تعيد الباحثة السودانية البارزة تمحيص التصورات العلمية الجاهزة وتدخل التاريخ المطلسم عليه في قلب المفهوم لتطرح تصورا مغايرا للسائد الثقافي في مجال علم الاجتماع.

إيقاف علم الاجتماع العربي على قدميه

محاولة فى اعتاق العلوم الاجتماعية من الارتهان بامبراطورية الافكار المسبقة

خديجة صفوت

 
"ان اليوم الذى يتوقف فيه العهد القديم عن تغذية علمنا التاريخى يغدو فيه شرحنا لامور الشرق محررا من امبراطورية الافكار المسبقة (2).

تقديم:(3)
بقيت معظم العلوم الاجتماعية ـ منذ سقوط الخلافات الاسلامية المشرقية والمغربية ـ تأخذ عن التاريخ العربى المعقم والمجتمع الغربى بوصفهما المادة الخام لتلك العلوم. فان كان التاريخ مادة علم الاجتماع وعلم الاقتصاد السياسى وغيرها من العلوم الاجتماعية المتصلة بالاحداث الهامة فى المجتمع الانسانى فلعل ما يصدر عن تاريخ مزوق Euphemised مفلصف ـ من الفالصو ـ Mystified فى افضل الشروط او ـ ومفبرك فى اغلبها ـ حرى بالا تستقيم مشتقاته ومن ثم محصلاته. ومن ثم فان علم الاجتماع، وربما حتى بعض العلوم التطبيقية مثل علم الجينات والوراثة وغيرها، حري بان يكون قد اوقف فوق رأسه تسويغا لتلك المزوقات والفبركة. وتتعين هذه الورقة على محاولة انقاذ بعض يسير من مادة علم الاجتماع الخام من بعض تلك المزوقات، كما تحاول الورقة التعين على فك مفصلة Dis ـ articulate بعض فرضيات أو جزئيات من سيناريو مقترح لمشروع عمل فكرى مفهوماتى معجمى ـ فى مشروع جماعي، وذلك فى محاولة انقاذ علم الاجتماع العربى من قميض جنون المفردات والمفهومات والاطر الفكرية ـ Paradigms الغربية ما بعد الصناعية العولمية مما قد لا يزيد احيانا على مارسة الرياضة الاكاديمية فى افضل الشروط أو ـ وتسميع المقررات المدرسية.

وتحاول الورقة ـ المشروع ـ نحت واعادة تعريف بضعة مفردات ـ من اسفل From Below أى من وجهة نظر المخضعين للمشروع الرأسمالي الغربى ـ وتعالق تلك المفهومات، مما أزعم انه محوري للعلوم الاجتماعية العربية. ذلك أن العلوم الاجتماعية العربية وربما الغربية تصدران معا عن مفهومات اساسية ميدانية. وتجادل الورقة انه بغير التعرف على واعادة تعريف اهم مفردات العلوم الاجتماعية المذكور بعضه لاحقا ـ اجرائيا Operationally  على الخصوص ـ فان خلاصات العلم ـ من علم الاجتماع بفروعه والاقتصاد السياسى وحتى علم النفس ناهيك عن التاريخ ـ حرية بالا تقود الى حلول المشكلات التى يمنى بها المجتمع العربى وغيره. وتصدر هذه المجادلة عن ملاحظتين أو ثلاث:

ـ تقصى وتحليل الشروح على متون السردية الغربية الرسمية والجمل الاعتراضية (4) ـ كلما وجدت والمسكوت عنه فى التاريخ الرسمى الغربى المعقم Sanitized.

ـ عدم التقييد بما هو محتزب وانتقائى Selective من مناهج ومفردات البحث الغربي البرجوازي الصناعى والعولمى معا الا بقدر ما يخدم قضايا الفكر والتنظيم العربيين المسلميين.

ـ التعين على تأمل الواقع العربى والاسلامى فيما اعرفه بـ "لا تسييق ـ من السياق ـ التاريخ" الغربى ـ  de ـ contextualising history  منذ سقوط غرناطة الى الرأسمالية ما بعد الصناعية خاصة ـ فيما يتمثل من:

ـ المقاربة متعددة المذاهب (5)  Multi ـ disciplinary Approach

ـ تنويعات Variations الظواهر مصادرة على مطلوب نشوئها. وتعبر التنويعات عن نفسها اجرائيا فيما يحل مكان مراحل تطور الظواهر الاجتماعية الاقتصادية ـ التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية ـ انماط الانتاج ـ بالصورة الميكانيكية التى يتخيلها معظمنا فى اللوحة الخماسية مما يدعى بعضنا انه يتم بمرور الزمان او حتى بتطوروسائل انتاج غير مسبوقة. 

ـ تحور Mutation الظواهر بمعنى تشكل الظاهرة واعادة تشكلها فى الزمكان أى رأسيا بمرور الزمن وافقيا فى المكان.

والفرق بين التحور والتنويع هو ان الاخير لا ينتج شرط تشوه الظاهرة قياسا على التحور الذى يصدر عن الاعوجاجات والاخطاء فى الظاهرة المتحورة مما اعرفه تباعا.

ـ تعريف الفوضى المسماة خلاقة والاحرى المهيكلة، وتعالق الاخيرة والثورات البيوريتانية الموجهة من أعلى.

فكيف يعبر التحور على ارض الواقع الاجتماعى الاقتصادي عن نفسه اجترائيا على مر التاريخ المكتوب والمسكوت عنه فغير المكتوب؟   

تحور الظواهر واللوحة الخماسية ومناهج البحث:
لعله من المفيد تذكر معنى او تعريف التحور، وأعرف التحور Mutation اجرائيا Operationally  بوصفه "تعبيرعن تطور او نكوص الظاهرة" والاحرى فان التحور عبارة عن اخطاء فى الظاهرة او الكائن جراء اعادة انتاج الظاهرة لنفسها فى الزمكان وخارج شروطها الموضوعية او ـ وجراء قسر لظاهرة على ما قد يفوقها فارغامها على التصرف على نحو اجتزائى مثلما يحدث فى فرض علاقات عمل عبودية بادوات انتاج عالية التقنية على نحو غير مسبوق مما  يلاحظه الناس فى كل مكان، ليس وحسب فى جنوب شرقى اسيا بل فى المحاوز المتروبوليتانيا حيث يستورد العمل المسترخص رغم التخصص والدرجات العلمية فيذرب (من الذريبة) فيما يشارف معسكرات العمل.

والتحور نوع من استنساخ الظاهرة لنفسها وتكرار صيغتها بتعديل ناشئ او ناكص حسب المناخ والظروف والبيئة والزمان والمكان وغالبا ما تحل بالظاهرة اعوجاجات وتحولات واخطاء. ويحدث التحور بهذا الوصف بدوره تغييرات وينتج التنوع والتعدد. ويعبر التحور عن نفسه استجابة لعوامل مختلفة ومتعامدة منها المناخ الطبيعى والبيئة الاجتماعية والزمكان مما يتم داخله وبسببه التحور كما يتعين التحور على اعادة تشكيل الفضاء الذى يتم داخله مكوص الظاهرة.

والتحور الظواهرى اكثر اهمية وخطورة من حيث ان الشئ المتحور تغدو له حياة تخصه قائمة بذاتها حتى ليمكن ان يحدث خطأ فى فهم ما حدث للشئ او الظاهرة. فيظن ان ما هو ماثل شئ  جديد اخر وليس الشئ نفسه متحورا على نفسه. والتحور هو المادة الخام للتمرحل النشوء Evolution والارتقاء مرة الا انه، وهذا هو المهم ، مادة النكوص مرة اخرى. فرغم ان التحور مادة التمرحل الخام او المستنسخ الا ان التمرحل لا يتم ناشئا صاعدا الى ما لا نهاية، بل يحدث العكس فى حالة تحور شئ او ظاهرة الخ. وكثيرا ما يدعى بعض المؤرخين ان ما يتحور ينشأ صاعدا مثلما يدعى مؤرخو الرأسمالية من انها نشوء على الاقطاع وعلى الاقتصاد العبودى. وينتشر هذا النوع من التحليل فى العلوم الاجتماعية وفى الاقتصاد غالبا وفى التاريخ على الخصوص معبرا عن نفسه فى تصور ان التطور وظيفة مرور الزمان. وكثيرا ما دفع مثل ذلك الادعاء او الظن الذى ليس فى محله بعض المفكرين والكتاب الى تصوير الظاهرة على ما ليست هى عليه سواء غفلة  او سذاجة قد تشارف الخديعة أو ـ و تقصدا وقيسا. فلعل العرف على وتعريف كل من التنويع والتحور حرى بان يساعد العلوم الاجتماعية على الوقوف على  اقدامها وقد اوقفت فوق رأسها وطويلا. 

وازعم انه فيما بقي نمط الانتاج الرأسمالى يتحور على نفسه فى تنويعات ما تنفك تتمثل اكثر تشوها مما سبقها غالبا، فان مناهج البحث الغربية ـ الرأسمالية بالضرورة ـ فى ذلك النمط حرية بان تتستر بالنتيجة على ذلك التشوه بادعاء ان النمط الرأسمالي مثلا ناشئا صاعدا الى ما لا نهاية. وقياسا تدعى بعض الطروحات ان ما عدا النمط المذكور مشوه الخلقة لطبيعته وهكذا. والواقع ان ما قد ينشأ هو وسائل الانتاج وما قد يتطور هو اساليب المراكمة المالية تمأسسا على وسائل انتاج فائقة على ماعداها على نحو غير مسبوق، مثلما تتعالق تكنولوجيا المعلومات وتجارة الدوت كوم Dot Com وبيع المال كسلعة على الخصوص.

ويتعين معظم المفكرين الليبراليين والماركسيولوجيين وبخاصة الليبراليين الجدد يتعين على النظر الى وسائل الانتاج فيقيس على تطورها تطور علاقات الانتاج والملكية بوصف ان الاخيرتين تزوقان Euphemise نمط الانتاج الماثل. وقياسا تغدو محصلة النظر الى تلك الظواهر وتحليلها خادعة، مما ينعكس على الفكر والتنظيم الرأسماليين مجددا وعلى كل ما يلحق نفسه بهما من فكر وتنظيم العالم الثالث والرابع. وقد بقيت خارطة الغرب الذهنية ومعمار لغة ورواية التاريخ الرسمى الغربى المعقم Sanitized تكرس مزوقات العرب تخاتلا. وقياسا بقى الحق فى طرح القضايا المفصلية والمصيرية ـ وقد أوقف ذلك الحق باكرا حكرا على  من اسماهم بيير روسى "مجموعة العلماء المتسلطين ممن احتبس فى اديرته متعال على من عداه" (6) ـ بقى ذلك الحق حكرا على الاخيرين دون من عداهم. وقد أبقى الاخيرون وخدامهم الليبراليون الجدد على تلك القضايا منغلقة على نفسها Close ـ ended عقلانيا فى غموض كالنصل لا تفصح عن غاياتها ولا عن موضوعها الحقيقيين. ومن يومها خصم تعالق العلوم الاجتماعية بعنصرية التاريخ الغربى  على ما عداه بالتماس.

