس ماجن وحبيبة خلفي ونرجس لخضر ونزيهة الزروالي. ويمكن الحديث عن مجموعة من الاتجاهات الشعرية كالاتجاه الإسلامي مع محمد علي الرباوي وحسن الأمراني وفاطمة عبد الحق ومحمد بنعمارة وعبد الرحمن عبد الوافي.... ومدرسة آل لقاح التي يمثلها محمد لقاح وناصر لقاح وميلود لقاح... والمدرسة التجريدية التي يشخصها كل من يحيى عمارة وجمال أزراغيد والمدرسة الوجودية التي تتشكل من فاطمة عبد الحق في بداية مشوارها الفني الأول وعبد الرحمن بوعلي ومنيب البوريمي والحسين القمري وعلي العلوي ويونس بن ماجن، والاتجاه الشعري التراثي الحديث الذي يمثله محمد فريد الرياحي كما في ديوانه "الغناء بين يدي ولادة بنت المستكفي"... والحركة الشعرية النسائية التي تتشكل من الشاعرة حليمة الإسماعيلي وحبيبة خلفي ونرجس لخضر ونزيهة الزروالي ... أضف إلى ذلك أن شعر المنطقة الشرقية يشكل ربع الإنتاج الشعري المغربي إن كما وإن كيفا، كما يتسم هذا الشعر بثراء مضامينه وجودة بناه الجمالية وتعدد مدارسه وحركاته الفنية.

أما على المستوى الروائي، فيمكن تصنيف الرواية في المنطقة الشرقية إلى عدة أصناف كالرواية البيكارسكية مع محمد شكري في "الخبز الحافي"، وميمون الحسني في "جذور الضباب"، وإسماعيل العثماني في رواية "غورغو"، والرواية البورنوغرافية كما لدى عبد الحكيم معيوة في روايته عن بوقانا، ومحمد شكري في "الخبز الحافي"، والرواية الأطوبيوغرافية كما لدى عبد الكريم برشيد في "غابة الإشارات،" وعمرو القاضي في "الحجرة الصدئة"، والرواية الرومانسية عند مصطفى الحسني في روايته "ملكة جمال المتوسط"، وحميد خيدوس في"زفاف الجنازة"، والرواية الواقعية كما عند مصطفى شعبان في "أمواج البحر"، والرواية الحضارية عند حميد لحميداني في روايته "رحلة خارج الطريق السيار"، والرواية الفانطاستيكية عند يحيى بزغود في "الجرذان"،، والرواية الأسطورية عند يحيى بزغود في رواية "طوق السراب"، والرواية العمالية عند جلول قاسمي في "سيرة للعته والجنون"، و ومحمد بنعلي في "يوم الاقتراع"، وسعدية اسلايلي في "الجبال لاتسقط"، والرواية الشاعرية عند جلول القاسمي في رواية "سوانح الصمت والسراب"، وحليمة الإسماعيلي في رواية "أغنية لذاكرة متعبة" و بنسامح درويش في رواية "ألواح خنساسا"، والرواية النسائية عند حليمة الإسماعيلي وسعدية اسلايلي، والرواية الاجتماعية عند حسين الطاهري في روايته "الرقص على الماء"، وعمرو جلول في روايته "مقاتلات أحفير"، والرواية السياسية عند عمرو والقاضي في "رائحة الزمن الميت"، و"الطائر في العنق". ويتميز كل من محمد شكري وحميد لحميداني بشهرة عالمية كبيرة في مجال السرد والرواية، وكل منهما حصلا على جوائز عدة بفضل جودة إبداعهما الروائي الذي شرق وغرب.

