يسعى الباحث المصري من خلال تحليله لثلاث روايات حديثة إلى التعرف على السمات التي تميز الرواية الجديدة في مصر والدلالات السردية والجمالية لتناولها للهامش والمسكوت عنه.

الكتابة الجديدة: غواية الهامش ورؤية العالم

يسري عبدالله

المهاد النظري:
يمور المشهد الروائي المصري بتحولات متعددة تشهد لثرائه وتنوعه، وتشير من طرف خفي إلى احتلال الرواية فعل الصدارة في مشهدنا الإبداعي الراهن «وللرواية هيمنة خاصة لما فيها من شمولية الحياة وعنفوانها، ليس فقط في مجال محليتها، بل أيضاً خارج حدود المحلية وتستمد هذه الهيمنة من التفاعل الذي ينشأ عادة بين خصوصية المحلية وعمومية الإنسانية (العالمية)»(1)، فهي ـ  وبحسب جابرعصفور ـ «الجنس الأدبي الأقدر على التقاط تفاصيل الأنغام المتنافرة لإيقاع عصرنا العربي المتغير والتجسيد الإبداعي لهمومه المؤرقة»(2)، ومن ثم فقد «أصبحت ملحمة العرب المحدثين»(3)؛ لكن ذلك لا يعني إقامة تراتبية من أي نوع بين الأجناس الأدبية المختلفة (الشعر ـ القصة القصيرة ـ الرواية)، حيث إن لكل جنس أدبي سماته وخصائصه الفكرية والجمالية المميزة له؛ ومن ثم فإن التعاطي المنهجي الناجع مع مقولة «زمن الرواية» يجب أن يتماس معها بوصفها كاشفة عن الزخم الكامن داخل هذا النوع الأدبي، فضلاً عن الحضور الواعد الذي تتمتع به الآن، أما أن نتعاطى معها بوصفها قادرة على إقصاء الأنواع الأدبية الأخرى فإن ذلك يعد لغطاً لا تقبله الروح العلمية، واستبعاداً لمقولة التنوع الكامنة في «فعل الكتابة»، هذا الفعل المسكون بالاختلاف.

ثمة تصورات مركزية تؤسس للخطاب الروائي وتتعاطى معه بوصفه الطريقة التي تقدم بها المادة الحكائية داخل النص،(4) والمنبئة عن رؤية للعالم، ويمثل هذا الفهم مدخلاً أولياً للكشف عن الإمكانات الواعدة للخطاب السردي، والتي تشي بزخم في الممارسة الإبداعية التي تتعدد بداخلها مناحي الكتابة، وتتنوع طرائقها، باختلاف أساليب السرد وزوايا النظر إلى العالم، ومن ثم تصير الرواية بنتاً للاستمرار والتعقيد ـ بحسب كونديرا ـ وتصير أيضاً ـ في رأيي ـ بنتاً للتراكم الذي يؤسس للمغامرة الجمالية والموضوعاتية اللازمة لأي فعل كتابي حقيقي يطلق الوعي الإنساني ويحرره.

إن حالة الزخم الروائي الحادثة الآن والتي أُطلق عليها من قبل «انفجار روائي»، تبدو الآن متجاوزةً حد الانفجار إلى حيز أكثر رحابة لتصبح ـ في رأيي ـ استجابة جمالية للحظة عالمية فارقة: (العولمة والتوحش الرأسمالي الذي يجتاح العالم ـ هيمنة الشركات عابرة القارات ـ الإمبريالية المقنعة والمرتدية ثوب السيد الأمريكي الجديد)، وللحظة أخرى مجتمعية مأزومة على مسارات متنوعة سياسية وثقافية؛ لنصبح وبإختصار أمام «كتابة جديدة» تتشكل الآن في رحم الإبداع المصري، وتتخلق على مهل، يكتبها مجموعة من الكتاب الجدد الذين يملكون ذائقة مختلفة ورؤية مغايرة للعالم.

ثمة احترازات قائمة من الباحث تجاه استخدام مصطلح «الكتابة الجديدة»؛ وإن كنت ـ وبإيجاز ـ أشير من خلاله إلى الكتابة الراهنة التي تصدر وفق رؤية متصلة بالراهن المعيش، وبالسياقات السياسية والثقافية التي أنتجت هذه الكتابة المرتكزة علي آليات مستمدة من الراهن المعبأ بثقافة لها آلياتها الجديدة ومستمدة كذلك من «رؤية للعالم»، تعد علامة علي نسق رؤيوي «ما بعد تسعيني»، نسق يأتي في ظل سياق سياسي وثقافي  موار ومغاير عن السابق، حيث أرى أن هذا الجيل مغاير في سياقاته وتكويناته السياسية والثقافية عن الأجيال السابقة؛ فهو لم يلتق على حلم، ولم يتوحد حول مشروع كما حدث ـ مثلاً ـ مع جيل الستينيات من الكتاب، حيث كان الحلم الناصري آنذاك إيذاناً بمشروع عربي قومي  الملامح له أثره  الفاعل في صياغة النسق الستيني من الكتابة؛ فهذا الجيل يكتب في ظل سقوط ما يسمى «بالمقولا ت الكبرى»، إنه يعيش في ظل رؤى غائمة، وارتباكات لا حصر لها.