تعالق علم اجتماع نمط الانتاج المشوه والعقل والسلطة:
رغم ان الغرب يكوم كل ما عداه فى كومة واحدة، تجادل هذه الدراسة منذ البدء انها تتجاوز، فلا تكوم الغرب فى كومة واحدة. وازعم ان تكويم الظواهر رأسيا وافقيا فى كومة واحدة من اعراض النظر غير العلمي. فمفردة الغرب تعنى اكثر من مفهوم؛ فثمة مفهوم الغرب معرفا رأسيا من حيث الزمان، وافقيا من حيث تنويعات المفهوم  بين المجتمعات الغربية الرأسمالية الصناعية الشمالية، ناهيك عن المجتمعات الاوربية الجنوبية التى بقيت حتى ثمانينات القرن العشرين غير صناعية بهذا الوصف. فثمة راسمالية اوربا الشمال غربية البروتساتنتية على الخصوص، ورأسمالية اوربا الجنوب غربية الكاثوليكية بدورها، وصولا الى رأسمالية امريكا الشمالية الانجليكية ـ الافانجيلية التى تتحور تباعا منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية على الاقل نحو المشروع الامريكى الجديد متمأسسة فوق ما يسمى بالمسيحية اليهودية Judio ـ Christianity. هذا ولا تعنى مفردة الغرب فى هذه الدراسة الفضاء الجغرافى المكانى الغربى وحسب، وانما تعنى تنويعات الغرب على نفسه من الاقطاع الاوربى الشمال غربى والاوربى الجنوبى  ـ اى الاسيوى او الشرقى بالوصف الماركسى، الى البرجوازية الصغيرة فالصناعية وصولا الى الرأسمالية ما بعد الصناعية، اى العولمة اى التنويع الذى افرزته الرأسمالية المالية وقد تحور الغرب على نفسه جراء اختراق نمط اللا أنتاج الشمال امريكى باكرا  له فشوهه الاخير بالربا حتى لم يعد قابلا للتعرف عليه.

ومن المفيد تذكر ان رأسمالية من اسميهم اعراب الشتات ـ بوصفهم اصحاب "رساميل" مترحلة عابرة الحدود منذ بدئ التاريخ المكتوب والمسكوت عنه على الخصوص ـ كانت دائما رأسمالية ربوية مالية وكانت وبقيت تقف خارج المجتمع وفائقة عليه وتخصم المراكمة المالية على المراكمة الرأسمالية الصناعية السلعية، مثلما كان المرابون التقليديون يقفون خارج المجتمع وفائقون عليه، وخصما على المراكمة الاقتصادية الاجتماعية فى المجتمع المضيف للمرابين فى النمط الشرقى كما نعرفه. و قياسا يتألف المرابون المعاصرون من جماعات  تقف خارج المجموعة الوطنية من المصارف والبنوك المركزية ـ فالمصارف المرابية عابرة للحدود قياسا على البنوك المركزية والمصارف الوطنية. وازعم ان الرأسمالية المالية المرابية تشرقن Orientalises الرأسمالية الصناعية السلعية تباعا وتخصم على الاخيرة منذ الحرب العالمية الثانية على الاقل وربما منذ صعود ما اسميه بـ "نمط اللا انتاج الشمال امريكى" فزعامة الولايات المتحدة للعالم مند نهاية الفرن التاسع عشر وتباعا.

هذا ويرد البحث الرأسمالية ما بعد الصناعية الى تنويعات اخرى على الاخيرة مثل مشاريع الاوليجاركيات المالية الاوربية الجنوبية والشرقية ـ وكانت رساميل ايجار نفط بحر قزوين وجنوب شرقى اسيا قد قيضت نشوء اوليجاركيات اسراتية من امثال العائلة شيل والعائلة روثتشيلد التى بقيت تفاوض نيابة عن فرنسا فى اتفاقية فيرساى حول حصة الاخيرة فى النفط ما بعد الحرب العالمية الثانية. وغيرها من الاوليجاريكيات الروسية، وتحتكر نسب معتبرة من رساميل او ايجار ريع السلع الاستراتيجية وصولا الى مشروع القرن الامريكى الجديد وتفريعاته من مشروع الشرق الاوسط الكبير ومشروع الاخدود الافريقى العظيم. وازعم ان كافة تلك المشاريع تمأسس فوق ما يسمى بالنمط الشرقى. ومن المفيد ملاحظة كيف ينظر الغرب الى نفسه ناشئا صاعدا الى ما لا نهاية توهما وتخاتلا فيعكس تلك الرؤية ويكرسها بالالحاح والمثابرة على الذهن والخاطر. ويرى الغرب نفسه كما كان قد درج على رؤية الواقع بعين عليها غشاواة المسبقات العولمية ويرى غيره مدمجا مسمطا. فقد كانت العلوم الغربية قد بدأت اصلا بتكريس فكرة ان كل شئ يبدأ بالغرب وينتهى به، وان الغرب هو المقياس والقيمة فيما كوم (بتشديد الواو) الغرب ما عداه فى تراكمات عددية لا وجوه لها بل عديمة الفائدة الا بقدر ما يستحوذ على فائض وخالص انتاجها وثرواتها الطبيعية.

ومع ذلك، وربما بسببه، بات كل ما عدا الغرب عصورا مظلمة وشرح على متون التاريخ الغربى فى افضل الشروط. وكانت تلك الاحابيل "العلمية" والتاريخية قمينة بان تنتج محصلات تصدر عن ثنائيات منتهية منغلقة على نفسها لا تقبل الجدل بالضرورة ومن ثم ترفض التعريف الاجرائى Operational definition بالنتيجة. وحيث ادعى الغرب لنفسه غب سقوط غرناطة الى سقوط الخلافة العثمانية فضل كل ما وصل اليه الغرب والعالم حتى اليوم من علم وحضارة، فقد مفصل الغرب حركة "تنويرية" وجأر ب "المبدأ الانسانوى" خصما على ما عداه. ولم يلبث ما يسمى "التنوير" الغربى ان تعين فى القرنين الثامن والتاسع عشر على تكريس ثنائيات مسمطة, وترتيبا فقد بات كل ما عدا الغرب نقيض للغرب وخصما له وخطر عليه ولم يعد العالم يسع الغرب وغير الغرب ، فقد راحت الموارد والثروات تقصر عن ان تكفى كل الاقوام التى استقطبت واحدة والى الابد بين:

طفل غير راشد عاطفى لا عقلانى يستحق التقويم والنصرنة، بدائى متخلف زراعى تقليدى لا صناعى عاجز عن الحضرنة والتحديث، ارهابى لمحض لون عينية وجلده، ناكص ران الى الوراء مطرق فى الماضى كونه شرقوى او اسيوى، ايماءا الى نمط الانتاج الشرقى او الاسيوى، تخاتلا من قبل  كل من الليبرالية القديمة والجديدة والماركسيولوجية مما تمأسست فوقه كل من بواعث ضبط الشعوب او ـ وكراهيتها مجددا وبخاصة الشعوب الشرقية.  

كراهية الفكر الاجتماعى للشعوب:  
كان المفكرون الاجتماعيون ـ فيما خلا قلائل مثل جان جاك روسو 1712 ـ 1778 ـ امثال توماس هوبز 1588 ـ 1679 وجون لوك 1632 ـ 1704 أو غسط كومت 1798 ـ 1857 ومورجان ودوركايم 1858 ـ 1917 ومونتيسكيو 1688 ـ 1735 و غيرهم قد تعين على دراسة المجتمع بغاية ضبط المجتمع والسلوك الفردى والتمثلات (العقلية) الجمعية وتحييدها او والقضاء على مسببات هياجها او تطرفها فى مواجهة السلطة القائمة. وكان معظم المفكرين قد تأثر بالفكر اليونانى حول المجتمع وبالتنظيم الرومانى للمجتمع من حيث ان تدرج الاخير او تراتبه Hierarchy وضروروية الحفاظ على تلك التراتبية بوصفها "سرا" نظاما مقدسا لا ينبغى  المساس به. وكان فلاسفة اليونان يعلنون تطيرهم من العامة ولم يتورع امثال ارسطو من وصم الاخيرين مما اخذه عنه مفكرون عرب ومسلمين امثال المعتزلة والمتكلمين والخوارج وكذا نظائر غربيين ممن اذكر فى بحث اخر. فحيث درج اعراب الشتات مثلا على استقطاب الحكام لم تنفك الرأسمالية بتنويعاتها ان راحت ولم تلبث ان نجحت فى استقطاب الطبقات الوسيطة والمتوسطة الا ان الشعوب بقيت وحدها غير قابلة للتطويع الا بقدر ما ترشى من ان لاخر او وتجهل ويعمش على وعيها بخلق شرط نشوء وعى زائع بينها. ذلك ان رشوة العامة تغدو عملية غير مجدية اقتصاديا، وبالمقابل ترشى فئات شعبية خصما على اخرى. وقد بقى استقطاب العامة مصادرة على مطلوب النتيجة مرة واحدة والى الابد وابعدها عن التحقق على نحو منته من حيث ان ذلك مشروع مكلف وكل مشروع مكلف لاصحاب المصالح لا يستقيم الاقدام عليه. وقياسا فقد بقى العامة الرعاع الدهماء الغوغاء اشد ما يخاف كافة المفكرين والحكام جميعا منذ المجتمعين اليونانى والرومانى الى المجتمعات اللاحقة. فان كانت روما مثلا قد عرفت بانها ترشو العامة احيانا فى اوقات استقطاب الاباطرة والقياصرة من ناحية والشيوخ من ناحية اخرى فقد كان ذلك نادرا. وكان ـ و هذا هو الاهم ـ العامة اقلية فى روما مقارنة مع العبيد بحيث يسهل رشوتهم نسبيا من وقت لاخر من ناحية ثالثة.

هذا ومن الملاحظ ان العلوم الاجتماعية البازغة كانت قد تساوقت فى القرن السادس والسابع عشر والاضطرابات والحركات الشعبية التى انتشرت فى اوربا الغربية وصولا الى الثورة الفرنسية فى نهاية القرن الثامن عشر حتى التاسع عشر (7) . وكانت عدة انتفاضات شعبية مناهضة للعروش الاوربية اجتاحت اوربا الغربية فى منتصف 1848 وقد اندلعت الاخيرة فى مواجهة حكومات اوتوقراطية وعلى خلفية غياب ما أسميه "الطبقات الوسيطة" ـ و كانت طبقات متوسطة لم تعرف بهذا الوصف بعد ـ و على تداعيات المظالم الاقتصادية مع نضوج الوعى الجمعى وارتفاع الحس الوطنى.

