بين بشير بلونيس وجبران خليل جبران

الألم والأمل

أمين الزاوي

بعد وفاة الفنان بشير بلونيس انتقلت إلى زيارة أهله بمدينة عنابة، لزيارة عائلته الصغيرة، والوقوف معها في محنتها، كأبسط واجب يقدم لهذه لظاهرة الفنية الثقافية الجزائرية التي اشتغلت في صمت ورحلت أيضا في صمت. وفي ظروف قاسية. كان غائبا لكني وجدت بشير مبتسما كعادته في انتظاري، هناك في مدينة عشقها حد السؤال، دخلت بيته الصغير وقلوب طفلتيه وزوجته الكريمة لعالم كما يقول حمزتوف يبدأ من عتبة البيت. عالم بشيربلونيس عتبة هذا العالم بوسعه واتساعه، عالم لا يمكن بحال من الأحوال أن تختصره المعارض الفردية أو الجماعية. إن إبداعاته باللون أو الأحجام حزمة من عذاب ووجع وأحلام وجزائر بالجمع. أغلبها موزعة بين لونين: الرمادي والأسود، وهي الألوان المفضلة والمعبرة... والعابرة.

بشير طيلة رحلته كان يرسم عذاباته وعذابات الإنسان المعاصر لتتحول في النهاية إلى تراجيديا العالم..فالفنان تراجيدي بطبعه! فالفرح قليل والمساحة كبيرة لصور الظلم والمظالم المسلطة على العباد.. فالفرح نادر في حياته، لأنه ما كان يمكنه أن يقف صامتا، والعالم يدثره البؤس، والفقر. لذا يكون الفن ايجابيا كمواجهة وكاستنكار. هو لا يرسم الورود لان الواقع تحول إلى نفاية، إلى غابة من نوع آخر. والورود، في جنوب مسكون بالبحث عن الخبز والحرية والعدالة، هو آخر ما يفكر فيه أو في رسمه. هو المسافر باتجاه الداخل/ الحارق. مسافر باستمرار إلى مناطق الصراع والنقاء. ومنجذب دوما إلى عمق أعماق الإنسان حيث لا كاميرا تستطيع تصوير تحولاته وتجلياته، غير حساسية الفنان المفرطة حيث يتماهى مع الآخر، يرسم بالسواد هيئته وتجاعيده والحزن الذي يكسو وجهه وتخبو نظراته عند عتبات الالم، حيث التوغل في مرايا الذات المشروخة، مغامرة خطيرة تقبض بالألوان على الجوهر الحقيقي بعيدا عن السطوح الخارجية. سطوح كاذبة!

جوهر الإنسان

هذا المجهول..

لايمكن رسم هذه الحياة إلا بهذه الألوان. حين يتعب بشير من الرسم والنحت يتجه للقراءة والكتابة، ورصيد مكتبته شاهد على التنوع الثقافي الكبير لديه، وعلى أن الكتاب جغرافيا من جغرافيات الفتح التشكيلي. وفي كثير من اللقاءات التي جمعتنا كان يقول لي دائما مقاله جبران: "الحزن الكبير لا تسعه النفوس الصغيرة"

لا فن بدون قراءة، بدون معرفة، بدون روايات وأشعار.. وموسيقى.

لوحات بشير تظل شحنة من الأحاسيس المتراكمة في اللونين المضيئين له: الأسود والرمادي.. وفي تعابيرذات اللمسة الخاصة به.

رحل الفنان في منتصف الطريق

فلماذا يا ربي يرحل الفنانون سريعا!! 

روائي وكاتب