لقد أنتجت الحقبة التسعينية وما بعدها ـ في رأيي ـ لحظة روائية بامتياز، وهذا ما يبدو بارزاً في تلك الموجات  الجمالية المتتالية التي حظى بها فن السرد؛ ولا شك أن السياقات السياسية والثقافية ـ كما ذكرت ـ كان لها دورها المائز والفاعل معاً في هذا التحول، والملاحظ أن الكتابة الإبداعية التي ينتجها هذا الجيل ليست كتلة واحدة، أو بعبارة أدق فإن الكتابة الجديدة لا يمكن النظر إليها ككتلة صماء، بل هي تحوي بداخلها تنوعات مختلفة، ومن النصوص الروائية اللافتة: (بمناسبة الحياة) لياسر عبد الحافظ، (سحر أسود) لحمدي الجزار، (فاصل للدهشة) لمحمد الفخراني، (متاهة مريم) لمنصورة عز الدين، (وقوف متكرر) لمحمد صلاح العزب، (كائن العزلة) لمحمود الغيطاني، (مواقيت التعري) لهدرا جرجس، (كيريا ليسون) لهاني عبد المريد.

وللهامش حضوره البارز في متن الرواية العربية متجلياً عبر تطوراتها المختلفة وحلقاتها المركزية المتنوعة، غير أن ثمة تعاطياً مع الهامش بشكل مغاير في الكتابة الجديدة، حيث لا يمثل فيها مجرد غواية، بل يعد ضرباً في متون الكشف عما وراء الواقع، ومحاولة لاكتناه ما بالداخل الثري للإنسان، إنه "الخوض عميقاً في الواقع، اختراق قشرة سطحه الخادعة غالباً، للوصول إلى ما هو جوهري وأصيل فيه"(5) . والهامش، في «لكتابة الجديدة»، ليس كتلة واحدة، بل يتجلى عبر تمظهرات مختلفة، ومناحي متنوعة، وتسعى هذه الدراسة إلى محاولة استجلاء هذا «الهامش»، عبر صنع مقاربة نقدية لثلاثة من النصوص الروائية الكاشفة عن تنوعات هذا الهامش.

(فاصل للدهشة) وهامش ما بعد القاع
تعد رواية (فاصل للدهشة) للكاتب محمد الفخراني تعبيراً عن نسق كتابي بالغ الخصوصية، «لايكتفي بالحكي عن الهامش»، بل يستبر جوهر هذا الهامش، يغوص بداخله، كاشفا عنه من جهة ومعيدا قراءته، من جديد من جهة ثانية، ليصبح ذلك "الغوص" في «الداخل الهامشي»، وتلك القراءة لواقع «المهمشين الجدد» مناط الجدارة في هذه الرواية. ويمثل العنوان في (فاصل للدهشة) بنية دالة قادرة عي تأدية وظيفة في السياق السردي للرواية، حيث تصبح «لام التعليل» المستخدمة إيذانا بالارهاص او الاماءة إلى عالم يحوي قدرا كبير من المغايرة والاختلاف، عالم جدير بالالتقاط والمتابعة والرصد في ظل تغيرات مجتمعية لافتة تعصف بالثابت من مواضعات، لتحمل وطأة راهنها الخاص..

يبدأ (الفخراني) روايته باستهلال بديع، ينتقل فيه بين الاجنحة المختلفة لمكانه المركزي (العشش)، راصدا لنا ما يدور بداخلها، كاشفا عن تنوعاتها المختلفة، حيث تبرز لنا كل من «عشة هلال" وأمه، عشة بدري، عشة فراولة»:

«إيه حرام أكتر: السرقة ولا الجوع؟؟»

يزعق بها هلال لأمه، يرمي في حجرها فلوسه من بيع المخدرات، ترميها للأرض، يشق قميصه عن صدره وبطنه، يسحب "الخنصر" من جيب الجينز الخلفي يجرح به ظهر ذراعه، يضرب صفيح العشة بقدميه، يسب دين أم المخبر الذي سجن أبيه.. يحلف: عليا الحرام.. هآكل وأشرب وأسكر وأكسب فلوس غصباً عن الحكومة والدنيا بحالها..