وقد قوبلت كافة الثورات بالعصف فانتهت بالهزيمة والفشل سوى انها تمخضت مع ذلك عن ففرضت اصلاحات ليبرالية غير مسبوقة رغم قلتها مثل حق الاقتراع للذكور الفرنسيين واستجابات لا معرفة بصورة كافية حول المطالب الوطنية فى المانيا وايطاليا كما تأسست بلجيكا فى نفس العام. الا ان البرجوازية الصناعية راحت تجأر مقسمة بالا تترك شيئا كذلك يحدث مرة اخرى وب "ان اللعنة على الاقطاع النغل" ولم تلبث الرأسمالية ما بعد الصناعية ـ المالية ـ ان اخذت تتعين على تصدير علاقات انتاج قنية اقرب الى العبودية الى امتداداتها تكريسا لتشويه نمط الاقطاع الغربى ونمط الانتاج الشرقى جميعا. 

ومن المفيد تذكران ايطاليا واسبانيا والبرتغال ـ و يسود فى ثلاثتهم نمط الانتاج الاسيوى ـ وكانت مقسمة الى امارات وقد بقيت الى وقت قريب تتمأسس على علاقات ملكية وانتاج اقطاع يعرف بال "مينى فونديا"Minifundia  وهى حيازات عائلية صغيرة متوارثة بقيت مكتفية ذاتيا ومستقلة اداريا حتى منيت بقانون الغلة المتناقصة بمرور الزمان وغلواء المنافسة مما دفع اصحابها للعمل فى الاقطاعات الكبرى مثل "اللاتيفونديا" Latifundia. والاخيرة مزارع شاسعة وتعود كلاهما الى العصر الهيلينى والوادى نيلى والرومانى. وتوجد اللاتيفونديا فى كاليفورنيا بالولايات بالمتحدة حيث تنتج ارقى وسائل الانتاج فى وادى السيليكون Silken Valley وتقوم على ما يسمى بالزراعة المصنعة Agribusiness بالعمل الاجبارى وتشارف نظائر فى النمط الاسيوى. فمن قال ان نمط الانتاج الاسيوى الشرقى ران الى الماضى لا ينتفض الا ليعيد النظام الى ما كان عليه قبل الازمة، اذ يرفض التطور ويعجز عن التغيير؟ وهل اتصل سفر تكوين تشويه ما عدى الغرب بالنمط الاسيوى الشرقى؟ هل يمكن وصف ذلك التحايل بالدقة العلمية او التاريخية؟ 

تعالق العلوم الاجتماعية وتعقيم التاريخ الغربى عقلانويا:
ازعم ان الدقة التاريخية Historic accuracy  ليست من مواهب الغرب ولا من هواياته حتى. فالدقة من شأنها ان تصادر على مطلوب السردية الغربية الرسمية التى ترفض بل تتطير من الجرؤ على النطق باسم الحقيقة الموضوعية تاريخيا. وقياسا، حيث اوقف كل ما هو غير غربى نقيضا لكل ما هو غربى بالنتيحة فقد كان لزاما على الغرب ـ ما ان زيف وشوه ودلس تاريخ كل ما عداه ـ ان يفعل المثل بتاريخه مجددا وهكذا فى دائرة مفرغة. ذلك ان حقيقة تاريخ الغرب او تاريخ الغرب الحقيقى كان حريا وما يبرح حريا به ان يكشف المستور ويفضح احابيله اللاتاريخية. ويلاحظ الناس فى كل مكان كيف ان الغرب ما يبرح يصدق نفسه مثلما يصدق جورج بوش الثانى ان غاية غزو واحتلال العراق غاية غيريه دافعها تحرير العراق ودمقرطه الشرق الاوسط الكبير الخ. وقياسا يجأر تاريخ الاستعمار الغربى بانه يحتل مجتمعات غير الغربيين تحقيقا لعبء الرجل الابيض White man s burden فى مشروع تحضير ونصرنة الاقوام المتوحشة المتخلفة البربرية انقاذا لارواحها ثوابا فى الرب، فقد جأرت الملكة فيكتوريا ـ ومرتزقة شركات  الهندا الشرقية يدكون المجن الصينية والهندية فى منتصف القرن التاسع عشر لاحتكار الافيون والقطن ـ ان بريطانيا "تحرر" الاهالى المساكين وتنشر الحضارة"(8).

فالواقع ان الدقة التاريخية مناقضة لمفهوم التاريخ الغربى الرسمى بداءة، فالاخير غير قابل للتدقيق فيه كونه يرفض التدقيق من خشية افتضاح حقيقته. ومن المفيد تذكر ان الاوربيين الغربين بقوا حتى سقوط غرناطة فى القرن الخامس عشر عبورا بالقرن السادس عشر ـ بل ربما نهاية القرن الثامن عشر مرورا بحرب القرم وعشية سقوط الخلافة العثمانية ـ محبطين يتطيرون من كل شئ فى تنويع على حال العرب والمسلمين اليوم. فقد كانت اوربا محاصرة بالاسلام من الشرق والغرب والجنوب، وكان الاسلام مركز الحضارة فى العالم، وكانت اللغة العربية وبقيت 700 عام  لغة العلم. فقد كان تطير اوربا من الاسلام واحدا من تداعيات حصار اوربا الغربية، الا ان مكونات حصار اخر كانت ماثلة تباعا مما قد لا تتسع الورقة له، ومنه مثول جمهرريات البندقية ونابولى شوكة فى حلق اوربا بكاملها حتى ما يسمى ب"الاكشتافات الجغرافية الكبرى"(9) وصولا الى نشوء العالم الجديد (10) . وأزعم ان نشوء "النهضة" فالعلم الغربى فى مناخ الاحباط والتطيير كان حريا بان يدفع الاوربيين الغربيين الى اجتزاء التاريخ والحقائق لصالحهم هم وخصما على من عداهم. واجادل ان العلم الغربى غدا "علما انتقائيا"  Reductive وباتت الانتقائية واحدة من ملامح  المعرفة الغربية من يومها والى وقت طوي ـ وربما حتى اليوم بمغبة مثول الخطاب الليبرالى الجديد ـ بأجندة المحافظين الجدد. وقياسا كان تاريخ الغرب الرسمى وحتى الشعبى حريا بان يصدر عن التعميش على وتزييف تاريخ ما عداه فيما يدعى التاريخ الغربى انه تاريخ البشرية.

وحيث تصدر مناهج البحث ومفردات ومفهومات البحث الغربى عن التاريخ الغربى ـ كون الاخير بقى مادة العلوم الاجتماعية بامتياز منذ 500 عام على الاقل ـ لا اتعين على الالتزام بمناهج البحث الغربية الا بقدر ما تخدم قضايا الفكر والتنظيم العربيين المسلمين. وازعم ان عدم التقييد بمناهج البحث الغربية بهذا الوصف ليس سوى سبيلنا الى الانعتاق من الارتهان باحابيل النظريات والاطر الفكرية ـ  البراديجمات ـ و المفهومات التى بات معظمها ـ مع العولمة خاصة ـ اقل من عديم الفائدة (11). فقد بات الباحث بهلوانا اكاديميا او لا اكاديمى يصدر عن الحكايات والشائعات ويقدم دلالات خطرة على نكات لا تزيد على مهزلة اكاديمية او حتى صحفية (12). (13)   فقد كان الباحثون والاكاديميون والمفكرون ـ و قد سقطت الحدود القومية مخلفة لا حدود ما بعد قومية او ما قبل قومية فى كل مكان منذ سبعينات القرن العشرين على الاقل ـ حريون بالمناداة بليل بالانفلات الكامل من التخصص الضيق والحيازات الاكاديمية البرجوازية الصناعية. وحيث لم يلبث الاخيرون ان راحوا يسوغون التسييب المنهجى العولمى من اجل الاسواق الحرة فقد:

ـ القى الباحثون والاكاديميون والمفكرون بالتخصص الضيق جانبا ـ وكأنه لم يكن ـ متباعدين عنه او متبرئين منه متحللين من الضوابط القديمة حد الفهلوة البحثية والبهلوانية المفهوماتية.

ـ غدى بعض الباحثين والاكاديميين والمفكرين ـ ولم يعد معدى امامهم ـ و قد وجدوا انفسهم مطالبين بتسويغ اقتصاد السوق والاستهلاك ـ انتهازيون بامتياز مما الف ما اعرفه بظاهرة الليبراليين الجدد يتبعون المحافظين الجدد ومعظمهم مأجور لدى الاخيرين. .

ـ تعينت انتهازية الاخيرين على تسويغ سيرورة الباحث الاكاديمي على الخصوص والمفكر ـ "حكواتى" او محض "راوى"(14) story teller.

ـ حتمت سيرورة الباحث محض راوى عدم التعرض لتعريف مفردات النظر ـ بل التحايل على التعريف المفهوماتى ـ انضباطا فى سواسيات مفهوماتية خانقة.

ـ تجاوزت الاخيرة الخصوصيات بانواعها.

ـ بات كل من الاذعان لتلك السيرورة ورفضها ضارين بمناهج البحث مجددا.

وازعم ان حاصل جمع تلك التحولات فى مناهج البحث الغربية ليس سوى محصلة ما اعرفه بالعقلانوية الجديدة وشعارها اتهام كل من يخالفها بالنظرية التآمرية و/ أو ابتخاس فكر من عداها وقد باتت تتاجر فى سوق نخاسة اللا فكر والتسطيح.   

