يمثل الشاعر المغربي محمد الميموني نبض القصيدة المغربية الحديثة في صيرورة تشكلها الى اليوم، وفي قصيدته هاته يفسح لصوته متاهة التقصي حول شروخات الذات المتخنة بويلات العصر..

جزيرة التناسي

محمد الميموني

حظ
ـ محظوظ ٌأنتَ
قدْر ما لديكَ من مهارة التناسي
ألا تَدُلني،
إنْ كنتَ ذاكرا،
على طريق يَلْتوي
بعيدا عن مستنقع كريهٍ
لا يَمتصه النسيان؟
ـ فَنُّ التناسي
ليس إلا يُسرا بعْدَ عُسْرٍ
هذا كل ما يقول العارفون،
كَمْ زوْرقا جرى وفي أعقابهِ
إعصارُ العُسرِ
قبل أن يُتيح البحرُ
بابَ الأرخبيل
ويلجأ الناجون من دوامة الذكرى
ومن شواظ نار النَّدم المَرير
كل إلى جزيرة ٍ
ثمارُها يُسر ٌ
وذكرياتُها نسيان.
أما أنا
فلم أكسب كبيرَ علْمٍ
لم أصادف حِيلة ً
أغري بها التناسي.
قل لي
إن كنتَ ذاكرا
من أين آتي هذا الأرخبيلَ
المتجددَ المأهولَ بالتناسي
حيث الزمانُ حاضرٌ ملموسٌ
ومستقبَلٌ مشهود.


يقظة
ها أنا أتحَول أو أتبدل أو أتغيّرْ
وأصير صدى أرجوان المساءْ
حين يرقص فوق ذُرى جبلٍ
لمعانٌ خفيفٌ
ويكتب آخِرَ فاصلةٍ
من قصيدة ذاك النهار.
قد تُعاكِسنا لحظة ٌصادمة
قد تُصادِفنا صخرة ٌوتسد المسالكَ
في وجهنا
قد نضل وتعْشى بصائرُنا
عن شعاع قريب
فتأتي الحياة بعُدَّتها
وتَقيسُ بها السائلَ القِرمِزي ِ
الذي يتدفق من نَبْعها
في معادلة
هي تعرف كيف تحُل مجاهلَها
وتصارع بالروح
حتى تُعيد إلى الروح نبْضتَها الهاربة
وتقول لها
تابعي الآنَ سيْركِ راضية ً
وسيُوجعك السيرُ حيناً
إذا ما تأملتِ كل مساءٍ
وميضاً يضيق رويدا رويدا
على نقطة الأرجوان
ويسحبها من صحيفة ذاك النهر.
ولكنها لا تبوح بسر معادلة
الروح والسائل القرمزي
الذي يتدفق من نبعها!
ـ . ـ
يُباغتني البرقُ
يبهرني كلَّ حينٍ
كأن السحابة َ
ـ وهي سليلةُ ماء ـ
حديثةُ عهد بقدْح الزنادِ
ولم تنفجر قبل هذا الأوانِ
لتمْلأ ما حولَها شرَراً كالجبالِ
يضيق به بغتةً
ملءُ ما بين مِلْح البحار
وماء السماء.
حسبتُ عبورَه مثل سحابة صيف
تَمُر بجانب نافذتي هَشةً
في طريق التلاشي
وكان حسابي قصيرا
على وسْع نافذةٍ
لا ترى من لهيب السماء
سوى شمعة باهتة.
فكيف يفاجئني البرقُ
في كل عاصفة
وهو في أسْرة النار جَدٌّ قديم!

يوليوز 2008م