(عشٌة هلال وأمه)

أنا عليا الدم.. سيبني الليلة..
يدفعها للسرير، ينزع "كيلوتها".. المنقط بالدم، ينتصب بين فخذيها، يفتحهما، تلكمه في جنبه لكمات يائسة: أنا عليا الدم يا بهيمة.. يمسك عضوه المتشنج، يقحمه فيها بخبطات متسارعة لاهثاً بإسم واحدة من الممثلات المثيرات اللاتي يلصق صورهن بمواجهته على صفيح العشة، يتخيل أن يضاجعهن بدلاً من إمرأته.. موجوعة تسحب طرف الملائة المهترئة تغطي مؤخرته وفخذيها عن إثنين من عيالهما قاعدين في ركن العشة يرقبان المشهد بكثير من العادية..

(عشٌة بدري)"(6).

ولعلنا نلحظ أن هذه البداية لاتحمل ترقيماً مثل بقية الفصول التالية داخل الرواية، حيث يبدأ (الترقيم) بعدها، ومن ثمة فهي تمثل  في رأيي  ما يسمي بالتقديمة الدرامية للنص Exposition، فهي تحوي عرضا للشخوص، وتوصيفا للمكان، وبما يفضي إلى الكتابة عن واقع هؤلاء (المنسحقين)، إن السرد يتدفق هنا ببراعة، وتبدو لغة الحكي حاملة لانحيازاتها الدلالية والجمالية الخاصة، والمغايرة عن السائد والمطروق، وهذا مامنحها خصوصية مائزة تستمد وهجها من قدرتها علي الاجتراح والمغامرة.

ثمة توظيف دال التقنية (التقطيع) السينمائي، تبدو بارزة في استهلال (الفخراني)، وبشكل يشي بانفتاح النص الروائي علي تلك الفنون الأدائية البصرية (السينما/ المسرح) بيد أن الانفتاح يتم بوعي كتابي يتضافر فيه (القرائي) مع (البصري) بشكل دال، وهذا ما يحسب للكاتب في روايته.

ثمة شخوص متعددون، يراوح بينهم السارد الرئيسي Main Narrator في حكية عنهم (بدري/ هلال/ فراولة/ عوض/ نعيمة روبابيكيا/ سماح) وقد مثلت هذ المراوحات مراوغة تقنية منعت تسرب الملل إلى المتلقي من زاوية، وأسهمت في منح السارد الرئيسي حرية الحراك السردي" بين شحصيات متعددة داخل الرواية من زاوية أخرى.

تحتشد الرواية بالتفاصيل، ولذا فان اسلوب «العناوين الداخلية الفرعية» كان أنسب لطبيعتها ذات الزخم الخاص، وهذا ما يبدو بارزا في الفصل الثاني مثلا، حيث توجد به عدة عناوين داخلية (ربما تكون اشارة، حادثتان، هلال/ فراولة/عوض).

يحوي النص قدرا من الأبعاد الفلسفية ذات المغزي، ممثلة ما يسمي «بالميتانص»، فالجنس مثلا  يتم التعامل معه من قبل السارد الرئيسي باعتباره متنفساً عن القهر الداخلي الذي يعانيه شخوص الرواية المعذبون، ولذا فهو يمارس بشرة وشراسة كبيرين من جراء حالة الانسحاق التي يعانيها اولئك المهمشون.

يبدو الفصل الثالث في رواية (فاصل للدهشة) مسكونا بالتقنية، حيث ثمة سارد رئيسي Main Narrator  يتوجه بالخطاب السردي إما إلى متلقي متخيل (افتراضي) أو المتلقي كما نعهده في ادبيات نظرية الاتصال، أو إننا بإزاء خطاب سردي محمول إلى (المروي عنه/ حسين)، ولعل النص مفتوح علي مثل هذه التأويلات الثلاثة رغم انه قد يوهمك للوهلة الاولي بانغلاقه، حيث تصبح (فاصل للدهشة) نصا موصولا بافق أبعد مدي من حياة المهمشين:

«بعد خروجك مباشرة من الباب الرئيسي لـ"محطة مصر" يقابلك مدخل محطة مترو، وكشك زجاجي كبير نسبياً يبيع مكالمات التليفون، البسكويت، السجائر، مقرمشات الذرة والبطاطس، الشيكولاتة و"الحاجة الساقعة" للطلبة والمسافرين: لن تتكلم في تليفون الكشك لأنه يسرقك في الدقائق.. لا تعرف كيف يفعل ذلك.. لن تشتري البسكويت والمقرمشات لأنها لا تشبعك، ولأن الكشك يبيع الكثير من بضاعته بزيادة ربع جنيه عن سعرها الأصلي: لا تعرف لماذا.. لأنه في مدخل المحطة؟ طظ!!»(7)