عقلانية العلم الغربى واستلاب من عدى الغربيين: 
لعل بعض ما قد يسهم به هذا البحث ولو جزئيا هو تعريف العقلانية الغربية التنويرية وصولا الى العقلانوية الجديدة اجرائيا من جهة نظر المستهدفين للعقلانوية تلك. واجادل ان تعريف الرجل العقلانى ـ اجرائيا Operationally defined ـ ولست معنية بالتعريفات المجردة المطلقة ولا بالفلسفية على الاطلاق هنا ـ ان الرجل العقلانى تعريفا اجرائيا هو ما اسميه العقلانوى Rationalist فهو الفرد الذى كان وما يزال يدعى تكاذبا التحرق  لفك اسرار الطبيعة واجبارها على الخضوع له فالسيطرة عليها بوصفه معني بتطوير الطبيعة تخاتلا. ويعتبر الفرد العقلانوى الانسان كما الحيوان من مكونات الطبيعة عقلانيا. وقياسا لم يلبث الفرد والمجاميع والشعوب ان باتت موضوع تلك العقلنة. فحيث يمتلك الفرد العقلانى الارض وما عليها فانه يملك ان يفعل بها ما يريد ويرى. ومن المفيد تذكر ان العقل الغربى لم يكن ـ تعريفا اجرائيا ـ عقلا محضا او تشريحيا وانما هو عقل معقلن بدوره لا يستوعب شئ حتى يشكله على شاكلته او الاحرى يدعى تشكيله على شاكلته. واذ يتعين ذلك العقل المعقلن ـ و يختلف هنا العقلاني Rational عن ما اسميه العقلانوي   Rationalistـ على ادعاء تشكيل العالم حوله على شاكلته تكاذبا فان مكانا قد لا يترك لما هو غير قابل للتشكل على غرار تلك الشاكلة او/ وتلك المخضع لها غير الغربى ـ اللا عقلانى بالضرورة ـ وصولا الى ابادته ثقافيا كلما امكن تحت مسميات مدلسة.

وأزعم ان العقلانوية الجديدة ماتنفك تسوغ خلق شرط تحقيق غايات مشروع بات تباعا عقلانيا بامتياز منذ سقوط الامبراطورية الرومانية ـ عبورا بما يسمى "الاكتشافات الجغرافية الكبرى" ـ لحساب نشوء وصعود البندقية وفلورنسا الى مشروع (تجارى مالى) "تنويرى" غير مسبوق وصولا الى مشروع القرن الامريكى الجديد. واجادل استطرادا فى تعريف العقلانوية الغربية والعقلانوية العربية الجديدة ـ ان ما يسمى بالعقلانية العربية ـ وقد تعينت الاخيرة على الاخذ عن واستمثال عقلانية غربية ـ غير معرفة الا بوصف انها تصدر عن العقل الغربى غير المعرف بدوره ـ ان العقلانية العربية (15) كانت حرية بان تقع فى احابيل مفهوماتية بلا قرار. ذلك ان العقلانية (16) العربية ـ اجرائيا بدورها ـ لم تعد لها علاقة بالعقل المحض. وهى الى ذلك وبسببه تصدر عن مسلمات عقل غربى ـ بالضرورة ـ ممفصل مفلصف ـ من الفالصو ـ مخاتل بالنتيجة لا يجرؤ على التصريح بما يجول بخاطرة الا بقدر ما يتعين على فلصفة وتسويغ مفرداته. وما ينفك مثل ذلك العقل المعقلن ـ بمعنى اختلاف العقلاني Rational والعقلانوي   Rationalist ـ يحرم تعريف مفرداته أو/ و يعرفها بصورة اجتزائية Reductive مسبقةPre ـ conceived  وغير قابلة للمسائلة او المجادلة ترفض البديل منغلقةClose ـ ended  على نفسها كالسكين. ذلك ان تلك المفرادات كامنة فى ذهنية مركبة ترجع ذظريات وشعائر متساررة لا علاقة لها بما تفصح عنه علنا.

واذا اتينا الى مفردة العلم فان كان تعريف العلم هو ان يتم التخمين بامر او افتراض امر ما تستكل مكوناته بالتقدير ثم يضاهى ما تم تخمينه لاختبار قدرة الافتراض على التكرار بالاختبار مرة بعد مرة ف:

ـ هل ثمة اعمق تعريفا للدكتاتورية المفهوماتية ـ او الاصولية والتطرف النظرى ـ من رفض وتغييب المساءلة  والمجادلة.

ـ كيف يتأتى ان يدعى "العلم" ـ الاكاديميا الغربية ـ الانجلو امريكية تحديدا انها تملك اجوبة على كل سؤال حول "التخلف" مثلا ولا تطيق بل لا تسمح باختبار "علمها" سوى بفرضيات افكار مسبقة حول التخلف؟ كيف لا تسمح الاكاديميا الانجلوساكسونية والانجلو امريكية ـ وقد اوقفت الديمقراطية عليهما دون سواهما ـ فاحتكرتا تعريفها وتطبيقها ـ كيف لا تسمحا بمجادلة الاسباب التاربخية للتخلف؟

ـ ان سمحت الاكاديميا الغربية ب "لماذا تأتى "تخلف" ما قد يعادل  5\4 سكان العالم لحساب 5\1 العالم  لا تسمح تلك الاكاديميا والادب السياسي الغربيين بطرح السؤال "كيف" تأتى ان تخصم قوة وثراء الاخيرين على اغلبيات المفقرين فى العالم؟  

ـ كيف يكريس اتصال التخلف ليبقى السؤال الاخير ـ مما لا يقترفه النظر الانجلو ساكسونى ـ والانجلو امريكى ـ ممنوع /شبه محرم ـ يشارف التجديف مرة؟

ـ ومرة ثانية كيف لا يستوى شئ غير قابل للاختزل فى ارقام واحصائيات ان يدرج فى خانة ما يسمى غربيا علم او معرفة.  ذلك انه ان  صعب أو ان استحال على الاكاديميا الغربية/ الرأسمالية اختزال شئ او ظاهرة رقميا    Digital فى عداد ما يسمى غربيا "معرفة" بات ذلك الشئ وتلك الظاهرة خارج المعرفة الغربية what is not reducible  to numbers and statistics does not warrant being  knowlege.؟ 

عقلانية علم الاجتماع الداروينى واختزال الفكر وكل شئ فى ارقام وجينات: 
لا تختزل معظم مدارس الفكر الغربى في كل ما من شأنه ان يقدم فى شكل تسهيلات لبيع السلع ورفع الارباح على السلع والخدمات وكل شئ وحسب. وانما غدى اختزال الانسان نفسه ـ فى 47 كروموزون و6 اقدام من جدائل بروفيل الجينات Profiles DNA وفى صيغ ميكانيكية رقمية ـ كمبيوترية تماما ـ غاية معرفة الانسان او منتهى التجهيل "الانتقائى" بالانسان المطلق بالاحرى. ذلك ان تلك الارقام والصيغ حرية بان تعود فتتحكم فى معركة الجينات مرة ثالثة وفيمن يستخدم علم الجينات من اجله ومن ستوظف خصما عليه. فمن غايات مشروع علم الجينات ـ مثله كمثل علم المجتمع الداروينى الكلاسيكى ـ وقف عبقرية اقليات معولمة على عباقرة العولمة. 

واجادل ان سياق ومسارات معركة التعديل الجيني لا تزيد عن تنويعة "تنويرية" جديدة متعددة الوجوه لتطهير البشرية من شذاذ الافاق الجينية (العرقية بالضرورة) والاقتصاية والثقافية والتنظيمية والسياسية من المفقرين الذين عليهم ان يقبلوا قيادة الفصائل الراقية من الاغنياء الشبعين من اقليات الافراد ـ الرجال ـ الموثرين ـ واحاد النساء ـ المحظيات الملكيات ـ كحكومة معولمة.  ذلك ان تلك الحكومة المعولمة وعبقرية العولمة قد لا تزيدان عن عنصرية علمية Scientific Racism. وكانت الاخيرة قد ازدهرت بين كبار المستوطنين الاوربيين فى افريقيا والعالم الجديد ـ وتصدر عن تفرقة عرقية ـ نوعية  او جنوسية Gender انتقائيا احيانا ـ فيما يسمى ب"الفصائلية" Speciesim. وتعنى الاخيرة تنوع كافة "الحيوانات" قاطبة من الانسان الى الدواب ـ بنفس القدر الذى تدعو فيه تلك الفصائلية ل"عنصرية علمية" وتعمل على ارساء مواضعات عولمة زعامة العالم فى تنويع على ما كان بعضهم قد أعلنه باكرا وقبل حلول النازية فى اربعينات القرن السابع عشر من ان العالم ينبغى ان يحكمه الاثرياء الاقوياء(17) . فما هو سفر تكوين مناخ الفكر الغربى وماهى كيمياء نظرياته الاجتماعية الاقتصادية؟

بدايات العلوم الاجتماعية ومناخ اوربا الغربية:
كلنا يعرف بدايات علم الاجتماع الغربى والمناخ الذى ظهر فيه. فقد كان اباء معظم العلوم الاجتماعية والسياسية قد نشأ فى ظل تحولات كبرى فى اوربا الغربية منها ما يسمى ب "الاكشتافات الجغرافية الكبرى" وعاصر معظمهم ما سمى ب"النهضة"Renaissance  و"التنوير" Enlightenment وتاتي من الاخيرة مفردة الاليموناطى  Illuminate والانتلجينسيا, ولها تنويعات ماثلة حتى اليوم. المهم عاصر المفكرون والعلماء كذلك ما سمى ب "المبدأ الانسانوى" Humanism وغيره مما تفاعل معه الكتاب والمفكرون والفلاسفة ـ فاصدروا عن تداعيات تلك التحولات. وكان معظمهم بدوره من محصلة لتك التداعيات والتحولات اصلا وقد عبرت الاخيرة عن نفسها فيما اسميه هجرة "اعراب الشتات" الى اوربا الشمال الغربية ـ  فتعينوا على تفعيل تداعيات تمثلت فيما يسمى عصر النهضة والتنوير والانسانوية المشهود ذاك. وفى تعريف اجرائى مختصر للاخيرات فقد:

ـ كانت النهضة دينية اكثر من اى شئ اخر فى مواجهة ما يسمى بالاصلاح الدينى Reformation  اى انقسام الكنيسة الكاثوليكية على نفسها فى حركات بروتستانتية ـ ومعناها الطوائف العاصية الخارجة على الكنيسة على يدى مارتين لوثر (1483 ـ 1546) وكالفين (1509 ـ 1564) وبخاصة الفيلسوف البرتغالى اندلسى الاصل سبينوزا  1623 ـ 1677   وغيرهم. كما كانت النهضة تحسبا لما كان ياتي الكاثوليكية من الاندلس. وكانت البابوية الى ذلك قد راحت  بعد اكثر من 100 عام من الحروب الدينية 1336 ـ 1453 فى اوربا  تعيد النظر فى الكاثوليكية، ولم تنفك ان تعينت  بعد محض 5 سنوات على سقوط غرناطة على جذب ورعاية الفنانين من رسامين ونحاتين ـ والاف اعراب الشتات فاربن من اسبانيا المنصرة كاثوليكيا اصوليا مجددا الى اوربا الغربية ـ بغاية تكريس الرموز والاخيلة والايقونات المسيحية من لوحات ليوناردو دافينشى ومايكل انجلو والجيركو وكارافاجيو. فقد رسم دافنيشى الجيوكاندا فى 1503 ونحت ماكيل انجلوا تمثال داوود فى 1504. أى بعد بضعة سنوات من سقوط غرناطة.