وإذا انتقلنا إلى تقويم الكتاب الإبداعي في جنس المسرح العربي، فحضوره قليل في المنطقة الشرقية (22 نصا مسرحيا) بالمقارنة مع القصة القصيرة والشعر والرواية، لأن الإنتاج المسرح مازال مخطوطا لدى المؤلفين أنفسهم لم ير النور بعد؛ وذلك لأسباب موضوعية وذاتية نحن في غنى عن الخوض فيها. وغالبا ما تتحول هذه الكتب المسرحية المطبوعة والمخطوطة إلى عروض سينوغرافية ودراماتورجية، قد تشكل في أبعادها النظرية والنصية والتطبيقية اتجاهات فنية كالاتجاه الاحتفالي الذي يمثله عبد الكريم برشيد عبر مجموعة من المسرحيات التراثية (امرؤ القيس في باريس، وابن الرومي في مدن الصفيح، وسالف نونجة، والحكواتي الأخير، واسمع ياعبد السميع)، واتجاه مسرح النفي والشهادة مع محمد مسكين كما في مسرحيته المتميزة "تراجيديا السيف الخشبي"، واتجاه الكوميديا السوداء أو الكوميك الصادم (5)   الذي يمثله كل من مصطفى رمضاني في مسرحيته الرائعة "بنوقردون"، ولحسن قناني كما في مسرحياته المخطوطة "يامد البحر متى تأتي"، و"صهيل الذاكرة المجروحة"، و "سكين حنظلة"...

وفيما يخص النقد ـ كما هو معروف ـ أن المنطقة الشرقية تملك نقادا متميزين لهم مكانة أكاديمية محترمة على المستوى الجهوي والوطني و العربي كنجيب العوفي وحميد لحميداني ومصطفى رمضاني وبشير القمري وعبد الله شريق وجمال بوطيب ومحمد أقضاض، ولا ننسى البيبليوغرافي الكبير ألا وهو الدكتور محمد قاسمي الذي أنجز عدة بيبليوغرافيات جادة ومهمة أصبحت من المراجع والمصادر التي لايمكن الاستغناء عنها في البحث الأكاديمي.

ومن الملاحظات التي يمكن تسجيلها أن القصة القصيرة جدا، هذا الجنس الأدبي الفتي، عرف انطلاقته مغربيا في المنطقة الشرقية مع المبدع جمال بوطيب صاحب " زخة... ويبتدئ الشتاء!!"، و الكاتبة فاطمة بوزيان صاحبة المجموعة القصصية "ميريندا" (6)، كما أن المسرح الاحتفالي الذي انتشر صيته في العالم العربي قد ظهر أيضا في هذه المنطقة مع مجموعة من المبدعين والنقاد كالمنظر الكبير عبد الكريم برشيد والناقد المتميز مصطفى رمضاني والمؤلف المسرحي محمد مسكين ومع مجموعة من المخرجين الاحتفاليين الممتازين كيحيى بودلال ومحمد البلهيسي. ويمكن الإشارة كذلك إلى أن نظرية الأدب الإسلامي لم تفعل نظريا وتطبيقيا وإبداعيا إلا في المغرب مع جماعة المشكاة كحسن الأمراني ومحمد علي الرباوي وعبد الرحمن عبد الوافي ومحمد بنعمارة. ويمكن الحديث عن بعض المجلات الثقافية التي حاولت مقاربة الإبداع المحلي والجهوي والوطني والعربي كمجلة "فضاءات مغربية" التي كان يصدرها الثالوث الناظوري حسين القمري وعبد الله شريق ومحمد أقضاض، ومجلة "ضفاف" التي يترأسها عبد الرحمن بوعلي، ومجلة "المشكاة " التي يشرف عليها حسن الأمراني.

وعلى الرغم من كثرة الإنتاج على مستوى التأليف بالمنطقة الشرقية، فإن الكتاب الإبداعي مازال يعاني من عدة مشاكل كنقص المطابع المتخصصة في طبع الكتب، وانحسار سوق القراءة ومحدوديته واقتصاره على السوق المغربية فقط، وركود الكتاب بصفة عامة بسبب عزوف الناس عن التعلم والقراءة؛ مما أثر ذلك سلبا على عملية الاستهلاك والطبع والنشر، كما تراجع النشاط الثقافي والإبداعي بالمنطقة، وعوض بمشاريع ومهرجانات رسمية مناسباتية لاتمت إلى الثقافة بأدنى صلة. بيد أن الثقافة الرقمية عوضت هذا النقص على المستوى الورقي والممارسة الثقافية الواقعية، فبدأت الحركة الثقافية تنشط رقميا على صفحات المدونات والشبكات العنقودية الإلكترونية.