وفي (الفصل الثالث) ننتقل من «العشش» إلى فضاء اكثر اتساعا (ميدان رمسيس/ نصبة أم حنان/ الشرنوبي/ شرائط السكس/ المجندون الحائرون)، حيث ثمة عالم قائم ومستقل بذاته، لكنه يبقي موصولا بأفق (الهامشي) بعيد المدي. يوظف الكاتب آليات التشيكل الكتابي علي الصفحة توظيفا معبرا، مستخدما علامات الترقيم، والعناوين الفرعية، وحجم البنط الكتابي بشكل بالغ الدلالة.. ثمة اشارة لزمنية السرد في هذا الفصل "رمسيس".. الآن ليس لديك فرصة مع "أم حنان" واصدقائك بعدما نقلوك من ميدان "باب الحديد/ رمسيس" للمتحف المصري الكبير بمنطقة الهرم.. وهذه الاشارة لم تكن اشارة مجانية، بل كانت تعبيرا عن سياق مجتمعي (مأزوم) يعيش تخبطه الخاص، ومن ثم تصير لحكايات الهامش المدهشة مشروعية الحضور في هذا السياق المجتمعي الآسن.

يجعل الكاتب من (فراولة) مسروداً عنه مركزيا "في فصله (الرابع)/ بعد ان يبدأ هذا الفصل باستهلال لافت، يبدو عبره جسد المرأة شبيها اما بالتفاح وإما بالكمثري، ولذا فقد كانت اشارة "ذكية/ بلاغية" من قبل (الفخراني) ان ينتقل للحكي عن (فراولة) ذات الجسد الفائر والاسم المشابه:

«تقول المرأة القديمة..
المرأة الكمثرى أكثر أنوثة وخصوبة من المرأة التفاحة..

"فراولة" كانت "كمثرى" مثالية لكنها لم تنضج ما يكفي لتشتغل راقصة بأحد القوارب العائمة في النيل المخصصة لفسحة العامة والأحبة الفقراء..»(8).

يأخذ السرد في الفصل الخامس منحي جديدا، يبدأ عبره السارد الرئيسي في تقديم شخوصه الآخرين (سماح/ فؤاد) وهما شخصيتان مغايرتان علي مستويي (الوعي/ الطبقة) عن الشخوص المنسحقين الآخرين داخل الرواية. يقدم الكاتب شخصيته المركزية (سماح) تقديما ضافيا، يبدو فيه معنيا برسم أبعادها المختلفة رسما دقيقا، وفق محددات مايسمي بقوي الشخصية الثلاث الفسيولوجية السسيولوجية/ السيكولوجية، فسماح شخصية ثورية لها منظومتها القيمية الخاصة، وانحيازاتها والانسانية الواضحة، وأظن أن الرسم التفصيلي لهذه الشخصية لا يعود إلى كونها الشخصية المركزية في الرواية فحسب، بل لكونها المنوط بها تثوير الواقع او تغييره. ففي الرواية ولع بالتقنية، وادهاش في استخدام العناوين الداخلية، وهذا ما يبدو في العنوان الداخلي اللافت (خاص للرواية من أم سماح).

يتسم السارد الرئيس Main Narrator في رواية (فاصل للدهشة) بكونه سارداً غير محايد، إنه سارد عليم ببواطن الأمور، يحيط بكل شيء قدراً في النص، وهذا ما يبدو بارزا في مواضع عدة داخل النص، حيث يعلق علي الحدث السردي أو يضيف إليه كما في صفحة 97 علي سبيل المثال.وتبدو المقاطع الخاصة بشخصية (حسين) حاملة لتنوع سردي دال داخل الرواية، حيث يصير (حسين) مسرودا عنه/ ومسرودا له، في الآن نفسه، ولعل (حسين) شخصية تتسم ببعض الاختلاف في سياق (المهمشين)، فهو يملك ابعادا انسانية ضافية، منحها له محيطة الحميمي الموصول بأخته أمينة "أمينة كحليب الامهات" وهو  كشخصية روائية  يبدو حاملا لهذا التواشج بين (الحياد) و(التورط)، مقارنة بالشخصيات المهمشة الاخري داخل الرواية.

وتتوازي الصورة المشهدية مع الصورة السردية في المقطع الدال الذي يضرب فيه   أحد المهمشين (بدري)  الصحفية الثورية(سماح)، لتبدو (المفارقة الدرامية) عنصرا أصيلا في هذه الرواية.

واذا كانت اللغة في هذه الرواية هي ذاتها لغة الواقع المعيش الذي يحياه شخوص النص، فإنها لاتكتفي بأن تعكس تشوهات هذا الواقع او تعبر عنه تعبيرا، دالا، بل انها لغة لها منطقها الجمالي الخاص، الذي يغاير في طبيعته وآليات استخدامه عرامة اللغة الكلاسية.. في (فاصل للدهشة) تبدو بعض ملامح (الكتابة الجديدة) بارزة إلى حد كبير، سواء عبر انفتاح الرواية علي فني (السينما) و(المسرح).. كما أشرت، أو في استخدام لغة ذات طبيعة خاصة، لا يتم التعامل معها باعتبارها غاية في حد ذاتها، بل ينظر لها باعتبارها (وسيلة) في المقام الأول، هنا لم يكن (الهامش) كلاً مصمتا، بل كان حاويا لتنوعات مختلفة، تعبر جميعها عن أفق كتابي بالغ الجسارة، وبالغ الوهج ايضا.