و كانت النهضة الى ذلك تتمأسس فوق ثروة البابا وكان اغنى واقوى رجل فى العالم الغربى. وكانت الكنيسة تبرر التوسع الافقى والرأسى منذ الصيبيات الشرقية والغربية وتحلل الرق ويقتنى رجال الدين العبيد ويضاربون فى اسواق تجارة الرقيق ويتنافسون على اقطاعات العالم الجديد. وقد تساوقت النهضة واحراق الساحرات (18) ومحاكم التفتيش وتعقب العلماء وتحريم اللغة العربية. الا ان التنوير لم ينفك ان انتصر على النهضة البابوية فى القرن السابع عشر فراح  يدعى "علمنة" أوربا الغربية تخاتلا قياسا على اوربا الشمال غربية والجنوب غربية. ولم تلبث الكنيسة الكاثوليكية أن اجبرت على تحليل الربا فنشأ ما سمى بالبرجوازية الصغيرة من الحرفيين الاقطاعيين وبزغت الطبقات المالية التى كانت قد ترابحت فى المضاربة فى "الاكتشافات الجغرافية الكبرى". كما تساوق ذلك ونشوء الرأسمالية الاوربية فالامريكية المالية ما بعد الصناعية خاصة فيما يشارف صندوق النقد الدولى. 

ازعم ان سفر تكوين التنوير ـ وتعريف المفهوم تاريخيا ـ والمبدأ الانسانوى بشير الى كيف انهما كانا مسئؤلين عن تكريس مفهومات انتقائية عقلانية أو معقلنة للمساواة. بمعنى انهما تعينا ـ تحت لواء المساواة ـ على التفريق ليس بين البشر قاطبة  لا بين الجنسين وحسب. وانما فرقت  مفهومات المساواة التنويرية تكاذبا ـ بين فئات عولمت باكرا فى الطبقات الحاكمة والمالكة وحلفائها المسكوت عنهم وبين المحكومين قاطية. فقد بات اعضاء الطبقات الحاكمة مساو لبعضه ونظائره من اعراب الشتات من الماليين المهاجرين ـ وكان بعضهم مفكر وفيلسوف ومن انبياء وقضاة واحبار واسباط اؤلئك القوم معا ـ من اوربا الشرقية ومن الاندلس منذ القرن الخامس عشر مما عبر عن نفسه فى تزاوج تلك الاقليات فنشوء ارستقراطية عولمية والاحرى اقليات صفويى مالية على الخصوص (19). حين رحلت الافكار والنظم الى العالم الجديد لم تنفك المساواة الانتقائية العقلانوية ان يسرت نشوء أرستقراطيات مالية او ميروتوقراط مما اعرفه بالاقليات العولمية و ـ أو بالاوليجاكيات التى بقيت تتنوع ـ على مر التاريخ المكتوب والمسكوت عنه منذ سقوط الامبراطورية الرومانية على الاقل ـ على اوليجاركيات البندقية وفلورنسا تباعا. 

معمار لغة وخارطة المهاجرين الذهنية والتنوير:
كان منحنى القرن الثامن عشر والتاسع عشر قد حفل بزخم من حركات ديمغرافية فكرية معا. وكان بعض المهاجرين ممن اسميه اعراب الشتات قد تدفق على اوربا الغربية وبخاصة هولندا وانجلترا من اسبانيا الكاثوليكية ومن اوربا الشرقية وغيرها. والى ذلك ققد هاجر علماء وفنانين من اوربا الشرقية ومن الامبراطوريات السابقة على الرأسمالية مثل النمساوية والمجرية. وكان معظم المهاجرين من علماء ومفكرين من يهود اوربا الشرقية والشمال غربية. وكانت الهجرة حرية بان تتعين على توليف احوال المهاجرين والمهاجر وتوافق الاخيرة مع تلك الظواهر الديمغرافية غير المسبوقة نسبيا كما ونوعا مثلما تعين المهاجرون على اعادة تشكيل المجتمعات المضيفة تباعا على نحو غير مسبوق. وسرعان ما بات اثرياء الاخيرين وكان بعضهم من اباطرة نفط بحر قزوين وجنوب شرقى اسيا اوصياء على حكام المجتمعات المضيفة. ولم ينفك الاخيرين ان باتوا خداما للرأسمالية المالية الربوية. هذا وكان مناخ الهجرة والمهاجر قد يسرا بذلك الوصف لأباء العقلانية أمثال رينيه ديكارت Descartes 1596 ـ 1650 وسبينوزا 1623 ـ 1677   Spinoza وكانط 1724 ـ 1804Kant  وليبينز 1646 ـ 1716 Leibniz فى القرن السابع عشر وكان معظم الاخيرين اريسطتالى أو/ وسقراطى وهو شأن هام فيما يتصل بتداعيات مفهوم عقلانية القرن السابع عشر والثامن عشر كيمياء مواتية لمفصلة فكر جديد بات "غربيا" مرة واحدة والى الابد. وقياسا كان موسى مانديليس  Moses Mendelssohn ـ 1729 ـ 86 ـ   وكان الاخير اول من ترجم التوراة الى الالمانية (20) الى بروست 1871 ـ 1922 وفرويد 1825 ـ 1939 وكافكا 1883 ـ 1924 وغيرهم فى القرن التاسع عشر وبداية العشرين قد تعين على تكريس كل من معمار لغة وخارطة ذهنية تصدر عن تجربة المهاجرين مما قيض اعادة تشكيل نظيرتيهما الاوربية الغربية والامريكية فى تنويع مجدد على عقلانية نظائرهم فى القرن السابع عشر. ولك ان تلاحظ(ى) ان 4 من ال 7  مفكرين اعلاه مهاجر وله بالطبع اجندته التى تخصه فى وطن التذرع الجديد. واجادل ان التنويع المذكور كان حريا بان يولف ارهاص ما اعرفه بالعقلانوية مما يصدر عنه ويكرسه المحافظون الجدد والليبرليون الجدد كونهم باتوا أعلاما عليه بامتياز.

المهم لم يكن معمار لغة وخارطة المهاجرين الذهنية حريا باحتواء نظيرتيهما الاوربية الغربية والامريكية وحسب بل قيضتا استيعاب اللغاة الاوربية لاخيلة وتجارب وذواكر المهاجرين الفردية والجمعية. فقد تعين المهاجرون على اعادة انتاج تلك الاخيلة والتجربة والذاكرة فى اللغات  الاوربية الغربية مما باتت معه الاخيرة تنويع على معمار لغة وخارطة المهاجرين. فكيف يحلل الباحث المجتمع المضيف من بعد؟ وكيف تعرف التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية؟ وماذا يبقى من الطبقات الاجتماعية ملامحا فى تكوين المجتمع المضيف؟ وما هو مكان الاحزاب المعبرة عن تلك الجماعات؟  

ازعم ان ليس ثمة سبيل الى تحليل الواقع الموضوعى والوصول الى محصلات تقود الى حل مشكلات العالم ومشاكل اغلبيات المنتجين للحياة والكفاف من الخسائر الموازية للعولمة بسوى تعرية الكلمات من لحمها وشحمها المفهوماتى حتى العظام قبل استخدامها. والا فكيف يقيض لغير الغربى بهذا الوصف استعارة مثل تلك اللغة وما تنتجه وتعيد انتاجه من صيغ مفهوماتية بمحض ترجمتها حرفيا ـ كما الحال غالبا ـ الى مفردات علم ينفع غير الغربى ـ العربى أو ـ والمسلم؟ بل هل نفعت مفردات تعبر عن نفسها فى "حمولات" عاطفية وعصبية ـ غريبةAlien ـ بعض أهم رموز الاقتصاديين الغربيين انفسهم ـ ناهيك عن علماء الاجتماع؟ وكيف اذن تعين الغرب على انتقائية او الاحرى اجتزائية النظر الاقتصادى الاجتماعى ليس وحسب لمن عداه وانما لمراحل تطور الغرب نفسه؟ وما مغبة ذلك على العلوم الاجتماعية فى مجتمعات النمط الشرقى مثلا؟ وهل تعمش الفوضى الفكرية والتنظيمية على فتكرس تنويعة رأسمالية على الاقطاع الغربى بل حتى على نمط الانتاج الاسيوى الشرقى تسمى نفسها العولمة؟ 

عقلانية التستر على براديجما نمط الانتاج الشرقى وتشويهه:
ازعم فى دراسة اخرى انه بدون قراءة الاطار الفكرى لنمط الانتاج الاسويى او الشرقى متعالقا مع مؤلف ماركس "رأس المال" فان فهم ما يحيق بالمجتمعات التى استضافت وما برحت تستضيف اعراب الشتات فتمنى بالضرورة بفيروس الربا يستحيل فهمه ومن ثم تفكيك اللغة التى باتت حقلا من الالغام. فليس ثمة سبيل الى فهم مراوحة المجتمع الانسانى قاطبة عند المرحلة الثانية ـ الاقطاع بتنويعاته الغربية والشرقية اى العبودية الغربية المنقولة والاقطاع الاسيوى ـ من مراحل تطور المجتمع الخماسية الماركسية. ذلك انه ان استقر الربا فى مسام المجتمع الانسانى مرة واحدة والى الابد فان الانماط السابقة على الرأسمالية تبقى بدورها شاخصة لا تريم بغض النظر عن مثول جماعات متقدمة ـ قد تنتمى الى اللوحة الثالثة ـ البرجوازية الصناعية وجيزا و الرابعة الرأسمالية ما بعد الصناعية العولمة و بسبب ذلك فى امتدادات المراكمة المالية، أى حيث يتحور رأس المال ـ بمعنى تتشوه علاقات الانتاج والعمل ـ فيراكم رأس لمال  المشوه ذلك خصما على الطبقات الاجتماعية فيماخلا الحكام ـ و على المنتجين كافة فى المقياس المدرج. وتوصل تلك التنويعة من المراكمة الرأسمالية المالية خاصة الذين فى القاع الى ما هو ادنى من العبودية المنقولة بوسائل انتاج عالية التقنية على نحو غير مسبوق. ذلك ان تلك المراكمة تعبيرعن نقطة ارتكاز عولمية من شأنها ان تخصم بهذا الوصف على:

المجتمعات قاطبة ـ الغنية والملحقة والدائرة فى فلك المراكمة المالية ـ فى شكل الدين العام للدول أى الديون الخارجية.