ولا ننسى كذلك أن الكتاب الأمازيغي الإبداعي قد حظي بدوره بميزة الطبع والنشر والتوزيع على الرغم من قلة إنتاجه بالمقارنة مع الإنتاج الإبداعي الأمازيغي السوسي بسبب السياسة العنصرية التي يمارسها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ضد الريفيين؛ حيث لايهتم إلا بنشر الكتب التي ينتجها مؤلفو منطقة سوس التي ينتمي إليها عميد المعهد، ولم ينشر للريفيين سوى ديوان واحد "تيقت/ الشعلة" لسعيد أقضاض لأسباب لاداعي لذكرها في هذا الحيز المقالي. وعلى الرغم من ذلك، فقد أبدع الشعراء الأمازيغيون بمنطقة الريف اعتمادا على إمكانياتهم الذاتية أكثر من عشرين ديوانا شعريا( مصطفى بوحلسة، وسعيد أقوضاض، وفاظمة الورياشي، وعائشة بوسنينة، و كريم كنوف، ومحمد شاشا، وميمون الوليد، ومحمد والشيخ، ومايسة المراقي، ونجيب الزوهري، ومحمد العمالي، وأمنوس، والحسن المساوي....)، إلى جانب بعض الأعمال النقدية التي ألفها كل من محمد شاشا، وحسين القمري، ومحمد أقضاض، وجميل حمداوي، وفؤاد أزروال، ومحمد الوالي، وحسن بنعقية...، كما ظهرت إلى الوجود في الساحة الثقافية الأمازيغية المحلية بعض النصوص الروائية والقصصية التي أبدعها كل من حسن بنعقية ومحمد بوزكو وسعيد بلغربي ومحمد شاشا وميمون الوليد وآخرين... إلا أن الأعمال المسرحية الأمازيغية مازالت مخطوطة ولم تطبع في كتاب إبداعي إلى يومنا هذا. 

خاتمـــة:
يتبين لنا مما تقدم ذكره أن الكتاب الإبداعي بالمنطقة الشرقية من المغرب الأقصى عرف تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة كما وكيفا على الرغم من ضعف المقروئية وانحسار الكتاب على مستوى النشر والتوزيع، وكساده بسبب ضعف القدرة الشرائية عند المواطنين المغاربة، وانتشار البطالة في صفوف المثقفين وخريجي الجامعة، ناهيك عن الوضعية المأساوية التي آل إليها الوضع الثقافي الذي أصبح فعلا غير منتج وغير فعال في أدبيات المؤسسات الرسمية وغير الرسمية المغربية.

وعلى الرغم من هذه الصورة السوداوية القاتمة التي ينظر بها المسؤولون وعامة الناس إلى الشأن الثقافي في المغرب، فإن الكتاب الإبداعي قد حظي بمكانة كبيرة في المنطقة الشرقية، وازدادت وتيرة طبعه ونشره وتوزيعه، وتنوعت مستويات لغته وسجلاته التي تتمثل في اللغة العربية و الفرنسية و الإنجليزية والإسبانية والأمازيغية، كما تنوع الإنتاج والإبداع كتابة ووصفا ونقدا، وتميزت أقلام هذا الكتاب الإبداعي محليا وجهويا ووطنيا وعربيا ودوليا، وتعددت مدارسه واتجاهاته الفنية والجمالية. ولم تقتصر هذه الأقلام على الكتابة الذكورية فقط، بل تعدتها إلى الكتابة النسائية التي تفوقت في مجموعة من الأجناس الأدبية ولاسيما الشعر والرواية والقصة القصيرة والقصة القصيرة جدا.


jamilhamdaoui@yahoo.fr

ـــــــــــــــــــــــــــــــ
 1 - د. محمد قاسمي: بيبليوغرافيا الأدب المغاربي الحديث والمعاصر، منشورات مجلة ضفاف، سلسلة الدراسات 2، مؤسسة النخلة للكتاب،الطبعة الأولى 2005م، ص:133؛
 2 - محمد قاسمي: نفس المصدر، ص:134؛
 3 - إسماعيل زويريق:100 شاعرة من المغرب، مطبعة وليلي بمراكش، الطبعة الأولى 2006م؛
 4 - انظر د.محمد قاسمي وزهور كرام: بيبليوغرافيا المبدعات المغاربيات، دار الأمان بالرباط الطبعة الأولى2006م؛
 5 - انظر: مصطفى رمضاني: الحركة المسرحية بوجدة من التأسيس إلى الحداثة، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الأول، الطبعة الأولى سنة1996م، ص:185-231؛
 6 - فاطمة بوزيان: ميريندا، مجموعة قصصية مخطوطة توجد لدى مؤلف الدراسة.