(وقوف متكرر) والهامش المسكون باللحظة الراهنة
في روايته (وقوف متكرر) يطرح الكاتب محمد صلاح العزب تجربته السردية الخاصة. كاشفا عن صوت سردي مميز، خاصة بعد أن أنضجته التجربة السردية  أوتكاد ، وأضحي سائرا بخطي إبداعية واعية، فبعد عمليه السابقين: (لونه أزرق بطريقة محزنة) ـ المجموعة القصصية التي رصدت ملامحها من قبل في أخبار الأدب ـ، وروايته الأولي (سرداب طويل يجبرك سقفه علي الانحناء)، لايكتفي العزب بإضافة كمية لنصوصه الإبداعية، بل ينحو تجاه التأسيس لمشروع سردي بالغ الخصوصية. حيث تبدو ملامح النضج ومؤشرات الوعي بالعالم مبثوثة هنا في تضاعيف الرواية.

«وقوف متكرر» ثمة عنوان دال يصدر به الكاتب روايته، يصبح مؤشرا علي فحوي الرواية، كاشفا عن هذا الحراك المتخبط، والموسوم بالتوقف دائما. تتشكل الرواية من عدد من الفصول المعنونة بعناوين فرعية دالة والحاوية إما لإشارات زمانية (التحرك 10صباحا)، أومكانية (مدينة السلام/ مدينة نصر)، أو موضوعاتية (قانون جديد) أو علاماتية (انتبه من فضلك السيارة ترجع إلى الخلف) وهذه الفصول الروائية مقسمة بدورها إلى مقاطع سردية تتسم بطابع أكثر ديناميكية، حيث تبدو حرية الحراك السردي (الزماني والمكاني) بارزة إلى حد كبير في هذه الرواية..

يهيمن السرد بضمير المخاطب علي مقدرات الحكي داخل النص، وذلك بدءا من الاستهلال الشجي في مقدمة الرواية، وحتي الخاتمة الدالة نهايتها. تبدأ الرواية باستهلال سردي بديع يحمل شجنه الخاص:

«ستدعوهم كلهم إلى هنا: أباك، وأمك التي قالت في البداية "يعني إيه عازب يسكن لوحده يعني؟!"، وهزت رأسها باستنكار، وأخاك، وأختك، وهند بنت خالك التي وافق أبوها بشكل مبدئي علي الارتباط ستفاجأ بها بعد ذلك طارقة الباب عليك دون أي إشارة سابقة لاحتمال مجيئها، ستري الأنثي الوحيدة التي نجحت في تسريبها إلى هنا معك بالداخل، فتنزل باكية وينتهي كل شيء»(9) . ولم يكن الاستهلال هنا مجرد تقديمة للرواية، بل حوي ملخصا لمحتوياتها، حيث ثمة توظيف دال لتقنية "الاستباق  والتي يتم عبرها الإشارة إلى أكثر من واقعة ستحدث بعد اللحظة الراهنة (رؤية هند لابن خالها مع المرأة التي قرر مضاجعتها) علي سبيل المثال.

يقدم الكاتب شخوصه متكئا علي إقامة سياق (اجتماعي/ نفسي) يتحركون فيه، هذا السياق كان كفيلا برصد نوازعهم الداخلية، وهذا مايتجلي لا علي مستوي الشخصيات المركزية في الرواية (محمد إبراهيم/ محمد عبد المنعم)، بل حتي علي مستوي الشخصيات المساعدة (سعيد مغرفة)، حيث تصبح الإشارة إلى الأثاث المتهالك لمنزل (مغرفة)، والنصية علي امتلاكه أذنا مفلطحة تشبه المغرفة، تصبح هاتان الإشاراتان كافيتين لاكتناه هذه الشخصية والوقوف علي عوالمها الداخلية، وعلي الرغم من أن التوصيفات للشخوص داخل الرواية تبدو عابرة إلى حد بعيد، إلا تظل معبرة ودالة، إنها  في ظني  قدرة التعبير عن الاشياء وعبورها في الآن نفسه. وتتداخل الأزمنة في الرواية متراوحة بين زمن القص الراهن، والتوظيف الدال لتقنيتي الاستباق (المشارإليها سابقا)، والاسترجاع والمتسمة هنا بقدر عاصف من الحنين المشوب بنظرة تحوي بكارتها الخاصة:

«لاتذكر من أيام شبرا الخيمة سوي القطار، والمؤسسة، وصوت مصانع النسيج في مرورك اليومي إلى المدرسة، والبنت مني أحمد التي ظللت تحبها حتي نهاية الخامس الابتدائي، تتبادلان النظر والابتسام طوال الحصص، والتي خاصمتك لأنك وشيت بها عند مدرس الرسم؛ لأنها لم تحضر ألوانها، ولم تقف لتضرب مع كل من لم يحضر ألوانه، فظلت تبكي طوال اليوم عندما ضاعف لها الضرب (8 عصيان)، وسامح كل الباقين وأنت منهم. تذكر أيضاً سعيد مغرفة والذي أسماه الأستاذ سليمان الورداني ذلك لأن له أذناً عادية، وأذناً مفلطحة تشبه المغرفة»(10) . وعبر التداخل الزمني يستعيض السرد عن تصوير الحياة باعتبارها مشاهد متتابعة ويسمح لنا بالربط بين أحداث منفصلة عن طريق استخدام علاقات متعددة كالسببية مثلا، أو تقنيات متنوعة كالمفارقة، وهذا مايبرز في الرواية تماما، سواء في استخدام (الاستباق) كما حدث في (الاستهلال) الذي تبدأ به الرواية، وفي استخدام الفلاش باك في أكثر من موضع داخل النص.

تتكيء الرواية علي (المفارقة) بتنوعاتها (اللفظية الدرامية) وبشكل يشي بقدرة الكاتب علي التقاط الاشياء والتعبير الدال عنها. تمثل اللافتات جزءا من نسيج النص السردي مانحة إياه أفقا جديدا، وممثلة  في مواضع منها  مايسمي ب"النص المصاحب" وتبدو النهاية في هذه الرواية مصنوعة بحرفية ووعي كبيرين، يحمل فيها الكاتب هاجسه المركزي حتي جملته السردية الاخيرة، فالطفل الواقف في النافذة محركا لعبته حتي سقوطها، ثم انتظاره في مكانة غيرقادر علي النزول، تحيلنا إلى المشهد الذي تنكسر فيه لعب (المسرود عنه) أمام عينيه وهو لايخرج أيضا، وكأننا بإزاء عود علي بدء، فيضيف عمقا للنص، ويشعرنا أننا أمام حلقة مفرغة يدور فيها الشخوص المعذبون، المتسمون بعدم القدرة علي الفعل، فالكاتب هنا لايوقف شخوصه علي حافة الفعل لأنهم منسحقون، يعيشون أزمنة الاستلاب العولمي. ثمة توظيف لمواضعات البلاغة العربية، وهذا مايتجلي حينا في اللغة، أوحتي في استخدام (بلاغة الحذف) كما في العنوان الداخلي (التي وافق أبوها بشكل مبدئي علي الارتباط)، والتي نعرف أنها (هند) ابنة عمة (المسرود عنه) المركزي في الرواية، وهذا التواصل مع الموروث السابق يميز (العزب) مع عدد من أبناء جيله.. تحمل اللغة مدها الشعري الخاص (وهذا يبدو في المقدمة مثلا)، كما أنها لغة واصلة في رأيي بين مستويات متعددة، بدءا من استخدام المستوي الكلاسي الفصيح، مرورا بالعامية المصبوغة بنكهة الراهن الخاصة، يحياه الكاتب وجيله ( استخدام لفظة (مُكْنة) مثلا:

«في البداية كان منعم يشجع فكرة الغرفة لتجدا "مُكْنة" مناسبة، لكن هنا يستحيل أن تصعد أي واحدة، فظل يخبطك في جنبك حتى تنزلا، لكنك رأيتها أفضل الغرف التي تفرجتما عليها، كما أن السمسار قال قبل أن تصعدوا: "بص يا أستاذ ده آخر أوضة هفرجكم عليها.. ما عجبتكمش هاخد حسنتي زي ما تكونوا سكنتوا بالضبط.. أنا بقالي أسبوع دايخ معاكم»

يكتب السمسار عقداً ملفقاً في ورقتين فلوسكاب، فتوقع أنت على الورقة التي ستأخذها صاحبة البيت وترفض هي أن تبصم على الورقة التي ستأخذها أنت، تحرك يديها للسمسار بطريقة بذيئة، وتقول: «دا أنا صاحبة ملك». لم تهتم لأنك لم تدفع أي مقدم وظلت حركتها وكلمتها كإفيه تستدعيانه أنت ومنعم بعدها. تعطي السمسار خمسين جنيهاً فلا تعجبه، فيعطيه منعم عشرين أخرى، فيقول «انتوا تأمروا يا أساتذة في أي وقت.. ومن غير فلوس خالص»(11) .