ـ قدرت قيمة ديون الدول فى العالم فى ديسمبر 2007 باكثر من 600 ترليار دولار ـ الى الديون الفردية فى درجات المقياس. وقد دفعت الدول المفقرة وحدها خدمة على الديون ما قدر فى 2005 اكثر من 50 مليار دولار. وقد بلغ العجز التجارى فى 2005 و2006 اكثر من 700 مليار دولار. ويفوق عجز الموازنة الامريكية 400 مليار دولار سنويا منذ ثمانينات القرن العشرين(21). أى ان رأس المال المالى وتحتكره اقليات عولمية بفوق ثروات كافة الدول العالم وقد باتت الاخيرة رهينة لراس المال المالى.

ـ تخلق المرحلة الرابعة الرأسمالية الصناعية السلعية شرط نشوء طبقة عاملة صناعية اى البروليتاريا الصناعية حيث ينكص العامل الصناعى الى مرتبة العبد او القن على افضل تقدير كما فى جنوب شرقى اسيا وفيما يسمى تصدير العمالة Out sourcing والمراكز الخدمية اى مراكز استقبال المكالمات الهاتفية  Call Centresو فى  بعض بؤر العمالة المسترخصة فى المتروبوليتانات.

ـ مصادرة  شرط نشوء المرحلة الخامسة اى الاشتراكية وصولا الى انكسارها. 

وأجادل ان تاريخ الغرب ـ الرأسمالية العرقية العنصرية ـ كان قد اتصل باكرا بمفهومات نمط الانتاج العبودى وبما جاء فى تحريفات الاصحاح القديم من تفضيل الرعاة على الفلاحين والذراية بالاخيرين تسويغا لاسترقاقهم. وقد تعين البلاشفة على خصم حقوق البروليتاريا على الموجيك قياسا على المناشفة اللذين أنتصروا للموجيك الفلاحين الروس ابان ثورة 1917. وحيث كان الفلاحون قد الفوا وما يبرحون يؤلفون أغلبية البشرية فان الذراية بهم لا تزيد على الذراية بالبشرية بل كراهية البشرية وأبلستها Demonising it. ويثابر المحافظون الجدد وحلفائهم ـ بخطاب مدفوع الثمن ـ على القول بان الشعوب تستحق ما يحيق بها وان المشروع الامريكى الجديد قد يخطئ وحسب ان اقروا علاى الاطلاق باى سلبية فى ذلك المشروع "اليوتوبى" بامتياز فيما يتجاوزون جرائم الاخير بحق الانسانية. وازعم ان كراهية البشر تصدرعن عقلانية ممعنة متأصلة لا تزيد او تقل عن المخاتلة بقول انصاف الحقائق فى افضل الشروط كون ذلك من التقوى ومن ايمان اعراب الشتات وحلفائم المرغمين والمتواطئين ارتزاقا. ويلاحظ الناس فى كل مكان ان اعراض أو الاصابة بفيروس عقلانية الرأسمالية ما بعد الصناعة ـ العولمة ـ كونه عدوى من أعراب الشتات ـ يتمثل فى اكثر صوره تعبيرا فى لا مبالاة اعراب الشتات وحلفائهم بما يحيق بالبشر بل العكس يشوق بعضهم ايصال الانسانية ( غير البيضاء تكتيكيا على الاكثر) الى حافة الخراب.

و اجادل أن سفر تكوين نزوع الرأسمالية نحو حض الناس على الاستدانة وتوريطهم  فيما يوردهم موارد الافلاس والدمار ليس سوى تمثلا لانتشار عرض من اعراض ما يشارف كراهية البشر بين اعراب الشتات. ويتمثل ذلك اكثر ما يتمثل فى توريط اعراب الشتات وكذا الرأسمالية بتنويعتها الفطيرة وبخاصة الرأسمالية ما بعد الصناعية ـ العولمة ـ الاغلبيات البشرية فى كل زمان وسلالاتها فى الربا ديونا حتى الدمار. وتفتضج كراهية ـ العولمة ـ الرأسمالية المالية المعاصرة ـ للبشر فى طبيعة رأس المال الربوى وفى حقيقة رأسماليين يراكمون بلا رأس مال. فالاخيرين تنويع على وكونهم احفاد اعراب الشتات. وما تبرح منظومة القيم الاخلاقية الاوربية الغربية وبخاصة الانجلوساكسونية ـ والانجلو امريكية بالتماس ـ و قد اتصلتا بدورهما بالبداوة البحرية والقرصنة عبورا براسمالية تعصف بالمستقرين اى بالفلاحين ـ تعبران عن نفسيهما فى عنصرية وطبقية بائنة. وما تبرح الرأسمالية الانجلو ساكسونية انجلو امريكية ما بعد الصناعية ـ العولمة ـ تعيد انتاج استرقاق غير الغربى. وتعيد الاخيرة استرقاق من عدى الغربى وبخاصة شعوب العوالم الثالثة والرابعة (22) بمغبة تصدير عمليات انتاج الغذاء ـ و ارغام العوالم الثالثة والرابعة على تصدير الماء شمالا فى شكل محاصيل غذا\ئية لاستهلاك الغرب فى كل المواسم  فيما سمى تقسيم العمل الدولى ـ و استيراد عمالة مدربة متخصصة ومسترخصة من امتدادات الرأسمالية ما بعد الصناعية من العوالم المتضورة لتلك العمالة مما يؤهل بمال دافع ضريبة مفقر بدوره. 

و قد بقيت تلك الرواسب فى تنويعات على نفسها وما تبرح تناسب شرائح السلطة القائمة فى كل مكان وحلفائها على الخصوص فيكرسونها من حيث ان تلك الرواسب ما تبرح تؤلف اهم ما تتمأسس فوقه مشاريع الرأسمالية بتنويعاتها وبخاصة ما بعد الصناعية ـ العولمة. ذلك أن الاخيرة كانت حرية بان تكرس مطلوب الاسواق والاستهلاك والانفاق بغير ترو والتخلى عن ثقافة الادخار. وكان الغرب قد ادعى ان الاخيرة  الفت اهم بعد من ابعاد المراكمة الرأسمالية الغربية تكاذبا بالطبع والتطبع العقلانيين. فكأن اصحاب انماط الانتاج السابقة على الرأسمالية مبذرين متلافين لا يملكون موهبة مراكمة رساميل فالنشوء صاعدين الى مرحلة تطور اعلى الى  "الحداثة" (واضعها بدورها بين هلالين حيث  بقيت فظائع التوسع ومغبة ما يسمى ب "التقدم الاوربى الغربى وغيرها قرون وما تبرح) (23). ولم تلبث الحداثة المذكورة ان اسلمت مكانها لما بعد الحداثة Post ـ modernism وكأن الحداثة ناشئة صاعدة الى ما بعد الحداثة فى حين ان ما بعد الحداثة انتفاء للحداثة بل نهاية محققة للاخيرة. فكيف ياخذ علم الاجتماع وغيره من العلوم الاجتماعية عن مثل تلك المخاتلة المفهوماتية والتنظيمية الضارة اشد الضرر بالعلم ومحصلاته؟  

تشوه مادة علم الاجتماع بفيروس مجتمعات مشوهة بالفوضى المهيكلة:
كانت معظم العلوم الاجتماعية قد بقيت ـ منذ سقوط الخلافات الاسلامية المشرقية والمغربية ـ تأخذ كما اكون قد ذكرت فى مكان اخر ـ عن التاريخ والمجتمع بوصفهما المادة الخام لتلك العلوم. وقد تعينت اوربا بعد انحسار الحضارة الاسلامية على الاظلام على الاخيرة فباتت عصورة مظلمة تنويعا على ما كانت اوربا الغربية قد منيت به بعد انهيار الامبراطورية الرومانية وحلول المدن الدول كالبندقية مكان روما وكانت البندقية  وبقيت لوقت طويل  مدينة اندلسية اكثر منها ايطالية. ولم تنشأ الدول القومية لوقت طويل نسبيا  بقيت بعض المدن الدول عنيدة تقاوم الذوبان فى دولة قومية على عكس ما يدعى انها نشأت صبيحة سقوط الامبراطورية الرومانية هكذا كعلامات المرور من سقوط ظاهرة وقيام اخرى. وقياسا فلعله من المفيد تذكر انه ما ان سقطت الخلاقات الاسلامية فقد باتت العلوم الاجتماعية الغربية معنية بتزييف التاريخ بتكريس مقولة العصور الوسطى وكأنها عصور الانسانية بكاملها. ولم تنفك العلوم الاجتماعية العربية والتاريخ العربى بكامله أن بات بهذا الوصف محض فائض انتاج ما يسمى العلوم الاجتماعية الغربية والتاريخ الغربى. وقياسا ف:

ـ  ان تاريخ الانسانية الرسمى كان حريا بان يلحقه تزييف اوربا لتاريخها وتاريخ من عداها بالتماس.

ـ ان المجتمع الاوربى الغربى كان حريا بدوره ان يؤلف ـ فيما خلى الطبقات الحاكمة وحلفائها ـ عقبة فى وجه المراكمة الرأسمالية والمسيحية الغربية. فقد الفت الشعوب والحركات الشعبية وكل من عدى الحكام ـ وقد وقف على رأس الاخيرين رجال الكنيسة والعروش واصحاب المال والاعمال ـ هاجسا يتعين على الاخيرين مفصلة نظريات وبراديجمات لا متناهية غايتها قمع وضبط "المجتمع" فى افضل الشروط ان لم يكن القضاء على مفهوم المجتمع بهذا الوصف. وقد باتت صيحة "ان ليس ثمة شئ اسمه المجتمع" شعارا معلنا منذ ثمانينات القرن العشرين. ولا يندرج تحت مفهوم الشعوب ـ العامة ـ الغوغاء الدهماء ـ شعوب اوربا الغربية والولايات المتحدة من بعد وحسب وانما كل من عدى الاقوياء الاثرياء الذين يجلسون هكذا بعيدا عن التلوث بالعامة الغوغاء الدهماء.

ـ باتت الرأسمالية والمسيحية الغربية وبقيتا وجهى عملة واحدة

ـ ان الرأسمالية ما بعد الصناعية ـ العولمة ـ على الخصوص تعينت على القضاء على سلطة الاخيرة او كادت او ـ و

ـ ان الرسمالية ما بعد الصناعية ـ العولمة لم تنفك ان حلت مكان المسيحية الغربية بتنويعاتها الكاثوليكية والبروتستانتية الافانجلية الانجلوامريكية المتطرفة

ـ أن الاخيرة لم تنفك ان راحت تجأر بانها مسيحية يهودية او صيهونية مما يلاحظه الناس فى كل مكان. ان الاخيرة تعبير عن الرأسمالية المالية بامتياز

ـ ان الغرب ـ امريكا ـ المسيحية الصهيونية تدعى ان لها الحق فى قول اى شئ فى اى وقت

ـ ان النظريات الاجتماعية الاقتصادية باتت بائرة وحلت مكانها براديجمات فصلية

ـ ان البراديجمات الفصلية تبور بدورها مع دوران الفصول مثل المودة تماما او ـ و الاحرى تتحور لتعود الى نفسها مجددا تحت مسميات اخرى تخاتلا على كل من النظر والتنظيم الاجتماعى الاقتصادى بل العلمى المحض احيانا كثيرة (24) .