في (وقوف متكرر) يحكي الكاتب مستخدما السرد بضمير المخاطب، والذي أتاح للسارد الرئيسي قدرة واعدة علي اقتحام (الداخل الانساني) في محاولة إبداعية بدت أكثر نضجا من نصيه السابقين، سعيا لاكتشاف جوهر العالم وفق المحددات والاشتراطات التي يعيشها شخوص مهمشون، هنا يقبض (محمد العزب) علي لحظة السردية، متدفقا حكيه ببراعة كبيرة، مكسونا بالموهبة، وإن كان عليه أن يتخلي عن نظرة الدهشة التي تلازم سارده الرئيسي  أحيانا  بإزاء تصاريف هذا العالم حتي يمكنه كشف المخبوء لا بمزيد من الجسارة فحسب، بل بمزيد من الوعي أيضا.

(كائن العزلة) والهامش  المتجلي عبر الممارسة الثقافية
عنوان يحمل معنى إشارياً دالاً على الشخصية المركزية في الرواية؛ ذلك (الرواي/ البطل) الغارق في عزلته الخاصة، إما هرباً من سطوة الواقع، وإما إحساساً بعدم الجدوى، مكتفياً بحاسته النقدية البارعة في إلتقاط ما دون السطح، حيث تتحول الكتابة لرؤية ما لا يرى بالعين العابرة. ويصبح تعرية الواقع الثقافي تحديدا ـ وكشف زيفه وسيلة رئيسية في التعاطي مع هذا العالم، بل وأداة ناجعة لمقاومة القبح السائد؛ ومن ثم كان هذا التكسير من قبل (الراوي/ البطل) للحد الفاصل بين الواقعي والافتراضي، بين الماثل والمتخيل.. (فرأينا إشارة إلى أحد الشعراء فضلاً عن الأماكن الحقيقية: وسط البلد بزخمها، شارع 26 يوليو، ميدانا الأوبرا وطلعت حرب).

إن الراوي يعيش حالة وله مع المكان، يتواصل معه، يؤنسن كل ماضيه، وحين يستشعر أن هذا المكان فقد بكارته إما بفعل المتثاقفين، أو بفعل الفوضى الجمالية التي حدثت فيه. حين يحدث ذلك فإنه يغادر منطقة الواقع إلى منطقة الحلم.. (يجلس في إكسلسيور ويقابل رجلاً يصطحبه معه في شوارع وسط البلد) قصة الرحلة شائعة في أدبيات الحكي العالمي.

ينقسم النص إلى ستة أقسام:(غسق التأودات ـ لينا ـ شطحات لحظية ـ توق ـ إكسلسيور ـ الهزيع الأخير). ويلاحظ أن (غسق التأودات) يصبح مقدمة للحكي عن (لينا) والمعنون باسمها الفصل الثاني، كما أن (شطحات لحظية) ـ الفصل الثالث ـ يعد استمرارا للحكي عنها، ومن ثم فإن (لينا) تعد من الشخصيات المركزية في النص، فهى مهوى القلب، والكائن الوحيد القادر على إخراج (كائن العزلة) ولو للحظات من تأملاته الذاتية: "كنت قد تعرفت على لينا منذ وقت ليس بالطويل، كنا في شهر ديسمبر بلذعته القارصة، حيث تنقلب الطبيعة على ذاتها، مفرغة كل ما في جوفها من غضب على الإنسان. كانت السماء قد أظلمت قبيل المغيب حتى أنك لتظن أن الوقت قد انتصف ليله، وكانت حركة السحب السريعة التي حبلت بها السماء ستدل على أنها ستكون إحدى الليالي الممطرة التي تظل فيها السماء ترعد غاضبة طوال الليل، لتسكب كل ما في جوفها من مياة كي تترك العالم ذات صباح وقد غسلته تماماً من أدرانه القذرة التي نصنعها بالطبيعة الصافية"(12) . في (توق) يصبح إكسلسيور مكاناً مركزياً. وحين تشتد نوستالجيا الراوي، يرتد عبر الحلم إلى الماضي القريب (واقع ما قبل الثورة). في (إكسلسيور) يقابل لينا ويستمر في الحكي معها وفي الغرق في الآن نفسه في ذات تأملاته التي تشي بعزلته الأبدية.

يقوم النص على السرد الذاتي الذي يضفي فيه الراوي مشاعره على الأحداث، ويتواءم هذا مع ذلك الرواي العليم المهيمن على الرواية. وتتعدد التقنيات في (كائن العزلة) ولعل من أبرزها التوظيف الدال لتقنية (الحلم )والتي تعد من التقنيات المركزية في هذه الرواية، كذلك يمثل (الحوار) أحد أهم أساليب الرؤية السردية في (كائن العزلة)؛ وهومصنوع بالعربية الفصحى؛ ويتسم الحوار حيناً بتقليدية، وحيناً آخر بطزاجة من نوع خاص.

ثمة قدرة على الحكي الذي يسلم بعضه إلى بعض، ف (غسق التأودات) مثلا يفضي بنا إلى الحكي عن( لينا) بشكل منطقي، وكأننا أمام مقدمة تؤدي إلى نتيجة. و يمتزج (السياسي) بالفني، ويطرح على خلفية الرواية، متواشجاً مع المشهد اليومي الحياتي فيبدو وكأنه (سر العزلة) البادية: "تومئ برأسها موافقة بينما الموسيقى المميزة لموجز الأنباء ترتفع من التلفاز الكائن خلفي، أقوم لأجلس جوارها كي أرى الموجز، يتماس فخذها المجاور لي بفخذي فتستعر داخلي رغبة  لا تريد أن تفارقني، أرتاح لملمسها فأترك فخذي ترتاح على فخذها، يلقي المذيع خبر التهديد الأمريكي للعراق بالحرب إذا لم تسلم كاشفة عن أسلحة الدمار الشامل، يا لذلك البوش المتعجرف البغيض، يبدو وكأنه امتلك العالم ليحركه كما يهوى، أو كما يحرك تماماً قطع الشطرنج. أسمعها تقول: هذه الأسلحة الضخمة التي يتم شحنها للخليج كافية أن تبيد منطقة الشرق الأوسط بأكملها وليس العراق وحده"(13) .

ويبقى القول إن العالم المتخيل في النص محدود، حيث تنتفي قدرة النص على صنع التخييل لدى المتلقي، لتحل محلها الرغبة في إقامة عالم موازي للعالم الواقعي، يضاهيه ولا يماثله، يقترب منه كثيراً وينقصل عنه عبر لغة مشحونة بدوال متعددة.

(كائن العزلة) رواية تعري الواقع المصري وتكشف زيفه، صرخة إدانة بإزاء هذا العبث الذي نحياه، يتم فيها استحضار الحلم عبر (لينا) هرباً من قسوة الواقع.

شهادة لابد منها:
كان العرب يقولون إن الرائد لا يكذب أهله، وهكذا الناقد يجب أيضاً ألا يكذب أهله، فهو قاض نزيه ومحايد لا يدلس ولا يروج لنص ضعيف، ومن ثم فقد آثرت الإشارة في أول الدراسة إلى جملة من الروائيين الجدد الذين يملكون حقاً ـ لا ادعاءً ـ قدرة واعدة على تخليق مشاريع سردية، فـ "ممارسة النقد لا تعني البتة ـ كما يقول إدوارد سعيد ـ إضفاء مسحة من الشرعية على الوضع الحالي"(14)، ولذا فإن الناقد الآن عليه أن يعي دوره جيداً وأن يتعامل بروح علمية صارمة وبنزاهة موضوعية لا تعرف الزيغ أو الهوى، حتى لا نضع البيض كله في سلة واحدة ونفاجأ بأن ثلة من النصوص الرديئة تحاول أن تصنع رواجها الخاص، بعيداً عن الموهبة والمغامرة التي يجب أن تسم كل كتابة جديدة/ مغايرة، ومختلفة.

وبعد تمثل (الكتابة الجديدة) مشروعا سرديا خلاقا، يحتفي بالتعدد، ويتسم بانفتاح النص السردي علي أفق مغاير، أفق تتنوع بداخله مناحي الكتابة وطرائقها، غير أن هذا الأفق يظل مشروطاً بالجدارة الإبداعية ـ ولا شئ سواها ـ، والتي تجعل من (النص) وحده طريقاً للمتلقي. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ د. محمد شاهين، آفاق الرواية: البنية والؤثرات، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2001، ص. 9.
(2) ـ د. جابر عصفور، زمن الرواية، مكتبة الأسرة، مصر، 2000، ص. 18.
(3) ـ المرجع السابق نفسه، ص.19.
(4) ـ راجع: سعيد يقطين: تحليل الخطاب الروائي، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، 1989.
(5) ـ د. جهاد عطا نعيسة، في مشكلات السرد الروائي، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2001، ص. 320.
(6) ـ محمد الفخراني، فاصل للدهشة، الدار للنشر والتوزيع، ط1.، يناير 2007، ص. 5 ـ 6.
(7) ـ المصدر السابق نفسه، ص. 45.
(8) ـ المصدر السابق نفسه، ص. 61.
(9) ـ محمد صلاح العزب، وقوف متكرر، دار ميريت، ط1، 2006، ص.6.
(10) ـ المصدر السابق نفسه، ص.13.
(11) ـ المصدر السابق نفسه، ص. 9.
(12) ـ محمود الغيطاني، كائن العزلة، دار سنابل، ط1، 2006، ص.13.
(13) ـ المصدر السابق نفسه، ص. 43.
(14) ـ راجع: إدوارد سعيد، العالم والنص والناقد، ترجمة عبد الكريم محفوض، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2000.