وتنشر الرأسمالية ما بعد الصناعية الفوضى الفكرية والتنظيمية المنظمة او المهيكلة بالبراديجمات الفصلية والاطر النظرية الموسمية Seasonal Paradigms التى سرعان ما تبور كالسلع الاستهلاكية أو ـ و تنتهى مدة صلاحيتها بتاريخ معين Sell by date مخلفة مكانها لبراديمجا اخرى او اطار نظرى اخر قبل ان ينتبه الناس على ختل البراديجما الاولى والثانية وغيرهما جميعا. وازعم ان احتكار مفصلة الاحداث بهذا الوصف قمين بان يخلق شرط الفوضى الفكرية والتنظيمية جميعا. فكيف يتعين ترتيب الاحداث فى خضم ما يسمى الفوضى المنظمة؟

الفوضى المهيكلةStructured Chaos  والمحافظين والليبرالين الجدد: 

ليس ما يسميه بعضنا الفوضى الخلاقة بغبطة طفل عثر على دمية او من اكتشف سرا عظيما وراء ما يحيق بنا فملك بالتالى ربما ترياقا له ولو غيبيا او/ و الاحرى تبريرا لعجزنا عن فعل شئ ـ فكرة حديثة. فقد كان مفهوم الفوضى الفكرية والتنظيمية التى تعبر عن نفسها عشية الاحداث الكبرى وتهيئ بدورها شرط نشوء الاحداث الكبرى معا تبدو بامعان النظر وكأنها من ممفصلات وتفعيلات جماعات بعينها بقيت تملك خلق شرط تلك الفوضى عبرالتاريخ المكسوت عنه وتباعا. وقد تحورت تلك الفوضى الى نظرية الفوضى الخلاقة والاحرى نظرية "التدمير الابداعى" Destructive Chaos فكرة تعود الى فلاسفة قدامى منذ الصين ووادى النيل الاسراتى واليونان وغيرها وصولا الى القرن التاسع عشر وتباعا. وتعود نظرية الفوضى الحديثة نسبيا الى  توماس هوبز  ـ Hobbes 1588 ـ 1679. (25) ويعتقد ان جاك سولومون هادامارد Jack Hadamard   ـ 1825 ـ 1963 ـ  وهنرى بوانكارييه Henri Jules Poincare ـ 1854(26) وجوزيف شومبيرت ـ 1883 ـ 1950  Joseph Schumpeter قد تعينوا على ترهيف نظرية الوظائف المركبة لنظرية الفوضى. وقد كتب شومبيتر مقالا فى نظرية الفوضى فى  1900.

وكان شومبتير الذى قال ـ عكس المحافظين الجدد ـ اى الرأسمالية ما بعد الصناعية ـ بنهاية الرأسمالية الا اننى ازعم انه بامعان النظر قد لا يكون شوبمبيتر مخالف للمحافظين الجدد. ذلك ان الاخيرين اذ يتنباؤون بنهاية العالم بل لعلهم ينتنباؤن بنهاية الرأسمالية على الارض كما نعرفها. ففى نهاية العالم نهاية الرأسمالية ما بعد الصناعية وقد افتضح جشعها غير المسبوق بهذا الوصف وليس بوصفها تنويع على او نشوء الى مرحلة تطور جديدة. المهم لعل اكثر ما يهم علم الاجتماع هو التعرف على ما تقارب به تلك النظرية الاحداث الاجتماعية سواء بتحليلها او الاحرى التعين على خلق شرط حلول الفوضى الاجتماعية الاقتصادية بينها. وازعم ان صناعة المال من التلاعب بسعر المال وقد بات يباع فى اسواق المال كسلعة وفى اسعار السلع الاستراتيجية (كالنفط والذهب) الخ يخلق فوضى دورية يلاحظها الناس فى كل مكان خاصة وقد تواتر مناويلها مؤخرا. وقد باتت تلك الفوضى تتحكم فى الاحداث الاجتماعية على نحو غير مسبوق. وتخلق فوضى اسعار المال والسلع الاستراتيجية فوضى الاحداث فتوصل الاخيرة الى ما يبدو كأنه طريق مقفول.

وتوظف الطبقات الحاكمة وحلفائها نظرية الفوضى مثلما تفعل الادارات الامريكية المتعاقبة والمحافظون الجدد مثلا، او نظرية الفوضى المسماة خلاقة والاحرى المدمرة فى اختصار الوقت والطاقة نحو تحقيق اجندة الحكام وحلفائهم. وقياسا يخصم تحقق تلك الفوضى على شرط نضوح الحركات الشعبية بين المحكومين. ويزعم بعض المفكرين والساسة بان اختصار الوقت بين نضوج الحركات الشعبية ونجاحها فى تحقيق اجندتها حري بان يوصل الاخيرة الى طريق مفقول. ويرى اؤلئك المفكرين والساسة ان استباق الحركات الشعبية فالسخط الشعبى بداءة ب"ثورة" فوقية من شأنه ـ تكاذبا ـ تسريع عمليات التطور والنشوء. سوى انهم لا يذكرون سوى انصاف الحقائق وهى ان الثورة التى تأت من اعلى لا تستبق الثورات التاريخية الموضوعية وحسب وانما تتعين على ثورات "بيوريتانية" اى اصولية متطرفة لا تقبل البدائل. وحيث ان الثورة البيوريتانية اصولية متطرفة بطبعها فهى وكانت دائما تنويع على الديكتاتورية تتلفع بعباءة ديمقراطية متكاذبة.  

فما الذى يبقى ـ مع الفوضى المهيكلة ـ من فئات التمايز فالصراع الطبقى التحليلية؟
اجادل ان الثورات "البيوريتانية" استباق للحركات الشعبية وضغينة على الاخيرة. فالتعريف الاجرائى لمفهوم البيوريتانية اختصارا غالبا ما لا يقل عن تكريس شرط اختزال تلك الحركات فيما يعصف بها وبغاياتها لحساب جماعات تبادل الشعوب العداء. وكانت تلك الجماعات تعصف بالشعوب على مر التاريخ. وييسر العصف بالشعوب خلق شرط ابلسة To demonize or vilify الحركات الشعبية والعكس صحيح. وحيث لا تزيد الثورات البيورينانية على التذرع باختصار الوقت تخاتلا فان اختصار الوقت من شأنه القضاء على شرط نشوء ونضوج ظواهر واحداث بعينها مثل التمايز الصراع الطبقى والحركات والانتفاضات والثورات الشعبية. وتتعين الثورات البيورتانية الى ذلك على استباق الحركات الشعبية  فاعادتها الى ما كانت عليه قبل ان تندلع. وكأن نظرية الفوضى المهيكلة ليست سوى اعادة انتاج للثورات الشرقوية التى كان نمط الانتاج الشرقى قد اتهم بها من حيث انها لا تملك سوى اعادة النظام الى ما كان عليه قبل الانتفاضة الشعبية.

المهم يعبر استباق الثورة البيوريتانية عن نفسه ان امعنا النظر قليلا فى تلفيق حركات وانتفاضات وثورات بديلة ـ وفى ضرب الحركات الشعبية باستباق السخط الشعبى الذى ينذر بانتفاضات الاغلبيات المفقرة. وتتمثل الثورة البيوريتانية فى حركات "جماهيرية" مشبوهة كالثورات الملونة ـ من المخملية والبرتقالية والبنفسجية الى ثورة الازز والهيجليج الخ ـ  فى اختراق الوعى الطبقى قبل نضوجه وفى نفى شرط الصراع الطبقى وغير ذلك من الاحداث والظواهر التى تهدد سلطة وثروة من اسميهم بالاقليات العددية الاغلبيات السياسية والاقتصادية فى كل مكان. هذا وقد يتفق او يختلف شومبيتر مرة اخرى مع المحافظين الجدد من حيث انه اذ يتعين الاخيرون على التدمير الابداعى Creative Destruction او الفوضى المدمرة Destructive Chaos يزعمون بان التدمير الابداعى يغدو السبيل الى بناء صرح أهم مما سبقه(عودة المسيح وحلول شرط ارض الميعاد).  على ان شومبيتر قد يختلف مع المحافظين الجدد ـ الرأسمالية ما بعد الصناعية ـ على تعريف ما هو اعلى واسمى حيث يرى الاخيرون ان ما هو اعلى واسمى هو نهاية العالم.

ويختلف الناس حول ماهية تلك النهاية وهل هى يوم القيامة ام عودة المخلص؟ ام الدمار الكامل للبشرية بعد ان يكون المحافظون الجدد وعلمائهم قد تعينوا على مستعمرات الفضاء التى تحرر اقوام ممتازة عرقيا بالضرورة من سكان الكرة الارضية من عرض او مرض يشار اليه  بطفولة البشرية الطويلة و ـ أو يقيض الفضاء ملاذا لصفوات بشرية من اغلبيات غير بيضاء تلوث العالم بالتكاثر بجنون ـ قياسا على ما قيضت البندقية لصفوات الرومان ـ الخزر ـ اعراب الشتات ـ ملاذا من القوط المتوحشين غب سقوط الامبراطورية الرومانية؟  

مغبة طرح اسئلة تشارف الخطيئة المميتة:
ادرك مغبة (27) بعض من قولى وتداعياته لدى بعض الليبراليين الجدد نيابة ـ  وقد تعهدوا السمسرة فى تيسير ـ خطاب واجندة المحافظين الجدد (28). واذ ادرك ان اسئلة كتلك التى يطرحها البحث قمينه بان توصم بجحود "تراث الانسانية" ـ البيضاء الغربية بالضرورة ـ فالرأسمالية بتنويعاتها الانجلو ساكسونية ـ الانجلو امريكية ـ الا اننى ازعم انه اذ تقصى انتقائية البشرية الرأسمالية ما عداها خارج الانسانية ـ البشرية ـ لا تترك خيارا سوى مجادلتها. وحيث كانت الكاثوليكية تتطلب الايمان بلا مجادلة فتتعقب الملحدين والكافرين بالالحاح عليهم او ـ و تعاقبهم بجريمة الكفر او تنصر الوثنيين قصرا فقد كانت البشرية حرية بان تستقطب بين مسيحيين وملحدين او ـ و وثنيين ـ يسهل اقصاءهم خارج حظيرة الايمان والبشرية قاطبة. وان راحت أوربا الغربية تجأر ب العقلانوية التى غدت نقيض الايمان والعاطفة فقد راحت البشرية تتقلص مرة اخرى اذ حشرت فى سواسية عقلانية تقصى كل ما لا تراه "لاعقلانى" اى عاطفى. وقد راحت الرأسمالية تنادى بديمقراطية ـ انتقائية ـ و بالتحضر وما بعد الحداثة فانكمشت البشرية مرة ثالثة وغدت قاصرة على الديمقراطيين ما بعد الليبراليين الجدد, فقد أبعد كل من عدى الاخيرين انتقائيا أو ـ و صوغت عمليات دقرطتهم بالقوة و"تحديثهم" خصما على خصوصياتهم الثقافية والتاريخية فى نفاق ووصولية سياسة (29).

و اخيرا: ما العلم؟

1 ـ انقاذ مادة العلوم الاجتماعية الخام من التاريخ:
اذا كان التاريخ الانسانى مادة العلوم الاجتماعية فينبغى تعريف مفرداته وصولا الى تاريخ بديل باعادة  كتابة التاريخ العربى والاسلامى مجددا.

Social studies have and continue to draw on history as raw material. If history has become more and more controversial it become imperative on social scientist to re ـ write history particularly Arab and Moslem history which had become since the fall of Granada a foot note at best in the Western Narrative and at worst denied all together.

فان كان التاريخ مادة علم الاجتماع وعلم الاقتصاد السياسى وغيرها من العلوم الاجتماعية المتصلة بالاحداث الهامة فى المجتمع الانسانى فان ما يصدر عن تاريخ مزوق فى افضل الشروط او ـ و مفبرك فى اغلبها ـ  حرى بالا تستقيم مشتقاته ومن ثم محصلاته.

2 ـ انقاذ اللغة فالمفردة الكلمة مادة الفكر ـ  من كمياء الاستحواذ Expropriation:
فكل كلمة حرية بهذا الوصف ان تكون محملة بشحنات عاطفية ومشاعر وغايات واغراض وتجارب تاريخية جمعية ورسمية على الخصوص. فان باتت اللغة تعبير عن مخططات وسيناريوهات سياسية وعسكرية تستهدف اقوام وشعوب نحن منهم فكيف تستعار كلمات مشروع غريم بلا تردد بل باحتفال وسعادة؟

و تدرك الرأسمالية العرقية العنصرية أن الكلمات ـ كما يقول ستيفين بنكر   Steven Pinker فى كتابة المادة التى يصنع منها الفكر  The Stuff of Thought ـ  هى نافذة على عقل الفرد واقول على روحه معا. ذلك ان الانسان يعيش على الكلمات ونستخدم الكلمات لنعبر بها عنا وعن حياتنا وما نراه حولنا وعن عواطفنا والافكار الاساسية التى تتشاركها البشرية الحقيقية من مفاهيم المادة والفضاء والزمن. وتستخدم اللغة "الممفصلة" ـ بسوء قصد ـ المسييسة فى صيغة الماضى لتعبر عن حقائق وكأنها معلومة ومفهومة  بلا تغيير وانها لا متناهية. وتستخدم اللغة فى المضارع للتعبير عن احداث لا يزيد عمرها عن 3 دقائق. ويستخدم مفهوم الزمن وكأنه قابل لان يسترسل او يمكن "مطه" الى ما لانهاية (30). (31) فقد بقى الزمن المسيحي الغربى خطيا Linear يتصل من الخلق ونزول ادم وحواء الى الارض عبورا بمركب نوح الى يوم قيامة مما يتعين مشروع القرن الامريكى الجديد على توقيته.

و كان الزمن الرأسمالى قد اتصل من سقوط الامبراطورية الرومانية المقدسة الى جمهوريات المدن الدول الايطالية عبورا ب"الاكتشافات الجغرافية الكبرى" ووصولا الى  تمثلات مشروع القرن الامريكى القيامى. وبالمقابل بقيت رحلة افكار الغرب العلمانى متصلة بسفر تكوين الغرب الفكرى باليونان الملفق والمسكوت عن حقيقته الموضوعية  حتى عالم التغيير المناخى الذى ينذر بكارثية محققة بدوره. وقد أدخلت تلك السيناريوهات الملفقة حول مراحل تطور البشرية ـ البيضاء بالطبع ـ  فى روع الغرب ـ الرأسمالية بتنويعاتها ـ ان التطور صاعدا ناشئا الى اعلى على نحو خطى. فان هلت الالفية الثالثة فان العالم قد خطى قدما متطورا على القرن العشرين. والواقع ان الرأسمالية محقة فى تصور تطورها هى وصعودها الى اعلى بواقع معدلات الربح والمراكمة الرأسمالية. على ان ذلك لا يعنى ان التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية والطبقات او حتى انماط الانتاج فى حالة صعود الى اعلى باى شكل من الاشكال. بل العكس. فليس ثمة تعالق طردى تناسبى بين تطور وسائل الانتاج وتطور علاقات الانتاج ولا نشوء بل نكوص التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية انماط الانتاج.  ذلك ان العلاقة تضطرد تناسبيا بين تشوه علاقات الانتاج ونكوص التشكلايت الاقتصادية الاجتماعية. والا كان ظهور الساقية فى القرن الثالث قبل الميلاد او كانت الهند حيث اخترعت السافية قبل أن تنتقل الى وادى النيل البطلمى اول نمط انتاج اقطاعى فى التاريخ.  

و قياسا فليس الاستباق الدفاعى وتحرير او دمقرطة غير الغربي سوى تنويعات على مفهومات "عقلانية" اى معقلنة تسمى التوسع فى ارض الغير مما يزوق بمفهوم المقدر الجلى و القسمة البائنة Manifest Destiny  والتعذيب ترانيم موسيقية Rendition . وتتصل تلك المزوقات بصعود الرأسمالية ما بعد الصناعية المالية خاصة الى اعلى وعلاقات انتاجها ومراكمتها خصما على علاقات انتاج ومراكمة ما عداها من انماط الانتاج.

وازعم انه يستحيل فهم تاريخ أوربا بدون ادراك مفاهيم متستر عليها مثل حق الفتح Right of Conquest والتدافع نحو اقتسام افريقياScramble for African  وغير افريقيا الى الفضاء الحياتى الالمانى  Lebensraum ـ German Habitat or Living Space. خصما على الشعوب السلافية الخ مما اجادله فى بحث اخر. ويقول مايكل كيمين Michael Kimmen ان فهم الامة الامريكية نمط اللا انتاج الشمال امريكى ـ الرأسمالية ما بعد الصناعية ـ العولمة ـ يستحيل بدون فهم مصطلح القسمة او المقدر الجلى البادى للعيان والفكر Manifest Destiny  الواقف وراء ذلك التاريخ (32) .

و ازعم أن المقدر الجلى وتنويعاته من حق الفتح والتدافع نحو افريقيا وغيرها الى فضاء الشعوب الجرمانية من اجل الازدهار يتعالق ومفاهيم مثل المبدأ الانسانوى. ذلك ان المبدأ الانسانوى يتعين على خلق عالم خيالى فى اذهان مفكرين راحوا يفضلون ابراج عاجية على الحياة بين الناس وقد صوغوا بالممفصلات المذكورة اعلاه من حق الفتح والتدافع لاقتسام افريقيا وما يسمى ب"الكتشافات الجغرافية الكبرى" وغيره  كون تلك الممفصلات كانت وبقيت سبيل اوربا الغربية والغرب قاطبة بدرجات المقياس الى التوسع والتقدم فالازدهار خصما على من عداها من شعوب الارض او ـ و فى ارض بلا صاحب.

و كان معظم تلك المشاريع وصولا الى مشروع القرن الامريكي الجديد ـ قد خصم ويخصم على شعوب العالم من السكان الاصليين الى العرب والمسلمين. ذلك ان الاخيرين كانوا مع ذلك وبسببه شعوب تجلس فوق ثروات طبيعية من معادن نفيسة كالذهب والماس وسلع استراتيحية كالنفط واليورانيوم وخلافهما وبخاصة الماء. ولعله من المفيد تذكر انه كلما كانت اقوام غير غربية تجلس فوق ثروات طبيعية بالوصف اعلاه كلما راحت الرأسمالية الغربية تدعى ولو سرا ـ انها هى صاحبة تلك الثروات بحق الفتح او ـ و بالقسمة او المقدر الجلى البادى للعيان والفكر او بالتدافع او ـ و بتوسيع الفضاء الحياتى للشعوب الغربية. وكلما تفاقم التوسع كلما افقرت تلك الاقوام غير الغربية. فالمفقرين هم كذلك لانهم اغنياء بمقدراتهم الطبيعية والبشرية We are impoverished because we are rich. وكأن افقارنا بجريرة امتلاكنا موارد طبيعية وثروات وطنية بما فى ذلك الشمس والهواء والقدرة على التكاثر مما لا نستحق اى منه كون تلك الاقوام تلوث الارض.

فما العمل؟
اهو العمل الجماعى على اعاة تعريف المفردات اجرائيا فى سياق تاريخى موضوعى ونحت مفردات جديدة تعبر عن واقع المجتمعات المستهدفة من قبل العولمة والليبراليين الجدد كونهم تنويع على المحافظين الجدد؟ وهل ابقى للعرب والمسلمين سوى ابداع اعادة كتابة تاريخهم ,محاولة لتغيير عالمهم؟

3 ـ امتلاك القدرة على الابداع وتغيير العالم:
حرمت الرأسمالية يتنويعاتها على امتداداتها وسكانها الابداع فيما راحت تخصم تقدمها على حضاراتهم الجمعية وحكمهم الشعبية جميعا أو ـ و ادعائها دونهم. وقياسا فان توفر شرط الابداعات الفردية والجمعية قمين بتحرير الفرد والجماعات والعكس صحيح ايضا. فتحرر الافراد والجماعات شارط للابداع. ولعل الوعى على ذلك وادراكه بصورة عميقة حرى بان يقيض للمثقفين والمفكرين العرب والمسليمن الشرفاء الايمان بقدرتهم على خلق شرط الابداع فى الواقع. فالابداع هو امتلاك الفرد شئ لا ينازعه فيه أحد. والابداع هو الايمان بشئ وجعله يحدث لكون المبدع على استعداد لدفع ثمن المثابرة على الخلق يقينا فى محصلة ذلك الخلق. فالمبدع تدفعه عاطفة والرغبة فى تغيير العالم او ـ و ذاته بادراك بصير ومتفائل بامكانية ذلك ـ كون المبدع حري بامتلاك معرفة من أين يأت الابداع والى اين يذهب ـ ليغيير العالم. 

كاتبة وباحثة من السودان
Ksafwat2001@yahoo.co.uk